الجزء الأول: إحراق المحاصيل الزراعية حوادث مفتعلة وخسائر فادحة يعدّ القطاع الزراعي من القطاعات المهمة والاستراتيجية التي تمس حياة المواطن وتحدد سيادة واستقلال القرار السياسي لهذه الدولة أو تلك، والعراق بعد الغزو الأمريكي والهيمنة الإيرانية التي أعقبته لم يسلم من عمليات الحرق التي طالت مفاصل مختلف القطاعات الحيوية بهدف تعزيز حالة غياب الدولة في العراق بعد 2003، ويشهد البلد تفاقم ظاهرة إحراق حقول الحنطة والشعير والمحاصيل الزراعية الأخرى، إذ لا يكاد يمر يوم في العراق دون أن تذكر وسائل الإعلام المحلية حريقا في محافظة من محافظات البلاد ولاسيما محافظات (نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى والأنبار وواسط والنجف وبابل والقادسية)؛ الأمر الذي يتسبب بخسائر فادحة بالاقتصاد المحلي ويؤثر بشكل مباشر على حياة المزارعين بمختلف النواحي. الاكتفاء الذاتي تتبعه سلسلة حرائق تلتهم آلاف الدونمات! كل إعلان رسمي عن الاكتفاء الذاتي بمادة من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، يعقبه سلسلة من الحرائق التي تطال الحقول الزراعية، فبعد إصدار وزارة الزراعة الحالية بيانًا توقعت فيه أن يتجاوز إنتاج القمح والشعير هذا العام 6 ملايين طن، ما يعني تغطية متطلبات البطاقة التموينية، مؤكدة عدم الحاجة إلى الاستيراد من الخارج. لكن الحرائق التي تجتاح محافظات النجف وصلاح الدين وديالى تهدد هذا الهدف، ويتخوف أهالي المحافظات الأخرى من أن تجتاحها حرائق مماثلة. ونقلا عن مديرية الدفاع المدني، فإنّ البلاد شهدت وقوع (12) حريقاً في حقول زراعة القمح خلال 10 أيام الأولى من هذا شهر أيار/مايو الحالي. منها ما حدث ليلة 8/5 من حريق التهم مساحات كبيرة من محصول الحنطة في محافظة واسط. وفي 15/5 اندلع حريق كبير في أراضي واسعة من حقول الحنطة بمنطقة الحيدرية في محافظة النجف، كما استهدفت الحرائق ما لا يقل عن (50) دونمًا من محصول الحنطة والشعير، في منطقة الفحيمي التابعة لقضاء عنه غربي محافظة الأنبار، تمكن المزارعون بجهودهم الشخصية من الحيلولة دون الإتيان عليها بالكامل. وفي 18/5 وبعد الإعلان عن الاكتفاء الذاتي لمحصولي الحنطة والشعير في البلاد. النيران تلتهم أكثر من (23) دونمًا من محصول الحنطة في بلدة (التون كوبري) في كركوك، ليتبعه حريق آخر طال محصول الحنطة في ناحية الصلاحية بعد ساعات من تصريح مدير زراعة الديوانية عن تجاوز عملية الاكتفاء الذاتي من الحنطة في المحافظة هذه السنة. وكذلك اندلع حريق في (95) دونماً من محصول الحنطة, في منطقة (زنكورة) التابعة لقضاء الرمادي مركز محافظة الأنبار غربي العراق، ثم حريق اندلع في (78) دونماً من محصول الحنطة, بمنطقة (جلام الدور) بمحافظة صلاح الدين، ليعلن الدفاع المدني عن إخماد حريق اندلع بأرض زراعية بقضاء (الكفل) التابع لمحافظة بابل جنوب بغداد، وفي منطقة (آل سريع) بقضاء (الشامية) التابع لمحافظة القادسية جنوبي العراق اندلع حريق بـ(150) دونماً من الحنطة. وفي 22/5 اندلع حريق آخر في (117) دونماً من محصول الحنطة، بمنطقة (جلام الدور) بمحافظة صلاح الدين شمال بغداد. وفي اليوم التالي نشب حريق في محصول الحنطة بمنطقة (عرين) التابعة لقضاء (الشامية) بمحافظة القادسية جنوبي