انتفاضة الشعب العراقي وإرادة التغيير.. تقرير توثيقي عن التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في العراق

13 أكتوبر, 2021

د.ناصر خليف

بداية التظاهرات

شهد العراق خلال الشهرين الماضيين تظاهرات ضخمة فاقت في مداها وسعتها زخم التظاهرات التي خرجت في العام 2010م في البصرة والديوانية والتأميم والنجف وكربلاء والموصل؛ احتجاجاً على انعدام الخدمات وحرمان المواطنين من الكهرباء والماء وأبسط الخدمات.. وكان الدافع الأول لجموع العراقيين وهي تخرج هذه المرة في ثورة شعبية عارمة؛ هو المطالبة بإقالة المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات، وتوفير الكهرباء وتحسين الخدمات الأخرى، وتوفير مواد البطاقة التموينية وتحسينها وتقديم خدمات طبية تناسب الوضع  المتردي والمأساوي في المحافظات كلها.

ففي يوم 12/2/2011، خرجت تظاهرات كبيرة يقودها شباب العراق في البصرة، وبابل، وبغداد، والأنبار، والموصل، وكركوك، رفعوا خلالها شعارات التحرير، وأخرى تطالب بتحسين الوضع الأمني والخدمي وتوفير فرص العمل وإطلاق المعتقلين وإيقاف عمليات الاعتقالات العشوائية.ونظم عدد من المثقفين العراقيين مظاهرة كبيرة في شارع المتنبي وسط بغداد، وجهوا فيها دعوات إلى العراقيين للخروج بمظاهرات واسعة في جميع أنحاء البلاد. وفي يوم 14/2/2011، قمعت السلطات الأمنية بشدة مجموعة من الشباب الذين كانوا يعتزمون التظاهر والاعتصام في ساحة الفردوس.

الموقف الحكومي

تفاجأ السياسيون في حكومة الاحتلال من ثورة الشعب الغاضب في الوهلة الأولى، لظنهم أن الأساليب الوحشية والإجرامية من القتل والإبادة والتغييب القسري التي مارسوها مع الشعب كفيلة بصده عن رفع صوته من الألم ووحشية جلاّدي الحكومات المتعاقبة للاحتلال، وقابلوا الغضب الشعبي بالصمت ولم يخرجوا بأية تصريحات للجماهير الغاضبة، خوفاً على مناصبهم من أن أي تصريح قد يؤدي إلى تصاعد الغضب الشعبي ضدهم؛ لأنهم ربطوا أنفسهم بمفهوم السلطة ومكاسبها الشخصية لا بتلبية مطالب الشعب.

واكتفى ما يسمى مجلس النواب ببعض التصريحات المقتضبة في بعض جلساته، أطلقها بعض أعضائه مدعين أنهم مع المظاهرات؛ وذلك فيما يبدو خوفاً  من  وصول هذه التظاهرات إلى سقف إنهاء عمل المجلس وصولاً إلى انتخابات مبكرة؛ لفشله في معالجة ملفات الفساد التي دمّرت واقع الشعب العراقي وعدم محاسبة المسؤولين الفاسدين بجدية، وأنهم كانوا يكتفون بمقابلات للمجاملة ليس إلاّ؟!.

وكما توقع كثير من المتظاهرين فقد كان بعض المسؤولين الحكوميين يخرجون لمقابلتهم وتَسلُّم مطالبهم ثم يتبين لهم أن تلك الأفعال لم تكن إلاّ لغرض امتصاص الغضب الجماهيري المتصاعد دون أدنى تحقيق لمطلب للجماهير، حتى ترسخ يقين عند المتظاهرين والمحتجين العراقيين أن الحكومة لا تملك أي استعداد لتلبية أي مطلب من المطالب على الرغم من بساطتها، وترسخت لديهم قناعات أن هذا السقف من المطالب سيجعلهم يراوحون في مكانهم أمام صدود الحكومة والمسؤولين الفاسدين، الذين يعرفون - هم قبل غيرهم - أن الاستجابة للمطالب البسيطة يعني انكشاف الفساد الحكومي الذي نخر في المؤسسات والأجهزة الحكومية.

وتطورت التظاهرات يوماً بعد يوم حتى وصلت إلى الدعوة إلى خروج الموطنين في  مظاهرات واسعة أطلق عليها "ثورة الغضب العراقي" يوم الجمعة 25 فبراير/شباط في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد. وفعلاً انطلقت الشرارة الأولى لثورة وعد بها الشعب العراقي، واتخذ قرارها بنفسه، وقد جعل من هذا اليوم الثاني والعشرين من ربيع الأول من عام 1432هـ الموافق الخامس والعشرين من شباط من عام 2011 محطة للوفاء بالوعد وتنفيذ القرار تحت اسم (جمعة الغضب).

التظاهرات في ساحة التحرير:

  1. جمعة البداية (جمعة الغضب):  كانت بتاريخ 25/2/2011 خرج أبناء العراق في تظاهرات سلمية يوم الجمعة التي أطلقوا عليها(جمعة ثورة الغضب العراقي). حيث انطلقت التظاهرات في جميع المحافظات العراقية على الرغم من محاولات الأجهزة الحكومية اليائسة لإجهاض هذه الثورة المباركة والحيلولة دون تحقيق مكاسبها المشروعة.
  2. جمعة الشهداء: في يوم 4/3/2011 خرج الشعب العراقي في أغلب محافظات العراق، واحتشد الآلاف من العراقيين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد للمشاركة في تظاهرات(جمعة الشهداء)على الرغم من الانتشار المكثف للقوات الأمنية الحكومية حول الساحة وفي الشوارع المؤدية إليها. وقد سميت هذه الجمعة من قبل عدد من المتظاهرين باسم(جمعة الكرامة والندم على انتخاب الفاسدين).
  3. يوم الندم: بتاريخ 7/3/2011 حيث خرج العراقيون بمناسبة مرور عام على الانتخابات الأخيرة؛ ليعلنوا ندمهم على المشاركة فيها. وكانت أبرز مظاهر هذا اليوم الحاشد اصرار المتظاهرين على صبغ اصابعهم باللون الأحمر بدل اللون البنفسجي، وعضهم لأصابعهم في مشهد مؤثر يدل على مدى الندم الشديد على المشاركة في تلكم الانتخابات التي مضى عليها عام ولم يكتمل حتى الساعة تشكيل الحكومة التي تمخضت عنها.
  4. جمعة الحق: بتاريخ 11/3/2011، خرج العراقيون في تظاهرات أطلق عليهما تظاهرات (جمعة الحق) في محافظات العراق، وسط إجراءات أمنية مشددة فرضتها القوات الأمنية الحكومية ضد المتظاهرين لمنع المواطنين من التظاهر للمطالبة بحل الحكومة. وخرجت التظاهرات في مدن: بغداد (ساحة التحرير) والموصل (ساحة المنصة) وتلعفر، وعدد من محافظة ذي قار  وعدد من محافظة الأنبار، وعدد من محافظة البصرة، وعدد من محافظة القادسية،  ومدينتي السليمانية وكرميان.
  5. جمعة (المعتقل العراقي) بتاريخ 18/3/2011، خرج العراقيون في تظاهرات حاشدة في يوم سموه (يوم المعتقل العراقي)، حملت فيه الأمهات صور أبنائهن المعتقلين، وجعلت كل واحدة منهن تروي لوسائل الإعلام قصتها، فامرأة اعتقلوا ابنها الوحيد منذ سنوات، ولا تعلم حتى اللحظة عنه شيئا، وأخرى اعتقلوا أولادها الثلاثة، وثالثة اعتقلوا زوجها، وهكذا روى الآباء والأبناء قصصا مماثلة في مشهد يتقطع له القلب. وفي اليوم والوقت ذاته خرجت تظاهرات كبيرة في الأنبار والفلوجة والموصل، ومناطق أخرى يستذكرون فيه اليوم الأسود الذي شرع فيه الأمريكيون بقيادة أكبر حملة في العصر الحديث للإبادة البشرية.
  6. جمعة الرباط: في 25/3/2011 خرج الآلاف من المواطنين في ساحة التحرير ببغداد وبقية محافظات العراق احتجاجاً على الفساد الحكومي والاستبداد الذي تنتهجه الأجهزة الحكومية القمعية في إجرامها ضد الموطنين، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. ومنعت القوات الحكومية الكثير من المتظاهرين من الوصول إلى مكان تجمع التظاهرات ولاسيما في ساحة التحرير، كما منعت الوكالات الإعلامية من تغطية التظاهرات.
  7. جمعة ربيع الكرامة: وفي يوم 1/4/2011 خرج أهالي العاصمة بغداد للقيام بمظاهرة كبرى تحت اسم (جمعة ربيع الكرامة) وطالب فيها المتظاهرون بإطلاق سراح المعتقلين والقضاء على الفساد المستشري في الدوائر الحكومية. وشهدت هذه التظاهرة تصاعد المطالب وارتفاع سقف الشعارات ووصولها الى عتبة المطالبة بخروج الاحتلال وانهاء العملية السياسية. وقامت القوات الحكومية بالانتشار في محيط ساحة التحرير في سعي منها لمحاولة إجهاض هذه المظاهرة.

مطالب المتظاهرين

شهدت محافظات العراق تظاهرات كبيرة رفع المتظاهرون فيها شعارات تطالب بتحسين الوضع الأمني والخدمي بالمحافظة وتوفير فرص العمل وإطلاق سراح المعتقلين وإيقاف عمليات الاعتقالات العشوائية والمطالبة بإقالة المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات، وهي تعني بمجموعها إسقاط حكومة المالكي التي سلطت عليهم المسؤولين الفاسدين وفق تركيبة سياسية طائفية وعرقية مقيتة. وانتقلت الشعارات بعد ذلك إلى رفع مطالبها والمناداة برحيل الاحتلال وتحرير العراق وإزالة كل المظاهر الفاسدة التي نتجت عن الاحتلال.

وتظاهر مئات المحامين العراقيين في بغداد وكربلاء والرمادي ومدن أخرى للاحتجاج سلمياً على نقص الخدمات وعدم السماح لهم بزيارة السجون لتحريك دعاوى عشرات الآلاف من المعتقلين الأبرياء لإطلاق سراحهم. وقد اتهموا الحكومة بالحيلولة دونهم ودون ذلك، واعدين بتكرار مظاهراتهم حتى تنفيذ مطالبهم. وفي هذا السياق تجمع نحو 500 محام مع عدد من شيوخ العشائر أمام نقابة المحامين في بغداد وهم يرفعون لافتات تطالب الحكومة بـالالتزام بالقانون وتطبيقه وتوفير الخدمات للشعب العراقي ومحاسبة المفسدين.

كما خرجت تظاهرات في محافظة واسط، منها واحدة نظمها محامون، وأخرى نظمها مواطنون احتجاجاً على الفساد الحكومي في المحافظة وانعدام الخدمات للسكان، وخرجت مظاهرة أخرى أمام مجلس المحافظة للمطالبة بإقالة المحافظ ومجلس المحافظة بسبب سوء الإدارة والفساد. وكذلك كانت الحال في محافظات ميسان والنجف والقادسية والبصرة وذي قار.

أما في شمال العراق فقد خرجت تظاهرات كبيرة في السليمانية والتأميم والموصل ضد قمع مليشيات الأحزاب الكردية الحاكمة هناك، وإجرامها ضد الشعب الكردي. وقد اتخذت هذه التظاهرات في السليمانية طابع الاستمرارية حينما اعتصم المتظاهرون في (ساحة السراي)التي تحول اسمها إلى (ساحة الحرية) وسط المدينة الى حين تحقيق مطالبهم، ومازال اعتصامهم مستمرا وقد دخل شهره الثاني.

وقد أثبتت الحكومة في بغداد والسلطات في شمال العراق؛ أنها فاشلة في مواجهة المطالب البسيطة للمتظاهرين وأظهرتا مكابرة مستهجنة في عدم استعدادهما ولو لسماع المطالب، كما أنهما أبدتا تعنتاً إزاء المطالب مما يدل على أنهما غير مستعدتين لتلبية المطالب.

الشعارات المرفوعة

ردد المتظاهرون في تظاهراتهم وتجمعاتهم واعتصاماتهم هتافات تدعو إلى التغيير والاصلاح وخروج الاحتلال وإلغاء الدستور ورفض الفيدرالية والقضاء على الفساد الإداري والمالي وسرقة المال العام ومعاقبة المسؤولين الفاسدين وتوفير الخدمات وفرص العمل للعاطلين. ورفعوا شعارات مثل: (لا للمفسدين.. لا للحاقدين.. لا للاعتقالات)، و(عاش العراق.. عاش الجيش.. عاش أهل العراق)، و(نطالب بالتغيير) و(الشعب يريد تحرير العراق)، و(المالكي شيل إيدك هذا الشعب ما يريدك)، و(اليوم مظاهرة وغداً ثورة)، وشعارات أخرى تندد بالطائفية وتعزز من وحدة العراق. فضلاً عن هتافات أخرى ضد مجالس المحافظات عدتها مجالس "خيانة وسرقة".

المواجهة الحكومية للتظاهرات

في كل تظاهرة تستعد الحكومة القمعية الفاسدة قبل أيام من خروجها لفرض حظر التجوال على حركة المركبات والمواطنين للحيلولة دون وصول المواطنين إلى أماكن تجمع التظاهرات. وكان ثلاثة متظاهرين في قضاء الحمزة الشرقي أصيبوا في تظاهرة خرجت يوم الخميس بجراح على خلفية قيام أفراد من القوات الأمنية بإطلاق النار في الهواء وبطريقة عشوائية لتفريق متظاهرين.

ومع انطلاقة جمعة البداية يوم 25/2/2011 بطشت الأجهزة القمعية للحكومة كما هو متوقع لها بالمواطنين الأبرياء الذين تظاهروا بشكل سلمي، مطالبين بحقوقهم المضيعة، وبتوفير الخدمات الضرورية للحياة، وبمحاسبة الفاسدين الذين أتوا على أموالهم، وهدروا ثرواتهم.

ولم تكتف الاجهزة الأمنية بعمليات القتل والاعتقال خلال قيام التظاهرات، والملاحقة للمتظاهرين في الأزقة والطرقات، بل بدأوا بمعاقبة الناس جميعاً، ففرضوا حظر التجوال على كثير من المناطق التي خرج أهلها للتظاهر، كما في سامراء والفلوجة وذي قار والناصرية والموصل وغيرها، وتم مضايقة ذوي الشهداء - الذين سقطوا في التظاهرات - من دفن شهدائهم. وقد تكررت هذه الصورة في محافظات العراق كلها تلك التي خرج أهلها للمشاركة في التظاهرات من شمال العراق إلى جنوبه.

وأشرف المالكي بنفسه على صفحة الجرائم التي ارتكبت ضد المتظاهرين بكل تفاصيلها، وكلّف قادة الأجهزة الأمنية بممارسة جميع الأساليب الوحشية التي تكفل عدم توسع دائرة الاحتجاجات ضد حكومته الفاسدة والمطالبة بإسقاطها، وكان "كمال الساعدي" أحد مساعديه من حزب الدعوة ومن أعضاء قائمته المميزين يشرف بنفسه على القمع الوحشي للأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين. كما تم اتباع أسلوب إغداق الأموال ولاسيما على عدد من شيوخ العشائر كـ(هدايا مادية ومسدسات).

كما تم توجيه قادة الفرق العسكرية في مناطق العراق جميعاً لمقابلة الوجهاء ورؤساء الدوائر الحكومية لتوجيه التهديدات لهم بمنع كل من ينوي الخروج للتظاهرات وتقديم أسمائهم للأجهزة الأمنية لتقوم باعتقالهم، وأن كل شيخ عشيرة أو وجه عشائري أو رئيس دائرة حكومية لا ينفذ التعليمات فإنه سيعرض نفسه للاعتقال المهين. ونُقل عن عضو مجلس محافظة القادسية (فارس ونّاس) قوله: "إنه سيسحق رؤوس المتظاهرين". كما أعلن محافظ صلاح الدين: "أنه سيتعامل مع المتظاهرين باعتبارهم (إرهابيين)".

وقامت القوات الحكومية بناءً على هذه التوجيهات بقمع المتظاهرين بشتى الأساليب، وفرضت حظراً للتجوال في جميع أنحاء العراق، إلى الحد الذي منع فيه الناس من مغادرة بيوتهم لأداء صلاة الجمعة أو إيصال المرضى للمستشفيات. كما قطعت الجسور التي توصل بين أطراف كل مدينة، ولاسيما العاصمة بغداد ومحافظة نينوى التي تكرر فيها المشهد بوضع الكتل الكونكريتية بين طرفي المدينة. كما نشرت القوات الأمنية بكثافة في كل مكان، حتى بدا للناس لكثرتهم أنهم هم من يقوم  بالتظاهرة، وكان أداء هذه القوات مع الشعب سيئا، فقد صبوا على المتظاهرين جام غضبهم، واستعملوا في حقهم الهراوات، والعصي الكهربائية، والسب والشتم، فضلا عن قيامهم بالاعتقالات الظالمة في عدد من المدن العراقية على سبيل الردع وغير ذلك.

وفي 16/2/2011، أطلقت أجهزة الأمن في محافظة واسط النار على المتظاهرين والمحتجين الذين كانوا يطالبون بتحسين الخدمات الأساسية في مدينة الكوت، فقتلت ثلاثة أشخاص وجرحت 47 آخرين. وفي السليمانية قتلت قوات مليشيات الأحزاب الحاكمة شاباً وجرحت 60 نتيجة استخدام أجهزة الأمن العنف مع المتظاهرين. وخرجت مظاهرة لأهالي مدينة السليمانية يوم 19/2/2011، فقابلتها قوات من حماية مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني بإطلاق الرصاص الحي، وقتل نتيجة الحادث خمسة أشخاص وأصيب 40 أخرون بجروح مختلفة وخطيرة.

وذكر شهود عيان مشاركون في التظاهرات: أن قوات الأحزاب من البيشمركة، والأجهزة الأمنية: الأساييش، والزانياري، والتايبت؛ قد منعت أعداداً كبيرة من الوصول إلى ساحة السراي وسط محافظة السليمانية للانضمام للمتظاهرين، كما منعت المتظاهرين من الوصول إلى شارع مولوي وسط المحافظة بأساليب وحشية ارتكبتها ضد المتظاهرين في كل تظاهرة يعتزم المواطنون الخروج فيها.

وفي الفلوجة قام نفر من الأجهزة الأمنية بالكشف عن أغطية بعض الأمهات اللائي خرجن في تظاهرة يوم المعتقل العراقي، إمعانا في إلحاق الأذى بهن في خطوة مُخلة ولا يقوم بها الا من الأخلاق لهم.

وقد أظهرت هذه التجاوزات والاعتداءات على الجماهير العراقية التي تمارس حقها في المطالبة مقدار الكبت الحكومي للشعب، وإجراءاتها الظالمة للحيلولة بين الناس وبين ممارسة حقهم الطبيعي في التظاهرات السلمية، والمطالبة بحقوقهم المشروعة.

أثر المظاهرات في تعزيز وحدة الشعب العراقي

نجحت التظاهرات في الكشف عن عدم صحة زعم الحكومة بأنها حارسة لحقوق الشعب العراقي بـ(ديمقراطيتها) ومنقذة لحريته، فضلاً عن فضحها للفشل الحكومي في مجالات أخرى كالتدهور الأمني الذي تشهده محافظات العراق كافة وانعدام الخدمات والكهرباء وانتشار البطالة وسرقة مفردات البطاقة التموينية وغيرها.

اجتمع الشعب بآلامه ومآسيه كلها ووحدته التظاهرات التي طالبت بالحقوق المنهوبة من عصابات الاحتلال ومرتزقته التي سماها زوراً حكومات، وشعر الشعب العراقي انه كلما امتدت بهم الآمال المُعلقة على عبيد مستأجرين للاحتلال فإن ذلك لا يصل بهم إلاّ إلى مزيد من الويلات والكوارث.

أما ردّات الفعل الحذرة من الدول ومنظمات حقوق الإنسان التي خرجت منهم على خلفية تظاهراتهم فإنها لا تلبي طموحات الشعب العراقي الغاضب على  الاحتلال وحكوماته وفسادها الاداري والمالي، وانتهاكها السافر لحقوق الإنسان العراقي على مرأى ومشهد من العالم أجمع. وهناك بون شاسع بين استنكار الإجرام الحكومي والقمع المليشياوي من قبل المنظمات والهيئات الدولية بالكلام والبيانات والتصريحات وبين مدِّها بالمال والسلاح  وقبل ذلك الدعم السياسي لهذه الحكومة المستأجرة التي توغل في تعذيب وقتل الشعب العراقي.

رؤية مستقبلية

الرؤية المستقبلية في ظل القائمين على أمر الشعب العراقي تظهر أن الوضع لا يمكن أن يتحسن في ظل حكومات مستبدة لا نية لها في الاستماع لصوت الشعب، وستحاول القيام بكل ما تستطيع لصرف الانظار عن مطالب الشعب، ولها سوابق كثيرة في افتعال أحداث والقيام بتفجيرات ضخمة سعياً إلى إشعال فتنة طائفية تتيح لهم حماية انفسهم والتترس بها لقمع الشعب بيد من حديد وضمان استمرارهم لمدة من الزمن.

وبناءً على ما تقدم ينبغي أن تكون مطالب العراقيين بمستوى التضحيات التي قدّمها الشعب العراقي في سبيل خلاصه من الاحتلال وكل ما نتج عنه من فساد وويلات ومصائب من حكوماته المتعاقبة ومن وجوده غازياً للعراق، وتتناسب مع صمود الشعب العراقي ومواجهته لأضخم مؤامرة على الأمة، وأن يعي المتظاهرون بأنهم أبناء حضارة عريقة في التاريخ وأنهم نواة بناء نهضة الأمة من جديد، ولابد أن يكون أداؤهم في ضوء هذا الاعتبار.

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram