الخطر الإيراني على العراق

د. ثامر العلواني([1])

إن الحديث عن الخطر الإيراني لم يكن وليد العقدين الماضيين؛ وإنما على مر العصور كان خطر الدولة المختلفة في إيران (بلاد فارس) يهدد ويداهم العرب والمسلمين. ولم يتوقف هذا الخطر؛ إلا أنه يزداد وينقص بحسب قوة الدولة في إيران وضعفها؛ وأنشطتها في المنطقة؛ فعندما جاء الإسلام ازداد خطر (الدولة الفارسية) على المسلمين وشنت المعارك تلوى الأخرى ضدهم، وكان فتح العراق نقلة نوعية كبيرة لصالح المسلمين ضد الفرس؛ لأن الحُدود الطبيعيَّة ما بين الدولة الإسلاميَّة الفتية، والفُرس بدأت بفتوحات العراق. وكان النصر في غالبه حليفا للمسلمين إلى أن فتحت بلاد فارس كلها.

ثم تحول الخطر إلى الجماعات الباطنية التي أخذت تنخر جسد الأمة من الداخل، فكانت بلاد فارس مرتعا للفرق الباطنية التي أضرت بالأمة والدولة من الداخل حتى أنهكتها، وصولا إلى الدولة الصفوية وخطرها الكبير ثم الجمهورية (الإسلامية) الإيرانية.

ولن نخوض كثيرًا في التاريخ لإثبات الخطر الإيراني في القرون الماضية، ولكن الخطر الإيراني على العراق والدولة الإسلامية لم يتوقف وما نراه اليوم من تغول إيران وميليشياتها وأذرعها في الدول الإسلامية والعربية هو امتداد للمشروع الصفوي الدموي الذي يحمل الأفكار الهدامة التي تتستر وتخبئ خبثها بحب (آل البيت) -رضي الله عنهم-؛ ولذلك فالحديث عن خطر المشروع الإيراني من ضرورة الوقت حتى لا ينخدع أحد بالكلام المعسول؛ ولا سيما أن خطر إيران على المنطقة وشعوبها يكبر يوما بعد آخر لامتلاكها المال والخطاب المزدوج الذي يتحالف مع الغرب سرا وعلانية واعترافات بعض قادتها بمساعدة أمريكا في احتلال العراق باتت تملأ الأسماع وهي ظاهرة على الملأ، فضلًا عن استخدامها العنف والقتل وسفك الدماء وسائل لتوسيع نفوذها في المنطقة؛ ولأن بلدي العراق أصبح ضحية الخطر الإيراني أحببت أن أضع بين أيديكم أبرز معالم الخطر الإيراني على العراق، وإلى أي مرحلة خطيرة وصلت.

أولًا: حقيقة الصراع الأمريكي الصهيوني الإيراني

كما تعلمون فإن نظام الحكم في إيران يخضع لفكرة (ولاية الفقيه) التي أقرها الخميني، و(الولي الفقيه) الآن هو (علي خامنئي) فالنظام في إيران يخضع لرؤية هذا الشخص أو من سيأتي بعده، والدستور الإيراني ينص في مادته الخامسة على أن: ولاية الأمة في ظل استتار الإمام الغائب تؤول إلى أعدل وأتقى وأعلم رجل في الأمة ليدير شؤون البلاد؛ فمرشد الثورة هو الذي يحتل منصب ولاية الفقيه، وقد منحه الدستور الإيراني السيادة السياسية والدينية، ويعد أعلى سلطة في البلاد، وهو من يعلن الحرب والسلم وصلاحياته واسعة جدا. ومعلوم أن إيران هي صاحبة فكرة تصدير الثورة إلى الدول العربية والإسلامية، وإرغام الناس عليها وهذا ما يحصل في العراق.

وربما انخدع بعضهم بشعارات النظام الإيراني التي تظهر العداء لأمريكا والكيان الصهيوني والغرب؛ ولكن الحقيقة خلاف ذلك؛ وألفت الانتباه هنا إلى قضيتين مهمتين في هذا الجانب، يمكن من خلالهما فهم الصورة الكاملة.

الأولى: ما أكده عدد من الدارسين بعد دراسة مستفيضة في المناهج التعليمية والتربوية في المدارس الإيرانية؛ تؤكد أن إيران في مناهجها التعليمية تجسد العرب بالعدو الأبدي لها وليس الكيان الصهيوني ولا الغرب، وتجعل صراعها مع العرب عسكريا وجغرافيا وأمنيا؛ بل إنها توسع الصراع حتى يشمل الجانب التربوي والثقافي، ويؤكد العتوم أن إيران في مناهجها الدراسية تشوه صورة الإنسان العربي وتصفه بأبشع الأوصاف، مع الانحياز إلى القومية (الفارسية)، وتنسجم مناهجها مع الثورة وتوجهاتها المذهبية([2]).      

فهل يا ترى هناك خطط إستراتيجية فاعلة لمواجهة هذا التثقيف، وهل هناك مطالبات من الدول العربية لإيران بإعادة النظر في مناهجها العدائية ضد العرب. ولماذا هذا الصمت الغريب على هذه السياسية المنهجية المضرة بعلاقات إيران مع جيرانها العرب. إذن خلاصة ما يخرج به الطالب الإيراني من حصيلة عن العرب هو: أن معتقداتهم خطأ، وثقافتهم بائسة، وأنهم العدو الأبدي للفرس وإيران.

 ثانيًا: تعاون أمريكا والكيان الصهيوني مع إيران في حقبة الخميني:

كانت الثورة الإيرانية ترفع شعار معاداة الشيطان الأكبر وتحرير القدس، ومن يتابع الحرب الإعلامية بين إيران وأمريكا والكيان الصهيوني سيتصور للوهلة الأولى أن هناك عداءً وصراعًا محتدمًا بينهم، وعزز هذا التصور احتلال السفارة الأمريكية في طهران وأزمة الرهائن، والحصار الجزئي الأمريكي على إيران، ويمكن أن يُعذر أصحاب هذا التصور قبل احتلال العراق وأفغانستان، بسبب الخلافات بين الطرفين أو أن المؤشرات تذهب بهذا الاتجاه، ولكن في العقدين الأخيرين أظهرت الدلائل والشواهد العملية الكثيرة، أن هناك تعاونًا مشتركًا بين هذه الأطراف الثلاثة وتخادم واضح بينها، وإذا قورن هذا التعاون مع القضايا الخلافية سيترجح بما لا يقبل الشك أن العلاقات بين هذه الأطراف وطيدة وممتدة([3])، ومن الدلائل على ذلك:

ما جاء على لسان شاه إيران الأخير (محمد رضا بهلوي) في مذكراته؛ حيث ذكر: إنه في أوائل يناير (كانون ثاني) 1979م، وصلني خبر مفاجئ أن الجنرال هويزر نائب قائد القوات المسلحة الأمريكية موجود في طهران منذ عدة أيام، وهو لا يزور طهران أو يلتقي بي إلا لمسائل هامة، ولكنها كانت زيارة سرية ولا علم لي بها، وعندما استفسرت من قادة الجيش تبين أنهم لا يعلمون بالزيارة أيضا، وفي هذا الوقت ذكرت الصحف السوفيتية أن الجنرال هويزر في العاصمة الإيرانية طهران لتجهيز انقلاب عسكري. ويذكر الشاه أيضا أن الاتصالات الأمريكية كانت مع مهدي بازركان الذي اختاره الخميني ليكون رئيسًا لأول حكومة في إيران بعد حكم الشاه([4]).      

ومنها أيضا: ما عرف في وقتها بفضيحة: (إيران غيت أو إيران كونترا) وينسب اسمها إلى صفقة سرية لبيع الأسلحة بين أمريكا وإيران بوساطة الكيان الصهيوني، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأمريكية لها "عدوة لأمريكا" و"راعية للإرهاب".

فقد كُشفت معلومة تصدير السلاح من الكيان الصهيوني إلى إيران في (18/7/1981م)، بعد أن أسقطت الدفاعات السوفيتية طائرة أرجنتينية تابعة لشركة أروريو بلنتس، وهي واحدة من سلسلة طائرات كانت تنتقل بين إيران والكيان الصهيوني محملة بأنواع السلاح وقطع الغيار، وكانت الطائرة قد ضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية. وقد نشرت صحيفة التايمز اللندنية تفاصيل دقيقة عن الجسر الجوي المتكتم عليه بين إيران والكيان الصهيوني، وقد انكشف للعالم حينها أن سيلًا من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر الكيان الصهيوني إلى طهران. وينص الاتفاق السري بين أمريكا والكيان الصهيوني وإيران التي كانت تخوض آنذاك حربًا ضد العراق على تزويد طهران بأسلحة متطورة، تشمل قطع غيار طائرات، وآلاف الصواريخ المضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات. وهناك تقارير تؤكد أن نسبة (80%) تقريبًا من الأسلحة التي اشترتها طهران في حربها ضد العراق وصلت عن طريق الكيان الصهيوني([5]).