البلاد، ليتبعه حريق اندلع بأرض زراعية لمحصول الحنطة في قرية (حسن سلطان) بناحية (كنعان) التابعة لمحافظة ديالى. وفي العام الماضي 2020؛ صرّحت مديرية الدفاع المدني الحكومية بأن نحو (30) ألف حالة حريق حدثت في العراق خلال تلك السنة، وأن ما ثبت من كونها حوادث حريق متعمدة في عموم المحافظات العراقية عدا كردستان، كانت (1636) حادثة. وأن (5702) حادثة منها في القطاع الحكومي، و(679) في القطاع المختلط و(23277) في القطاع الخاص. وشملت حوادث الحريق التي اندلعت داخل مبانٍ حكومية وتجارية ودور سكنية وفي الأراضي الزراعية والحقول وغيرها. ومما يؤكد غياب الحكومات الوطنية في العراق، تورط جهات سياسية متنفّذة وقادة ميليشيات بمنع البلد من تحقيق اكتفائه الذاتي من المحاصيل الزراعية ولاسيّما الحبوب، ودفعه إلى استيرادها بالعملة الصعبة من خلال صفقات يشوبها فساد كبير وتشارك تلك الجهات نفسها في عقدها باستخدام نفوذها في أجهزة الدولة. من جهة أخرى وعقب إعلان العراق اكتفائه الذاتي من منتجات الدواجن ومنع استيرادها من دول الجوار، التهم حريق هائل في أغسطس/آب 2020 أكبر مشروع للدواجن في البلاد، وأتلف عددًا من القاعات المخصصة للدواجن ومعدات قدرت خسائرها الأولية بنحو مليار دينار عراقي، فيما تصر السلطات على تكرار ترديد روايتها من أن الحريق ناتج عن "تماس كهربائي"، حتى إن ذلك يثير الكثير من الشكوك في أن أطرافًا مستفيدة من مصلحتها عرقلة الإجراءات التحقيقية وإسدال الستار على أي محاولة لكشف الأسباب الحقيقية لتلك الحرائق. حوادث الحريق تتزامن مع موسم الحصاد كل عام خلال الموسم الزراعي للعام الماضي 2020؛ أعلنت السلطات الحكومية عن وقوع (348) حريقا في المحاصيل الزراعية في عدة محافظات عراقية استهدفت ما مساحته (205937) دونمًا وحولت جزءًا منها رمادًا، ووفق أعداد حوادث الحريق؛ تصدرت محافظة صلاح الدين (شمال) الحصيلة بواقع (99) حريقا، تلتها نينوى (شمال) بـ(79) حريقا، وكركوك (شمال) بـ(41) حريقًا، ثم ديالى (شرق) بـ(39) حريقًا، فمحافظة واسط بـ(30) حريقا، تلتها بابل بـ(22) حريقًا، والقادسية بـ(13) حريقًا، وميسان (جنوب) (7) حرائق، والعاصمة بغداد (6) حرائق، وبحسب الجدول الآتي: ت المحافظة عدد الحوادث المساحة المستهدفة/دونم 1 بغداد 6 250 2 بابل 22 403 3 ميسان 7 310 4 واسط 30 1106 5 القادسية 13 471 6 ديالى 39 5224 7 صلاح الدين 99 18019 8 كركوك 41 51776 9 نينوى 79 122463 10 النجف 12 5915 المجموع 348 205937 وكانت مديرية الدفاع المدني الحكومية، قد أعلنت في 2019 احتراق أكثر من (100) ألف دونم من المحاصيل الزراعية في بداية موسم الحصاد في محافظات وسط وشمال وجنوب البلاد، حيث أشارت المديرية، في إحصائية للحرائق للفترة من 21 نيسان/أبريل ولغاية 22 أيار/مايو 2019، إن عدد حوادث الحرائق للمحاصيل الزراعية للفترة المذكورة بلغت (164) حادثا، استهدفت مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية، بمعدل نحو (6) حوادث يوميًا، الأمر الذي يعكس منهجية عمليات الإحراق. واستهدفت الحرائق في العراق حقول القمح والشعير في مناطق صلاح الدين ونينوى وكركوك (شمال) وديالى (شرق) والمثنى والقادسية (جنوب) والأنبار (غرب)، وسجلت خسائر كبيرة قُدرت بمئات الملايين من