منظمة مجاهدي خلق في العراق من الوجود إلى الجلاء

7 أغسطس, 2021

مضر عبد الرحيم الراوي[1]

1. مقدمـــــة:

منظمة مجاهدي خلق الإيرانية من أكبر وأنشط حركات المعارضة الإيرانية، تأسست عام 1965م على أيدي محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وعلي أصغر بديع زادكان، بوصفها منظمة ثورية وطنية وديمقراطية، وكان هؤلاء الثلاثة ناشطين منذ عهد محمد مصدق في الحركة الديمقراطية ومن ثم أصبحوا أعضاء في حركة التحرير بزعامة محمود طالقاني ومهدي بازركان، وكانت الغاية السياسية لهؤلاء استبدال ديكتاتورية الشاه بنظام وطني وديمقراطي يتمثل في سيادة الشعب وحريته، ولعبت المنظمة دوراً في محاربة الشاه وإسقاط نظامه، وبعد سقوط نظام الشاه نتيجة ثورة الخميني عام 1979 والتي أدت منظمة مجاهدي خلق دورًا كبيرًا في انتصارها بعد أن أعدم نظام الشاه مؤسسيها وعددًا كبيرًا من أعضاء قيادتها ظهرت خلافات بينها وبين نظام الحكم الإيراني الجديد، حيث دعم مجاهدي خلق الرئيس الإيراني الأسبق بني صدر في مواجهة المؤسسة الدينية، ما أدى بهم في عام 1981 إلى الدخول في اشتباكات دامية مع الحكومة الإيرانية وصلت بعد عامين ونصف إلى حد التقاتل بين الجانبين في صراع محتدم وما زال مستمرا حتى الآن، وقامت الحكومة الإيرانية ضمن هذا الصراع بإعدام الآلاف من أعضائها والمنتمين إليها ولكن المنظمة مازالت مصممة على مواصلة نشاطاتها داخل إيران وخارجها حتى إسقاط السلطة الإيرانية الحالية.. (1)

وتعد المنظمة جزءاً من ائتلاف واسع شامل يسمى بـ «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، والذي يضم 5 منظمات وأحزاب و550 عضواً بارزاً وشهيرًا من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط إضافة إلى قادة ما يسمى بـ «جيش التحرير الوطني الإيراني» الذراع المسلح لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية والذي يتمركز حتى اليوم في معسكر أشرف في العراق وغالبية قادته من النساء.

ويتزعم المنظمة مسعود رجوي الذي يتولى في الوقت نفسه رئاسة «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» والقيادة العامة لـ «جيش التحرير الوطني الإيراني». وفي آب 1993 انتخب «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» بالإجماع مريم رجوي رئيسة للجمهورية للفترة الانتقالية وهي تتولى مسؤولية الإشراف على نقل السلطة «بشكل سلمي إلى الشعب الإيراني بعد سقوط النظام الإيراني الحالي» حسب تعبير المجلس. (2)

 2. دخول منظمة مجاهدي خلق للعراق وأعدادها والدعم المقدم لها:

وفرت بغداد لمجاهدي خلق التدريب وجميع المستلزمات العسكرية والدعم السياسي والمالي منذ العام 1982، وفي العام 1986 وأثناء الحرب العراقية الإيرانية تحولت بغداد إلى معقل عسكري رئيسي للحركة وكوادرها في المنفى، وكانت منطلقا لهجماتها ضد أهداف داخل إيران سواء كانت منشآت أو أشخاصا من رؤوس النظام، حيث بلغ عدد أعضاء المنظمة نحو خمسة آلاف فرد، وحاليا يُقدر عدد أفراد المنظمة الموجودين في معسكر أشرف بنحو (3500) شخص(3).