وبلغة الأرقام يؤكد المؤرخ الصهيونيي يعكوب هيخت المحاضر بجامعة حيفا، وخبير العلاقات الدولية والأسلحة النووية وتاريخ صراعات الشرق الأوسط: "أن إسرائيل باعت أسلحة لإيران في أعوام (1980-1986م)، بما يزيد عن (2.5) مليار دولار، وفي تقديرات اليوم فإن هذا مبلغ يزيد عن (6) مليار دولار"([6]).

وتم الاتفاق على هذا الأمر وقتها في باريس بين جورج بوش الأب، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ريغان، ورئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر والجانب الصهيوني.

والحقيقة التي اعترف بها الكيان الصهيوني هو أن انتصار إيران في حرب الخليج لا يضر به ولكن التخوف هو إذا انتصر العراق، ولذلك صرح ديفيد كيمحي أحد قادة الموساد: "بأن العراق دولة عربية وكان لدينا تخوف من انتصارها ضد إيران، وأمن إسرائيل كان مهددًا وشعرنا أننا قد نفعل كل شيء لمنع العراق من الانتصار في الحرب على إيران، وكنا على يقين بأن الأسلحة المقدمة من جانبنا لإيران لا يمكن أن تستخدم يومًا ضد إسرائيل"([7]).

فـالتخادم الأمريكي الإيراني واضح بين الطرفين، ويمكن القول: إن التحالف الإستراتيجي بينهما أضحى حقيقة، أما الخلاف بينهما على الملف النووي فهو طبيعي في عالم السياسة خصوصا في ظل التسابق على الصراع على المنطقة، ومحاولة تحقيق أعلى قدر من المكاسب على حساب الطرف الآخر.

ثالثًا: تعاون إيران مع أمريكا لغزو واحتلال العراق

خطر إيران على العراق لم يتوقف؛ بل ازداد في الغزو الأمريكي على العراق، ولم يظهر بشكل واضح وفاضح إلا بعد اكتمال الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وهناك اعترافات صريحة وموثقة من مسؤولين إيرانيين تؤكد تعاون إيران مع أمريكا في احتلال العراق، ومنها ما قاله محمد أبطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي: من إن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حروبهم ضد أفغانستان والعراق؛ ولولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة.

ثم كرر رفسنجاني رئيس (مجلس تشخيص مصلحة النظام) هذا المعنى في الإطار نفسه عندما قال: لولا إيران لما سقطت كابل وبغداد.

والتعاون أيضا كان عن طريق تحريك الأحزاب الموالية لإيران وميليشياتها في خدمة الاحتلال الأمريكي، مثل: المجلس الأعلى، وحزب الدعوة، وفروعهما، وغيرهما، وبسبب ذلك نالت إيران حصتها من احتلال العراق. وبهذه التصريحات يمكن أن نقول: إنهم تحالفوا مع ما يسمونه الشيطان الأكبر من أجل احتلال العراق، وكانوا يصفون النظام العراقي قبل الاحتلال بالنظام المرتد عن الإسلام، وفي الوقت نفسه أقاموا حلفا مع النظام في سورية وهو نظام يتفق مع النظام العراقي في التوجه الحزبي أيضا؛ لكنهم يصفونه بالمؤمن([8])!.

وقد اعترف بعض المسؤولين العرب في تصريحات لهم بأن أمريكا تسعى لتسليم العراق إلى إيران؛ ومن هذه التصريحات تصريح وزير الخارجية السعودي (سعود الفيصل) الذي قال فيه: "إن أمريكا قدمت العراق لإيران على طبق من فضة"([9]). وقد حذر من هذا الخطر أيضًا ملك الأردن (عبد الله الثاني)([10])، ونشرت جريدة السياسة الكويتية بتاريخ: (3/3/2006م) عن السيد عبد الله جول وزير الخارجية التركي تحت عنوان: تركيا تحذر من مخطط إيراني للسيطرة على العراق وتصدير الثورة إلى الخليج([11]).

رابعًا: تعاون إيران مع أمريكا في فرض العملية السياسية

ومن أخطر ما فرضه الاحتلال في العراق ورسخته إيران عن طريق أدواتها في العراق من الأحزاب والميليشيات وعدد من المرجعيات الدينية، هو العملية السياسية البائسة التي قسمت الشعب العراقي تقسيما طائفيا وعرقيا مقيتا وبدأ ذلك بما سمي بـ (مجلس الحكم الانتقالي)([12]) الذي أعطى الأحزاب الطائفية التي جاءت مع المحتل الأمريكي وساعدته بتوجيه إيراني من احتلال العراق الأغلبية المطلقة في المجلس؛ لتمرير فكرة أن طائفة معينة هي صاحبة الأغلبية المطلقة في العراق، مع أن هذه الطائفة لا تمثل الأغلبية التي يريد الأمريكان وإيران فرضها على الشعب العراقي، ولم يستند هذا القرار إلى إحصاء أو استفتاء دقيق([13])، وإنما هو قرار متفق عليه بين أمريكا وإيران.

ولتعميق تفريق العراقيين قسموا الشعب العراقي إلى سنة وشيعة، ثم قسموا السنة إلى عرب وكرد وتركمان وهكذا، وجعلوا الشيعة كتلة واحدة حتى باختلاف قومياتهم، وهو تقسيم مفهومة مقاصده ومراميه؛ لأن التقسيم ليس قوميًا وعرقيًا ولا هو تقسيم طائفي! وضم مجلس الحكم في ذلك الوقت 25 شخصًا منهم 12 (شيعيًا)، و6 (أكراد)، و4 (سنة)، وواحد من (التركمان) وآخر من (المسيحيين) وآخر من الشيوعيين([14]).

ومن أسوء ما قرره (مجلس الحكم) هو جعل يوم سقوط بغداد (9/4/2003م) بيد قوات التحالف يوما وطنيا في العراق. وهو والحمد لله ما لم يرتضه العراقيون ولم يطبق فعليًا.

ثم استمر خطر فرض فكرة الأغلبية المطلقة للأحزاب الموالية لإيران التي رحبت باحتلال العراق وشاركت في تدميره، وبذلك جسدت إيران خطرها الأكبر في العراق من خلال أدواتها في الحكم والميليشيات المسلحة الإرهابية ومن خلال العملية السياسية في ظل الاحتلال التي أعطت نسبة السنة في العراق أقل من (20%) والأكراد (20%) تقريبا والشيعة أكثر من (55%)، والباقي للأقليات الأخرى؛ ولتمرير فكرة الأغلبية الطائفية "الشيعية" بالتزوير والخداع والإذعان لوهمها على مستوى الفعاليات السياسية؛ فرضت أمريكا وإيران هذه الأكاذيب ومررتها سياسيا ورسختها عن طريق العملية السياسية؛ فكانت إستراتيجية طهران بالاتفاق مع الاحتلال الأمريكي هي إيصال حلفائها من الأحزاب الموالية لها في العراق إلى السلطة وصناعة القرار ودعمهم للبقاء في سدة الحكم، والثانية تتلخص في تجربتهم العسكرية المتمثلة بالميليشيات التي أصبحت تدخل في مسمى "الحشد الشعبي"، والجميع يعلم ماذا فعلت هذه الميليشيات في المحافظات السنية وسأتناولها في مباحث لاحقة، ثم تحولت هذه الميليشيات إلى جنود ومجاميع تدافع عن إيران ومصالحها في العراق بشكل علني([15]).

فالعراق تمت قيادته من خلال الأحزاب الموالية لإيران بفكر طائفي مقيت وممارسات إقصائية وقتل وترهيب وسأذكر بعض الممارسات التي تم انتهاجها لإرغام الناس على إظهار وممارسة الشعائر الخاصة ذات الدلالات الطائفية.

خامسًا: خطورة استمرار العملية السياسية في العراق بعد الاحتلال:

          إن واقع العملية السياسية في العراق وحكوماتها والصراع بين شخوصها وأحزابها هو ليس من أجل العراق وشعبه؛ وإنما هي بين أن تكون حكومات احتلالية أمريكية التوجُّه فيها نَفَس إيراني، وبين أن تكون إيرانية خالصة فيها شخوص أمريكية تعمل كواجهة معارضة لإكساب اللعبة السياسية صبغة الشد والجذب والتناحرات التي توهم البعض، بأن هناك عملية سياسية تضم أغلبية نيابية وأقلية معارضة، والحقيقة هم أدوات الاحتلالين الأمريكي والإيراني. ويسقط بين هؤلاء جميعا معاناة العراقيين على مدار عقدين من الزمن.        

فخطورة العملية السياسية في العراق لا تقتصر على فرض نظام سياسي لإدارة البلاد يراعي تحقيق مصالح أمريكا في المنطقة فحسب، وإنما خطورتها بإطلاق أمريكا يد إيران في العراق ومنحها الضوء الأخضر في تنفيذ مشاريعها، عن طريق دعم العملية السياسية وفرض البعد العقدي (المذهبي) الذي تؤمن به فيها، واختيار الأحزاب والشخصيات الموالية لها لإدارة البلاد؛ فاستحوذت إيران على الإدارة السياسية، فضلًا عن حصولها على دعم المرجعيات الدينية التي تربطها بها صلات وثيقة، وأغلبها يقر بأن إيران هي قائدة المذهب وحاميته في العالم؛ لذلك فإن العملية السياسية صممت في العراق لمنع مشاركة (السنة) في القرار السياسي الحقيقي في بلدهم.

وفرضت سيطرة الأحزاب والحركات والمنظمات والميليشيات المسلحة ذات الارتباط الأيدلوجي بإيران التي تحقق بدورها ما يتطلبه الدور الإيراني من أهداف داخل العراق، من خلال مراكز صناعة القرار التي فسح لها المجال واسعًا للتأثير في الأحداث والتطورات في العراق والمنطقة، وهو ما أصبح واضحا من خلال التهديد الإيراني لدول جوار العراق وغيرها تهديدا مباشرا عن طريق أدوات إيران في العراق واليمن وسوريا وغيرها.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران لا تريد للعراق أن يكون بلدا قويا مستقرا؛ حتى لا يشكل خطرًا عليها، وتبقى حكوماته محتاجة إليها، فبقدر ضعف وحاجة الجميع إليها؛ ستحقق إيران مصالحها، وهذا ما تحقق بعد مرور عقدين من الزمن تقريبا فإيران هي صاحبة القرار في العراق اليوم([16]).

والدلائل التي تؤيد ما تقدم كثيرة ومنها: ما صرح به إمام وخطيب جمعة النجف صدر الدين القبانجي، في كلمة له في مؤتمر بالعاصمة الإيرانية طهران، قائلًا: إن "خصوم العراق" يحاولون إسقاط التجربة السياسية الفتية (للشيعة)، وما دام العراق يحمل الولاء المطلق لأهل البيت فلا خطر على تجربتهم، ونثمن موقف إيران الساند والداعم للحراك التحرري في كل العالم والإسلامي بشكل خاص و(الشيعي) بشكل أخص([17]).

وهناك عشرات التصريحات لعدد من القادة الموالين لإيران تقر بتبعيتهم لإيران بل إن كثيرًا ممن يحكم العراق بعد (2003م) كانوا قد قاتلوا مع إيران ضد العراق في الحرب العراقية الإيرانية. والميليشيات الطائفية في العراق تعلن صراحة أنها تأتمر بأوامر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يقول جعفر الحسيني، المتحدث العسكري لميليشيا (حزب الله) في العراق: "إن الكتائب تتلقى الأوامر من إيران منذ أن بدأت عملياتها المسلحة لأول مرة عام (2006م)، وحتى الآن"([18]).

أما التصريحات الإيرانية فهي واضحة في هذا الإطار ومنها:

1- ما قاله الجنرال محمد علي فلكي القيادي في الحرس الثوري الإيراني من: أن بلاده شكلت جيش التحرير الشعبي بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني؛ حيث يقاتل الجيش في ثلاث جبهات هي العراق وسوريا واليمن. وتصريح علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني.

2- قول حسن روحاني في منتدى الهوية الإيراني، إن: "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما الماضي. إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكك، لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد".

3- التصريحات الخطيرة التي دعا فيها محمد رضا رحيمي نائب الرئيس الإيراني لقيام اتحاد بين بلاد فارس والعراق لمواجهة ما أسماه، تحديات تستهدف (الشيعة) في البلدين كليهما([19]).

4- تصريح رئيس تحرير وكالة (مهر) الإيرانية حسن هاني زاده، الذي دعا العراق للوحدة مع بلاده وترك ما وصفها بـ (العروبة المزيفة)!([20]).

سادسًا: خطر إيران في ترسيخ الاحتلال من خلال الأحزاب والميليشيات والمراجع الدينية

تنص كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية؛ بل الفطرة البشرية بوجوب الدفاع عن الوطن إن هو تعرض إلى غزو واحتلال، ويزداد الأمر وجوبا عند المسلمين خصوصا إذا كان الغازي والمحتل من غير المسلمين. ويوصف من يساند المحتلين والغزاة بالخيانة.. وهذا من المسلمات، وما جرى في العراق هو أن علماء المسلمين في العراق قد أصدروا الفتاوى بوجوب مقاتلة الأمريكان باعتبار أنه جهاد دفع، ومن أبرز هذه الفتاوى فتوى رابطة العلماء العراقيين في (4/11/2002م)، وجاء فيها: "... قال ربنا تبارك وتعالى: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين))([21]). ووجه الدلالة بهذه الآية الكريمة أنها توجب على المسلمين قتال من يقاتلهم من الكفار، والأمريكان جاؤوا بجنودهم من وراء البحار وحشدوا قواتهم ليقاتلونا في ديارنا فواجب علينا قتالهم استجابة لأمر الله الصريح بهذا الوجوب؛ لأنه جاء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب من غير قرينة تصرفه عن هذا الوجوب..."([22]).

وفتوى مفتي العراق الشيخ عبد الكريم المدرس، التي قال فيها: "بعد أن دخل الأمريكان والإنكليز الكفرة ومن معهم من أهل الكفر والردة وقتلوا المسلمين الأبرياء كما رأيتم ودخلوا بلدا من بلاد الإسلام -العراق المسلم- بعد هذا وجب علينا وقبله وجب علينا مقاتلتهم وصار الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة ووجب القتال على كل قادر، إذ إنهم دخلوا بلدا مسلما وفعلوا ما فعلوا وهدموا البيوت على الآمنين... فهؤلاء الكفرة الأمريكان قد دخلوا بلدنا وعزموا على تدنيس أرض الإسلام وأعلنوا نيتهم وقصدهم كما فعلوا في بلدان المسلمين من فلسطين وأفغانستان. فيجب القتال والجهاد وهو فرض عين، ولا يجوز ترك القتال ومن تركه فهو فار من الزحف ومن قتل منا فهو شهيد كما نص عليه رب العالمين في كتابه وبينه العلماء([23]).

فضلًا عن فتاوى لعلماء آخرين. ومواقف هيئة علماء المسلمين في العراق بعد الاحتلال ودعمها للمقاومة؛ معلومة ومنشورة، ودعوات المشايخ والعلماء إلى مقاومة الأمريكان وقتالهم كثيرة.

إلا أن المرجع الأعلى (علي السيستاني) توقف عن الدعوة لمقاتلة الأمريكان بل وصدرت اعترافات عن بعض الجهات القريبة منه تفيد بأن التوجيه من السيستاني كان هو التعاون مع الاحتلال، كما ذكرت ذلك مؤسسة الخوئي في لندن، التي قالت إن السيستاني أصدر فتوى تدعو العراقيين (الشيعة) إلى عدم الوقوف في طريق قوات الغزو الأمريكي، وقد أكد هذا الأمر وزير الدفاع الأمريكي (رامسفيلد) في مذكراته حيث قال: إنّ بلاده دفعت للمرجع الشيعي بالعراق علي السيستاني (200) مليون دولار لإصدار فتوى تُحرِّم على الشيعة قتال الأمريكان للمساعدة في سقوط العراق في أيدي الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة. وهذا الأمر كان واضحا في عزوف مقلدي السيستاني وغيره من المراجع عن قتال الأمريكان؛ حيث لم نر أو نسمع فتوى ضد الاحتلال الأمريكي من قبلهم.

وفي مقابل ذلك رأينا فتاوى واضحة وصريحة للسيستاني طالبت مقلديه ومقلدي غيره بالمشاركة بقوة في الانتخابات التي فرضتها قوات الاحتلال الأمريكي على العراقيين في عامي (2004م) و(2005م) وما بعدهما. وصرح الشيخ أحمد الصافي أبرز مساعدي السيستاني، بأنه لا يجوز للزوج منع زوجته من الخروج للتصويت، بل يجب عليه تأمين الأجواء المناسبة لها حتى تكون مؤمِّنة على نفسها يوم الانتخاب([24]).

وقد دعم السيستاني الائتلاف (الشيعي) في الانتخابات والدافع له على ذلك -كما يقول رشيد خيون- هو لتثبيت حقوق الشيعة!([25]).

وأيضا فتوى السيستاني المشهورة المسماة بـ (فتوى الجهاد الكفائي) التي تشكلت ميليشيات الحشد الشعبي استنادًا إليها، وغيرها من المواقف والفتاوى التي تأتي في إطار ترسيخ النظام السياسي القائم. فالمرجعيات الدينية في النجف وكربلاء عملت بالتعاون مع إيران والاحتلال الأمريكي على استمرار الاحتلال وترسيخ العملية السياسية التي فرضها الاحتلال، وقد ذكر (بول بريمر) أن مراسلات جرت بينه وبين المرجع علي السيستاني في هذا الإطار([26]).

سابعًا: الأحزاب والميليشيات المرتبطة بإيران التي تعاونت مع الاحتلال الأمريكي

توجد في العراق اليوم عشرات الأحزاب السياسية التي تصب في مصلحة إيران وتخضع لتوجيهاتها، فضلًا عما يقرب من (100) ميليشيا مسلحة مرتبطة بإيران وتدين بالولاء لها على درجات متفاوتة فيما بينها. ومن أبرز هذه الأحزاب والميليشيات:

1- حزب الدعوة

يعد حزب الدعوة الإسلامي الحزب السياسي (الشيعي) الأبرز في العراق، تأسس سنة (1957م)، حيث ترك أثرًا في جميع التنظيمات السياسية (الشيعية) التي جاءت بعده([27]). وبمجيء الخميني للسلطة أقام حزب الدعوة علاقات وثيقة مع قيادات الثورة الإيرانية، وبسبب ارتباط حزب الدعوة بإيران تم حظره في العراق ومحاكمة كل من ينتمي إليه([28])، وحصلت عدة مواجهات مسلحة للحزب مع الحكومات في العراق، وفي عام (1981م) أنشاء حزب الدعوة معسكرا في الأحواز المحتلة في إيران؛ ليكون نواة للعمل العسكري ضد العراق، وشارك الحزب مع إيران في حربها ضد العراق، ونفذ عمليات إرهابية داخل العراق وخارجه ومنها تفجير: الجامعة المستنصرية، وتفجير السفارة العراقية في لبنان([29]).

ومما يدل على التواصل الوثيق بين الصدر والخميني هو إرسال (محمد باقر الصدر) منظر حزب الدعوة في العراق رسالة تهنئة بالثورة الإيرانية للخميني، والبرقية التي أرسلها الخميني إليه يطلب منه البقاء في العراق وعدم الخروج منه حتى لو كان هناك خطرٌ على حياته، وأذيعت هذه البرقية من إذاعة طهران([30]).

وتعرض حزب الدعوة خلال عمله للعديد من الانشقاقات التنظيمية، من أبرزها انشقاق مجموعات: عز الدين سليم، والشيخ على الكوراني، وكاظم الحائري رئيس المجلس الفقهي للحزب([31]).

وبعد احتلال العراق عام (2003م)، شارك الحزب في العملية السياسية، وتسلم إدارة حكم العراق منذ (2003م) إلى عام (2018م)، عبر قادته الذين تولوا أعلى المناصب وعلى رأسها منصب رئاسة الوزراء، الموقع السياسي ذو الصلاحيات الأكبر في حكومات الاحتلال، وهم: إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي. وكان الحزب قبل احتلال العراق (2003م) مشمولًا بلائحة الإرهاب الدولي بسبب عملياته الإرهابية، وتفجير السفارة العراقية في بيروت، ومحاولة اغتيال أمير الكويت([32])؛ لكن أمريكا سلمته السلطة في العراق بعد الاحتلال ورفعته من قائمة الإرهاب فتسلم السلطة إبراهيم الجعفري بين عامي (2004 و2005م) ، ثم نوري المالكي من (2006 إلى 2014م) ، ثم حيدر العبادي إلى (2018م)!.

ومعلوم أن الحزب قد توسع في إيران وله علاقات وطيدة مع الإيرانيين، وشارك عناصره مع إيران في حربها ضد العراق، وللحزب ميليشيا عسكرية باسم (قوات الشهيد الصدر)، وأعلنت هذه القوات انخراطها في صفوف الحرس الثوري الإيراني وقوات المجلس الأعلى، مما يعني أن الحزب يقر ويعتقد بفكرة ولاية الفقيه،([33]) وهي الأداة السياسية الإيرانية الأبرز في العراق، ولعل مقولة محمد باقر الصدر تلخص هذه العلاقة عندما قال: "ذوبوا في الإمام الخميني" أو ما قريبًا من هذه العبارة([34]).

2-  المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق

تشكل هذا التجمع عام (1982م)، في طهران بعد الحرب العراقية الإيرانية، على يد محمد باقر الحكيم، وله جناح مسلح يعرف باسم (منظمة بدر أو فيلق بدر) وضم غالب الحركات (الشيعية) في العراق، ومنها: حزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي، وغيرهما. والهدف الأساسي له بعد تجميع هذه القوى في إطار واحد؛ هو مساندة قوات الحرس الثوري الإيراني في حربه ضد العراق.

وتعاون هذا المجلس بشقيه السياسي والعسكري مع قوات الاحتلال الأمريكي وكان عدد عناصره المسلحة عام (2003م) (16) ألف عنصر تقريبًا، وكان يقود هذه الميليشيات (هادي العامري) أحد أهم القادة الموالين لإيران، الذي أعلن مرارا وتكرارا أنه يأتمر بأوامر الولي الفقيه خامنئي.

وشارك المجلس في جميع مراحل العملية السياسية في ظل الاحتلال وتسلم رئاسة الوزراء أحد قادته وهو (عادل عبد المهدي) عام (2018م). وتعرض المجلس لعدة انشقاقات، آخرها انقسامه على ثلاثة أقسام: المجلس الأعلى، وتيار الحكمة، ومنظمة بدر، التي تحالفت مع حزب الدعوة.

ومعلوم لدى القاصي والداني أن هذا المجلس هو أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني في العراق، وجعلته أمريكا جهة سياسية لها تأثير بارز في العملية السياسية من خلال نظام المحاصصة الطائفية للحكم. وهو الآن يسيطر على مساحات واسعة، وتخضع لنفوذه مدن (سنية) بعد أن تم تهجير أهلها منها.

3 - التيار الصدري:

ظهر التيار الصدري بعد احتلال العراق، وهو يتكون من أتباع المرجع محمد محمد صادق الصدر، ويلتف التيار الصدري حاليًا حول مقتدى الصدر نجل محمد الصدر، الذي يقلد المرجع كاظم الحائري.

شكل التيار الصدري بعد الاحتلال ميليشيا (جيش المهدي)، ثم غير اسم هذه الميليشيا إلى مسمى (سرايا السلام) بذريعة حماية المراقد الشيعية من خطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

تعرض التيار الصدري لعدد من الانشقاقات من أبرزها الانشقاق المبكر لما يعرف بـ (حزب الفضيلة الإسلامي)، والانشقاق الثاني لميليشيا (عصائب أهل الحق) بقيادة قيس الخزعلي.

وآخر التطورات في التيار الصدري أن كاظم الحائري المستقر في إيران الذي أوصى محمد الصدر أن يكون الحائري مرجعا من بعده، وعلى هذا الأساس فإن أتباع التيار الصدري ومنهم مقتدى الصدر يقلدون الحائري ويتخذونه مرجعا لهم، وعندما اشتد الصراع على السلطة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي قبل مدة قصيرة، وسيطر مقتدى الصدر على البرلمان أصدر الحائري بيانًا في (28/8/2022م)، أعلن فيه اعتزاله العمل الديني، وأوصى مقتدى الصدر وأتباعه بأن يتبعوا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ويتخذونه مرجعا لهم؛ فكانت ضربة قوي لأتباع التيار وعلى رأسهم مقتدى الصدر الذي اضطر إلى التراجع عن كل خطواته بعد هذه الرسالة القوية من الجانب الإيراني، وانسحب من العملية السياسية.

وقد ارتكبت ميليشيا (جيش المهدي) أبشع الجرائم الطائفية من القتل والتهجير القسري بحق (أهل السنة) وغيرهم في العراق، وقامت بعد (حادثة تفجير المرقدين) في سامراء في عام (2006م)؛ بحرق المساجد واغتصابها وقتل أئمتها وخطبائها بالتنسيق مع ميليشيا بدر وحزب الدعوة المسؤولين عن الجرائم الطائفية في العراق، والمحرضين الرئيسيين على أحداث (2006م).

4- الحشد الشعبي:

هو اللافتة التي تنضوي تحتها الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، والتي اتخذتها إيران سيفًا مسلطاً على رقاب العراقيين، وحولتهم إلى جنود يدافعون عن أمن إيران، ومصالحها ومشاريعها في المنطقة. ويضم الحشد عشرات المجموعات المسلحة الإرهابية تحت مسمى (الحشد الشعبي) وكلها متهمة بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، عند اجتياح محافظات غرب وشمال ووسط العراق. وفضلًا عن كون هذه الميليشيات موالية لإيران فإنها تحظى بتسليح عالي الإمكانيات من الحرس الثوري الإيراني، وتستخدم السلاح الذي تستورده الحكومة في العراق.

وقد تكونت نواة القوات الأمنية والجيش في العراق بعد الاحتلال من هذه الميليشيات، فضلًا عن البيشمركة الكردية، وكان عملها أول ما تشكلت هو حماية القوات الأمريكية ومحاربة المقاومة العراقية.

ولا تقتصر الخارطة (الشيعية) السياسية والميليشياوية في العراق على هذه المسميات، بل تضم العديد من الحركات والأحزاب الأخرى والميليشيات، التي لم يقتصر خطرها على العراق وإنما انتقل إلى سوريا واليمن، التي تمارس فيهما الميليشيات الطائفية جرائم القتل والتغييب والاختطاف وسرقة الأموال والممتلكات، وتهدد دول المنطقة بعملياتها الإرهابية.