الدولارات، وأتلفت آلاف الدونمات الزراعية ، كما نتج عنها تبادل للاتهامات بين قوى سياسية ومليشيات متنفذة. وكانت محافظة صلاح الدين الأكثر تضررا بـ (48) حادث حريق، ثم محافظة نينوى (25) حريقا فمحافظة ديالى (20) حريقا. وفي نهاية موسم الحصاد للعام 2019؛ أعلنت مديرية الدفاع المدني، في إحصائية لها في العراق، أن عدد حوادث الحرائق التي شهدتها البلاد، خلال شهر آخر وللفترة من 8 أيار/مايو — 8 حزيران/يونيو العام 2019، بلغت (272) حادثا. وان عدد المساحات المحترقة قد بلغت (37086) دونم. أما أسباب حوادث الحرائق وفق مديرية الدفاع المدني فكانت: (74) حادث عطب أسلاك كهربائية، و(35) حادث متعمد، و(25) حادث شرارة نار من آلية الحصاد، و(22) حادث عقب سيجارة، و(32) حادث مصدر نار خارجي، و(84) حادثًا يحدد من قبل الأدلة الجنائية. مزارعون يؤكدون افتعال حوادث الحرق أكد الكثير من المزارعين أن الحرائق التي طالت حقولهم الزراعية تمت بفعل فاعل وبطريقة منسقة، وقد وردت إلى بريد قسم حقوق الإنسان في الهيئة عشرات الشكاوى التي تعزز هذه الحقيقة، ولم يذكر القسم أسماء المشتكين بسبب عدم رغبة أصحابها خوفًا من بطش الميليشيات الموالية للحكومة التي تسيطر على مناطقهم، فيما تباينت أسباب الحرائق وفق الروايات الرسمية بين عدم الاستقرار الأمني والتماس الكهربائي والتنازع على الأرض، وفي كل الأحوال فإن ما يحدث يصب في نتيجة مشتركة واحدة هي حرق ما تبقى من جسد هذا البلد المنكوب. وأشارت وزارة الزراعة في مناسبات عديدة إلى أن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العراق يجعله عرضة للتدخلات الخارجية، ومعظم الحرائق تستهدف اقتصاده لجعله بلدًا مستوردًا للمحاصيل لا منتجًا لها. وبقضاء سنجار، غربي مركز نينوى، شمالي العراق اندلعت نيران عارمة في مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، متسببة بوقوع ضحايا، وخسائر فادحة بالمحاصيل. ونقلا عن مصادر محلية، أن حرائق واسعة النطاق نشبت على الأراضي الزراعية في قضاء سنجار، والطريق الرابط بينه وبين قضاء تلعفر غربي نينوى، شمالي العاصمة بغداد. وأن النيران التهمت الأراضي الزراعية الواقعة في مناطق: بورك، وكوهبل، وحردان، بناحية سنوني، في الجهة الشمالية من جبل سنجار. ومن الجهة الجنوبية، نشبت في الوقت نفسه، نيران في الأراضي الزراعية الواقعة في مناطق وقرى: صولاغ، وهمدان، ومجمع تل قصب، والحاتمية، والصباحية، وشاروك، الكائنة في أطراف مركز قضاء سنجار. وانتشرت النيران بشكل كبير وسريع في المزارع، لتصل إلى الطريق الجنوبي الواصل بين سنجار، وقضاء تلعفر غربي نينوى. التقاعس الحكومي يجبر المزارعين على إطفاء حرائق حقولهم بأنفسهم في مشاهد تؤكد تقاعس الحكومة عن القيام بواجباتها لحماية القطاع الزراعي؛ يحاول المزارعون إطفاء الحرائق التي حولت حقولهم من الحنطة والشعير إلى رماد، لكن دون جدوى لتصل النيران إلى أجسادهم وتسبب بمقتل شابين إثنين هما: برزان عمر كبعو، وشيخ سعيد صبري. وتؤكد مصادر صحفية محلية أن الحرائق كان مخطط لها، وتم إحراق معظم هذه المناطق بنفس التوقيت في الساعة 12:00 منتصف الليل. وتشير مصادر حقوقية الى أن إحراق المحاصيل الزراعية جنوبي كركوك وقعت ليلا. حيث التهمت النيران حقول الحنطة والشعير التي تقدر مساحتها بـ (300) دونم، مما تسبب بخسائر كبيرة بهذه المحاصيل للمزارعين وللاقتصاد المحلي. وأكدت مصادر محلية أن النيران التهمت مئات الدونمات من محصول القمح في النجف، ومثلها في مناطق العظيم والمقدادية في محافظة ديالى، وفي بلدة بيجي بمحافظة صلاح الدين، وقالت إن "الخسائر فادحة، وتقضي على الموسم الزراعي الذي امتاز بأنه وفير المحصول. مزارعون يشكلون فرقًا للحراسة الليلية من بين المشاهد الأخرى التي تُظهر التقاعس الحكومي في التعامل مع عمليات تخريب القطاع الزراعي في العراق؛ أجبر المزارعون في محافظة ديالى على تشكيل مجموعات حراسة ليلية لتأمين حقول القمح بعد سلسلة من الحرائق الغامضة التي دمرت مساحات شاسعة، في حين يتساءل المزارعون عن غياب دور الدفاع المدني وقوات الأمن. في حماية هذا القطاع الحيوي الذي يمس حياة المواطن. وخلال موسم الحصاد احترقت في ديالى مئات الدونمات من حقول القمح، وأنّ مزارعي بلدات (قرة تبة وجلولاء والمقدادية) هم الأكثر تضررا من حوادث الحريق. ولم تتمكن قوات الأمن حتى الآن من ضبط أي من المتورطين في الحرائق، أو تأمين الحقول من التعرض للحرق. وقد أبلغت المزارعين بذلك، وأغلب المزارعين بدأوا بتنظيم أنفسهم وتشكيل حراسات ليلية لحماية حقولهم. وأكد نائب حالي عن محافظة ديالى أنّ أيادٍ خفية تسعى لتدمير الزراعة العراقية بشكل منظم وممنهج وان ظاهرة إحراق الحقول في ديالى، وقبلها تلف محصول الطماطم في البصرة، ونفوق الأسماك، وغيرها من الحوادث التي لم تكشف السلطات المعنية عن المتورطين فيها، تستدعي الوقوف عندها وتركيز المزيد من الانتباه. لا توجد خطط حماية حكومية للقطاع الزراعي قال أحد شيوخ عشائر محافظة ديالى إن المزارعين يقومون بعمليات حراسة يومية لمحاصيلهم، إلا أنهم غير قادرين على مواجهة الهجمات، كما لا يستطيعون تأمين مساحات الحقول كلها، الأمر الذي يتطلب جهدا حكوميا لتأمينها. وأضاف: الحكومة تتفرج على الحرائق المنظمة، ولم تتخذ أي إجراء، وكأنها تفصل الملف الزراعي عن الأمني، ولا توجد لديها أية خطط حماية، رغم تعرض حقول زراعية خلال موسم الحصاد الماضي، إلى حرائق مماثلة، أتت على آلاف الدونمات. فيما أكد مسؤولون حكوميون سابقون على وجود جهات تسعى لإبقاء العراق مستوردا للمحاصيل الزراعية، وهي التي تقف وراء الحرائق. ويتساءل الكثير من والحقوقيين والخبراء القانونيين عن سبب عدم اعتبار حوادث الحريق المتعمدة في البلاد بأنها "تخريبية وإرهابية" حتى لو كانت أعمالاً فردية، مؤكدين إن الحكومة مسؤولة بشكل مباشر عن كل الحرائق المتعمدة بأشكالها كافة لغياب الإجراءات الاحترازية أو التحقيقات الرسمية النزيهة بسبب الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد. إحراق الحقول يأتي في إطار مخطط التغيير الديموغرافي بحسب شهادات تمكن قسم حقوق الإنسان من الحصول عليها؛ يوجه سكّان محليون في مناطق عديدة من العراق أصابع الاتّهام بحرق المحاصيل الزراعية إلى ميليشيات الحشد المسيطرة على في مناطقهم منذ مشاركتها في الحرب ضدّ داعش، كونها مستفيدة من منع استقرار السكان في مناطقهم في إطار مخطّطات لإحداث تغيير ديمغرافي في بعض تلك المناطق لاسيما في محافظة ديالى، حيث ترفض تلك الميليشيات مغادرتها وتمارس المزيد من إجراءات تضييق الخناق على السكان المحليين فيها ومحاربتهم في مصادر عيشهم ومحاولات مصادرة أراضيهم وممتلكاتهم. قسم حقوق الإنسان 10/شوّال/1442هـ 31/5/2021م الجزء الثاني من تقرير الحرائق من مناهج تعزيز غياب حالة الدولة في العراق. :::(الإحراق المتعمد للمنشآت الحكومية والأعيان المدنية)::: باتت الحرائق مشهدًا يوميًا في العراق ما بعد 2003، فلا يكاد يمر يوم دون أن تذكر وسائل الإعلام المحلية حريقا في حقل زراعي أو مبنى حكومي أو محطة وقود أو متجر أو منزل شخص ما. وسجلت هذه الحوادث ارتفاعًا ملحوظًا في العام الجاري، ففي إحصائية رسمية لحوادث الحريق خلال الربع الأول من العام تجاوز مجموع الحوادث (7000) حادث، أكثرها دموية حريق مستشفى ابن الخطيب بالعاصمة بغداد، الذي أثار غضبًا شعبيًا عارمًا واستنكارًا دوليًا واسعًا. وفي نفس اليوم الذي شهد الحريق الدامي في مستشفى ابن الخطيب في العاصمة بغداد، شب حريق في مركز تجاري في كركوك. وفي اليوم الذي تلاه اندلع حريق في تكريت شمال العراق، كما تعرضت منظومة المصاعد في مستشفى في الحلة إلى تماس كهربائي اندلع على إثره حريق كاد يتسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة لكن تمت السيطرة عليه. أكثر من 1630 حريقًا متعمدًا خلال 2020 في العام الماضي 2020 صرّحت مديرية الدفاع المدني الحكومي أن نحو (30) ألف حريق في العراق عدا محافظات كردستان، وبحسب الروايات الرسمية؛ فإن ما ثبت أنها حوادث حريق متعمدة في المحافظات العراقية كانت (1636) حادثة، شملت حوادث حريق اندلعت داخل مبانٍ حكومية وأسواق تجارية ودور سكنية وفي الأراضي الزراعية وغيرها. ويُمنى القطاعان العام والخاص في العراق بخسائر فادحة بشكل شبه يومي، في إطار الحرائق التي باتت تلتهم الأخضر واليابس في البلاد، بدءًا من الأراضي الزراعية، ووصولًا إلى الأسواق التجارية، وانتهاءً بالدوائر الحكومية، وكلها تنضوي تحت ذريعة واحدة بحسب التحقيقات الحكومية المعلنة: "التماس الكهربائي"! ويؤكد خبراء القانون أن الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشر عن كل الحرائق المتعمدة بأشكالها كافة لغياب الإجراءات الاحترازية أو التحقيقات الرسمية النزيهة والحاسمة بسبب الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد. وان الرقم (1636) لحوادث الحريق المتعمدة، دليل على خطورة الوضع الأمني بالتوازي مع الإهمال الحكومي له". ويتساءل عن سبب عدم اعتبار حوادث الحريق المتعمدة في البلاد بأنها "تخريبية وإرهابية" حتى لو كانت أعمالاً فردية. إحراق الدوائر الحكومية أمر ممنهج تعد العاصمة بغداد أكثر مدن العراق تعرضا للحرائق إذ تسجل فيها (40) بالمئة من حرائق البلاد. وقد أحصي فيها (2800) حريق خلال الربع الأول من 2021. والحرائق في الدوائر الحكومية هي الأكثر خطورة، كونها تحمل أبعادًا سياسية مقصودة، يؤكد مراقبون أنها تفتعل لإخفاء جرائم فساد وتلاعب بوثائق رسمية، عادةً ما تظهر قبيل مغادرة بعض المسؤولين مناصبهم. وتتحجج السلطات الحكومية بـ(التماس الكهربائي) كمسبب وحيد لتلك الحرائق؛ الأمر الذي يثير الكثير من الشك والتساؤل بمدى صحة ومصداقية الروايات الحكومية. وتعاني المدن في العراق عموما من حالة من الفوضى العمرانية، إذ يعيش واحد تقريبا من كل (10) أشخاص في أحياء عشوائية حيث توصل المنازل بشبكات المياه والكهرباء عشوائيًا، كما تبنى مراكز التسوق الجديدة دون تخطيط عمراني، وعلى مدى السنوات الـ(18) الماضية لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحسين ساعات توفير الطاقة الكهربائية بأجزاء واسعة من البلاد، مما اضطر الناس للاعتماد على المولدات الخاصة ولاسيمّا في فصل الصيف اللاهب وأشعة الشمس الحارقة ودرجات حرارة قياسية يمكن أن تصل إلى (58) درجة مئوية في معظم أيام فصل الصيف. قلب بغداد التجاري يتعرض لعمليات إحراق متكررة يشهد سوق (الشورجة) الشهير، وسط بغداد وأحد أبرز معالمها التاريخية، ومنذ العام 2003 حرائق متواصلة وممنهجة، يستهدف مفتعلوها إلى جانب الأضرار البشرية والمادية الهائلة، القيمة التاريخية لهذا السوق الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عصر الدولة العباسية. ويؤكد أصحاب الدكاكين في سوق (الشورجة) ببغداد أن لا أحد يريد معالجة القضايا الأساسية وإصلاح منظومة الكهرباء المتهالكة، في بلد عانت بنيته التحتية إهمالًا وتدهورًا ممنهجَيْن بسبب الحروب والفساد والصراعات السياسية وظهور الميليشيات الموالية لطهران الذي أعقب الاحتلال الأمريكي للبلاد في العام 2003م. وفي ظل غياب الرقيب، امتدت والحرائق والتهمت أجزاءًا من سوق (جميلة) وهو مركز تجاري ضخم آخر في بغداد، إذ شهدت الفترة الماضية هجمات مسلحة استهدفت أبرز تجاره، لتمتد آثاره كذلك في ضرب الاقتصاد الذي يشهد تدهورًا في هذا البلد. ويعانى التجار وأصحاب المعامل من حرائق كبيرة خلال الأعوام الماضية تسببت في خسائر مادية فادحة لهم، ولم تفلح أي إجراءات احترازية في تأمين أسواقهم ومصانعهم، خاصة مع ارتفاع الأسعار، إذ تمثل سلعهم عصب الاقتصاد العراقي المحلي كأسواق (الشورجة وجميلة والسنك). وبمحافظة كربلاء جنوب بغداد؛ اندلع حريق كبير في السوق السياحي في المدينة سبب خسائر مادية في عدد من الدكاكين. سياسة الإفقار بصبغة طائفية فاقعة في هذا الإطار يقول الخبراء الاقتصاديون إن الأضرار الاقتصادية نتيجة الحرائق كبيرة وجسيمة، والقطاع التجاري يتكبد خسائر تصل إلى مليارات الدنانير. وكبدت فئة معينة من التجار العراقيين خسائر هائلة. وعلى سبيل المثال أن الحريق الذي نشب بسوق العطور في بغداد وصلت خسائر كل تاجر بسببه إلى أكثر من مليار دينار عراقي. واختلفت الحرائق من وجهة نظر الخبراء في أسبابها، لكنها اتحدت في نتائجها المأساوية، منها أن أصحاب الأملاك يرومون إخراج التجار من أملاكهم وإعادة تأجيرها بسعر أغلى، أو تغيير جنسها، أو هي نتيجة صراع تجاري بين التجار أنفسهم، وقد تمتد إلى أسباب أخرى، يمكن أن تكون شخصية أو غير ذلك. كما تشير التقارير الاقتصادية إلى أن هناك أبعادًا سياسية أيضًا وراء اتساع رقعة الحرائق التي تشهدها الأسواق التجارية، فيما لم يستبعد وقوف جهات خارجية تهدف إلى ضرب الحركة التجارية المحلية في هذا البلد الملتهب بكل أنواع الحرائق. ويقول نشطاء قانونيون إن التجار في هذه الأسواق معرضون لخطر الحرائق التي تشبه التصفيات أو الصراعات لتلحق الخسائر بهم مقابل سيطرة غيرهم من تجار لديهم ارتباطات بالميليشيات المتنفذة على سوق الاستيراد أو توفير سلعة معينة. عشوائية أسلاك نقل التيار الكهربائي تغطي على عمليات الإحراق يقول أصحاب مولدات للطاقة الكهربائية الخاصة إن تذبذب التيار الكهربائي قد يؤدي إلى الكثير من الحرائق، وخاصة داخل الأماكن التي تحوي على مواد قابلة للاشتعال. وإن المشكلة الأخرى تتمثل في الأسلاك الكهربائية المتدلية للمولدات الأهلية والمتشابكة مع بعضها دائما، تتسبب بحرائق نتيجة عدم تمكن أصحاب الدكاكين من متابعتها بين الحين والآخر، فضلا عن تشكيلها بطريقة غير منتظمة ومن دون التفكير بخطورة هذا الأمر. لكن أصحاب المولدات والدكاكين يؤكدون أن عددًا كبيرًا من حوادث الحرائق المتعلقة بالتماس الكهربائي تندلع بشكل مُتعمد، متسائلين عن الإهمال المزمن من قِبَل السلطات المعنية لمعالجة الأسباب وراء حوادث الإحراق. وقالت مديرية الدفاع المدني العامة إن حوادث الحرائق خلال العام 2020 بلغت (29658)، (5702) منها في القطاع الحكومي، و(679) في القطاع المختلط، و(23277) في القطاع الخاص. وفي محافظة البصرة ومنذ بداية العام الحالي ولغاية شهر أيار/مايو الماضي بلغت أعداد حوادث الحرائق في المحافظة (832) حادثة، بين كبيرة وبسيطة لدور سكنية ومواقع وأماكن مختلفة بحسب مديرية الدفاع المدني في المحافظة. جهات متنفذة وراء إحراق المقار العسكرية يسود على مدى طويل اعتقاد بأن الحرائق المندلعة في الدوائر العسكرية لا تضرمها إلاّ السلطة الحاكمة، وأن السبب وراء ذلك هو "إخفاء أي أثر لجرائم مثل التعذيب والقتل وغيرها. ويقول عدد من المتقاعدين العسكريين إنهم كانوا يسمعون دوماً عبارة (لا تخرجوا من مكان يضم ملفات وأسرار عسكرية إلاّ بعد إضرام النار فيه). ويربط العراقيون اندلاع أي حادث حريق في البلاد بالصراعات السياسية، حتى لو أخرجت التحقيقات الرسمية مسببات أخرى. ويقول أحد النشطاء القانونيين (كلنا على دراية أن ما شبّ من حرائق، خاصة في المؤسسات الحكومية ودوائر الدولة كان مُتعمّداً، والتحقيقات الرسمية، التي عادة ما تستبعد ذلك، لا يمكن تصديقها أبداً). ويضيف: (ولو لم تتضح أسباب الحريق، فإن الكثير من الناس يتهمون جهات سياسية أو حزبية متنفذة كوسيلة للضغط لتحقيق مكاسب معينة، كما أن مشعلي النيران يختارون عادةً إضرام الأماكن المثيرة للجدل كالمزارع والأبنية الحكومية التي تضم بين أقسامها ملفات بيع وشراء وغيرها). عدم دفع الإتاوات التي تفرضها الميليشيات وراء عمليات الإحراق الغالبية العظمى من الحرائق متعمدة وتضرم على خلفية نزاعات أو خصومات أو يشعلها قادة الميليشيات المتنفذة انتقاما ممن يرفضون الخضوع للابتزاز. ويعدّ غياب دور الأجهزة الأمنية الممنهج من أبرز الأسباب وراء إضرام الكثير من الحرائق من قبل الميليشيات المتنفذة، وتتعرض مطاعم وأسواق تجارية ومقاهٍ بأحياء المنصور وحي الجامعة والأعظمية ببغداد للحرق دون معرفة الأسباب، مع العلم أن مصادر ذات مصداقية تؤكد أن غالبية الحرائق التي تعرضت لها المحال والمطاعم التابعة لمواطنين لم تكن ناتجة كما هو مألوف عن التماس الكهربائي أو سوء التخزين إنما لأسباب اقتصادية، أكثرها نتيجة اعتراض أو تأخر أصحابها عن دفع الإتاوات التي تفرضها مليشيات مسلحة تسيطر على مناطق معينة في بغداد. قسم حقوق الإنسان/ هيئة علماء المسلمين في العراق 6/ ذو القعدة /1442هـ 16/6/2021م