وكانت تستلم معونات مالية من العراق تبلغ (20) مليون دينار عراقي شهريا خلال فترة الثمانينات وحتى آب 1990، وقد زيد المبلغ بعد العام 1990 نتيجة التضخم المالي في العراق نتيجة غزوه للكويت، أما في مجال الدعم العسكري حصلت المنظمة من العراق بداية الأمر على أسلحة مختلفة بسيطة خفيفة ومتوسطة، ثم جرى تجهيزها بأنواع من الأسلحة الثقيلة كناقلات الجند المدرعة والمدفعية وبعض الدبابات، بالإضافة إلى ما تم الاستيلاء عليه من القوات الإيرانية، فتكونت لديها قوة ضاربة، ولديها معسكرات تدريب داخل العراق، ومقرها الرئيس يقع في مدينة الخالص بمحافظة ديالى شمال شرق بغداد بحوالي 60 كم.(4)

وأثناء غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في عام 2003 تعرضت مواقع الحركة لقصف القوات الأميركية، واعتبرتها جزءا من التشكيلات العراقية، إلا أن القوات الأميركية عادت بعد احتلال العراق وأعلنت عن توقيع اتفاق مع الحركة يضمن السماح لها بالاحتفاظ بسلاحها والبقاء في العراق ومواصلة كفاحها المسلح، الأمر الذي أقلق طهران ودفع بعض مسؤوليها لوصف أميركا "بالكذب في حملتها على الإرهاب". ثم قام جيش الاحتلال الأميركي بنزع سلاح المنظمة وتولى حمايتها، وفي صيف 2008 سلمت هذه المسؤولية للجيش العراقي الحالي.(5)

3.  نشاطات منظمة مجاهدي خلق:

منظمة مجاهدي خلق تقلبت في نشاطاتها حيث كانت إحدى الحركات المعارضة لنظام الشاه، وإضافة لمختلف نشاطاتها المعارضة قامت ببعض العمليات العسكرية ضد النظام، وأيضا قامت بمهاجمة بعض الأهداف الغربية في الفترة التي سبقت قيام ثورة 1979، ولكنها بعد قيام الثورة الإيرانية عملت وبشكل وثيق مع النظام الديني لحكومة إيران، وأعضائها شاركوا في حصار السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 وما تبع ذلك من أزمة الرهائن التي استمرت عامين. وهي المنظمة ذاتها التي عارضت عملية الإفراج عن الرهائن في عام 1981  ثم انقلبت على نظام الخميني وقامت بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية ضد النظام الحاكم في إيران.(6)

وكان من أبرز عملياتها :

  1. الدخول في معارك مباشرة ضد القوات الإيرانية أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
  2. اغتيال بعض رموز الحكم في الجمهورية الإيرانية.
  3. تفجير مبنى البرلمان الإيراني، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من النواب وبعض قيادات الحكومة.
  4. مهاجمة وتدمير العديد من المنشآت العسكرية والاقتصادية الإيرانية.(7)
  5. حسب ما ذكر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي فإن منظمة مجاهدي خلق شاركت بشكل مباشر في قمع العصيان من أولئك الذين ناهضوا النظام العراقي عام 1991.(8)

4. الوضع القانوني لمنظمة مجاهدي خلق :

إن وضع منظمة مجاهدي خلق هو مثار جدل بين عدد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية، حيث تطالب الحكومة العراقية بترحيلهم خارج العراق وإغلاق معسكر أشرف لكونهم منظمة إرهابية، وتحاول إيران والتي تعتبرها منظمة خارجة عن القانون بالمقابل لتسليمها أعضاء المنظمة، بينما تعارض المنظمات الحقوقية الدولية وكثير من الحكومات الغربية تسليمهم لإيران، وتطالب بضمان أمنهم وسلامتهم، ومنحهم اللجوء والحماية القانونية. 

أما وضع الحركة القانوني على المستوى الدولي ففي نوفمبر 2008 وبعد معركة استمرت سنوات أمام القضاء الأوروبي، ألغت محكمة العدل الأوروبية قرارا سابقا من الاتحاد الأوروبي يقضي بتجميد أموال منظمة مجاهدي خلق بسبب إدراجها على "اللائحة الأوروبية للمنظمات الارهابية"، حيث اعتبرت المحكمة في قرارها " أن قرار الاتحاد الأوروبي انتهك حقوق الدفاع لعناصر مجاهدي خلق بعدم إمدادهم بالمعلومات الجديدة التي تبرر إبقاءهم على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية. وبرفضها إعطاء المحكمة بعض المعلومات المتصلة بالمسألة"، وبهذا القرار حصلت منظمة مجاهدي خلق على ما كانت تطالب به بشأن تأكيدها عدم ضلوعها في أي نشاطات إرهابية.

وتصنف الإدارة الأميركية منذ عام 1997 حركة مجاهدي خلق من بين التنظيمات الإرهابية، إلا أن هذا لم يمنع الحركة من مزاولة نشاطها في الولايات المتحدة بطرق متعددة، خاصة أنها استصدرت في أيار 2001 حكما من إحدى المحاكم الأميركية بأن لها الحق في الحصول على فرصة للدفاع عن نفسها. (9)

ونتيجة لكل الظروف التى يمر بها العراق، قامت المنظمة بتحركات ونشاطات واسعة فى العراق، بهدف تأمين الغطاء القانونى أو السياسى المبرر لبقاء عناصرها على الأراضى العراقية، عبر إعادة ترتيب التحالفات، وفي هذا الإطار قالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان لها: "سكان المخيم الذين قدّموا طلباتهم يعدون الآن رسميا طالبي لجوء تحت القانون الدولي حيث تتطلب ادعاءاتهم النظر فيها، القانون الدولي يقضي بأنه يجب أن يكونوا قادرين على الاستفادة من حماية أساسية لأمنهم وسلامتهم. وهذا يتضمّن الحماية ضدّ أيّ طرد أو عودة إلى حدود الأراضي التي تتعرض حياتهم أو حريتهم للخطر (مبدأ عدم النقل القسري)".وجاء في فقرة أخرى من هذا البيان أن "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة طلبت من الحكومة العراقية النظر في تمديد الموعد النهائي لإغلاق المخيم".(10)

والاتفاق الذي وقعته قوات الغزو الأميركية مع مجاهدي خلق يؤذن بإمكانية إعادة تصنيف المنظمة ضمن "المقاتلين من أجل الحرية"، أو على الأقل تجميد نشاط المنظمة في هذه المرحلة للحفاظ على بنيتها على أساس أن أميركا قد تحتاج هذه الورقة لتلعب دورا في محاصرة أو إزعاج النظام الإيراني القائم. ففي عام 2004، حددت واشنطن المقيمين بمعسكر أشرف على أنهم عناصر "غير قتالية" و"محمية" بموجب ميثاق جنيف. وفي أيار 2011، كشف مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية عن اقتراح لحل الأزمة في معسكر أشرف، يتضمن نقل القاطنين بالمعسكر إلى منطقة أخرى داخل العراق، ولكنها بعيدة عن الحدود مع إيران، على أن يكون ذلك الحل خطوة مؤقتة، تمهد لترتيبات تنتهي بنقل الموجودين في المعسكر إلى دول أخرى، ليست أمريكا من بينها.(11) 

5. إخراج منظمة مجاهدي خلق من العراق :

تتهم الحكومة العراقية عناصر المنظمة بالاشتراك في عمليات قتل لمواطنين عراقيين خلال حقبة التسعينات، وأيضا الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المملوكة لمواطنين عراقيين، ويُقصد بها الأرض التي يقع عليها معسكر أشرف، ولذلك تعمل على ترحيلهم خارج الأراضي العراقية، إضافة لاعتبارات الحكومة العراقية في  بقاء المنظمة على الأراضي العراقية إثارة للتوتر مع الحكومة الايرانية.(12)

أول قرار عراقي بطرد المنظمة صدر عن مجلس الحكم - والذي أسسه الحاكم الأمريكي بول بريمر- في آب  2003  كان بمرحلة الرئاسة الدورية لعبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي .

معسكر أشرف ظل خاضعاً لحماية القوات الأميركية في العراق حتى حزيران عام 2009، ثم تحول إلى سيطرة الحكومة العراقية، وكانت الحكومة العراقية وبعيد تطبيق الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، أرسلت وفدًا برئاسة مستشار الأمن القومي موفق الربيعي وممثلين عن وزارات الداخلية والدفاع والهجرة والمهجرين، والعدل وحقوق الإنسان وجهاز المخابرات العراقي زاروا معسكر أشرف في محافظة ديالى، حيث أكدوا على موقف الحكومة تجاه المنظمة المتعلق بإنهاء وجودها على الأراضي العراقية، كما أن الوفد أبلغ سكان المعسكر إن الحكومة العراقية هي المسئوولة عن أمنهم وإنها ماضية في تنفيذ خططها الخاصة بإغلاق المعسكر وترحيل سكانه لبلدهم أو إلى بلد ثالث بصورة غير قسرية وأن البقاء ببغداد ليس خياراً بالنسبة لهم، وأكد الوفد لسكان معسكر أشرف أن عملية تسليم المعسكر من قوات الاحتلال الأمريكية إلى قوات الأمن العراقية قد بدأت وأن قوات وزارتي الدفاع والداخلية هي المسئولة عن أمن المعسكر، مشددًا على أن ممارسة أي نشاط سياسي وإعلامي أو ثقافي أو ديني أو اجتماعي في العراق مع الكتل أو الشخصيات السياسية أو العشائرية العراقية أو غير العراقية أو أي عمل غير قانوني بما في ذلك أي نشاط إعلامي أو سياسي أو غير ذلك موجه ضد أي بلد جار من قبل ساكني المعسكر أمر محظور وأنهم سيتعرضون إلى المساءلة القضائية.(13)

وبدأ التصعيد ضد المنظمة عندما شنت القوى الأمنية العراقية هجوما على معسكر أشرف في تموز 2009 أوقعت خلاله 11 قتيلا وعشرات الجرحى من صفوف مجاهدي خلق. وفي يوم  14 نيسان، 2011، أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة أن 34 شخصا قتلوا في معسكر أشرف في شمال بغداد أثر هجوم للجيش العراقي. واتهمت منظمة مجاهدي خلق الايرانية الجيش العراقي بارتكاب "جريمة غير مسبوقة" بقتله أكثر من ثلاثين من أنصارها خلال مواجهات التي حدثت مع الجيش العراقي عند اقتحامه المعسكر. (14)

ثم وقعت الأمم المتحدة والحكومة العراقية مذكرة تفاهم تنص على نقل سكان معسكر أشرف مؤقتاً، وجاء في البيان " فإنه بموجب الاتفاق، سيقوم العراق بنقل سكان المخيم، الذي يعرف حالياً بـ"معسكر العراق الجديد"، إلى موقع انتقالي مؤقت، بحيث تبدأ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين جهود إعادة توطينهم خارج العراق". وعلى أثر الاتفاق مددت الحكومة العراقية بقاء منظمة مجاهدي خلق في العراق مدة ستة أشهر إلى شهر نيسان من عام 2012 ضمن خطة للأمم المتحدة ووقعوا اتفاقا مع الأمم المتحدة أعلنوا فيه أن وجود عناصر المنظمة في العراق لن يمدد مرة أخرى، حيث يجب عليهم في الوقت الحاضر الانتقال من معسكر أشرف إلى قاعدة ليبرتي (في ضواحي بغداد)، وينص اتفاق الانتقال الذي وقع في 25 كانون الأول 2011 بين الأمم المتحدة والحكومة العراقية على السماح للمنظمة الدولية بتحديد وضعية سكان أشرف والسماح لهم بالحصول على صفة لاجئين، وهي مرحلة لابد منها قبل انتقالهم إلى خارج العراق.(15)

وكانت منظمة مجاهدي خلق قد قبلت أخيراً، وبعد رفض لسنوات، نقل سكان معسكر أشرف إلى بلدان أخرى، لكنها ترى أن الموعد الذي تصرّ عليه الحكومة العراقية عليه لإغلاق المعسكر غير كاف لاستكمال مستلزمات ترحيل هؤلاء إلى بلد ثالث. ورد "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" على ذلك قائلاً "إن كل شيء يؤشر إلى أن النظام الإيراني وعناصره العراقية الصنيعة يخططون لمذبحة غير مسبوقة. إنهم وبأشكال العراقيل يمنعون المفوضية العليا للأمم المتحدة في شؤون اللاجئين من بدء أعمالها لإعادة تأكيد موقع اللجوء لسكان مخيم أشرف، حتى يزيحوا بذلك أي حاجز من أمام هذه المذبحة"، وأضاف البيان "إن المقاومة الإيرانية تحذر الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته والمسؤولين الأميركيين المعنيين الآخرين، وكذلك مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، من وقوع حمّام دم آخر في مخيم أشرف يمكن توقعه، وتطالبهم باتخاذ خطوة عاجلة للإسراع في تفعيل الإجراءات، لإعادة التأكيد على أن سكان أشرف لاجئون، وللحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية جديدة"..(16)

6. مؤشرات إخراج المنظمة من العراق :

تسعى الدول المتصارعة فيما بينها في أغلب الأحيان إلى أن يكون لها ورقة ضغط ضد الأخرى، لذا قام النظام العراقي السابق باحتضان منظمة مجاهدي خلق في العراق عندما كان يخوض غمار الحرب ضد إيران، لكن ما إن تغيرت المعادلة بحيث أصبح النظام الذي يحكم العراق مواليا لإيران حتى بدأ محاولة إنهاء وجود هذه المنظمة على أرض العراق وإنهاء وجودها كورقة ضغط ضد النظام الإيراني. حيث كان على إيران استخدام كافة الوسائل الممكنة لمواجهة التحدى الذى يفرضه وجود مجاهدى خلق فى العراق، خاصة بعد الاتفاق الذي تم بين أمريكا ومجاهدي خلق والذي يقضى بمنح المنظمة حرية الحركة داخل الأراضى العراقية بشرط قيام القوات الأمريكية بحراسة مقار المنظمة فى العراق، فهذا الاتفاق يفرض المزيد من الضغوط على إيران حيث يتطلب منها اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التداعيات التي يمكن أن يفرزها، والتي يمكن أن تؤثر سلبيا على الأمن القومى الإيرانى.

لكن السؤال المطروح هنا؛ بما أن العراق مسيطر عليه أمريكيا فلماذا توافق أمريكا على إخراج هذه المنظمة من العراق، بينما هي في حالة صراع مع ايران كما تدعي وهذا يوصلنا إلى نتيجتين: إما أن العراق مسيطر عليه ايرانيا بحيث لم يتبق لأمريكا سطوة على من يحكم العراق وبذلك تكون أمريكا خسرت حربها ضد إيران على الساحة العراقية، وجاء هذا متوافقا من بعض التسريبات الإعلامية، حيث قالت صحيفة الزمان العراقية في طبعتها الدولية يوم 5 كانون الثاني عام 2009 "أن المالكي وخلال لقائه مع علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية في طهران قد تعهد بغلق ملف مجاهدي خلق في جدول زمني قريب". وبعد أقل من شهرين نشرت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية يوم 28 شباط 2009 "أن خامنئي وخلال لقائه بالرئيس العراقي جلال طالباني طلب منه ومن رئيس الوزراء العراقي تنفيذ الاتفاق الثنائي على إخراج مجاهدي خلق من العراق".(17) وفي يوم 6 تشرين الثاني 2009  كتبت وكالة أنباء مهر التابعة لوزارة مخابرات النظام الإيراني تقول: " أكد رئيس الوزراء العراقي ورئيس البرلمان الإيراني في بغداد ضرورة إخراج مجاهدي خلق من العراق". وفي يوم 23 تشرين الأول 2011 أعلنت وزارة خارجية النظام الإيراني أنها توصلت إلى اتفاق مع الحكومة العراقية من سبع مواد على غلق مخيم  أشرف .(18)

         وفي هذا السياق صرح سفير إيران  في العراق " إن جماعة منظمة خلق يحاولون إثارة النعرات الطائفية وتفتيت الوحدة بين الشعب العراقي، وقال إن موقع ليبرتي لن  يتحول إلى معسكر أشرف ثان، لأن العراقيين توصلوا إلى نتيجة أن على "المنافقين" أن  يغادروا الأراضي العراقية باعتبارهم زمرة إرهابية، إلا إنهم يؤكدون على تسوية  القضية سلميا، لكن "المنافقين" يرغبون بتأزيم الأوضاع وإيصالها إلى حد الاشتباك،  مشيرا إلى أن 1662 من أعضاء زمرة "المنافقين" أعلنوا استعدادهم للعودة إلى إيران،  وقد عاد 800 منهم إلى إيران، حيث أصدرت قرارا بالعفو عنهم(19).        

أما المسار الثاني لإخراج المنظمة من العراق هو أنها خرجت بصفقة بين أمريكا وإيران، سياسة أمريكا هنا تحتمل مسارين أي أنها ساندت إخراج المنظمة لكن بالاتفاق مع الطرفين أي المنظمة وإيران، مع إيران بتخليصها من عدو على حدودها، ومع المنظمة عن طريق دعمها في مقرها الجديد أيا كان، وهنا استخدمت الاثنين في آن واحد فالمنظمة وكما معروف عنها تتقلب في الولاء من دولة إلى أخرى ومن نظام إلى آخر وهنا نجحت أمريكا في أن تحافظ على المنظمة كورقة ضغط تستخدمها متى ما تريد، ونفذت لإيران حسب الاتفاق بين الطرفين خاصة أن هناك مفاوضات موسعة جرت بين الطرفين في العراق عام 2007، الاستنتاج الأقرب هو النتيجة أو المسار الثاني حيث أن العراق رغم تغلغل النفوذ الإيراني فيه إلا أنه لا يرقى للسيطرة الأمريكية التي نصبت من يحكم الآن في العراق، ولو كان المسار الأول هو المرجح لما بقى أحد في معسكر أشرف على قيد الحياة حتى الآن في ظل الفوضى التي يعيشها العراق الذي  فقد ما يقارب المليونين عراقي في غضون ثماني سنين ومعسكر أشرف لا يتجاوز عدد سكانه 3500.

وقد خرجت بعض التسريبات في عام 2003 ولأكثر من مرة عن وجود مفاوضات أميركية إيرانية لمقايضة بعض أعضاء مجاهدي خلق ببعض الأعضاء البارزين في تنظيم القاعدة الذين فروا إلى إيران أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان، ويعتقد أن نجل أسامة بن لادن من بينهم، إضافة إلى الناطق باسم الجماعة سليمان أبو غيث والرجل الثالث في القاعدة المصري سيف العدل. ورغم النفي الإيراني المتكرر يستدل البعض على صحة هذه الاتصالات، بإعلان وزارة الخارجية الأميركية في 16 آب 2003 عن إغلاق مكاتب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وتجميد ممتلكاته، وهو الجناح السياسي لمنظمة مجاهدي خلق، وهو ما قابلته إيران بالحذر على لسان وزير خارجيتها كمال خرازي الذي ذكر أن " قادة هذه المجموعة الإرهابية موجودون في العراق الذي يخضع لسيطرة الأميركيين ".(20)

ومن ثم أبقت أمريكا على مواقع هذه المنظمة وأخضعتها لإشرافها وحمايتها، ورفعتها من قائمة المنظمات الإرهابية، وإستخدمتها أيضا كورقة ضغط ضد إيران، وبالرغم من كل مطالبات القوى الموالية لإيران في الحكومة والبرلمان العراقي بطرد هذه المنظمة ومحاكمة قادتها ومساعي إيران لطردها من العراق، كانت المنظمة تحظى بالحماية الأمريكية، إلا أن أمريكا مؤخرا وفي تطور مفاجئ أعلنت أنها ستسلم مسؤولية حماية المعسكر إلى القوات العراقية، وبذات الوقت لوحظ أن لهجة أطراف حكومة بغداد، وأحزاب السلطة الموالية لإيران، قد تغيرت وصارت تصرح بأن المنظمة لن تطرد من العراق، وستخضع لحماية ومراقبة القوات العراقية، وسيخيَّر مقاتلوها بين العودة لايران أو إختيار بلد ثالث. (21) 