ثامنًا: خطر إيران في تغيير التركيبة السكانية في العراق

كان الاحتلال الأمريكي للعراق عام (2003م) نقطة البداية لشن حملات تغيير ديمغرافي كبيرة جدا أثرت في التركيبة السكانية لعدد من المدن والمحافظات العراقية، ولا سيما تلك التي تقطنها أقليات عرقية ومذهبية مختلفة. والتغيير الديمغرافي مشروع أمريكي وهدف إيراني تنفذه أدواتهما من الميليشيات وأحزاب السلطة وضحيته الأبرز هم (العرب السنة) والأقليات في العراق.

وأول ما بدأ التغيير الديمغرافي في مدينة البصرة سنة (٢٠٠٤م)، ثم امتد ليصل مدينة الموصل مرورا بالعاصمة بغداد في مركزها وشمالها وجنوبها، ثم في محافظة صلاح الدين ولا سيما في مدينة سامراء وما حولها. واعتمدت الميليشيات أبشع الأساليب لإحداث التغيير السكاني، ومن أبرزها:

1- اغتيال الشخصيات، ومنها أئمة المساجد، والعلماء، وضباط الجيش العراقي السابق، وشيوخ العشائر ولا سيما في المناطق الجنوبية في البصرة والناصرية وما حولهما؛ حيث قتل العشرات منهم مثل: الشيخ علي النجم الفالح السعدون شيخ عشائر المنتفك، والشيخ حسام الراشد، شيخ عشيرة الراشد، والشيخ عبد الرحيم الفالح، شيخ عشيرة البزون، والشيخ عدنان الغانم، شيخ عشيرة الغانم، والشيخ محمد بلاسم الياسين، شيخ عشيرة الشحمان، وغيرهم([35]).

2- خطف أحد أبناء العائلة والتهديد بقتله أو دفع فدية مالية كبيرة وتكرار حالات الخطف؛ مما يضطر العائلة إلى ترك أرضها وبيتها وممتلكاتها والهجرة عن منطقتها، ثم تطورت الحالة إلى أن يتم تهديد أهل المخطوف ببيع بيته أو أرضه إلى جهة يحددها الخاطفون ويحددون ثمن العقار؛ حتى يطلقون سراح المختطف.

3- اغتصاب الأرض جهارا نهارا وتشريد أهلها منها، أو التهديد المباشر لأصحاب الأراضي والممتلكات بالقتل أو بيع أراضيهم بثمن بخس.

4- المداهمات اليومية والمضايقات من قبل القوات الأمنية، واعتقال أحد أفراد العائلة وإلصاق التهم الكيدية به بلا دليل سوى ما يسمى (المخبر السري).

5- الابتزاز وفرض الأتاوات على التجار أو المزارعين، فضلًا عن إهمال المنطقة من حيث الخدمات الأساسية والبنى التحتية بحيث لا تصلها أي خدمات مما يضطر السكان للنزوح والهجرة. وقد ازدادت هذه الممارسات بشكل كبير جدًا بعد أحداث عام (2014م)؛ حيث تم تهجير مدن بأكملها من قبل الميليشيات الطائفية.

6- الحملات العسكرية التي تشنها القوات الحكومية بحجة تأمين المنطقة من الإرهابيين، ثم سيطرة الميليشيات على الأقضية والنواحي ومسك الأرض فيها والتضييق على السكان.

7- مصادرة الأراضي الزراعية بحجة استثمارها أو بناء عقارات سكنية فمثلا في اللطيفة التي تعتبر سلة بغداد الغذائية صادرت الحكومة (15) ألف دونم زراعي وهجرت آلاف العائلات حتى بدون تعويضات. وهذا الأسلوب تكرر في عدة مناطق منها في الرضوانية ومحيط مطار بغداد وفي محيط بغداد أيضا([36]).

 وأبرز الميليشيات التي قامت بالتهجير هي (جيش المهدي، وحزب الفضيلة، ومنظمة بدر، وحزب الدعوة، وكتائب حزب الله العراق، وعصائب أهل الحق) بمساعدة إيران وحكومات الاحتلال وبعلم من قوات الاحتلال الأمريكي، التي كانت تقف موقف المتفرج أو المساند لهذه الانتهاكات.

وهناك مدن ونواحي تم تهجير أهلها بالكامل من قبل الميليشيات مثل (جرف الصخر) جنوب بغداد، التي تضم (120) ألف نسمة، وبعض أحياء اللطيفية، وعزيز بلد، وقرى نهر الإمام في محافظة ديالى وبعض مناطق محافظة صلاح الدين، وغيرها من المناطق. والملاحظ أن هناك مناطق نزع السكان منها قسرًا؛ لأنها تقع ضمن طريق بري إستراتيجي تعمل إيران عليه منذ سنوات يربط إيران بسوريا عن طريق العراق ويمر بمحافظات: ديالى وصلاح الدين ونينوى. وكل المدن والقرى التي تعترض هذا الطريق فإن أهلها يهجرون قسرًا.

وهناك إحصائية تؤكد وجود (300) منطقة في العراق يمنع أهلها النازحون من العودة إليها.

أما في بغداد فالأمر كان على أشده في السنوات الأولى للاحتلال؛ حيث كانت الجثث التي كانت تلقى في شوارع بغداد يوميا تبلغ ما بين (200) إلى (300) جثة تلقى في الشوارع والمزابل، بعد أن كانت القوات الحكومية تداهم البيوت وتعتقل شبابها ثم بعد أيام تلقى جثثهم في الشوارع، أما المساجد التي اغتصبت وتحولت إلى حسينيات فكثيرة جدا، وتم الاعتداء في بغداد خلال يومين فقط وحرق ما يقرب من (200) مسجد، وقتل عدد من أئمتها والمؤذنين فيها([37]).

إذن فقضية التغيير الديمغرافي تسير بشكل ممنهج ومدروس من قبل الميليشيات وحكومات الاحتلال، وهي تسير في سياق تعزيز الهيمنة الإيرانية على العراق والمنطقة.

تاسعًا: خطر إيران على الاقتصاد العراقي

يواجه العراق منذ احتلال عام (2003م) تدهورا اقتصاديا ظاهرا للعيان؛ حيث كان العراق يعتمد على صادرات النفط كمصدر أساسي لاقتصاد البلاد، بنسبة (98%) من الموازنة السنوية، ورغم العائدات الكبيرة للنفط إلا أن العراق لم يستفد من هذه العائدات الكبيرة، بسبب الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وتحكم الطائفية والمذهبية بمقدرات البلاد الغنية، وتسلط الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران على الاقتصاد العراقي؛ فالعراق لا يصدر العراق غير النفط، وكل بضائعه مستوردة حتى الخضار والفواكه وأيسر مستلزمات الحياة.

وقد حقق القطاعان الصناعي الخاص والحكومي اكتفاءً ذاتيًا قبل الاحتلال، وكان الناتج الإجمالي للصناعات في العراق يمثل (23%) من مجموع الناتج المحلي؛ حيث كانت معامل الأدوية، والغزل والنسيج والألبسة، والأسمدة والفوسفات، ومصانع السكر، ومصانع الإسمنت والحديد الصلب، والصناعات الدقيقة، وأخرى للمواد الغذائية والألبان كلها تعمل وتنتج ما يحتاجه العراق، وبحسب الإحصاءات فقد كان في العراق (18) ألف مشروع صناعي؛ ولكن بعد الاحتلال تراجع هذا الأمر كليًا فآلاف المشاريع والمصانع التابعة للدولة تم إيقافها وإهمالها ولا يسمح بعملها، مع أن ملايين الدولارات تصرف كرواتب للموظفين فيها إلى الآن.  متوقف منذ الاحتلال([38]).

والسبب في عدم تشغيل المصانع والمعامل هو أن الأجندات الحزبية والإرادة السياسية وأخرى اقتصادية لمتنفذين تمنع إعادة تشغيل المعامل؛ لضمان استمرار استيراد العراق ما يحتاجه بالعملة الصعبة من إيران، التي تعتاش على العراق وتستفيد منه في مواجهة الضغوط الاقتصادية التي تمر بها. وقد أدى تعطيل المصانع المحلية إلى إغراق السوق العراقي بالسلع المستوردة، وفقدان المنتجات العراقية، وبهذا أصبح العرق سوقا استهلاكيا كبيرًا جدًا للبضائع الإيرانية الرديئة([39]).

وقد أعلن مدير مصلحة الجمارك الإيرانية علي رضا مقدسي في بيان له، يوم (12/4/2022م)، أن إيران صدرت سلعًا للعراق بلغت (8.9) مليار دولار في أقل من عام([40]).

  1. القطاع الزراعي:

 يعدّ العراق في صدارة الدول العربية من حيث مساحة الأراضي الخصبة؛ ولكنه يتذيل قائمتها في استغلالها، فالقطاع الزراعي اليوم في العراق منهار وأسباب ذلك هو أولا القرار السياسي الذي يخضع لإرادة القوى السياسية المتحكمة بالسلطة والموالية لإيران؛ حيث لا توجد إرادة سياسية لإنعاش القطاع الزراعي، بل الخطة التي تسير عليها الحكومات منذ (2003م) هي تخفيض الخطة الزراعية، وفتح استيراد المحاصيل الزراعية من دون ترخيص ومن دون فرض ضرائب على استيرادها.

والمستفيد الأكبر من ذلك هو الاقتصاد الإيراني؛ ففي عام (2021م) أعلنت منظمة تنمية التجارة الإيرانية، تصدير محاصيل زراعية إلى العراق، بقيمة (11) مليار دولار، خلال خمسة أعوام فقط([41])؛ بل إن الحكومات في مدد متفاوتة منعت استيراد المحاصيل الزراعية من كل الدول ما عدا إيران([42]).

ومن الأسباب الأخرى التي تسببت بانهيار القطاع الزراعي هو قطع المياه وشحتها، ويعد هذان الأمران من أكبر التحديات التي تهدد القطاع الزراعي في العراق، وبدل أن تعالج الحكومات المتعاقبة هذه المشكلة اتخذت قرارات غير منطقية بالمرة ضد الزراعة العراقية، ومنها:

1- تقليص مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى النصف.

2- استبعاد محافظات معينة من الزراعة بشكل كامل.

3- منع زراعة بعض المحاصيل الزراعية.

4- مصادرة آلاف الدوانم الزراعية وتحويلها إلى مناطق سكنية مثلما حصل في اللطيفية وحزام بغداد([43]).  

وظهرت مشكلة المياه؛ بسبب قطع إيران لأكثر من (45) رافدا وجدولا تغذي الأنهار والأهوار في العراق، أهمها أنهار: الكرخة، والكارون، والطيب، والوند، وعدم استجابتها لطلب حكومة بغداد بعدم قطع المياه عن العراق([44])، فضلًا عن اضطراب تزويد العراق بالحصص المائية من تركيا؛ لأسباب لا تعترف بها الحكومات المتعاقبة.

وقد أثر هذا أيضًا بطبيعة الحال على الثروة الحيوانية التي هي الأخرى تراجعت بشكل كبير بتراجع القطاع الزراعي، الذي نتجت عنه الهجرة إلى المدن وتجريف البساتين التي ماتت من العطش.

وقد صرح المسؤولون في السلطات الحكومية في العراق عدة مرات باللجوء إلى المؤسسات الدولية للحصول على حق العراق بالماء من إيران، وفقا لاتفاقيات تقاسم المياه، إلا أنهم لم يخطوا أي خطوة نحو تدويل الملف على الرغم من رفض إيران لأي حلول يطرحها العراق؛ وهو ما يهدد بإنهاء الزراعة كليا في العراق، ولا سيما بعد أن صرح مسؤولون إيرانيون عدة مرات بأن إيران تنوي إغلاق منابع جميع الأنهار التي تصب باتجاه العراق.

يعاني العراقيون منذ (2003م)، من انقطاع التيار الكهربائي في البلاد في ظل ارتفاع درجات الحرارة الكبير في الصيف إلى أكثر من (50) درجة مئوية. وقد أنفقت الحكومات خلال عقدين من الزمن مبالغ هائلة في ملف الطاقة؛ لكن بدون جدوى. وآخر تصريح لرئيس الحكومة في سنة (2021م) مصطفى الكاظمي أكد فيه على أن العراق أنفق (81) مليار دولار على قطاع الكهرباء ولا توجد كهرباء مستقرة([45]).

وجاء في تقرير لمعهد بروكينغز، صادر في العام (2015م)؛ أن العراق يخسر سنويا (40) مليار دولار بسبب نقص إنتاج الطاقة، وأن انعدام الطاقة الكهربائية هو أحد أسباب توقف الصناعة بشكل كامل([46]).

ولو بحثنا من المستفيد من وضع الطاقة الكهربائية سنجد أيضا أن إيران هي المستفيد؛ لأنها هي من تبيع العراق الطاقة الكهربائية والغاز للعراق، ولا تسمح له بأن يكتفي ذاتيًا من الكهرباء، بل ولا تسمح أيضا بأن يستورد العراق الطاقة الكهربائية من غيره. وهناك تصريحات لوزراء قالوا: إنهم عندما ذهبوا لعقد اتفاقات مع المملكة العربية السعودية لتزويد العراق بالكهرباء؛ تم منع إتمام الصفقة بأوامر إيرانية، وصرحوا بأن مشكلة الكهرباء في العراق خاضعة للإرادة الإيرانية.

ومع أن العراق يشتري من إيران كهرباء بمليارات الدولارات؛ إلا أن الحقيقة تقول بأنه لا توجد كهرباء في العراق؛ لأن أحزابا سياسية موالية لإيران أجهضت مساعي وزارة الكهرباء عام (2013م)، لاستيراد الكهرباء من الكويت وربط منظومة الكهرباء الوطنية بالمنظومة الخليجية عن طريق محافظة البصرة للتخلص من الأزمة المستمرة منذ الاحتلال وحتى الآن.

وعندما وجه حيدر العبادي رئيس الحكومة بعد عام (2014م)، وزير الكهرباء قاسم الفهداوي للاتفاق مع السعودية على توفير الكهرباء واستيرادها منها، وتم التفاهم وتوقيع مذكرة بذلك؛ ألغى حيدر العبادي الاتفاقية بعد أيام قليلة. مع أن العرض السعودي كان سعره أقل من قيمة شراء الكهرباء من إيران وبسعر (21) دولارًا لكل ميغاواط/ساعة، وهو ما يعادل ربع قيمة ما يشتريه العراق من إيران، وعلى أن يتم إنجاز المشروع خلال (١٢) شهرًا([47])؛ ولذلك أقول أن كل ما يعلن عنه من اتفاقات بخصوص الطاقة الكهربائية وربطها بالسعودية والكويت والأردن ومصر لن يتم في ظل العملية السياسية الحالية؛ لأن إيران لا تسمح بذلك!.

وفضلًا عن ذلك فإن العراق يستورد من إيران (45) مليون متر مكعب يوميا من الغاز، مع أنه يحرق يوميا كميات هائلة من الغاز الطبيعي، ويستطيع العراق أن يوفر (200) مليون قدم مكعب من الغاز يوميا؛ ولكن القرار السياسي يمنع ذلك خدمة للمصالح الإيرانية؛ ولذلك فالعراق يعد اليوم من أكبر دول  العالم حرقا للغاز وعدم الاستفادة منه([48]).

وكدليل آخر مهم على ما تقدم ذكره؛ فإن (مصفاة بيجي) للنفط تعد من أكبر الشركات التي تنتج المشتقات النفطية في العراق تقع في محافظة صلاح الدين، وهي تنتج بخطوطها الإنتاجية الثلاثة (290) ألف برميل يوميا، ومصفاتين لزيوت التشحيم بطاقة ربع مليون طن سنويا، إضافة إلى واحدة من أكبر محطات توليد الكهرباء في العراق، وفيها معمل متكامل لتصنيع الزيوت النباتية؛ ولكنها توقفت عن العمل بعد أن فككتها الميليشيات الموالية لإيران وسرقت معداتها، وخربت ما تبقى منها؛ خدمة للاقتصاد الإيراني! فضلًا عن المناقصات وتهريب النفط([49]).

عاشرًا: خطر إيران على المجتمع العراقي وسعيها لتفكيكه

لم يكن العراق قبل احتلاله عام (2003م) يعاني من توتر طائفي بين أبنائه فلم يكن المكونان السُني والشيعي متناقضين أو لا يمكن التوفيق بينهما بصورة نهائية، ولكن بعد احتلال العراق عملت أمريكا وإيران على زرع وإثارة المشاكل الطائفية بين أبنائه، واستخدمت عدة جهات في ذلك. وأهم الأساليب التي اتبعتها أمريكا وإيران في هذا المجال، هي:

1- تأسيس الهويات الطائفية وتغليبها على الهوية الوطنية الجامعة من خلال العملية السياسية وحكوماتها.

2- إعطاء الميليشيات الموالية لإيران مشروعية التحرك واستهداف العراقيين من المكونات الأخرى.

3- قيام قوات الاحتلال وأدواتها تقوم بتصفية الكفاءات والقيادات العراقية بغض النظر عن كونها سنية أو شيعية، ثم اتخذت أسلوب الخطف والقتل من كلا الطرفين واتهام كل طرف للآخر؛ لزرع الحقد والكراهية بين أبناء البلد الواحد.

4- استخدام مؤسسات الدولة بعد (2003م)؛ لإقصاء وتهميش العرب السنة في العراق، من خلال إبعادهم عن مواقع التأثير فيها، ولا سيما في المؤسستين العسكرية والأمنية.

5- اتهام (السنة) بالإرهاب، بينما تصول وتجول الجماعات الإرهابية الموالية لإيران وترتكب جرائم حرب ضدهم، ولا أحد يتهمها أو يستطيع مقاضاتها أو محاسبتها([50]).

وقد شنت القوات الحكومية وميليشياتها عمليات عسكرية عدة استباحت فيها غالب المناطق السنية التي قاومت الاحتلال الأمريكي، وكان آخر هذه الاجتياحات هو ما حدث بعد عام (2014م)، عندما قاد قاسم سليماني الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات والقوات الحكومية بمساندة القوات الأمريكية والتحالف الدولي المتكون من أكثر من (60) دولة، بحجة قتال تنظيم (الدولة الإسلامية). وقد نتج عن هذا الاجتياح الواسع لهذه المناطق:

1- قتل وتغييب أكثر من (100) ألف عراقي من أبناء المحافظات المنكوبة.

2- تدمير عدة مدن كبيرة، بنسبة (80%) تقريبًا، فمدينة الموصل وحدها فقدت (70) ألف شخص من سكانها. وقد اعترف هوشيار زيباري وزير الخارجية الأسبق في حكومات الاحتلال بمقتل (40) ألف شخص في لقاء له مع صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، وأكد زيباري أنهم سقطوا بنيران القوات العراقية البرية وخاصة قوات الشرطة الاتحادية، وكذلك بالغارات الجوية التي كان ينفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة([51]).

3- تهجير عدة ملايين من المواطنين، ما زال مئات الآلاف منهم في مخيمات النزوح؛ حيث لا تسمح الميليشيات بعودتهم إلى مدنهم([52]).

وعملت إيران أيضا على تدمير المجتمع العراقي من خلال نشر المخدرات وإنهاء الأجيال القادمة وقد أصبح تفشي المخدرات في العراق ظاهرة تشرف عليها الميليشيات الموالية لإيران ومسؤولون في السلطات الحكومية، وهذه الجهات هي من تُدخل المخدرات إلى العراق وتروج لها، وتصدرها إلى دول الجوار العراقي. وهناك اعترافات كثيرة لمسؤولين في جهاز المخابرات وبعض المسؤولين يقرون فيها بأن تجارة المخدرات هي حصة الأحزاب السياسية التي تمتلك مليشيات مسلحة، وأن من يلقى القبض عليهم من تجارها؛ تتدخل هذه الجهات لإطلاق سراحهم([53]).

أحد عشر: خطر إيران العقدي والفكري

إن أخطر ما يستهدف الإنسان هو ما يكون في دينه وعقيدته؛ وقد فعلت إيران ذلك واستهدفت غالب الشعب العراقي في ذلك، وشنت عليهم حملات قاسية لفرض معتقدات وشعائر خاصة بها، عن طريق القوة والإكراه والممارسات الإجرامية. وسأورد هنا بعضا مما فعلته إيران في هذا الصدد:

1- لم تتوقف إيران عن محاولات التغيير المذهبي في المناطق السنيّة في إيران، ودول المنطقة، وبشكل خاص دول الجوار: العراق، ودول الخليج العربي، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا. وقد وضعت القيادة الإيرانية خططها المرحلية لذلك في سياق مشروع (تصدير الثورة) المعروف؛ لكن بأساليب أقل حدّة عمّا اتبعه الخميني، للوصول إلى الهدف ذاته وهو السيطرة على المنطقة ثقافيًا والتأثير على معتقدات أهلها([54]).

2- الترويج للأفكار الطائفية والتحريضية بعد احتلال العراق، ونشرها عن طريق ميليشياتها الطائفية والأحزاب المتسلطة في العراق من خلال تبني حملات الطعون والتشكيك المنظمة.

3- الاستيلاء على مئات المساجد وتحويلها إلى حسينيات، وفرض الآذان على على وفق المذهب الإمامي في وسائل الإعلام([55]).

4- إنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعات، والصحف والمجلات المعدة لهذا الغرض، وتكثيف بث البرامج الدينية الموجهة لتحقيق أغراض التأثير المذهبي، والتي كانت مادتها في الغالب تقوم على: الانتقاص من متبنيات غالب العراقيين العقدية والمذهبية، والطعن بكتب (أهل السنة) والصحابة الكرام، وأمهات المؤمنين -رضي الله عنهم جميعًا-.

5- إدخال تعاليم خاصة بالطائفة الإمامية في المناهج التعليمية، وفرض ممارسة الشعائر الحسينية على أبناء مناطق بعينها، وتعطيل المؤسسات الحكومية لممارسة هذه الشعائر([56]). 

6- إتخاذ وسيلة الترهيب والقتل لفرض الأفكار والمعتقدات على العراقيين، ولا سيما على الأجيال الشبابية التي ولدت في حقبة الاحتلال والتغول الإيراني.

اثنا عشر: الجهود المبذولة لمواجهة الخطر الإيراني

لم يكف أهل العراق عن مواجهة الخطر الإيراني في العراق، وقد قدم أبناؤه جهودًا كبيرة لبيان خطر المشروع الإيراني والوقوف ضده، وكانت هيئة علماء المسلمين في العراق في مقدمة هذه المواجهة، وأهم ما قامت به هو الوقوف في وجه الحرب الأهلية التي سعت إيران وأمريكا لإشعالها، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك على الرغم من الهجمة الشرسة التي كانت أمريكا وإيران وأدواتهما تمارسانها في العراق، وأيضا كشف وفضح جرائم الحكومة وميليشياتها، ونقل الحقائق للعالم.

وقد قام أعضاء الهيئة وفي مقدمتهم الشيخ حارث الضاري بالتحذير من المشروع الإيراني في العراق، وأوصل تحذيراته مرارًا وتكرارًا إلى الدول العربية ودول الجوار. وقد دفعت الهيئة ثمنًا باهضًا جراء مواقفها هذه؛ فقد اغتيل على يد قوات الاحتلال والميليشيات الإرهابية ما يقرب من (150) من الأئمة والخطباء والدعاة وأساتذة الجامعات من أعضاء الهيئة([57]). 

وما زالت مواقف العشائر العراقية الأصيلة ثابتة، على الرغم من أن عددًا لا بأس به من شيوخ العشائر قد استهدفوا بالاغتيال والاختطاف -كما ذكرنا فيما تقدم- بسبب  مواقفهم من الاحتلال والخطر الإيراني.

المصادر

1- أوضاع الفلسطينيين في العراق بعد (2003م)، بحث د. ثامر العلواني، في مجلة حضارة العدد 26.

2- بيانات هيئة علماء المسلمين في العراق.. حصاد الاحتلال الأمريكي للعراق، تقديم أ. د. بشار الفيضي. دار الجيل العربي، الطبعة الأولى، سنة (2008م).

3- التصريحات الصحفية لهيئة علماء المسلمين في العرق رصد إعلامي لأحداث ومواقف ووقائع الاحتلال الأمريكي والهيمنة الإيرانية في العراق (2003 - 2015م)، تقديم الدكتور عبد الحميد العاني، طبعة مؤسسة البصائر، سنة (1442ه -2021م).

4- الخطة الخمسينية وإسقاطاتها في مملكة البحرين، الدكتور هادف الشمري، ط2، (1429هـ- 2008م). بلا مكان طبع.

5- الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار، محمد رضا النعماني. مطبعة إسماعيليات، الطبعة الثانية سنة (1997م).

6- عام قضيته بالعراق، النضال لبناء غد مرجو، السفير بول بريمر بالاشتراك مع مالكولم ماك- كونل. ترجمة عمار الأيوبي. طبعة دار الكتاب العربية بيروت، بلا سنة طبع.

7- الكفاءات العلمية التي تم اغتيالها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، حسين الرشيد، وسيف الجبوري، طبعة مؤسسة البصائر الطبعة الأولى سنة (1431هـ-2010م).

8- المشروع الأسود بين إسرائيل وإيران، سارة شريف، طبعة كنوز، الأولى، سنة (2016م).

9- وجاء دور المجوس، محمد سرور زين العابدين،الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية، الشيخ محمد سرور زين العابدين، طبعة دار الجابية - لندن، الطبعة 10، سنة (1430ه - 2009م).

10- 100 عام من الإسلام السياسي في العراق (1) الشيعة، رشيد الخيون، طبعة مركز المسبار للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، سنة (2011م).

11- مجلة البيان، العدد الصادر بتاريخ: (26/6/2013م)، والعدد 364، الصادر بتاريخ: (23/8/2017م).

12- وكالة الأناضول.

13- وكالة الأنباء الكويتية.

14- وكالة الأنباء الأردنية.

15- موقع قناة روداو.

16- موقع الجزيرة نت.

17- موقع عربي 21.

18- موقع منتدى التحالف لعلوم الدفاع.

19- موقع (BBC) عربي.

20- موقع الحرة.

21- موقع العربي الجديد.

22- موقع المدى برس الإخباري.

23- موقع شفق نيوز .

24- موقع عراق ألترا .

25- موقع قناة الرافدين الفضائية.

26- موقع هيئة علماء المسلمين في العراق.

27- موقع موسوعة ويكيبيديا.

28- مركز مالكوم كير –كارنيغي للشرق الأوسط.


([1]) دكتوراه في الأديان والمذاهب، ومقرر القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين.

([2]) من هؤلاء على سبيل المثال: الدكتور نبيل العتوم.

([3]) انظر: بحث أوضاع الفلسطينيين في العراق بعد (2003م)، د. ثامر العلواني، مجلة حضارة العدد 26: 145.

([4]) انظر: مقالات بعنوان أمريكا وإيران.. عداء أم خديعة، سلسلة مقالات منشورة في منتدى التحالف لعلوم الدفاع، الرابط: https://www.udefense.info/threads

([5]) انظر: تقرير موقع الجزيرة نت بعنوان: إيران غيت.. المصالح فوق المبادئ، بتاريخ: (1/2/2016م) الرابط:

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events

([6]) مقال الكاتب (يعكوب هيخت) نشره موقع عربي 21، بتاريخ: (7/9/2022م)، الرابط

https://arabi21.com/story/1460297/

([7]) انظر: المشروع الأسود بين إسرائيل وإيران، سارة شريف: 104.

([8]) انظر: وجاء دور المجوس، محمد سرور زين العابدين: 14.

([9]) انظر: التصريح في موقع الـ (BBC) عربي، رابط:

 http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4267000/4267448.stm

([10]) انظر: تصريحات الملك عبد الله في الرابط: (19/4/2016م)، https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events

([11]) انظر: الخطر الإيراني يتمدد، مجلة البيان، لندن، بتاريخ: (26/6/2013م).

([12]) مجلس الحكم تشكل في (12/7/2003م) ، بقرار من سلطة الائتلاف الموحدة ومنح صلاحيات جزئية في إدارة شؤون العراق، وكانت سلطة الاحتلال تمتلك الصلاحيات الكاملة بحسب قوانين الحرب والاحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة.         

([13]) انظر: بيانات هيئة علماء المسلمين في العراق، بيان رقم (1) الصادر بتاريخ: (16/7/2003م): 1/39.

([14]) انظر: التفاصيل في موقع ويكيبيديا على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki

([15]) انظر: النفوذ الإيراني في العراق، د. عبد العزيز الظاهر، مجلة البيان، العدد 364، الصادر في (23/8/2017م).

([16]) انظر: النفوذ الإيراني في العراق،  د. عبد العزيز الظاهر.

([17]) جاء تصريح القبانجي خلال رئاسته الجلسة الختامية لفعاليات المؤتمر السابع للجمعية العامة للمجمع العالمي لأهل البيت، بتاريخ: (4/9/2022م)، في العاصمة الإيرانية طهران. ونقلت التصريح عدة مواقع منها: موقع شفق نيوز، الرابط: https://shafaq.com/amp/ar، وموقع قناة الرافدين الفضائية، الرابط:   https://alrafidain.tv/47854/.

([18]) التصريح في مقابلة للمتحدث باسم ميليشيا حزب الله في العراق مع وكالة الأناضول، بتاريخ: (7/3/2017م)، الرابط:     https://www.aa.com.tr/ar/765491/

([19]) انظر: مقال بعنوان: هل يتحول العراق إلى مستعمرة فارسية؟ عبد الله الهدلق، في موقع الوطن الإخباري الكويتي، الرابط: https://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=190480&yearquarter=20122

([20]) انظر: التصريحات في تقرير لموقع الجزيرة نت، بتاريخ: (18/3/2015م)، الرابط:

https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews

([21]) سورة البقرة: الآية: 190.

([22]) انظر: نص الفتوى في موقع (الجزيرة نت):   https://cutt.us/ZnZ7x.

([23]) صدرت الفتوى الشيخ عبد الكريم المدرس مفتي العراق ورئيس رابطة علماء العراق، بتاريخ: (27/3/2003م).

([24]) انظر: وكالة الأنباء الكويتية:

https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=1550936&language=ar

([25]) انظر: 100 عام من الإسلام السياسي في العراق: 1/127.

([26]) انظر: عام قضيته بالعراق، بول بريمر: 214.

([27]) انظر: مائة عام من الإسلام السياسي بالعراق-الشيعة، رشيد خيون: 17.

([28]) انظر: 100 عام من الإسلام السياسي في العراق: 216.

([29]) المصدر نفسه: 227.

([30]) انظر: الشهيد الصدر وسنوات المحنة وأيام الحصار، النعماني: 265.

([31]) انظر: 100 عام من الإسلام السياسي في العراق: 247.

([32]) المصدر نفسه: 250.

([33]) المصدر نفسه: 258.

([34]) المصدر نفسه: 253.

([35]) انظر: كتاب بيانات هيئة علماء المسلمين بأجزائه الأربعة، وكتاب التصريحات الصحفية بجزأيه للهيئة أيضا، وكتاب اغتيال الكفاءات العراقية، لحسين رشيد، وسيف الجبوري.

([36]) انظر: بيان هيئة علماء المسليمن رقم (1388) الصادر بتاريخ: (1/7/2019م)، وبيان رقم (1466) الصادر بتاريخ: (5/4/2021م).

([37]) انظر: كتاب بيانات هيئة علماء المسلمين، بيان رقم (222): 1/356.

([38]) انظر: تقرير موقع العربي الجديد، بعنوان مصانع العراق المعطلة، الرابط:  https://www.alaraby.co.uk/economy/؛ وتقرير الجزيرة نت بعنوان: توقف 40 ألف مشروع صناعي بالعراق، بتاريخ: (9/8/ 2012م)، الرابط:

https://www.aljazeera.net/ebusiness/

([39]) انظر: تقرير بعنوان: البضائع الإيرانية تغزو السوق العراقية، في موقع الجزيرة نت، بتاريخ: (6/11/2015م)، الرابط:

https://www.aljazeera.net/ebusiness/

([40]) انظر: موقع روداو، الرابط: https://www.rudawarabia.net/arabic/business/12042022

([41]) انظر: موقع شفق نيوز، الرابط: https://shafaq.com/ar/

([42]) انظر: موقع عراق ألترا، الرابط: https://ultrairaq.ultrasawt.com/

([43]) انظر: بيان هيئة علماء المسليمن رقم (1388) الصادر بتاريخ: (1/7/2019م)، وبيان رقم (1466) الصادر بتاريخ: (5/4/2021م). بشأن مصادرة أراضي اللطيفية ومنطقة حزام بغداد.

([44]) انظر: بيان وزارة الزراعة وتصريح المتحدث باسم الوزارة حميد النايف، بتاريخ: (18/10/2021م)، في موقع صحيفة العربي الجديد، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/economy

([45]) انظر: تصريح الكاظمي في وكالة الأنباء الأردنية بتاريخ: (10/7/2021م)، الرابط:

https://petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=183106&lang=ar&name=news

([46]) انظر: موقع الحرة وتقريره عن أزمة الكهرباء في العراق، بتاريخ: (22/6/2022م)، الرابط: https://www.alhurra.com/iraq

([47]) انظر: موقع المدى برس الإخباري، بتاريخ: (31/7/2018م)، الرابط:

https://almadapaper.net/view.php?cat=212347

([48]) انظر: موقع العربي الجديد، أزمة كهرباء العراق، بتاريخ: (13/8/2022م)، الرابط:

https://www.alaraby.co.uk/economy

([49]) انظر: موقع الجزيرة نت، تقرير لماذا التدمير في مصفاة بيجي؟ بتاريخ: (8/2/2016م)، الرابط:

https://www.aljazeera.net/ebusiness

([50]) انظر: هذه الأحداث في كتاب بيانات هيئة علماء المسلمين حصاد الاحتلال الأمريكي للعراق، وكتاب التصريحات الصحفية للهيئة.

([51]) انظر: تصريح هويشار زيباري موقع الجزيرة نت، بتاريخ: ()، الرابط: https://www.aljazeera.net/news/arabic/2017/7/19/40

([52]) انظر: تصريح المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR في العراق، في موقع روداو، الرابط:

https://www.rudawarabia.net/arabic/interview/13072022

([53]) انظر: موقع العربي الجديد، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/society.

([54]) انظر: الخطة الخمسينية وإسقاطاتها في مملكة البحرين، الدكتور هادف الشمري.

([55]) انظر: في ذلك: بحث بعنوان السلطات الدينية وسياسة الأوقاف الإسلامية في العراق، حارث حسن، منشور في مركز مالكوم كير –كارنيغي للشرق الأوسط، الرابط https://carnegie-mec.org/2019/06/11/ar-pub-79283، وتقرير الجزيرة نت بعنوان: أوقاف السنة بالعراق التشيع أو التفجير، بتاريخ: (3/4/2017م)، الرابط:

https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews//، وموقع العربي 21، الرابط:

 https://arabi21.com/story/812862، وبيانات الهيئة وتصريحاتها الصحفية.

([56]) المصادر نفسها.

([57]) انظر: في هذا الصدد: كتاب بيانات الهيئة وكتاب التصريحات الصحفية، اللذان يوثقان حوادث قتلهم، وكتاب اغتيال الكفاءات العراقية.

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram