استبيان عن أطفال العراق في المهجر قسم الدراسات ينشأ الأطفال عادةً وسط بيت يكون لهم بمثابة الوطن، تعتاد عيونهم ألوان جدرانه، ويعتادون ممراته ومكان كل غرض من أغراضه وطبيعة توزيع الأثاث فيه فتراهم وهم يتسابقون في الحُجرات الضيقة بين المدافيء والآلات بدون أن يلتفتوا للنظر إليها متضاحكين ومتعاركين ومتنافسين بدون أن يسقطوا شيئاً من هذا المحيط الذي هم فيه، تأخذ أنوفهم رائحته مهما كانت لتخزنها في أذهانهم على أنّها رائحة الأمان، أو هي رائحة مملكتهم الخاصة بحيث يحسون باختلافها في البيت الغريب عن بيتهم بالانزعاج النفسي وعدم الارتياح التام الذي يجدونه في بيوتهم، وهكذا يتكون الإنسان في رحلة التأقلم مع محيطه ابتداءً من رحم أمّه ومروراً بمحيط بيت العائلة ثم المحلة والمنطقة بشوارعها ووجوه شيوخها وصغارها وشبابها ورجالها، ثم بيوت الأقارب والأصدقاء ثم مناطق هؤلاء الأقارب وأولئك الأصدقاء وشوارعها وأزقتها، ولا يكاد الإنسان يتجاوز المرحلة الجامعية أو ما يوازيها من الناحية العمرية حتى يتأقلم مع وطنه كله من الجنوب إلى الشمال، وبتسلسل هذا الانتقال وبطبيعة هذا التخطّي المنظّم الهاديء يستطيع الإنسان أن يحسّ في وطنه ككل، بنفس إحساسه الذي كان يعيشه في رحم أمه أو على الأقل في بيته الصغير، وهكذا ينشأ الإنسان الاعتيادي وهكذا يتعلم الانتماء للمحيط ويتعلم انتماء المحيط إليه، ومن هنا يعرف الفرد قيمة الوطن ومعناه. بهذا التسلسل وهذه الترتيبة. ولذلك فإن أي خلل في هذا التسلسل الطبيعي يعكس على الإنسان نفسه خللاً في فهم هذه القيمة المسمّاة (الوطن)، وفي فهم هذا المعنى المسمى (الانتماء). وفي تجربتنا التالية نتعامل مع فئة بسيطة من أطفال العراق الذين فقدوا هذا المعنى وهذا الانتماء أكثر من غيرهم، وذلك بسبب كثرة انتقالاتهم من وطن إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، ومن بيت إلى آخر ومن محيط منزلي إلى آخر ومن وجوه (عم) أو (خالة) سواء كان هذا العم هو أخاً لأبيهم أو هو العم صاحب الدكان القريب، وسواء كانت هذه الخالة هي أخت الأم أو هي الجارة الغريبة التي تزورهم، فأطفال العراق من هذه الشريحة لم يستطيعوا أن يعتادوا الوجوه لأنها كثيرة التغير، لم يستطيعوا حفظ تفاصيل الحي لأنهم سيتركونها بعد فترة وجيزة، لم يستطيعوا تكوين صداقات دائمية لأنهم رغم طفولتهم أدركوا أن هذا الصديق هو صديقٌ مؤقت، وأن هذا المنزل هو منزل مؤقت، لم يعرف الطفل العراقي من هذه الفئة إذن شيئاً واحداً ثابتاً إلا التغيير، فالتغيير هو الأمر الوحيد الثابت والحتمي في حياتهم. ولذلك فإن معالم الوطن الحقيقي لديهم مختلفة تماماً عن الصورة المثالية التي هي ثلاثية الوطن الطبيعية (الأمان، الاستقرار، التأقلم). لأن صورة الوطن الحقيقي في ذاكرتهم متكونة من ثلاثية أخرى وهي ثلاثية افتراضية غير معاشة تتلخص في (السمع، المشاهدة، الخيال)، فهم ينسجون صورة الوطن الموعود والذي يعلمهم آبائهم الانتماء إليه وأنه قيمة ذات قدسية في الحياة من خلال (قصص الأب والأم والتي لا تخلوا طبعاً من صور اعتقالات أو تشريد أو هروب، القنوات الإخبارية التي تنقل صور الوطن الدموية، ثم بعد ذلك ما ينسجه الطفل بين ما يسمعه وما يراه) ليكون بذلك كله صورة الوطن الذي يتحتم عليه أن يعمل لأجله وأن يكبر ليعود للإستقرار فيه. وبما أنّ صور العراق الحالية صعبة جداً ودموية إلى أبعد الحدود فإن الطفل العراقي الآن يواجه أزمة حقيقية يعيشها في خياله في كل يوم يتذكر فيه كلمة (العراق). فهي كلمة مهما حاول الآباء ترسيخها في ذهنه على اعتبارها (الوطن)، تبقى ذات معانٍ موحشة مخيفة خالية من أي شعور بالأمن أو الاستقرار أو التأقلم. وهي بالنتيجة المعنى الحقيقي الذي سيستخلصه عن هذا الوطن (الجنة الموعودة). وفيما يلي نماذج من استبيان قام به المركز على عينة من الأطفال في المهجر فيه آراء وتخيلات وطموحات وأمنيات.. نترككم معها كما وصلتنا: س1: هل تواجهك صعوبات في دراستك خارج العراق ؟ ج: الدراسة سهلة لكن لا يوجد في الدراسة الكثير عن العراق فقط أشياء قليلة في الاجتماعيات لكن قليلة جدا جدا. س2: هل تحب العودة للعراق ؟ ولماذا ؟ ج: أحب الرجوع للعراق وأتمنى هذا اليوم قبل الغد، وأنا مستعد لهذا حتى لو قلت لي الآن، لكن المشكلة هي الاحتلال الذي دمر بيوت الناس وخرب العراق، وعندما أتفرج بالتلفزيون على أخبار العراق أحس بألم شديد وخوف شديد. س3: ماذا تتذكر من العراق ؟ ج: أتذكر بيتنا وبيت (جدو)، وأتذكر النخلة في بيتنا وأنها كانت عالية جدا، وأتذكر البيوت هناك فيها حدائق كنا نلعب بها، وأتذكر الأقارب هناك أخوال وأعمام وغيرهم. س1: هل تواجهك صعوبات في دراستك خارج العراق ؟ ج: الدراسة متوسطة في سوريا لا نقول أنها صعبة أو سهلة، وبالرغم من أن المنهج السوري فيه شيء عن العراق وبقية البلاد العربية، لكن المعلومات عن بلدي قليلة ولا تغطي كل الجوانب لا من تاريخ العراق ولا جغرافيته. س2: هل تحب العودة للعراق ؟ ولماذا ؟ ج: نعم أحب العودة للعراق وعندي استعداد للعودة له، وبالرغم من الأخبار التي تتحدث عن الواقع السيئ للعراق وأهمها الجانب الأمني فأنا مستعد للعودة وتحمل كل شيء، لكن حقيقة هذه الأخبار تجعلني أشعر بحزن شديد والخوف على الأقارب الموجودين هناك. س3: ماذا تتذكر من العراق ؟ ج: أتذكر الجيران والعلاقات والأقارب وكثرة الزيارات بين الأهل والأقارب، وأتذكر طبيعة العراق الجميلة والمتميزة، ولاسيما الأنهار، فنهر دجلة وما يوجد على جوانبه من المتنزهات والمطاعم واجتماع الناس فيها. ومن جانب آخر أتذكر بألم منظر جنود الاحتلال الأمريكي وعرباتهم وهم يتجولون في الشوارع، وأتذكر كثرة الحواجز (الكونكريتية) التي تقسم الأحياء وتغلق الشوارع وتمنع الحركة بين المناطق. ج س1: نعم واجهتني صعوبات بسبب تغير واختلاف اللغة واللهجة في مصر.. وكرهت باص المدرسة المزدحم ذهابا وإيابا... وافتقدت لأبناء عمومتي للذهاب معهم للمدرسة. ج س2: نعم أحب العودة للعراق. وذلك لأرى بقية أهلنا وأقاربنا وأبناء عمومتي وأبناء أخوالي وخاصة المولودين حديثاً. وأحب أن أرى معالم بلدي العراق والتجول فيه ومعرفة مناطقه. واللعب مع أهلي وأقاربي في باحة بيتنا مع أبناء عمومتي ولتناول الأطعمة العراقية اللذيذة ولأعلّم أبناء عمومتي مهاراتي في اللعب. ج س3: أتذكر بعض الأحداث البارزة مثل زيارة أبي في المعتقل، وشكل بيتنا في الجامع.. وبيت جديّ لأبي وأمي.. وأتذكر سيارة عمل أبي.. وأتذكر عندما كنت ألعب مع أبناء عمومتي في سيارة عمي البيك أب، ولا أتذكر شيئا من آثار الاحتلال سوى منظر أبي في المعتقل وما أراه في التلفاز من آثار. ج س1: نعم واجهتني صعوبة في التعوّد على اللهجة المصرية وفهم الكلام بالمصري. وصعوبة الذهاب للمدرسة لأنها بعيدة وزحمة السير وصعوبة متطلبات المدرسة الكثيرة لأن مدرستنا خاصة ولا يسمح لنا بالتسجيل في المدارس الحكومية. ج س2: نعم أحب العودة للعراق بلدي الأصلي. وذلك لرؤية أهلنا وأقاربنا والعيش معهم وكي ألعب مع اولاد عمومتي وأولاد عماتي وخالاتي وأخوالي. ج س3: أتذكر الشيء القليل جدا وذلك لمضي السنين الست ونحن خارج بلدنا ولا نستطيع زيارة أهلنا أو العودة إليهم. ممكن أتذكر بعض صور بلدنا والأهل ولكن بمساعدة أمي وأبي وتصفح ألبوم الصور الخاص بنا. وانا لا أتذكر شيئا عن الاحتلال وآثاره ولكن رؤيتها من خلال التلفاز والأخبار لأن أبي يرى الأخبار بكثرة! ج س1: واجهت صعوبة في بعض الكلمات المصرية التي لا افهمها.. وفي كثرة الأنشطة المطلوبة منا في هذه السنة في المدرسة.. وتلوث الهواء مما يسبب لنا أمراضا كثيرة أثناء المدرسة الدوام. ج س2: لا أدري ؟! لأني جئت الى مصر وعمري سنتين. ج س3: لا أتذكر شيئا من العراق لني كنت صغيرا سوى ما نحتفظ به من صور لأهلنا وأقاربنا في العراق ويساعدني والديّ في معرفة أصحاب الصور.ولا أتذكر شيئا عن الاحتلال وآثاره. ج س1 : نعم لازلت أذكر اول يوم ذهبت فيه الى المدرسة برفقة والدي لقد كان يوما عصيبا صعبا علي لاني لا اعرف احدا من الطلاب واحسست باني ضائعة وغريبة ،اضافة الى اللهجة التي كنت لم اتقنها بعد ،وأذكر مرة تركني والدي في المدرسة وذهب لعمله فقضيت طول اليوم ابكي والانسة لا تستطيع ان تسكتني وعند انتهاء الدوام خرجت للشارع فلم اجد سيارة الخط التي استأجرها لي والدي فمشيت في الشارع وانا ابكي فتوقفت امراة بسيارتها وسالتني عن بيتي فاخبرتها فارجعتني الى البيت وقد حدثت مشكلة حين سمع والدي بذلك فاتصل بامي فاخبرته القصة ولكن المرأة التي اوصلتني وامي ووالدي اجمعوا كلهم على ان لا اركب مع احد لا اعرفه. ج س2: أحب بلدي العراق فهو يسري في دمي ويكفي انه بلدي واحس فيه انه يحتويني وان الناس هناك هم اهلي ومعارفي،اجمع من مصروفي بعض المال لاشتري الهدايا لبنات عمي وبنات خالاتي،احب العراق كحبي لابي فكلاهما انتمي له.اريد العودة للعراق وكلما سالت امي متى نرجع للعراق تقول عندما يتطهر من الاحتلال واعوانه الانذال،وانا اتمنى العودة الى العراق والدراسة فيه والعودة الى دارنا الذي اشتقنا اليه كثيرا. ج س3: العراق بلد له تاريخ وكلما تابعت البرامج عن العراق كلما ازداد حبي لبلدي ،أذكر منه صورا لبيتنا في بغداد وبيوت خالاتي وعماتي وأعمامي ، أذكر فيه وجه جدي الذي يضمني الى صدره ويقول الله يا ريحة أهلنا، ومع هذه الصور الجميلة أذكر صورا للاحتلال الامريكي الكريه أذكر أول مرة رايت فيها الدبابة الامريكية وهي تسير في شارعنا أصابني الرعب فحملني والدي وبصق عليهم وقال هؤلاء انجاس، وأذكر من بلدي صورة انطفاء الكهرباء وتقسيمها بين الوطنية والمولدة، وأذكر مرة اخرجونا من بيتنا ليلا ليفجروا كدس عتاد في أحد البيوت وقد كان انفجارا ضخما ارعبني واضاءت المنطقة من تفجيره. 8- الاسم: عبدالله النقيب. العمر: 9 سنوات. مقيم في جمهورية مصر العربية. ج س1: لم أتعرف على طبيعة منهاج العراق؛ لأني تركت العراق وعمري سنتين. ج س2: نعم أريد أن أعود إلى العراق؛ أنني أحب العراق ولأني أريد أن أرى جدي وجدتي وابن عمي، وخالتي رأيتهم على الأنترنت وأريد أن أراهم في العراق. ج س3: لا أتذكر شيء لأني كنت صغيرا عندما خرجنا من العراق. الصورة التي في خيالي عن العراق هو العراق غير جميل ومنظره غير جميل لأن الأمريكان فيه والمالكي موجود وأوباما اخذ النفط الذي في العراق وكل الذي يملكه أهلي. وأنا رأيت على التلفاز أبطال العراق يفجرون دبابات أمريكا. وأكره المالكي وأوباما لأنهم دمروا العراق وقتلوا العراقيين. ج س4: أحب أن يكون العراق محررا، وأرجع إلى العراق، وأرى جدي وجدتي وخالتي. 9- يوسف النقيب. العمر: 8 سنوات. مقيم في جمهورية مصر العربية. ج س1: لا أتذكر شيء؛ لأنني كنت صغيرا جدا عندما خرجنا من العراق وكان عمري سنة واحدة. ج س2: نعم العراق وأريد أن أرجع للعراق؛ لأني أحب العراق وأريد أن أرى جدو وبيبي واركب في سيارة جدي. ج س3: اني كنت صغير وما أذكر شيء من العراق. والعراق بيه أمريكان، وماكو كهرباء ولا ماء. وأكره الامريكان وأكره المالكي واريدهم يطلعون من العراق؛ حتى أرجع للعراق ونرجع واكو أمان. 10- بارق حسين – 9 سنوات - سوريا ج س1: أنا بدأت دراستي هنا في سورية لأني أتيت إليها وعمري 4 سنوات. ج س2: لا أحب الرجوع للعراق لأن الأوضاع الأمنية غير جيدة وأخاف على والدي وإخواني. ج س3: لا أتذكر الكثير، فقط أتذكر صديقي عبد الله، وأصوات الانفجارات والقوات الأمريكية والجيش يداهمون البيوت. 11- علي حسين – 11 سنة – سوريا ج س 1: كلا لم أواجه صعوبة لأني بدأت الدراسة هنا من الأول الابتدائي. ج س2: لا.. لا أحب العودة للعراق لخوفي على أهلي. ج س3: نعم أتذكر جيراننا وأقاربائنا وأصدقائي واللعب في الشارع، وأتذكر الأمريكان والحرس الوطني والمسلحين والشرطة والانفجارات. 12- غفران حسين – 13 سنة – سوريا ج س1: نعم واجهتني صعوبة في أول سنة دراسية عندما أتيت من العراق في الصف الثالث الابتدائي، أما الآن فليس هناك صعوبات دراسية. ج س2: نعم فهناك صديقاتي وأقربائي، وهنا ليس لدي الكثير من الصديقات خصوصا عدد كبير من صديقاتي هنا رجعن للعراق مع أهلهم، كذلك حنيني إلى بيتنا في العراق. ج س3: أتذكر أقربائي وأهلي وبيتنا ومنطقتنا وزميلات الدراسة، وكذلك الانفجارات والمداهمات والأمريكان والحرس الوطني. 13- طيبة 8 سنوات مقيم في مصر ج س1: نعم واجهتني صعوبات. ج س2: نعم، لان العراق بلدي وهو جميل وانا أُحبه. ج س3: أتذكر صور كثيرة ومنها خطف طفل جيران بيت جدي وأتذكر صور صديقاتي ونحن نلعب سوية امام بيتنا وانا اشتاق كثيرا للعودة الى العراق. 14- الحارث البصري 10 سنوات مقيم في مصر ج س1: نعم بسب تغير المناهج. ج س2: نعم لأنه بلدي ولان جميع أهلي هناك. ج س3: أجل أتذكر صور اهلي كيف كنا نلعب ونمرح ونضحك أما الاحتلال فلم تكون هناك أي صور غير الدماء والانفجارات والاموات وأثاره أبعدنا عن الأهل والأحبه والأصدقاء حرم الكثير من الأطفال من والديهم الكثير من الأمهات أزواجهن وأولادهن. 15- سارة البصري 12 سنة مقيمة في مصر ج س1: أكيد أشعر بصعوبة لانني ابتعدت عن صديقاتي ومدرساتي بعد أتعودت عليهم ج س2: أريد العودة باسرع وقت كي أرى أهلي وصديقاتي وجيراني وأن أرجع للدراسة في وطني العراق الحبيب. ج س3: أتذكر المنطقة والمحلة التي كنت اعيش فيها وأتذكر أقربائي وأهلي وجيراني، أما الاحتلال فهو يذكرني بالموت والخوف والدمار وهو سبب بعدي عن بلدي وأحبائي. 16- سارة نصير 6 سنوات مقيمة في سوريا ج س1: لا لم أواجه صعوبة في دراستي خارج العراق لأنني أتيت إلى سوريا وأنا صغيرة وكان عمري سنة ونصف لذلك كانت بدايتي في المدارس السورية ولم أشعر بفرق المواد الدراسية. ج س2: لا أرغب بالعودة لأنه غير آمن. ج س 3: لا أذكر شيئا عنه سوى ما تحكي لي أمي عنه. 17- الطالب عبدالرحمن العمر 15 مقيم في سوريا ج س1: واجهتني صعوبات كثيرة في الدراسة بسبب الانتقال من العراق إلى بلد آخر منها إشكالات اللهجة وتغيير الكثير من المصطلحات العلمية وتغييرها بشكل مغاير تماماً عما كنت تعلمته في أساس المدارس هناك مصطلحات علمية ثبتها في ذهني باعتبار أنني درستها في المدارس العراقية، ولما انتقلت إلى البلد المضيف اختلفت أغلب محتويات المواد الدراسية، كما أنني لاقيت صعوبات في اختيار الأصدقاء، ونظرتي لفكرة الأصدقاء أصبحت مشوشة بسبب الانتقال في البلد المضيف من مكان إلى آخر. ج س2: أتمنى العودة إلى العراق وأتشوق لذلك.. للعودة إلى أصدقائي الذين تعرفت عليهم في طفولتي، كما أن الدراسة هناك أفضل باعتبار العودة إلى المناهج واللهجة العراقية التي أفهمها والمصطلحات العملية التي أخذتها في دراستي الأولى.. كما أن المنافسة هناك أعتبرها أفضل وخصوصاً البيئة التي تؤثر عادة في التنافس في الحصول على تحصيل دراسي أفضل لأن المحيط من الأقارب والأصدقاء يوفران ذلك. ج س3: أتذكر العراق دائماً وأذكر أقاربي وقد كنت بينهم وأراهم في كل يوم واليوم أنا حرمت من رؤيتهم، وأذكر أن الاحتلال كان له تأثير كبير في تدني المستوى التعليمي في المدارس. 18- عبدالملك العمر 13 عاماً مقيم في سوريا ج س1: هل تواجهك صعوبات في دراستك خارج العراق الجواب: أنا سجّلت في مدارس البلد المضيف وتعلّمت لهجة المعلمين والمعلمات. ج س2: وأتمنى أن أرجع للعراق، وأشعر أن لا فرق بين العراق وبين البلد المضيف، وأريد العودة للعراق للعيش بين الأهل والأقارب، ج س3: لا أذكر شيئاً عن العراق سوى من كلمات أخوتي وأبي وأمي. 19- الاسم: نبأ ثامر العلواني، العمر: 6 سنوات البلد المقيم فيه: جمهورية مصر العربية ج س1: احب العوده للعراق لكن بعد ذهاب الجندي الامريكي لوطنه البعيد ج س2: نعم أتذكر صور اهلي وأتذكر عندما سافرت الى العراق في 2009 وكانت جدتي مريضه بسبب جنود الاحتلال السيئين يقتلون الناس الطيبين انا لا احبهم . ج س3: نعم اريد اكمال دراستي في العراق ولكن كيف اترك مدرستي ومعلمتي وصحابي!، هل ساجد اصحاب اخرين طيبين ومعلمه طيبه اخرى اجد صعوبه بالتعرف على اصحاب جدد؟ ج س4: أتمنى ان يرحل الجنود السيئين من بلادي العراق وان يعيش الناس الطيبين بسلام واتمنى ان نعود جميعنا للعراق. 20- ياسر عبد المنعم، العمر 6 سنوات / المقيم في جمهورية مصر العربية ج س1: نعم واجهتني صعوبات ج س2: نعم، لان العراق بلدي وهو جميل وانا أُحبه ج س3: أتذكر صور كثيرة ومنها خطف طفل جيران بيت جدي وأتذكر صور صديقاتي ونحن نلعب سوية امام بيتنا وانا اشتاق كثيرا للعودة الى العراق. 21- ضاري الجميلي/ 13 سنة/ مقيم في مصر منذ 2008م ج س1: واجهت صعوبة محدودة بعد انتقالي من العراق خاصة في اللغة الانكليزية لأنهم قد سبقونا في تدريس اللغة الانكليزية. ج س2: نعم ... لأنني متضايق هنا وكذلك لوجود أقاربي هناك. ج س3: أصدقائي في المدرسة .. الأقارب.. أتذكر الانفجارات القريبة من البيت.. أتذكر مداهمة الأمريكان بغياب والدي وقد خفت كثيرا. وأتذكر اللعب في حديقة البيت مع أصدقائي من الجيران. 22- بلقيس الجميلي/ 11 سنة / مقيمة في مصر منذ 2008م ج س1 : نعم واجهت صعوبة كبيرة خاصة في الانكليزي والفرنسي والرياضيات. ج س2: نعم... لأن الدراسة كانت سهلة في العراق.. وكذلك أحب صديقاتي في العراق وأمنى ان ألتقي بهن.. واشتقت لأعمامي وأخوالي. ج س3: أتذكر المدرسة.. أتذكر البيت والجلوس في الحديقة.. أتذكر الامريكان في الشارع القريب على البيت.. أتذكر مداهمة الأمريكان للبيت. وأتذكر زيارة أعمامي وأخوالي والمبيت عندهم والجلوس في الصباح سوية. 23- عبيدة الجميلي/ 15 سنة/ مقيم في مصر منذ 2008م ج س1: صعوبات بسيطة في الرياضيات والانجليزي لتغير المناهج الدراسية. ج س2: نعم.. لأنني مشتاق لأعمامي وأخوالي وأصدقائي والأهم أن العراق وطني ولدت وترعرعت فيه. ج س3: أتذكر المدرسة وبيتنا الجميل وأتذكر وانا ألعب على الدراجة الهوائية حينما قطع الأمريكان الطريق ووجهوا سلاحهم نحوي فخفت وتجمدت في مكاني. وأتذكر مداهمة الأمريكان لبيتنا وكنت في الحديقة.وأتذكر سفرتنا الجميلة الى الموصل وسامراء وأتذكر زياراتي الى الاقارب. 24- قطر الندى الجميلي/ 9سنوات/ مقيمة في مصر منذ 2008م ج س1: لا.. لم اجد صعوبة. ج س2: نعم .. لأنني مشتاقة لأقاربي. ج س3: أتذكر زياراىتي للأقارب وأتذكر بيتنا وحديقته وأتذكر عندما هجم الأمريكان على بيتنا ودخلوا الى البيت وكنت خائفة. 25- المعتصم الجميلي/ 11 سنة/ مقيم في مصر منذ 2008م ج س1: لا لم تواجهني صعوبة. ج س2/:نعم.. مشتاق لبيتي في العراق ولأصدقائي في المدرسة ومشتاق لأعمامي وأخوالي. ج س3: أتذكر بيتنا وحديقته الجميلة وأتذكر المدرسة واصدقائي فيها وأتذكر جاري الحاج ابو احمد وأتذكر الأمريكان عندما داهموا بيتنا وكنت خائفاً وأتذكر عندما حصل انفجار قوي قرب البيت وكنت نائما. 26- عبد الرحمن الدهمشي/ مقيم في مصر. ج س1: الصعوبة المالية التي يواجهها والدي فمبالغ الدراسة قد تكون أصعب من المناهج الدراسية وايضا التغيير في المناهج هنا. ج س2: نعم أحب العودة للعراق رغم الهدوء والجمال في مصر ولكن العراق في نظري أفضل من أي بلد في العالم فأهلي في العراق أحلى من أي شيء ومهما كانت المناظر في مصر والناس طيبون واخوة لنا فالغربة أصعب أمر. ج س3: أتذكر كل شارع وأتذكر الناس الكرماء وطيبة شعب العراق وأصالة ناسه وكل منطقة فيه فهو يزداد حبه في قلبي مهما بعدت المسافة بيني وبينه. 27- يسر – 6 سنوات – ماليزيا ج س1: نعم. ج س2 : نعم لعدم شعوري بالاندماج مع زملائي في الغربة وكثرة تغير أصدقائي ج س3: لا أتذكر سوى الصور وتسجيلات الفيديو لأنني ولدت خارج العراق لكني ابي وأمي يحدثونني عنه كثيراً لذلك أشعر بحبه في قلبي. ************* وبعد استعراض واستقراء عموم الأجوبة نجد أنها تدور من حيث الجملة في فكرة واحدة وهي: فهذه ذاكرة أطفال العراق التي لا تحلم إلا بوطن يأويهم لينطلقوا من خلاله إلى طموحاتهم العفوية، وأما أطفال غير العراق فيحلمون بأن يكون طياراً أو ضابطاً في الجيش وما شابه ذلك من الأحلام التي تعكس شخصية الطفل، فمن يا ترى يتحمل هذه المعاناة التي خلفها الاحتلال الأمريكي لأطفال العراق هل الاحتلال نفسه ومعه الحكومات التي نفذت أجنداته أم الأب الذي لا يستطيع أن يوفر لهم المأوى المناسب كما يريد طفله؟؟. وبعد هذا العرض لهذه العينة من أطفال العراق في الخارج توجهنا بالسؤال للدكتور محمد عبد الله أستاذ علم النفس في جامعة بغداد للتعليق على هذه الأجوبة وتحليلها من الناحية النفسية والتربوية فرد قائلاً: إن الظروف المأساوية التي مر بها المجتمع العراقي خلال السنوات التسع العجاف التي أعقبت الاحتلال الأمريكي البغيض وما نتج عنه من تأثيرات سلبية طالت كل مفاصل حياة الأنسان العراقي صغيرا كان أم كبيرا، رجلا أم أمرأة ! لكن ما يدمي القلب ويرهق النفوس هو أن تأثير ذلك كان على الأطفال الصغار أضعافًا مضاعفة، فهذه الطيور الحالمة والكائنات البريئة الغضة التي تنعش الحياة ببراءتها وضحكاتها، اغتالتها قوى غاشمة لا تعرف معنى الإنسانية فهم يتشدقون بشعارات زائفة مثل الحرية وحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة والديمقراطية،.. وما إلى ذلك من شعارات ظاهرها خادع ولكن حقيقتها وباطنها هو قتل الإنسانية والطفولة بأبشع صورها والتي أرهقت ذاكرتنا بمشاهدها اليومية، فما بالكم بالطفولة الحالمة بالحياة والأمل، ما ذنبهم جاؤوا إلى هذه الحياة ليروا كل ما تشيب له رؤوسهم من تخويف وإرهاب وقتل وتهجير وفراق وحزن وألم وذكريات ضائعة في ثنايا ركام خراب البلد والوطن وأشلاء تناثرت وسط الكتب ومحابر الأقلام،... ظروف أجبرت هؤلاء الصغار على الرحيل مع ذويهم بعيدا عن أحبائهم وزملائهم ومعلميهم وأقربائهم وذكرياتهم وأماكن لعبهم ولهوهم. إن الغالب في إجابات هؤلاء الأطفال العراقيين الأبطال هو شدة حنينهم إلى الوطن وتعلقهم بتراب آبائهم وأجدادهم، هذا التشبث السامي الذي يعبر عنه بالمعاناة النفسية المليئة بالألم النفسي الممزوج بالقلق والخوف الناتج من الابتعاد عن الوطن والغربة النفسية التي تذكر بكل ما يمت للعراق، فالغربة حالة انفصال عن الوطن الأم، وقد تكون حالة ولادة جديدة فتحتاج إلى مراحل التكيف التي يتدرج فيها الطفل حتى عتبة الفطام النفسي، وقد تكون مخاضًا متعسرًا تنتج عنه تشوهات سلوكية أو جراحات نفسية أو تأخر في النضج الانفعالي أو نكوص نتيجة الإحباط في مجابهة صراعات الإقبال والإحجام. إن سيكولوجية الغربة هي مجموعة هذه الصراعات الشعورية واللاشعورية، مشاعر الإحباط النفسي والتوتر العاطفي، ولا يتم التكيف إلا إذا تميزت الشخصية بالسمات السوية المتمثلة في الاستقلال، ويعني القدرة على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية في أتخاذ القرار بحيث لا تتفتت إرادة الفرد حين يجد نفسه مضطرا لاتخاذ قرارتهِ بنفسهِ، والاستقلال لا يعني إلغاء التعامل مع وجهات نظر الآخرين، فكلما ضعفت سمة الاستقلال كلما كان تأثير الغربة أكثر سلبية حين تتعدد أمام الفرد الاختيارات، ثم تأتي سمة التحكم في الذات وهي القدرة على توجيه السلوكيات والانفعالات إلى أهدافٍ منطقية تحقق أغراضه، ثم يأتي عامل التكيف وهي مأساة المغترب، فرغم إيجابيات الشخصية وعوامل الدفع والجذب فإن التكيف هو القناة الأمثل لانفعالات الإنسان لتكون أكثر انسجاما مع البيئة الجديدة، وسمة حب الآخرين ضرورة حياتية لتقوية الشعور بالانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد رغم التعدد في الاختلاف والكثرة في التنوع، ومن أهم سمات الشخصية التي تتأثر بسيكولوجية الغربة وتشكل سلوك المغترب هي تعدد الاهتمامات فالشخصية السوية متنوعة الاهتمامات من النزوع إلى الراحة النفسية. فبالرغم من بضعة سنين من طفولتهم البريئة عاشوها في بلدهم، ومنهم من لم يعشها بل سمع من والديهِ أو رآها من خلال الصور لأنهم ولدوا خارج بلدهم إلا أن ذكرياتهم غضة بعمر الورد لكل رموز الوطن وتفاصيلهِ فهذهِ النخلة الباسقة بشموخها لتعبر عن عنفوان العراق وطول باعهِ وصبرهِ في مجالدة المحن والأهوال ضد محتلٍ غاصب وأعوانهِ الخائبين الذين هجروا أبناءَ الوطن الشرفاء بإطلاق يد ميليشياتهم الغادرة. ويتضح من إجاباتهم أيضا ذلك الحنين إلى العلاقات الاجتماعية والزيارات بين الأهل والأقارب وما تمنحهُ من القرب النفسي مع الآخرين من نفس أبناء الوطن لأن جماعة الرفاق والزملاء تقوم بدور مهم في عملية التنشئة الاجتماعية وفي النمو النفسي والاجتماعي فهي تؤثر في معاييرهِ الاجتماعية وفي قيمهِ وعاداتهِ واتجاهاته وطريقة تعاملهِ لصحبتهِ وتمكن لهُ القيام بأدوار اجتماعية متعددة لا تتيسر لهُ خارجها ففي هذهِ الجماعات يعيش الفرد ويكتسب من خلالها مجموعة من الأنماط السلوكية وتتوقف نوعية هذه الأنماط على نوعية هذه الجماعات وطبيعة العلاقات القائمة فيما بين أفرادها والروابط التي تربطهم مع بعضهم بعضاً، فضلاً عن المركز الذي يحتلهُ الفرد في الجماعة، والأدوار التي يمارسها، إذ يشير مفهوم الانتماء إلى الحاجة الأساسية لصحبة الآخرين؛ إذ إننا نكون في بعض الظروف أكثر حاجة إلى الانتماء وأكثر ميلاً للبحث عن صحبة الآخرين مما نكون عليهِ في ظروفٍ أخرى، ومن الأمثلة على هذهِ الظروف الانتقال إلى منطقة أو مدينة جديدة أو بلداً أو انقطاع علاقة وثيقة. كما أظهرت الإجابات الحنين إلى طبيعة العراق بكل سهولهِ وتضاريسهِ ولاسيما رمزيهِ الرافدين دجلة والفرات، وما يقابله من صورة مأساوية طبعت في أذهان الأطفال تتمثل بمنظر المحتل المدجج بالسلاح الذي يجوب شوارع وأزقة الوطن ليحكمه بالسلاح والنار، وليس بعيدًا عن هذه الصورة الصماء التي امتلأت بها شوارع بغداد ومدن العراق ألا وهي الحواجز الخرسانية التي حولتها إلى معتقلٍ كبير وأحياء مسجونة بقوة السلاح لتضيع مباهج الحياة والحرية التي زيفتها شعاراتهم الخائبة. لكن رغم هذا الفراق والألم والحنين إلى الوطن يبقى هناك الأمل بالعودة وهو أمل يداعب مخيلتهم النابضة بحب العراق رغم كل الصعوبات التي تواجههم وخاصة صعوبات التواصل في بلاد الغربة.