لذا أبلغت الإدارة الأميركية الحكومة العراقية بأن علاقاتها الدولية ستتضرر في حال تنفيذ عملية الترحيل في نهاية 2011، وقبل إنجاز المتطلبات الإنسانية والقانونية لهذا الترحيل، الذي سيشمل جميع سكان المعسكر، البالغ عددهم حوالي 3500 فردا، بينهم ألف من النساء والأطفال. وتم تحذير بغداد من أنها ستكون عرضة لمواقف مضادة من الإتحاد الأوروبي، إضافة إلى منظمات دولية لحقوق الإنسان، وخاصة منظمة العفو الدولية، التي ستوجّه إليها اتهامات بخرق المواثيق الدولية بخصوص اللجوء وحقوق الإنسان. في مقابل ذلك فإن السلطات الإيرانية تمارس ضغطًا هائلاً على الحكومة العراقية للالتزام بالموعد الذي حددته لنفسها للتخلص من المعسكر، حيث تشكو بغداد من أنها قد منحت الأمم المتحدة ستة أشهر لتنظيم عملية الترحيل إلى بلدان ثالثة، والإعداد لذلك من خلال إجراء مقابلات مع سكان المعسكر، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل حتى الآن. ومعظم الدول الغربية، التي كانت مرشحة لقبول سكان المعسكر كلاجئين، ترفض ذلك حالياً لأسباب اقتصادية، إلا أن كلاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأميركا قد أعطى موافقة على منح سكان المعسكر اللجوء السياسي أو الإنساني على أراضيها، وهي إجراءات تتطلب وقتا، وتستوجب تمديد مهلة العراق بالغلق في نهاية الشهر المقبل(22).

المصادر:

  1. سعيد برزين، التيارات السياسية في إيران، ترجمة: علاء الرضائي، (دراسات عالمية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، العدد: 32، الطبعة الاولى، 2000 ).
  2. الموقع الرسمي لمنظمة مجاهدي خلق على الرابط    http://www.mojahedin.org
  3. ولفريد بوختا، من يحكم إيران؟ بنية السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، ابوظبي،2003.ص 147.
  4. وفيق السامرائي، حطام البوابة الشرقية، وحقائق عن الزمن السئ في العراق، دار القبس للصحافة والنشر، الكويت،1997،ص119.
  5. فلينت ليفيريت، العلاقات الأمريكية – الإيرانية نظرة إلى الوراء، نظرة إلى الأمام، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، سلسلة محاضرات الإمارات، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الطبعة الأولى، 2007.
  6. كينيث كاتزمان، الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره، الإمارات العربية المتحدة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الطبعة الثالثة، 1998.
  7. ماثيو بارتريدج، صحيفة الغارديان البريطانية، الأحد، 9-1-2011 على الرابط الالكتروني http://www.guardian.co.uk.
  8. هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي،www.bbc.arabic.com . 
  9. يسري أحمد عزباوي، إيران والعراق والملفات المفتوحة، مجلة مختارات إيرانية على الرابط الالكتروني التالي :www.ahram.org.eg .
  10. تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين حول منظمة مجاهدي خلق.
  11. هيئة الاذاعة البريطانية على الرابط الالكتروني: http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast
  12. تشاس فريمان (الابن) وآخرون، إيران والعراق، الإمارات العربية المتحدة (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، دراسات عالمية، الطبعة الأولى، العدد: 48، 2003).
  13. بوابة المعرفة الجزيرة على الرابط ، www.aljazeera.net/KnowledgeGat.
  14. أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية – باريس   http://www.ncr-iran.org.
  15. إذاعة السي أن أن الأمريكية http://arabic.cnn.com   
  16. منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، الموقع الرسمي على الرابط الالكتروني: http://www.mojahedin.org.
  17. صحيفة الزمان العراقية في طبعتها الدولية يوم 5 كانون الثاني عام 2009
  18. وكالة أنباء مهر الإيرانية على الرابط  www.mehrnews.com
  19. وكالة فرانس برس على الرابط   http://www.afp.com
  20. الجزيرة نت، على الرابط   www.aljazeera.net
  21. مقالة للكاتب عادل البياتي :أمريكا تبيع الصحوات و-مجاهدين خلق- في صفقة إيرانية مجهولة، الحوار المتمدن - العدد: 2398 - 2008 / 9 / 8 على الرابطhttp://www.ahewar.org 
  22. جريدة الحياة اللندنية على الرابط   http://international.daralhayat.com/

[1]  كاتب وباحث في العلوم السياسية

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram