حاتم كريـــم الفلاحي [1] المقدمة أوجدت أحداث (11/9/2000م)، بيئة مناسبة للغدارة الأمريكية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة بذريعة محاربة الإرهاب، من خلال القيام بعمل عسكري كبير يقود إلى تغير الأنظمة السياسية في بعض دول المنطقة ومنها النظام السياسي الحاكم في العراق، الأمر الذي ترتب عليه تنصيب نظام حكم جديد حليف، يتلاءم مع المصالح والأهداف (الأمريكية-الصهيونية) في المنطقة، وقد تلخصت أهداف الغزو (الأمريكي-البريطاني) للعراق على المستوى المحلي في احتلاله، وتدمير قوته، وسلب سيادته، وتقسيمه على أساس عرقي وطائفي، ونهب ثرواته، وتجويع شعبه، وإذلاله، ووضعه تحت حكم فاسد تابع لإيران. أما على المستوى الإقليمي والدولي فقد كان الغزو يهدف إلى تدمير مرتكزات القوة العربية لضمان أمن (إسرائيل)، والسيطرة على منابع النفط، والهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية على دول المنطقة، وحماية الممرات البحرية لضمان إمدادات الطاقة، وتدفق النفط وبأسعار مناسبة، وكذلك تهيئة المنطقة للتقسيم من خلال تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الإدارة الأمريكية في المنطقة لترسيخ زعامتها الانفرادية في العالم. وفي هذا الصدد يقول الدبلوماسي والعسكري الأمريكي )انتوني زيني( المتخصص في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، في حوار له في قناة (CBS) الأمريكية في (20/5/2004م): "إن الولايات المتحدة الأمريكية شنت الحرب دفاعًا عن مصالح إسرائيل، كأحد أهم الأهداف الأساسية لها، وبناءً على دعوة المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية للدفاع عن مصالح إسرائيل"([2]). ويؤكد خبراء أمريكيون آخرون أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لعب دورًا كبيرًا في تشجيع إدارة بوش على احتلال العراق، ومنهم: (ستيفن والتز) الأستاذ في جامعة هارفارد، و(جون ميرشيمر) الأستاذ في جامعة شيكاغو، في دراسة لهما عن اللوبي الصهيوني نشرت في (2006م)؛ يقولان فيها: "الضغط من (إسرائيل) واللوبي الصهيوني في واشنطن، كان له دور فعال في احتلال العراق، وغالبًا لمصلحة إسرائيل، وليس البترول فقط([3]). وبناءً على ما تقدم تم تقسيم الدراسة وفقًا لخطة بحثية تضم مبحث بعنوان: الإستراتيجية (الإسرائيلية) تجاه العراق. قسم هذا المبحث إلى مطلبين. تناولنا في المطلب الأول موضوع العداء التأريخي بين العراق والكيان الصهيوني. ثم تناولنا في المطلب الثاني التحريض (الإسرائيلي) على غزو العراق، في حين جاء المطلب الثالث في التغلغل الصهيوني في العراق بعد الاحتلال الأمريكي (2003م). وأخيرًا أسأل الله -عز وجل- أن تكون دراستي المتواضعة هذه نافعة للجميع، ولست زاعمًا أني قد بلغت الغاية القصوى والهدف المرتجى، فإن وفقت فذلك من فضل الله -عز وجل- ونعمته عليَّ وتوفيقه لي، وإن قصّرت فهو دليل استيلاء النقص على جملة البشر. المبحث الأول الإستراتيجية (الإسرائيلية) تجاه العراق ترتبت على الغزو (الأمريكي-البريطاني) للعراق نتائج خطيرة سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، وفرض واقعًا جديدًا في العراق والمنطقة، فالغزو منح كلًا من إيران و(إسرائيل) فرصة ثمينة لإزالة القوة التي طالما شكلت تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وعائقًا أمام مخططاتها التوسعية في المنطقة؛ الأمر الذي أدى إلى تمددها وظهورها كقوة إقليمية مؤثرة تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها وتحقيق أهدافها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة([4]). لقد احتلت المصالح (الإسرائيلية) أولوية كبيرة ومتميزة في الأجندة السياسية الأمريكية العدوانية ضد العراق، كونها تأتي في إطار المصالح المشتركة بين الدوائر الأمريكية من جهة وبين المنظمة الصهيونية العالمية و(إسرائيل) الرسمية من جهة أخرى، فاللوبي الصهيوني له نفوذ كبير ومؤثر على صانع القرار السياسي والعسكري في أروقة البيت الأبيض، ومجلسي الشيوخ والكونغرس الأمريكي، وهناك نفوذ يهودي مؤثر لإصحاب الشركات، والمصانع العملاقة، وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة، ناهيك عن المنظمات اليهودية السياسية والدينية والتي يزيد عددها عن (34) منظمة، وتعمل بجهود حثيثة لصناعة رأي ضاغط لتحقيق مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، وأشهرها (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية) المعروفة اختصارًا بـ (آيباك)، التي تعد من أقوى جمعيات الضغط على الإدارة الأمريكية، علمًا بأن اللّوبي (الإسرائيلي) ورُموزه الأكاديميّة، والسياسيّة، بدأت عمليّة التّمهيد لغزو العراق قبل هجمات (11/9) عندما نشرت إعلانًا على صدر صفحة كاملة في صحيفة (نيويورك تايمز) ترى فيه أن العِراق يشكل الخطر الأكبر على دولة الاحتلال (الإسرائيلي). وكان من أبرز المُوقِّعين على هذا الإعلان المُفكّر الصّهيوني المعروف (برنارد لويس) المعروفة بمطالبته بتفكيك العراق وإقامة ثلاث دول على أرضه على أُسسٍ طائفيّة وعرقيّة([5]). وقد أثبتت المعطيات بأن غالبية من يمسك بالملف العراقي في (وزارة الخارجية الأمريكية) و(وزارة الدفاع البنتاغون) و(البيت الأبيض) هم من أعضاء اليمين الإنجيلي الأمريكي المتصهين، وجلهم من أعضاء منظمة (الآيباك) والجميع يدفع باتجاه شن الحرب على العراق، وكشف (بروس رايدل) المُستشار الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش) الابن في ندوةٍ نظّمها (مُنتدى السادات) في واشنطن بمُناسبة الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، سِرًّا خطيرًا وعلى دَرجةٍ كبيرةٍ من الأهمية عندما قال: "في (14/9/2001م)، أيّ بعد ثلاثة أيّام من الهجمات التي شنّها تنظيم (القاعدة)، اتّصل الرئيس (جورج بوش) الابن (بتوني بلير) رئيس الوزراء البريطاني في حينها وأبلغه أنّ أمريكا ستُهاجم العِراق وليس أفغانستان فقط"؛ حيث لعب المحافظون الجدد مثل: (سكوتر ليبى) و(بول وولفوتيز)، والمؤرخ (برنارد لويس)، دورًا كبيرًا وهامًا وخاصًا في إقناع الرئيس الأمريكي ونائبه على شن هذه الحرب، حيث نصح (وولفويتز) الرئيس بوش الابن "بمهاجمة العراق قبل أفغانستان"، حتى وإن لم يكن هناك دليل على أن (صدام حسين) كان مشاركًا في أحداث (11 أيلول/ سبتمبر)، ولكن بوش رفض هذه النصيحة واختار أن يبدأ بأفغانستان أولًا"، وهذا يعني إن غزو العراق أصبح احتمالًا قائمًا، وبالفعل ففي (21نوفمبر عام2001م)، أوكل بوش للعسكريين الأمريكيين مهمة التخطيط والإعداد لغزو العراق، وهذا يعطي صورة واضحة بأن قرار غزو العراق اتخذته الإدارة الأمريكية لتنفيذ مشروعها في المنطقة، بغض النظر عن جميع الذرائع التي تم تسويقها لشن هذه الحرب([6]). وللبحث أكثر في هذا الموضوع سنحاول من خلال مطلبين بيان الجذور التأريخية للعداء بين العراق والكيان الصهيوني، ثم ننتقل في المطلب الثاني لتوضيح الدور الذي لعبته إسرائيل من أجل غزو العراق، وذلك تبعًا لما يأتي: المطلب الأول: العداء التأريخي بين العراق والكيان الصهيوني. المطلب الثاني: التحريض (الإسرائيلي) على غزو العراق. المطلب الثالث: التغلغل الصهيوني في العراق بعد الاحتلال الأمريكي (2003م). المطلب الأول العداء التأريخي بين العراق والكيان الصهيوني إن العداء بين الدولة العراقية والكيان الصهيوني هو عدائي تأريخي فالعراق قبل الاحتلال لا يعترف بدولة اسمها إسرائيل، وقد شارك في جميع الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني كدولة مواجهة على الرغم من عدم وجود حدود برية مشتركة مع الكيان الصهيوني، كما إن (إسرائيل) ترى بأن العراق يشكل تهديدًا قويًا ومباشرًا للأمن القومي (الإسرائيلي)، وقد عملت على تدمير مفاعل تموز العراقي عام (1981م)، ودعمت نظام إيران بالسلاح والعتاد والمعلومات خلال الحرب الإيرانية-العراقية، ثم ساهمت في تدمير البنى التحتية العراقية في حرب الخليج الثانية عام (1991م)، عندما قدمت بنك معلومات مفصل عن القدرات العسكرية والاقتصادية ومنشآت التصنيع العسكري، ثم ساهمت بفرض الحصار الاقتصادي على العراق بعد عام (1991م)، ثم حرضت وشاركت في الإطاحة بالدولة العراقية السابقة عام (2003م)؛ لتبدأ مرحلة جديدة فيها آفاق واسعة للتنسيق والتعاون والاختراق لمؤسسات الدولة العراقية التي تم تشكيلها بعد الاحتلال. وللبحث في هذا الموضوع وبشكل موجز سنحاول بحثه وفقًا للآتي: الفرع الأول: الدوافع العقدية للتغلغل الصهيوني في العراق. الفرع الثاني: أول ظهور يهودي في العراق بعد الاحتلال (2003م). الفرع الثالث: العلاقات الكردية- (الإسرائيلية). الفرع الأول الدوافع العقدية للتغلغل الصهيوني في العراق قبل أن أدخل في الدوافع العقدية اليهودية والمطامع الحقيقة للدولة العبرية تجاه العراق أريد أن أسوق بعض التصريحات الدالة على ذلك، ومنها: يقول (بن غورين) في عام (1950م) لطلاب الجامعة العبرية: "إن هذه الخريطة ليست خريطة دولتنا، بل إن لنا خريطة أخرى عليكم أنتم مسؤولية تصميمها وهي خريطة الوطن (الإسرائيلي)، الممتد من النيل إلى الفرات"([7]). وقال بعد عام (1967م) " لقد استولينا على القدس واستعدناها، ونحن اليوم في طريقنا إلى يثرب"، بينما هتفت (غولدا مائير) عام (1967م)، في زيارة لها إلى أم الرشراش، (إيلات) أنني أشم رائحة أجدادي في الحجاز، وهي وطننا الذي علينا أن نستعيده". وعندما زارت مواقعًا في جنوب طابا تنفست وقالت: أشم نسيم يثرب وخيبر! كما قالت في (10/7/1969م)، وهي تخاطب الجيش (الإسرائيلي): "إن الآخرين لم يحددوا، ولن يحددوا حدودنا، إذ إنه في أي مكان تصلون إليه وتجلسون فيه، يكون هو حدودنا"، بنزعة توسعية واضحة، بينما يقول (مناحيم بيغن): "لن يكون سلام لشعب اسرائيل، ولا في أرض إسرائيل، ولن يكون هناك سلام للعرب- أيضًا- ما دمنا لم نحرر وطننا بأكمله من النيل إلى الفرات، حتى ولو وقعنا مع العرب معاهدة الصلح". ومن الدوافع العقدية أيضًا الأساطير اليهودية الصهيونية التي تروج لضرورة سحق القوة العراقية مبكرًا، حيث يجد اليهود في التلمود المزعوم أن خراب دولتهم الثانية سيكون على أيدي جند أولي بأس شديد يخرجون من أرض بابل، كما خرج نبوخذ نصر الذي خرب دولتهم الأولى قبل آلاف السنين، فأسر رجالهم وسبى نساءهم وجعلهم عبيدًا، وهذا يفسر لنا ما أصدره بعض الحاخامات اليهود من فتوى تنص على اعتبار العراق جزءًا من أرض (إسرائيل) الكبرى؛ فهم بذلك يطبقون عقيدتهم الدينية التي تقول " إن ما يسمى بهيكل سليمان لن يُبنى إلا إذا خُربت بابل "لن يعود الرب حتى يُبنى الهيكل ولن يُبنى الهيكل حتى تؤدب بابل وآشور!!"([8]). لخص القس الإنجيلي (بات روبرتسِن) أحد أبرز الآباء الروحيين لتيار المحافظين الجدد -ومنهم بوش ورامسفيلد ودك شيني- المطامع الصهيونية في العراق والرغبة التدميرية له، بقوله بعد اجتياح العراق ووصول الاحتلال إلى مدينة بابل: "ها هي تعود من جديد لتدخل في حلف عسكري واحد، وها هي أمم الأرض كما تقول النبوءات العبرانية تشكل نظام دفاع جديد للدفاع عن إسرائيل والانتقام من بابل بقصفها من السماء؛ لأنها هي التي عذبت شعب الله المختار وأغرقته بالدموع والأحزان" وهناك نصوصٌ توراتية وتلمودية وحقائق موثقة يعزز مقاصدها ما ذهب إليه الجنرال (شوارزكوف) عقب العدوان الثلاثيني على العراق عام (1991م)، حين خاطب بني صهيون قائلًا "لقد قمنا بالحرب من أجلكم"( ([9]!!. الفرع الثاني أول ظهور يهودي في العراق بعد الاحتلال (2003م) سارع عدد من اليهود من ذوي الأصول العراقية بعد احتلال العراق إلى توجيه رسالة في (25/4/2003م)، يعبرون فيها عن تضامنهم مع الشعب العراقي، وجاء في تلك الرسالة: "توجيه نداء إلى اليهود من أصل عراقي في أرجاء المعمورة لضم أصواتهم إلى أولئك الذين يشاركوننا رأينا ويشاطروننا مشاعرنا ليعبروا عن تضامنهم مع العراق وأبنائه قولًا وفعلًا". وتم "تشكيل لجنة تضم أعضاء من اليهود من أصل عراقي حيثما كانوا لوضع برنامج تطبيقي لغرض إنجازه في إطار ما يتقرر في هذه الجلسة، ومتابعة تطبيق القرارات عن كثب، والحث على العمل الناجع والسريع، أما واجباتنا في المستقبل فستقرر في حينه!". وقد كانت هذه الرسالة التي بادر بها (دافيد ساسون) وهو رجل أعمال يهودي من العراق هي أول ظهور علني لليهود في العراق بعد الحرب، وقد كشفت هذه الرسالة النوايا اليهودية تجاه الشعب العراقي، ومدى التخطيط المحكم الذي كان يعمل له اليهود في الكيان الصهيوني ويستعدون لقطف أولى ثماره بعد الغزو الأمريكي([10]). وقد بدأت الإدارة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني تطرح التصورات البديلة لعراق ما بعد الغزو والاحتلال، وتم تعيين الجنرال (جاي غارنر) حاكمًا أمريكيًا للعراق في الأسابيع الأولى من الغزو، ثم تم تبديله بالحاكم المدني (بول برايمر) وكان على رأس هذه التصورات مستقبل العلاقة بين العراق الجديد وبين الكيان العبري، حيث كتب (موشيه إيرز) في صحيفة (هآرتس) العبرية بعد احتلال العراق بأسبوعين مقالًا يقول فيه: "من ناحية إسرائيل يعتبر انتصار أمريكا نبأ جيدة جدًا، فالنظام العربي الأكثر عداءً لإسرائيل والذي هددها بالأسلحة الكيمياوية وأطلق عليها الصواريخ في عام (1991م)، والنظام الذي سيخلفه فإنه لن يشكل خطرًا مشابهًا لسابقه خلال السنوات القادمة، وهزيمة صدام حسين تدفع نحو السلام مع (إسرائيل) بخطوة ضخمة إلى الأمام"([11]). وهذا ما حصل فقد أصبحنا فعلًا بعد احتلال العراق أمام مرحلة جديدة وغير مسبوقة من العلاقات بين الكيان الصهيوني والطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وتكرر زيارات سرية لـ (إسرائيل) من قبل مسؤولين عراقيين. الفرع الثالث العلاقات الكردية- (الإسرائيلية) يعود تأريخ العلاقات (الإسرائيلية) مع القيادات الكردية إلى عام (1931م)؛ حيث نسبت الوكالة اليهودية الصحفي اليهودي (روفين شيلو) مندوبًا لها في كردستان العراق وكان ينشط بحجة عمله الصحفي([12]). علمًا بأن جذور العلاقة التي بدأت بين الأكراد والإسرائيليين منذ عام (1942م)، تعمقت بعد قيام الدولة (العبرية)؛ حيث اتخذ التمدد والتواجد (الإسرائيلي) في إقليم كردستان العراق صورًا وأشكالًا عدة، سياسية واقتصادية وعسكرية واستخبارية خاصةً بعد الحظر الجوي الذي فرض عام (1991م)، بحيث أصبحت هناك استقلالية للأكراد بحماية أجنبية توفرها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الأمر الذي مهد لقيام شبه دولة كردية في شمال العراق، ثم جاء الاحتلال الأمريكي عام (2003م)، ليكون الإقليم الكردي "مستقلًا بحكم الأمر الواقع"؛ مما سمح لحكومة كردستان بتكثيف علاقاتها الخارجية وبصورة موازية للدولة العراقية المركزية بالتنسيق مع الكتلة الشيعية، ولبيان حيثيات الموضوع سنحاول إيجاز أهم المحطات التي شهدتها العلاقات الكردية – (الإسرائيلية) عبر التأريخ إلى الآن، وذلك من خلال الآتي: أولًا: مراحل تطور العلاقات الكردية – (الإسرائيلية): ويمكن تقسيم هذه العلاقات على النحو الآتي: - المرحلة الأولى: وتمتد هذه المرحلة من العلاقات منذ عقد الثلاثينيات من القرن العشرين ولغاية عام (1990م)، وقد شهدت هذه الفترة تعاونًا كبيرًا بين الجانبين أخذ أشكالًا متعددة، وقد فصل الصحفي (شلومو نكديمون) في كتابه (الموساد في العراق ودول الجوار)، ذلك التعاون بين الكيان الصهيوني والأكراد، وتحديدًا بين (مصطفى البارزاني) وبين الموساد (الإسرائيلي)؛ حيث أمدتها "بالسلاح والمال والأغذية والمعونات الصحية، وكان هناك ممثلون من الموساد (الإسرائيلي) يزورون المواقع الكردية في شمال العراق باستمرار منذ فترة الستينيات"، علمًا بأن (مصطفى البارزاني) زار إسرائيل مرتين، والتقى القادة (الإسرائيليين) وقادة الموساد في أواخر الستينيات؛ لتساعده على تحقيق فكرة قيام حكم ذاتي، علمًا بأن التعاون بين الجانبين كان يجري عبر طهران، ويشير إلى أن هذا التعاون والتنسيق قد شهد نشاطًا متزايدًا واستمر لسنوات طويلة، بحيث كانت طواقم المستشارين العسكريين (الإسرائيليين) متواجدة بمعسكرات البارزاني طيلة هذه السنوات، وكانت هناك وفود (إسرائيلية) دورية تقدم الاستشارة اللازمة في مجال التدريب، والتنظيم، وأساليب قيادة الحرب الحديثة، والاستخبارات، واستخدام الأسلحة الحديثة، فضلًا عن المساعدات المالية والطبية، وقد كان هناك تواجد دائم لأحد عناصر الموساد مع هذه الطواقم التي يتم تبديلها كل ثلاثة أشهر، وغالبًا ما كانت هناك وفود طبية لمعالجة الجرحى. وقد بدأت قنوات الاتصال هذه تأخذ سياقًا آخر في فترة الخمسينيات؛ حيث كانت الاتصالات تجري بين الجانبين من خلال ثلاث قنوات رئيسة، هي: أ: عن طريق الاستخبارات الإيرانية. ب: عن طريق نشاط السفارات (الإسرائيلية) وعلاقاتها مع الأكراد الموجودين في الدول الأوروبية. جـ: عن طريق العلاقات المباشرة مع القيادات الكردية ومنها علاقة ملا مصطفى البارزاني مع صديقه السفير (الإسرائيلي) في إيطاليا (موريس فيتشر)، وعن طريق الوفود التي كانت ترسل إلى كردستان العراق. - المرحلة الثانية: وتشمل هذه المرحلة ما بعد عام (1991م)، أي بعد خروج العراق من الكويت؛ حيث تعد مرحلة مهمة وحاسمة في تأريخ العراق الحديث، بعد أن نتج عنها إنشاء إقليم كردي في شمال العراق بحماية أجنبية، بعد أن تم فرض الحظر الجوي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بحجة حماية الأكراد عند خط عرض (36) شمالًا والشيعة عند خط (32) جنوبًا، وذلك حسب المشروع الفرنسي الذي قدم لمجلس الأمن الدولي والذي تمخض عنه صدور القرار الرقم (688) من مجلس الأمن في (5 أبريل/ نيسان عام 1991م)، والذي تضمن إنشاء منطقة آمنة شمال العراق بالقوة مما أفقد العراق (40%) من سيادته الجوية على هاتين المنطقتين، الأمر الذي استغلته واشنطن والكيان الصهيوني لتعزيز اتصالاتها بالمعارضة الكردية والشيعية لتقوية نزعتها الانفصالية عن بغداد، ومن هنا كانت البداية الفعلية لتمزيق وتفتيت الدولة العراقية، التي أصبحت عرضةً للاختراق الجوي والاستخباري من قبل جهاز الموساد (الإسرائيلي)، والسافاك الإيراني. - المرحلة الثالثة: وتبدأ من عام (2003م)، أي: بعد الاحتلال الأمريكي للعراق؛ حيث تحولت محافظات كردستان العراق قبل الاحتلال إلى قاعدة عسكرية خليفة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبوابة رئيسة للتجسس على العراق تمهيدًا لغزوه واحتلاله، ولا سيما بعد أن وضعت الأحزاب الكردية قوات البيشمركة تحت إمرة القوات الأمريكية من أجل مشاركتهما في احتلال العراق، علمًا بأن الموساد والجيش (الإسرائيلي) دربا ما يزيد عن (130) ألف مقاتل من قوات البيشمركة، مقابل تقديم معلومات مفصلة عن القدرات العسكرية للقوات العراقية؛ حيث يقول السياسي الكردي (محمود عثمان) مستشار (مسعود البارزاني) في هذا الصدد: "الإسرائيليون كانوا يطلبون منا المعلومات عن الجيش العراقي، وبالوقت نفسه يزودوننا بمعلومات عن تحركاته، حتى المستشفى الميداني الذي أقامه الإسرائيليون في شمال العراق كان من أهدافه جمع معلومات استخبارية عن العراق لمصلحة إسرائيل"([13]). ثانيًا: علاقة الموساد باستفتاء كردستان: شجعت الدوائر الصهيونية بقوة مشاريع تقسيم العراق، والانفصال عن الدولة العراقية المركزية، وسعت لدعم أي توجه في هذا الصدد، من منطلق تحقيق الإستراتيجية الصهيونية المعروفة التي أعلنها (ديفيد بن غوريون) أول رئيس وزراء إسرائيلي والتي أطلق عليها نظرية (تحالف الأقليات) عام (1948م)، والتي تقوم على تفكيك دول المنطقة إلى كيانات طائفية وعرقية وعنصرية، قائلًا يجب: "علينا أن نكون طرفًا في العملية السياسية في كل دولة عربية لتهديد الأمن القومي العربي، وإثارة الأقليات العرقية والطائفية"([14])، فضلًا عن خطط ومشاريع أخرى في هذا السياق([15]). كما أن هناك مشروعًا صهيونيًا آخر أطلق عليه مشروع (ينون)، نشرت تفاصيله منظمة الصهيونية العالمية في مجلة(كيفونيم) عام (1982م)، تحت عنوان: (إستراتيجية إسرائيلية في الثمانينيات)، وقد جاء فيها "إن تقسيم العراق إلى مقاطعات هو أحد أولويات أهداف إسرائيل"([16]). وهذا يفسر ما يجري في المناطق من عمليات تغيير ديموغرافي ضد العرب والتركمان في عدد من المناطق التي يطلق عليها (المناطق المتنازع عليها)، بغرض ضمها إلى كردستان في حال إعلان الدولة الكردية والانفصال، ولعل ما جرى من سيطرة الأحزاب الكردية على الكثير من المناطق بعد حزيران عام (2014م)؛ هو خير دليل على التوجه نحو تنفيذ هذا المشروع. إن الاهتمام (الإسرائيلي) المتزايد بكردستان العراق يعود لأسباب كثيرة ومهمة وهي تتلخص في الأهمية الجيوستراتيجية للإقليم، ووجود مجتمع كردي يهودي في إسرائيل، كما أن التواجد العسكري والأمني والاستخباري (الإسرائيلي) في كردستان يوفر إنذار مبكر لإسرائيل ومحطة دفاعية متقدمة تمكنها من شن حرب استباقية ضد أي هجوم صاروخي باليستي، أو على الأقل تدمير الصواريخ الباليستية المعدة للهجوم قبل إطلاقها؛ ما يعطي لإسرائيل ميزة إستراتيجية على أعدائها في الشرق الوسط حيث يقول: الأستاذ بجامعة (بيلكنت) في أنقرة (مصطفى كيباروجلو)، في دراسته المنشورة في (ميدل إيست جورنال) عام (2005م)؛ بأن الإقليم يتيح لإسرائيل "مراقبة البرنامج النووي والصاروخي لإيران، وكذلك النشاط العسكري لتركيا وسورية"([17]). وتشير الدلائل إلى أن (إسرائيل) لعبت دورًا كبيرًا في دفع القيادة الكردية إلى المضي قدمًا في قضية الاستفتاء الذي جرى في (25/9/2017م)، رغم الرفض الداخلي لهذه الخطوة حتى على مستوى كردستان العراق نفسها، ناهيك عن نداءات الحكومة المركزية العراقية والمجتمع الدولي لتأجيلها، فقد كان هناك رفض إقليمي ودولي من قبل غالبية الدول في العالم، بما فيها دول الجوار العراقي، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والأمم المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، والكثير من الدول العربية، باستثناء دولة الاحتلال (الإسرائيلي) التي أعلنت دعمها وتأييدها لهذه الخطوة، وبهذا تعد (إسرائيل) الدولة الوحيدة التي أيدت الاستفتاء، ورُفع علمها من بعضهم في سماء أربيل، الأمر الذي يعكس مدى العلاقة المتينة بين إقليم كردستان العراق وإسرائيل"، علمًا بأن صحيفة (معاريف) الصهيونية كشفت في عددها الصادر بتأريخ (9/5/2015م)، بأن حكومة الإقليم أرسلت مستشارها السياسي الدكتور (ناهرو زاغروس)للتباحث مع كبار المسؤولين (الإسرائيليين) حول سبل الدعم السياسي الذي يمكن أن تقدمه (إسرائيل) للتحرك الكردي الهادف إلى تأمين اعتراف دولي بالاستقلال عن العراق([18]). وقد أعلن رئيس الوزراء (الإسرائيلي) (بنيامين نتنياهو) في (13/9/2017م) دعم حكومته "لجهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته"، علمًا بأن رئيس الوزراء (الإسرائيلي) قد حث الرئيس (الإسرائيلي)(شمعون بيريز) عام (2014م)، على مفاتحة الرئيس الأمريكي (بارك أوباما) لتغير موقف إدارته من استقلال كردستان([19])، وكذلك فعل وزير الخارجية (الإسرائيلي) السابق (أفيغدور ليبرمان) عندما اتصل بنظيره الأمريكي (جون كيري) في (22/6/2014م)، حاثًا إياه على تغيير موقف بلاده من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عمليًا. وجزم معلق الشؤون العسكرية (ألون بن دافيد)لصحيفة (معاريف) في (30/6/2015م)، بأن (دولة كردية تضم أجزاءً من العراق وإيران وسوريا وتركيا ستمثل "حليف الأحلام بالنسبة لإسرائيل"؛ ولهذا فإن (إسرائيل) تشجع على قيام دولة كردية في شمال العراق من أجل مصالحها الإستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية؛ لأن قيام هذه الدولة سيسهم في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهذا يتطلب التعجيل بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب؛ الأمر الذي سيضعفه كجبهة شرقية، ودولة مواجهة قوية، طالما شكلت تهديدًا مباشرًا للأمن القومي (الإسرائيلي) رغم البعد الجغرافي، كما أن هذه الخطوة تعني شراكة إستراتيجية مع تل أبيب للتخفيف من عزلتها في المنطقة([20]). ثالثًا: مؤتمر التطبيع في أربيل: احتفت بعض الدوائر الأمريكية بأنباء المؤتمر الذي عقد في مدينة أربيل بتأريخ (24/9/2021م)، والذي أطلق عليه مؤتمر (السلام والاسترداد)، وقد نظمه (مركز اتصالات السلام) وهو -كما يعرف نفسه-: منظمة غير ربحية مقرها نيويورك "تسعى إلى تعزيز علاقات أوثق بين الإسرائيليين والعالم العربي"! وقد حضرته عشرات الشخصيات من مكونات مختلفة، وقد أسهمت بعض الدوائر الأمريكية في عقد المؤتمر والذي نشرت عنه في صحيفة (وول ستريت جورنال) مقالة رأي حول الموضوع وأطلقت حملة إعلانية عنه على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر؛ لحمل الإدارة الأمريكية على إعلان دعمها للمؤتمر؛ حيث تحدثت بعض الشخصيات ومنهم المدعو (وسام الحردان) وهو شخصية عشائرية وقائد أحد فصائل الصحوة في محافظة الأنبار، قائلًا: "إننا اتخذنا الخطوة الأولى للاجتماع علنًا في أربيل وسنسعى بعد ذلك إلى إجراء محادثات مباشرة مع الإسرائيليين" وأضاف "على العراق الاعتراف بإسرائيل، قبل أن يُصبح مثل لبنان الذي ابتلعته الميليشيات بالكامل"، وعبر عن أمله في التحاق العراق ببقية الدول العربية المشاركة في اتفاقية (آبراهام)([21]). ثم تلت كلمته كلمة الموظفة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية (سحر الطائي) قائلةً: "من الضروري والحتمي، من أجل السلام الإقليمي، الاعتراف بإسرائيل دولة صديقة.. (نحن) نريد السلام مع إسرائيل"، وأضافت "لا يحق لأي قوة، سواء كانت محلية أم خارجية، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء"، وكذلك تحدث (سعد العاني) حول التطبيع مع (إسرائيل) لبناء العراق الجديد حسب وصفهم. أما على الجانب (الإسرائيلي) فقد غرَّد رئيس الوزراء (الإسرائيلي) (نفتالي بينيت) بعد المؤتمر مباشرة قائلًا: إن "مئات الشخصيات العامة العراقية، من السُّنة والشيعة، اجتمعوا أمس للدعوة إلى السلام مع إسرائيل.. هذه دعوة تأتي من أسفل لا من أعلى، من الشعب لا الحكومة.. الاعتراف بالظلم التأريخي الذي تعرَّض له يهود العراق مهم بشكل خاص.. دولة إسرائيل تمد يدها بالسلام" بينما عقب وزير الخارجية (يائير لبيد) على دعوات القادة العراقيين للسلام بأن "الحدث في العراق مصدر أمل وتفاؤل، فإسرائيل تبحث دائمًا عن طرق لتوسيع دائرة السلام"، وأضاف "منذ تولي هذه الحكومة مقاليد الأمور، كان هدفنا توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية"([22]). وقد أثار هذه المؤتمر ضجة كبيرة في الشارع العراقي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني هذا بالإضافة إلى الرافض الرسمي الذي وصل إلى إصدار أوامر قضائية بحق المنظمين لهذا المؤتمر، وهنا أسال كيف سمحوا لهم بإقامة هذا المؤتمر بإعطائهم موافقات أمنية وهم رافضين له؟، وهل يجرؤ أحد على إقامة مثل هذا المؤتمر -غير المسبوق- ما لم تكن هناك موافقات رسمية؟، وضوء أخضر؟، بما فيه أنه مدعوم من جهات سياسية ورسمية وبقوة، علمًا أني لم أسمع عن اعتقال أي ممن صدرت بحقهم هذه المذكرات! لذا فهو جس نبض للشارع العراقي الذي أظهر رفض شعبي عارم، علمًا أن الكثير من الحاضرين في المؤتمر ظللوا وخرجوا عندما عرفوا الحقيقة! والبعض الآخر بدأ يتنصل عن مسؤولية الحضور، ولكنه في النهاية هو اختراق كبير وغير مسبوق وهو خطوة ستؤسس لخطوات قادمة سيقدم عليها النظام السياسي الحاكم في العراق. المطلب الثاني التحريض (الإسرائيلي) على غزو العراق لقد لعبت (إسرائيل) واللوبي الصهيوني دورًا حيويًا في تحريض الولايات المتحدة الأمريكية على غزو العراق، وقد كان ذلك واضحًا وجليًا في شتى المجالات السياسية والعسكرية والاستخبارية، خصوصًا وإن إدارة بوش كان يهيمن عليها التيار المحافظ الموالي لإسرائيل، والذي يدفع ويحرض الإدارة الأمريكية على شن العدوان على العراق واحتلاله وتدميره([23]). كما كتب رئيس الوزراء السابق (إيهود باراك) في صحيفة (النيويورك تايمز): "محذرًا من أن الخطر الأكبر يكمن في عدم اتخاذ إجراء"، فيما كتب (بنيامين نتنياهو) في مقال له نشر بصحيفة (وول ستريت جورنال)، بالقول: "في هذه الأيام ليس هناك أقل أهمية من إسقاط النظام العراقي"([24]). وأشارت (صحيفة هاآرتس) (الإسرائيلية) في فبراير عام (2003م)، في مقال لها: إلى "أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتوق إلى شن الحرب على العراق"، وقد أبدى الكثير من القادة الإسرائيليين رغبتهم الجامحة لشن الحرب ضد العراق لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية وجهتهم بتخفيف وكتم هذه الرغبة الجامحة حتى لا يقال بأن هذه الحرب قد جاءت من أجل إسرائيل"([25]). علمًا بأن نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) قاد حملة تحريضية واسعة شملت لقاء مع المحاربين القدامى في (16أغسطس عام2002م)؛ للتحريض ضد العراق، وقد وصفت (صحيفة واشنطن بوست) في مقال لهابأن: إسرائيل تحض المسؤولين الأمريكيين على عدم تأخير شن الحرب والضربة العسكرية ضد نظام صدام حسين، وقد حشدت الجماعات اليهودية كل قواها السياسية لدعم الرئيس الأمريكي في حربه ضد العراق. وقد نشرت (صحيفة يديعوت أحرونوت) إن قادة اللوبي اليهودي في أمريكا، أكدوا على ضرورة تخليص العالم من (صدام حسين) وأسلحته ذات التدمير الشامل، كما ذكرت بعض الصحف الأمريكية بأن موضوع أمن إسرائيل يُسرع عوامل الحرب([26]). ولبحث هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلًا، سنقوم بتقسمه إلى ثلاثة فروع، وفقًا للآتي: الفرع الأول : توريط العراق بالحروب لإضعافه تمهيدًا لاحتلاله. الفرع الثاني: الرؤية الأمريكية-(الإسرائيلية) لتغير خرائط المنطقة. الفرع الثالث: التحالف العسكري الأمريكي-الإسرائيلي لاحتلال العراق. الفرع الأول توريط العراق بالحروب لإضعافه تمهيدًا لاحتلاله نجحت جهات عدة في الثمانينيات الميلادية من إنشاب حرب ضروس بين العراق وإيران اللتين تعدان أقوى دولتين في المنطقة؛ لإنهاكهما وإضعافهما، وقد استمرت الحرب لثمان سنوات طاحنة، عملت فيها (إسرائيل) على إطالة أمد هذه الحرب من خلال إمداد إيران بالسلاح والمعلومات عبر وسطاء وبصورة مباشرة وهذا ما عرف (بفضيحة إيران جيت، ثم جاءت الفرصة مؤاتيه لـ (إسرائيل) مرة أخرى لتقوم بتوجيه ضربة جوية استباقية لمفاعل تموز العراقي في (5 حزيران عام 1981م)، تجسيدًا للنظرية الأمنية (الإسرائيلية) التي تقوم على الضربة الوقائية (ضربة استباقية)؛ لأنها لا تسمح لأي دولة معادية لـ (إسرائيل) بامتلاك أسلحة التدمير الشامل وهذا ما صرح به (مناحيم بيغن) قائلًا: "لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لدولة معادية بتطوير أو حيازة سلاح للتدمير الشامل"([27]). وقد كانت هذه الضربة بضوء أخضر أمريكي؛ استغلالًا لانشغال العراق بالحرب وعدم قدرته على فتح جبهتين في آن واحد، وقد كانت هذه الضربة تعبيرًا واضحًا عن مدى القلق (الإسرائيلي) من تعاظم وتطور القوى العسكرية العراقية على المستوى الإقليمي. وبعد انتهاء الحرب (العراقية-الإيرانية) ازدادت المخاوف (الإسرائيلية) من خروج العراق منتصرًا من هذه الحرب بأكبر جيش عرفته المنطقة في تأريخها، بعد انتصاره على الجيش الإيراني بكل إمكانياته وقدراته العسكرية، ولكنه بنفس الوقت خرج منهكًا ومثقلًا بمديونية مالية كبيرة أثقلت كاهله في إعادة بناء مؤسسات الدولة، بما فيها القوات المسلحة بمختلف صنوفها وخاصة القوة الجوية، والدفاع الجوي، والقوات البرية وخاصةً القوات المدرعة منها، ومع هذا كله فقد خرج العراق من هذه الحرب ليشكل كابوسًا وتهديدًا إستراتيجيًا للكيان الصهيوني وفقًا للتقديرات العسكرية الصهيونية، ثم جاءت الفرصة سانحة مرة أخرى لـ (إسرائيل) للتخلص من القدرات العسكرية العراقية عند غزو الكويت في (2/8/1990م). الفرع الثاني الرؤية الأمريكية-(الإسرائيلية) لتغير خرائط المنطقة واصلت (إسرائيل) ضغطها على الولايات المتحدة الأمريكية من خلال اللوبيات اليهودية المتواجدة في واشنطن من أجل القيام بعمل عسكري لغزو العراق حسب الرؤيا الأمريكية الجديدة للمنطقة ومشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية (كونداليزا رايس) لتحقيق العديد من الأهداف ومنها السيطرة على منابع النفط، وحماية (إسرائيل) بما يؤمن قيام دولتها الكبرى من النيل إلى الفرات، ونشر الديمقراطية بإزاحة النظام العراقي الحاكم لمنعه من حيازة أسلحة التدمير الشامل، وإعادة تشكيل ورسم خريطة المنطقة الإقليمية بما يخدم المصالح (الإسرائيلية) في إطار خطة شاملة لتهيئة الواقع العربي لإيجاد حل للنزاع العربي-(الإسرائيلي)، وتحويله إلى نزاع عربي- فارسي، وقد أكد رئيس الأركان (الإسرائيلي) (موشى يعالون) قائلًا: "إن الهجوم العسكري الأمريكي على العراق سيؤدى إلى زلزال إقليمي، يخلق أوضاعًا جديدة ويعيد توزيع القوة في المنطقة"([28]). وهذا ربط واضح من (يعالون) بين مصالح (إسرائيل) وأمريكا ونتائج هذا الزلزال ربطًا مباشرًا. ومما يعزز هذا الطرح ما كتبه (وليم كريستول) في صحيفة (ويكلى ستاندرد) قائلًا: "كان تحرير العراق أضخم معركة من أجل مستقبل الشرق الأوسط، مما فتح الباب واسعًا أمام النفوذ الصهيوني والإيراني للتغلغل بالعراق والمنطقة على حدٍ سواء للسيطرة والهيمنة عليها"، وما نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) قائلة: "أحلام الرئيس بوش ليس فقط في تغيير النظام بالعراق، ولكن في المنطقة كلها([29]). الفرع الثالث التحالف العسكري الأمريكي-(الإسرائيلي) لاحتلال العراق يعدّ التحالف الأمريكي-(الإسرائيلي) تحالفًا إستراتيجيًا مصيري لتنفيذ حلم الإمبراطورية الأمريكية والدولة اليهودية الكبرى، فالصهيونية العالمية والدولة الصهيونية في فلسطين شاركت في رسم خرائط الحرب على العراق، وكانت لها مشاركة فعلية مباشرة في غرفة العمليات المشتركة بين وزارتي الدفاع الأمريكية و(الإسرائيلية)، حيث تولت هذه الغرفة مسؤولية توفير وتجهيز كل المستلزمات القتالية واللوجستية والإعلامية والعسكرية والاستخبارية اللازمة لاحتلال العراق، وقد أشار الكاتب الصهيوني (بوعز غاوون)في مقالٍ له نشرته صحيفة معاريف (الإسرائيلية) تحت عنوان: (قواتنا في العراق)، أكد فيه حقيقة التواجد الصهيوني، وقال صراحة إن (إسرائيل) دخلت العراق لتأخذ حصتها" ويضيف إن كل "دبابة أو طائرة أو سفينة حربية أمريكية في العراق، كان يقودها أمريكي ومساعد إسرائيلي"([30]). وهذا اعتراف صريح بمشاركة الكيان الصهيوني بالحرب على العراق، من يراجع ويتابع التصريحات والتحركات يتوصل إلى قناعة تامة بأن الأمريكيين خططوا وصمموا هذه الحرب لخدمة المصالح (الإسرائيلية)، على المدى البعيد، وقد اعترف بذلك عضو لجنة الشؤون الأمريكية (الإسرائيلية) العامة (بارى جاكوب) في (مارس عام 2005م): والذي قال "إن الاعتقاد الموحى بتآمر (إسرائيل) والمحافظين الجدد على الولايات المتحدة الأمريكية لدفعها إلى الحرب على العراق، كان تدخلًا وتغلغلًا من الاستخبارات الأمريكية من هذين الطرفين، وحتى الآن فإن فئة قليلة من الشعب تذكر ذلك علانية، وأن الأغلبية منهم ومن ضمنهم السناتور "إيرنست هولنفر)، والممثل(جيمس موران)، قد أدينوا بمجرد رفعهم لهذا الصوت إزاء هذه القضية، وإن هناك اتجاه واضح، أن (إسرائيل) واللوبي اليهودي ، كانا عاملين رئيسيين مؤثرين في رسم القرار الأمريكي لشن الحرب على العراق([31]). لقد كان التعاون بين واشنطن وتل أبيب كبيرًا وعلى مستوًى عالٍ من التنسيق في المواقف بين البلدين، وقد تم الاتفاق على: "أن تحصل إسرائيل على إنذار مبكر بالحرب قبا بدء العمليات بــ (72) ساعة، على أن يكون هناك اتصال مباشر بين بوش وشارون، على أن يظل الاتصال قائمًا على مستوًى وزارة الدفاع، وتخصص الولايات المتحدة عدة أقمار صناعية لخدمة إسرائيل، حتى يمكن اكتشاف الصواريخ العراقية ليصل زمن الإنذار المبكر إلى (7) دقائق من لحظة الانطلاق"([32]). كما سيتم فتح جسر جوي ينقل إلى إسرائيل معدات عسكرية تستخدم احتياطيًا لاستمرار الهجوم، مع تخزين قطع غيار للمعدات الأمريكية ويمكن نقلها إلى البحرين والكويت إذا دعت الضرورة لذلك. وتدل المعطيات في العراق على أن التعاون الأمريكي (الإسرائيلي) تجاوز سقف التشاور إلى المشاركة الفعلية في الحرب؛ حيث تشير المعلومات إلى "وصول قوات أمريكية من الوحدات الخاصة مطعمة بجنود إسرائيليين إلى الأراضي العراقية في إطار عمليات الاستطلاع الإستراتيجي"([33])، مما يعني الحصول على المعلومات، والتمهيد لعمليات عسكرية يمكن أن تقوم بها قوات (إسرائيلية) في الفترة المقبلة، كما تشير المعلومات بأن (إسرائيل) خططت للمشاركة الفعلية بالحرب في حال قصفت الأراضي المحتلة بصواريخ عراقية. لقد أخذ التواجد (الإسرائيلي) في العراق واجهات متعددة منها سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وثقافية، وأمنية، واجتماعية وقد تمثل هذا التواجد بقوات عسكرية نظامية، وخبراء ومستشارين عسكريين، وبين تواجد غير رسمي لجهاز الموساد (الإسرائيلي)، وبين شركات أمنية ورجال أعمال ومقاولات، ومتعهدين لشركات صناعية، وتجارية، ومراكز دراسات وبحوث، وشركات استشارية لدراسات المشروعات، وقوات أمن ضمن الشركات الأمنية الخاصة التي تعمل في العراق من مختلف دول العالم، والتي تقوم بعمليات معاونة للجهد العسكري والإداري للقوات الأمريكية. المطلب الثالث التغلغل الصهيوني في العراق بعد الاحتلال الأمريكي (2003م) يعد الكيان الصهيوني وإيران هما المستفيدان الأكبران من الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق عام (2003م)، خصوصًا بعد أن خرج العراق من دائرة الصراع العربي (الإسرائيلي) ومن موازين القوى في المنطقة، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام النفوذ الصهيوني والفارسي للتوسع والتغلغل والتواجد المباشر في العديد من دول المنطقة ومنها العراق، لا سيما وإن (إسرائيل) كانت حاضرة ومتواجدة ميدانيًا منذ اللحظات الأولى لغزو العراق بمستشاريها وخبرائها العسكريين وأجهزتها الأمنية، التي تشمل الموساد الذي يتولى أدارة العمليات الاستخبارية في الخارج، وجهاز (الشاباك) الذي يتولى مهام الأمن الداخلي، وجهاز (أمان) الذي يتولى إدارة الأمن الميداني ومكافحة التجسس"، والتي قدمت الدعم والأسناد والمعلومات اللازمة للمؤسسات العسكرية الأمريكية لتثبيت احتلالها للعراق، كما ساعدتها في تدمير القوات العسكرية، ومنشآتها الصناعية العسكرية والمدنية، لبسط هيمنتها على المدن العراقية، على نحو معد ومخطط له مسبقًا، كما أن هناك معلومات كثيرة أشارت لها صحف أمريكية وبريطانية تؤكد على مشاركة وحدات عسكرية (إسرائيلية) في سير المعارك، وقالت بعض هذه المصادر: "إن ثمة وحدتين عسكريتين إسرائيليتين اجتازتا الحدود وتعملان في غرب العراق، ولهذا لم يكن غريبًا أن يدعو مجلس حاخامات المستوطنات إلى إقامة الصلوات من أجل سلامة جنود الاحتلال الذين يحاربون في العراق، وقد شارك السفيران الأمريكي والبريطاني في تل أبيب في تلك الصلاة"([34]). وقد توافقت المصالح الإستراتيجية لعدد من دول المنطقة مع مصالح المؤسسات الأمنية الأمريكية والبريطانية؛ لاختراق مؤسسات الدولة العراقية السابقة، وتحقيق مصالح إستراتيجية مشتركة وراجحة لهذه القوى التي عملت على تجنيد الكثير من العملاء والجواسيس لتحقيق أهدافها ومصالحها، ودفع عدد من الشخصيات المخابراتية والاستخبارية مع فرق التفتيش للتجسس على العراق، وهذا ما صرح به(رولف ايكيوس) كبير مفتشي الأمم المتحدة، الذي اتهم الولايات المتحدة الأمريكية وقوى أخرى "باستغلال فرق التفتيش بالعراق لتحقيق مصالح سياسية خاصة، بما فيها مراقبة تحركات الرئيس العراقي"، وقال الدبلوماسي السويدي الذي رأس أول علميات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق من عام (1991م إلى عام1997م)، أنه "في بعض الأحيان كانت الأزمات تفتعل لتصبح أساسًا محتملًا لعمل عسكري" وأضاف" بأنه كانت هناك رغبة أمريكية للحصول على معلومات عن كيفية تنظيم الأجهزة الأمنية العراقية، وعن القدرات العسكرية التقليدية"([35]). وسنبحث حيثيات هذا الموضوع المهم، كما يأتي: الفرع الأول: التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الأمني. الفرع الثاني: التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى السياسي. الفرع الثالث: التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الاقتصادي. الفرع الرابع: التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الثقافي. الفرع الخامس: التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الاجتماعي. الفرع الأول التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الأمني لعبت (إسرائيل) دورًا قذرًا في العملية الممنهجة لتدمير القدرات العراقية فالهدف، الإستراتيجي (الإسرائيلي) هو تقسيم العراق، وإبقائه مجزًا، وضعيفًا، وبعيدًا عن محيطه العربي، وإبقاء العراق ضمن دائرة الصراع الداخلي وبما يجعله منكفأً على نفسه، وبذلك يتم تحييده وإخراجه من معادلة القوة الإقليمية في المنطقة. يقول وزير الأمن القومي (الإسرائيلي) الأسبق (آفي ريخيتر) في محاضرة له في معهد الأمن القومي (الإسرائيلي) "ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على هذه الساحة، بل وأكثر مما خططنا له وأعددنا في هذا الخصوص، ويجب استحضار ما كنا نريد أن نفعله وننجزه في العراق منذ بداية تدخلنا في الوضع العراقي منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين"، ويضيف بأن "هدفنا الإستراتيجي كان وما زال عدم السماح لهذا البلد أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي، لأننا أول المتضررين من هذا الدور، لذلك نعمل على إيجاد ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية" ويضيف أيضًا قائلًا: "نحن نتفاوض مع الأمريكان من أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع إسرائيل، والإدارة الأمريكية حريصة على ضمان مصالحنا وعلى توفير هذه الضمانات عبر وسائل مختلفة... فالمعادلة الحاكمة في حركتنا الإستراتيجية في البيئة العربية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسة، من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي الإسرائيلي". وينتهي إلى القول: "إن العراق تلاشى كقوة عسكرية وكبلد متحد، وخيارنا الإستراتيجي الآن ينصب بقوة على إبقائه مجزّءًا، كما أن تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية يشكل أهمية إستراتيجية للأمن الاسرائيلي في المرحلة القادمة"([36]). ولا شك بأن جهاز المخابرات الصهيوني الموساد قد نفذ اختراقات استخبارية في العراق قبل وبعد الاحتلال وعلى جميع المستويات، خصوصًا بعد أن وفرت له القوات المحتلة الغطاء اللازم لتنفيذ عمليات خطيرة تتعلق بجمع المعلومات وتحليلها، والعمل على الأرض، والتقصي والتفتيش عن برامج أسلحة التدمير الشامل العراقية، حيث سعى جهاز الموساد (الإسرائيلي) في العراق خلال هذه الفترة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، هي: الهدف الأول: إعادة بناء وتشكيل وتشغيل شبكة الموساد (الإسرائيلي) في العراق بناءً على المعطيات والتطورات الجديدة المتمثلة باحتلال العراق، وتدمير مؤسسات الدولة العراقية وخاصة الأمنية والعسكرية منها. الهدف الثاني: العمل على اختراق الأحزاب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي العراق بشكل أعمق وأوسع. الهدف الثالث: دعم الجهود الأمريكية في البحث عن البرنامج السري العراقي لأسلحة التدمير الشامل، بما فيها ملاحقة وتصفية العلماء العراقيين، وهذا ما نقلته إحدى النشرات الأمنية المتخصصة في لندن عن لسان رئيس الموساد (الإسرائيلي) الذي كان يتحدث إلى ضباط وعناصر في الموساد (الإسرائيلي) يطلق عليهم (الشعبة العراقية) وهي المكلفة "بمهمات حساسة في العاصمة بغداد"، وقوله: "إننا نعود إلى بلد في غاية الأهمية الجغرافية والجيوستراتيجية، ونصبح على حدود إيران، ونطوِّق سوريا، ولذلك فالأخطاء أو الخطوات الناقصة ممنوعة"([37]). إن التغلغل (الإسرائيلي) على المستوى الأمني كان مخططًا ومدرسًا وفاعلًا؛ حيث أخذ (الموساد) يسرح ويمرح في العراق مستغلًا حالة الفوضى فيه: تخطيطًا واغتيالًا وتطهيرًا واختراقًا بحماية أمريكية، ومن خلال جوازات سفر غير (إسرائيلية). وهذه الفوضى هي جزء من الإستراتيجية (الإسرائيلية) تجاه العالم العربي؛ حيث تشير المعلومات التي نشرها الصحفي الأمريكي (سيمور هيرش) عن قيام الموساد بعمليات تسلل عبر الحدود لإدارة عمليات سرية قرب حدود سوريا وايران، كما أنه عمل على إقامة مراكز تنصت وأجهزة مراقبة حساسة، وقد اعترف بعض المسؤولين الأمريكان بأن ما تفعله (إسرائيل) سيخلق مزيدًا من العنف والفوضى، وأضاف "بأن هناك معلومات مؤكدة عن قيام (إسرائيل) بتدريب فرق اغتيال خاصة لتنفيذ واجبات مهمة"، ومنها اغتيال العلماء العراقيين([38]). لقد مارست قوات الاحتلال الأمريكي-البريطاني في العراق الكثير من الجرائم التي تشبه الجرائم التي ارتكبها الجيش (الإسرائيلي) في فلسطين، خصوصًا بعد تزايد عمليات المقاومة العراقية ضد القوات المحتلة، مما دفع الجيش الأمريكي إلى الاستعانة بخبرات الجيش (الإسرائيلي) لتدريب جنوده على القتال في المناطق المبنية، وحرب الشوارع، وحرب العصابات، وعمليات الدهم، والاعتقال، والاقتحام، ونسف المنازل، وتجريف البساتين، وتعذيب السجناء لانتزاع الاعترافات بالقوة، كما حصل في فضيحة سجن (أبو غريب) بما فيها الاعتداءات الجنسية، وهذا ما أكده تقرير صحيفة (نيويورك تايمز الأمريكية) الذي جاء فيه: "إن الجيش الأمريكي بدأ في تطبيق أسلوب الترويع لمواجهة حرب العصابات في العراق، والذي يطابق العمليات التي تقوم بها القوات (الإسرائيلية) في الأراضي الفلسطينية، وهو ما أكده البريغادير الأمريكي (مايكل فين) في مقال نشرته مجلة الجيش الأمريكي في (تموز 2003م)؛ حيث قال: "إن ضباطًا أمريكيين سافروا مؤخرًا للاستفادة من الدروس التي خرج بها الإسرائيليون من القتال ضد الفلسطينيين"([39]). تقول (جانيت كاربنسكي) المسؤولة الأمريكية السابقة عن سجن (أبو غريب) في مقابلة لها مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في (يوليو/تموز من عام 2004م)، بأنها قد "التقت في السجن مع محقق إسرائيلي يجري عمليات استجواب للسجناء المقاومين"، مما يعني أن عمليات التحقيق والتعذيب كانت بمشاركة (إسرائيلية)، وهذا يجعلنا نتسأل عن الأدوار التي يقوم بها الجيش (الإسرائيلي) وجهاز الموساد في العراق، وقد ذكر العديد من العراقيين الذين اعتقلوا لفترات قصيرة أنه بعد إجراء الجنود الأمريكيين التحقيق معهم، أُحيلوا على محقّقين من نوع مختلف! حيث تركّزت أسئلتهم على استفسارات من قبيل: مقامات لأنبياء بني (إسرائيل) وآثار يهودية قديمة في العراق، ويشير هؤلاء إلى أن لهجة المحقّقين الملثّمين كانت أقرب إلى اللبنانية، وتدلّ على أنهم تعلّموا العربية وليسوا عربًا([40]). ومن المعلومات السرية التي كشفتها إحدى الصحف الصهيونية أن الجنرال (أهارون زئيفي فاركاش)رئيس قسم المخابرات الصهيونية يعمل مستشارًا لدى قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال (كيسي)([41])، ويوصف هذا العمل بأنه طبيعي في أعقاب إرسال الرئيس بوش لعدد من الضباط الأمريكيين إلى الدولة الصهيونية لتبادل الخبرات والتدريب من أجل ضبط الحرب في العراق. وقد ذكرت صحيفة (الغارديان) البريطانية بأن هناك "أكثر من ألف جندي من المارينز تلقوا تدريبًا في إسرائيل حول حرب المدن"، وذلك لما تمتلكه القوات الصهيونية من خبرة كبيرة في تعبية حرب العصابات، والقتال في المناطق المبنية، علمًا "بأن إسرائيل أنشئت مجسمات في جنوب إسرائيل للمدن العراقية المستهدفة لتدريب جنود المارينز"، كما بثت قناة الـ (بي بي سي) الثانية شريطًا لضباط إسرائيليّين يدرّبون جنودًا أكرادًا شمال العراق على نقل تقنيات الحرب الحديثة، وتوفير الاستشارات اللازمة بمجال مكافحة الإرهاب للجيش الأمريكي، وقوات البيشمركة الكردية. تشير المعلومات أيضًا إلى أن وحدات أمنية صهيونية تابعة للجنرال الصهيوني (ديفيد تزور) المسؤول عن تطوير التعاون مع القوات الأمريكية في بغداد، قد دخلت إلى بغداد في اليوم التالي لسقوطها بملابس وسيارات مدنية([42]). وقد تحركت هذه الوحدات من أربيل لتستقر في بغداد، كما كشفت مصادر صحفية في هذه الأثناء إن الوحدات الصهيونية وبالتنسيق مع (أحمد الجلبي) كلفت بواجب معرفة مكان الأرشيف الخاص بالمخابرات العراقية السابقة لأسباب ترتبط بعمليات الموساد (الإسرائيلي)، وخاصة معرفة صلة المخابرات العراقية مع الجهات الفلسطينية. وقد كشفت بعض الصحف العراقية عن دور (حزب المؤتمر) في تنفيذ عمليات اغتيالات في هذه الفترة، وسرقة وثائق حساسة جدًا تخص النظام السابق من مبنى المخابرات، والمساعدة على اقتحام متحف بغداد وسرقة مئات القطع الأثرية الثمينة والنادرة. والأمر الخطير الذي تم كشفه أيضًا أن (أرييل شارون) وافق على منح (حزب المؤتمر) مبلغًا ماليًا شهريًا؛ دعمًا لأنشطة الحزب داخل العراق([43]). وقد نشرت صحيفة (هاآرتس) الصهيونية تقريرًا جاء فيه: بأن القوات الأمريكية الغازية استعانة بخبرات صهيونية في فنون وأساليب حرب المدن لقمع المقاومة العراقية المسلحة بعد عام (2003م)، وألقى في هذا الإطار الكولونيل الصهيوني (موشيه تامير) قائد فرقة (جولاني) الصهيونية محاضرة على ضباط من المارينز الأمريكي تمحورت حول الدروس التي تعلمها الجيش (الإسرائيلي) من الصراع المسلح مع قوى المقاومة الفلسطينية خلال (انتفاضة الأقصى) عام (2002م)، علمًا بأن هذه المحاضرة ركزت على عملية السور الواقي" التي شنتها قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني، كما أنها كانت جزءًا من سلسلة محاضرات وتدريبات تمحورت حول حرب المدن والقتال في المناطق المبنية وحرب العصابات([44]). كما نشرت صحيفة (جيروزلم بوست) في (15/8/2003م)، تقريرًا مفاده بأن مدرسة مكافحة الإرهاب في منطقة (موديعين) بالقرب من مدينة القدس قد دربت جنوداً أمريكيين، وتابعت صحيفة (ذي تايمز) هذا التقرير وحصلت على تأكيد من خبير في حرب العصابات في كلية الأركان العسكرية في الدولة الصهيونية الدكتور (تال توفي)، الذي قال: "بأن المارينز ووحدات جوالة في الجيش الأمريكي قامت بزيارات متكررة إلى الدولة الصهيونية للمشاركة في مناورات، وكان هناك تعاون وثيق على صعيد التكتيكات" كما صرح في (19/8/2003م) قائلًا: "لدينا خبرة كبيرة في حرب العصابات، وقد أظهر الأمريكيون اهتمامًا خاصًا بثلاثة مجالات هي: استخدام مروحيات (الأباتشي) لعمليات قتل مستهدفة، وحرب المدن، وكيفية القيام بعمليات عسكرية كبيرة في مناطق مكتظة بالسكان، ونحن نملك الكثير من الخبرة في هذا المجال". وقد استهدف جهاز الموساد (الإسرائيلي) البنى العلمية والبشرية والاقتصادية والاجتماعية التي قامت عليه الدولة العراقية السابقة لتدميرها، ومنها استهداف واغتيال العلماء العراقيين الذين وردت أسمائهم في قوائم مفتشي الأسلحة الدوليين، وقد أكد جنرال فرنسي متقاعد للقناة الخامسة الفرنسية في (8/4/2004م)، بأن هناك أكثر من (150) جندي صهيوني من وحدات الكوماندوز الصهيونية داخلت العراق وكلفت بمهمة اغتيال وتصفية العلماء العراقيين، الذين كانوا وراء برامج التسلّح العراقية وقُدّمت أسماؤهم إلى لجنة مفتشي الأسلحة الدولية برئاسة (هانز بليكس)، وأضاف: "إن مخطط الاغتيال هذا قد تمَّ وضعه من قِبَل مسؤولين أمريكيين وصهاينة، وأن لديه معلومات دقيقة بوجود الكوماندوز الصهاينة داخل العراق حاليًا، بهدف اغتيال العلماء العراقيين الذين كانوا نواة برامج التسلّح الصاروخي والنووي والكيمياوي، التي أرعبت الدولة الصهيونية، وعددهم حسب الجنرال الفرنسي قرابة ثلاثة آلاف و(500) عالم عراقي عالي المستوى، من بينهم نخبة تتكون من (500) عالم عملوا في تطوير مختلف الأسلحة، وهذه هي النخبة المستهدفة من العمليات الصهيونية بالدرجة الأولى"([45]). ومن هؤلاء العلماء: الدكتور (غالب الهيتي) أستاذ الهندسة الكيمياوية والمتخصص في بحوث الكيمياء النووية في مجال الطرد الذري، والدكتور (مجيد حسين) الأستاذ في العلوم، والدكتور (محيي حسين) العالم في هندسة الطائرات، والدكتور (مهند الدليمي)، والدكتور (شاكر الخفاجي)، والدكتور (علي موجد الحميداوي)([46]). لقد ارتدى التغلغل الصهيوني في العراق لبوسات مختلفة على المستوى العسكري والمخابراتي، وقد كشفت صحيفة (إيديعوت أحرونوت) الصهيونية بتأريخ (5/12/2004م)، عن "وجود عشرات الخبراء العسكريين الصهاينة المرسلين من قِبَل شركات أمنية صهيونية لتدريب أطراف عراقية في قاعدة عسكرية شمال العراق، كما كشفت الجريدة في تقريرها أن الشركات الصهيونية انطلقت لبناء مطار دولي في منطقة أربيل، ولتأكيد هذه المعلومات نشرت الصحيفة صورةً ولافتةً للمطار وأمامه وحدة أمنية متنقلة"، وتضيف الصحيفة بأن هناك" معلومات سبق وأن تردّدت كثيرًا وحاول مسؤولون عراقيون إنكارها تفيد أن الشركات الصهيونية تغلغلت في العراق، وتعمل بصورة سرّية، وتحمل أسماء متعددة للتمويه"([47]). فيما أكدت معلومات أخرى أن شبكات الموساد الصهيونية عملت على إثارة الفتن الطائفية والمذهبية، ونفذت عمليات إرهابية ضد المدنيين لتشويه صورة المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي وتشويه صورة الإسلام والمسلمين على حدٍّ سواء، كل تلك دلائل على الدور الصهيوني في تخريب العراق. تعد (مؤسسة الشؤون اليهودية) في مقدمة المؤسسات التي قدمت المشورة للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تدعوه إلى الاستعانة بالخبرة الصهيونية وحددت له أسماء بعض القادة والضباط المهمين لمساعدتهم في الحرب على العراق منذ بدايتها، وهذا يعني إن إدارة بوش والمحافظين الجدد المتشددين وجدوا بأن اليهود الأمريكان والصهاينة لديهم من دوافع الحرب لتدمير وتحطيم الإرادة العراقية أكثر من الأمريكيين أنفسهم([48])، علمًا بأن (تومي فرانك) القائد الأعلى السابق لقوات الاحتلال في العراق هو من أصل يهودي روسي، وهو من الجيل الثاني الذي نشأ صهيونيًا متشددًا([49])، وأن الجنرال الأمريكي (ريتشارد ناتونسكي) القائد العسكري الذي تولّى مهمة الهجوم المكثف على الفلوجة هو صهيوني يهودي من القادمين من أوكرانيا، ومن تصريحاته: "إن الفلوجة سرطان، فالمسلمون فيها يستخدمون المساجد والمدارس لنصب الكمائن لقوات المارينز، كما كشف العقيد الصهيوني (نوعام تيفون) الذي شارك في تدريب عدد من الضباط والجنود التابعين لقوات المارينز على اقتحام مداخل المخيم يضم بعض المساجد بعد مناورة مع الجيش الصهيوني انطلقت من (نيتسانيم) قرب قطاع غزة، كما استعانت القوات الأمريكية وفي المعارك التي جرت في الفلوجة بعقيد من الجيش الصهيوني اسمه (إيغئال شارن) ومعه (800) جندي من قوات الكوماندوز الصهيوني، وذكرت المصادر إن العقيد (إيغئال شارن) قال: "إن الأمريكيين تبدو عليهم السذاجة تجاه حداثة المعركة ضد المقاتلين المسلمين، ولذلك شعروا بالامتنان لشركائهم الصهاينة". لقد كان الدور العسكري للكيان الصهيوني في معركة الفلوجة حاضرًا بقوة وهناك اعترافات لمصادر صهيونية تفيد بأن عددًا من الجنود اليهود من حملة الجنسيتين الصهيونية والأمريكية قُتلوا في الهجوم الأخير على مدينة الفلوجة، إذ قالت صحيفة (هاآرتس) في (21نوفمبر/ تشرين الثاني عام2004م) على لسان أحد كبار الحاخامات اليهود في القوات الأمريكية في العراق: "إن المقاومة العراقية تمكنت من قتل ضباط وجنود يهود أمريكيين في الفلوجة". وأكّد ذلك مراسل الصحيفة المذكورة في (نيويورك) وعلى لسان الحاخام (أرفينينج إلسون)وهو برتبة رائد في الجيش الأمريكي؛ حيث يقول: "إن هناك العديد من اليهود قُتلوا في المعارك الأخيرة في الفلوجة، ومنهم :المقدَّم (آندي شتيرن) ويعمل في سلاح المدفعية، وجرى دفنه في المقبرة العسكرية الأمريكية في (آرلينغتون) في أمريكا، ومنهم (ماك أفين) وهو قناص يهودي وحفيد أحد الحاخامات الكبار في أمريكا" وأضاف الحاخام معلومات تفيد بوجود "عدد كبير من الجنود اليهود في الجيش الأمريكي، معظمهم يعملون في القنص، وتتراوح أعمارهم بين (18) و(19) عامًا، منهم مجندات يهوديات"([50]). ودعا الحاخام: عائلات الشباب اليهودي الأمريكي إلى إرسال أبنائهم إلى العراق للحرب ضدّ من أسماهم أعداء الدين اليهودي، معتبرًا أن القتال ومساعدة الأمريكان في العراق أفضل بكثير من العمل الديني في المعابد اليهودية. كما كشف الحاخام (آرفننج) عن عدد الجنود اليهود في العراق قائلًا: "إنهم حوالي (1000) جندي، منهم بعض الضباط العاملين في الجيش الأمريكي"؛ حيث تشير الصحيفة أعلاه بأن "عدد الجنود الإسرائيليين بالعراق والتي تتراوح أعدادهم ما بين (800) إلى (1000) جندي وضابط"([51]). علمًا بأن الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الشيخ الدكتور (حارث الضاري) -رحمه الله-؛ قد حذر في لقاء مع موقع (الجزيرة نت) في (٤/١٠/٢٠٠٨م): من "وجود (إسرائيلي) كثيف في كافة المدن العراقية". وقد شدد الشيخ في هذا اللقاء على أن (الإسرائيليين) كانوا موجودين في شمال العراق في كردستان العراق قبل الغزو الأنجلو أمريكي عام (2003م)، ولكنهم اليوم موجودون في كل مدن العراق في البصرة وبغداد والشمال، ويعلم بهم العراقيون ويعرفونهم من خلال ملابسهم ولهجتهم العبرية، وأضاف أن (الإسرائيليين) يعملون مع الفرق الأمنية الأمريكية، وفي الجيش الأمريكي، وحماية المنشآت الأمنية الأمريكية وأن الوجود (الإسرائيلي) في العراق ضارب بأطنابه" تحت عناوين ومسميات مختلفة([52]). وقد كان هناك تعاون عسكري بين الكيان الصهيوني وحكومة كردستان العراق، يتخذ أشكالًا مختلفة منها: تدريب قوات البيشمركة وإمدادها بأسلحة ومعدات عسكرية حديثة، وتجهيز منشآت حربية فمثلًا في عام (2005م)، وطبقًا لمعلومات نشرتها صحيفة(يديعوت أحرنوت)، فاز عدد من الشركات (الإسرائيلية) بعقود للتدريب وبناء مطار عسكري في أربيل([53]). لقد كان التغلغل الصهيوني كبيرًا ومتنوعًا فقد بلغ عدد الشركات العسكرية (الإسرائيلية) العاملة بالعراق ما بين (70) إلى (100) شركة (إسرائيلية) وفقًا لما أوردته صحيفة (معاريف) العبرية في (أيلول/ سبتمبر عام 2008م) ([54])، ومن أهم هذه الشركات العسكرية هي شركة (رفائيل) للصناعات العسكرية (الإسرائيلية) والتي تعمل مع شركة أمنية أمريكية فازت بمناقصة تحصين مدرعات نوع (برادلي) يستخدمها جيش الاحتلال الأمريكي في العراق، وقد زودت هذه الشركة القوات الأمريكية بأنظمة تدريع لمدرعاتها وصلت قيمتها إلى أكثر من (100) مليون دولار منذ بداية الغزو الأمريكي للعراق، علمًا بأن هذه الشركات (الإسرائيلية) تعمل على تصدير كل المنتجات (الإسرائيلية) إلى العراق، بما فيها الوقود، والمياه المعدنية، والهواتف، والإلكترونيات، والأجهزة الزراعية، والمنسوجات، والحافلات، والستر الواقية من الرصاص، وصولًا إلى حاويات النفايات، وهي تقوم بإعادة تغليف منتجاتها المخصصة للسوق العراقي حتى لا يكتشف المستهلك مصدر إنتاج تلك السلع حفاظًا على مصالحها، وعدم استهدافها أو مقاطعتها([55]). ويروي الصحافي الأمريكي المعروف (سيمور هيرش) في مقاله المهم المنشور بمجلة (نيويوركر) الأمريكية الصادرة في (21/6/2004م)، تحت عنوان (تحليل للأمن القومي الخطة بي)، ويقصد بها الخطة التي أعلن عنها رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق (شارون) بعد احتلال العراق بأشهر والقاضية بـ "حصر الأضرار التي تسببها الحرب العراقية للموقع الإستراتيجي الإسرائيلي، من خلال توسيع العلاقات القديمة القائمة مع أكراد العراق، ونشر وجود إسرائيلي بارز في منطقة الحكم الذاتي الكردستاني..."([56]). وحسب المعلومات التي ساقها (هيرش) من مصادر مسؤولة في مخابرات عدد من الدول منها المخابرات الأمريكية، و(الإسرائيلية)، والألمانية، عن تطور مظاهر النشاط والتغلغل الاستخباري والسياسي والعسكري (الإسرائيلي) في كردستان العراق ودوافعه؛ أكد على أن هذه التغلغل كان بهدف خفض الأضرار الناتجة عن عدم نجاح الحرب الأمريكية في العراق ومراقبة إيران([57](. إن التقرير الذي أعدته وزارة الخارجية الأمريكية ونشرته (مؤسسة الحقيقية) ورفع إلى الرئيس الأمريكي (جورج بوش)، يوضح بأن "الموساد تمكن بمساعدة قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات الطائفية والعنصرية والحكومات المنصبة في العراق من تصفية العلماء النوويين المتميزين والأساتذة الجامعيين من الاختصاصات العلمية كافة"([58]).كما كشفت (قناة الجزيرة الفضائية) في برنامج (الصندوق الأسود) عن ضلوع نائب رئيس الحكومة العراقية السابق (نوري المالكي) في عملية اغتيال المئات من العلماء النوويين والطيارين العراقيين"، وقد بثت القناة فديو لوثيقة سرية لموقع (ويكيليكس) تكشف "كيف زود المالكي عام (2007م)، كلًا من (إسرائيل) وإيران بمعلومات خاصة عن السيرة الذاتية للعلماء، وطرق الوصول إليهم لتصفيتهم، علمًا بأن الوثيقة المسربة موقعه باسمه وصفته وساهمت في تصفية المئات من العلماء النوويين والطيارين العراقيين"، وقد ذكرت القناة: "أن (350)عالمًا نوويًا عراقيًا و(80) ضابطًا طيارًا من القوة الجوية العراقية قد تعرضوا لعمليات اغتيال بقيت لغزًا شغل الشارع العراقي"([59]). إن الخيار الدموي والتصفية الجسدية كان هو الخيار الراجح في هذه الفوضى السياسية والأمنية التي يمر بها العراق، وهو الخيار الأمثل لإسرائيل، علمًا بأن التقرير أوضح "بأن البنتاغون قد أقتنع بوجهة نظر الاستخبارات الصهيونية، وأنه لهذا الغرض تقرر قيام وحدات من الكوماندوز الصهيونية بالتعاون مع ميليشيات إيرانية للقيام بهذه العملية، وأن هناك فريقًا أمنيًا من العراق كُلف بمساندة الكوماندوز والميليشيات لإتمام تلك العمليات ووفقًا للتقرير، كما أن هناك شخصيات حكومية مختصة ساعدت في تقديم السيرة الذاتية الكاملة عن العلماء العراقيين المطلوب تصفيتهم، وطرق الوصول إليهم للقيام بهذه المهمة، وأن هناك فريقًا أمنيًا أمريكيًّا خاصًّا يساند القوات الإسرائيلية في أدائها لهذه المهمة"([60]). وقد كشف التقرير حجم التواطؤ الأمريكي- الإسرائيلي في تنفيذ هذه المهمة، ومنها قيام الفريق الأمني الأمريكي بتقديم السيرة الذاتية الكاملة والمعلومات المفصلة عن العلماء العراقيين المطوب تصفيتهم، وطرق الوصول إليهم، علمًا بأن هذه العمليات تستهدف أكثر من ألف عالم عراقي. الفرع الثاني التغلغل الصهيوني على المستوى السياسي كانت دلائل تطبيع الطبقة السياسية الحاكمة في العراق مع الكيان الصهيوني؛ واضحة منذ بداية الاحتلال، فهناك الكثير من المؤشرات والخطوات والتحركات التي كانت تصب باتجاه فتح علاقات وتأسيس بوادر للتقارب بين الجانبين، ومنها ما كشفت عنه وزارة الخارجية (الإسرائيلية) من قيام ثلاثة وفود عراقية بزيارات سرية إلى (تل أبيب)؛ تضم بين جنباتها خمسة برلمانيين عراقيين، وتشير التسريبات من أحد المستشارين في وزارة الخارجية العراقية لصحيفة (الخليج أونلاين) وطلب عدم ذكر اسمه. ويمكن هنا التذكير بالمشادات الكلامية والاشتباك بالأيادي في مجلس النواب بسبب زيارة النائب (مثال الآلوسي) إلى (إسرائيل)، والتي انتهت بإنهاء عضويته من مجلس النواب، غير أن المحكمة الاتحادية كان لها رأي أخر فأعادت له العضوية، بل إنها عدت قرار مجلس النواب قرارًا غير دستوري، هذا بالإضافة إلى ما فعلتها الحكومة العراقية وميليشياتها المسلحة مع الفلسطينيين الموجودين في العراق من مداهمات واعتقالات وخطف وتعذيب وإصدار قوانين مجحفة بحقهم للتضيق عليهم بذريعة الإرهاب، ودعم النظام السابق لإجبارهم على الهجرة والخروج من العراق([61]). وقد صرح أحد أعضاء اللجنة القانونية في مجلس النواب ببغداد لموقع (الخليج أونلاين) بأن "هناك تحركات جدية نحو تعزيز العلاقات بين العراق و(إسرائيل)، ولكن النائب نسي بأن هذه الخطوة ستسبب مشاكل داخلية كبيرة بسبب الرفض الشعبي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومع هذا فقد عملت الحكومات المتعاقبة على اتخاذ الكثير من القرارات والخطوات التي تدلل على السير نحو التقارب مع الكيان الصهيوني وخاصة على المستوى الداخلي ومنها: أنها شددت الإجراءات اللازمة لدخول الفلسطينيين إلى العراق إلّا عن طريق الفيزا والتي غالبًا ما ترفض، يضاف إلى ذلك "إلغاء القرار الرقم (202) الخاص بمعاملة الفلسطينيين كمعاملة العراقي في الحقوق والذي صدر عام (2001م)، ثم تلاه إلغاء البطاقة الغذائية الشهرية التي كانوا يحصلون عليها أسوة بالعراقيين، ثم تم إخراجهم من دائرة التنافس على فرص العمل، والتوظيف الحكومي، والتعليم والخدمات الصحية"([62]). أما على المستوى الخارجي فقد تم حذف الدولة العراقية لعبارة كانت موجودة في الجواز العراقي قبل الاحتلال مفادها بأنه يسمح لحامل هذا الجواز بالسفر إلى كافة دول العالم ما عدا إسرائيل!، كما تم استبدال مفردة إسرائيل بدلًا من الكيان الصهيوني في الكثير من الأدبيات العراقية والمخاطبات السياسية الرسمية للطبقة الحاكمة، وآخر هذه الخطوات تعليق رئيس الوزراء (مصطفى الكاظمي) حول اتفاقية السلام الإماراتية-(الإسرائيلية)، بأنها "شأن إماراتي داخلي"، وهذه سابقة جديدة في تأريخ العراق السياسي لم يسبق لها مثيل. وتشير التسريبات إلى أن مصادر عراقية قريبة من الكتل السياسية الكبرى في مجلس النواب سربت معلومات تشير إلى أن: "وفودًا من دول الاتحاد الأوروبي أبلغت القيادة العراقية باستعدادها لتقديم دعم سياسي واقتصادي وأمني ومالي مقابل القبول بمشروع دولي مدروس ومرتبط بـ (صفقة القرن)، التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، بشرط أن يكون التطبيع مع إسرائيل هو أحد أركان هذه الصفقة والمشروع"([63]). وقد صرح (بهاء الأعرجي) في لقائه مع قناة (آي نيوز)، في (15/١٠/2020م)، في معرض ردّه على سؤال حول إمكانية عقد اتفاقية السلام بين العراق و(إسرائيل)، قائلًا: أن "العراق مهيأ جدًا، وكل الطرق مهيأة نحو اتفاقية السلام"، وأضاف: "من الممكن أن يصدر قرار التطبيع من النجف لا من بغداد". علمًا أن المرجعية الدينية في النجف لم تُصدر أي بيان تستنكر فيه تصريحات الأعرجي، الأمر الذي يجعل الباب مفتوحًا حول موقفها من التطبيع، وتضيف (الخليج أونلاين) بأنها تواصلت مع مستشار في وزارة الخارجية طلب عدم ذكر أسمه، وقد صرح لها قائلًا: "إن الكتل السياسية الكبرى، من ضمنها الشيعية والكردية والسنية، لا ترى مشكلةً في التطبيع مع إسرائيل، ويرون أنّ فساد المنظومة الحاكمة هو الخطر الحقيقي"([64]). وتشير المعلومات بأن إسرائيل عقدت (25) ندوة خلال شهرين حول التطبيع بين الدولة العبرية والعراق. كما أن هناك حادثة سياسية معروفة نشرتها جريدة الدستور الأردنية بعددها الصادر في (23/5/2005م)، حول المصافحة التأريخية التي جرت في البهو الرئيسي لقصر المؤتمرات، بين وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) مع وزير البنى التحتية الإسرائيلي (بنيامين بن أليعاز)، على هامش المنتدى الاقتصادي للشرق الأوسط الذي عقد في الأردن، وهي سابقة خطيرة، مما يبين بشكل واضح التوجه السياسي الجديد للنظام الحاكم في العراق بعد عام (2003م)"([65]). وبتأريخ (26/9/2004م)، نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) في العدد (9434)، تقريرًا عن زيارة قام بها مدير هيئة اجتثاث البعث النائب مثال الآلوسي لـ (إسرائيل)، وحضوره ندوة عن الإرهاب أقامها مركز دراسات (هرتزليا) الصهيوني، ويعتبر الآلوسي مساعدًا (لأحمد الجلبي) وهو عضو بارز في حزب المؤتمر الوطني آنذاك، الذي قال: إنه أخذ موافقته على هذه الزيارة، علمًا بأن هناك عدة مسؤولين حكوميين عراقيين زاروا (تل أبيب) بصورة سرية، وقد أدلى الآلوسي بتصريحات لصحيفة (هاآرتس) في عددها الصادر في (4/9/2004م). وفي (آب/ أغسطس عام2019م)، صرح السفير العراقي لدى واشنطن (فريد ياسين) بـعدم ممانعة بلاده التطبيع مع (إسرائيل)، ثم عقّبت الخارجية العراقية على التصريحات بقولها: "تناقلت وسائل الإعلام تصريحات غير مناسبة على لسان السفير العراقي في واشنطن، ولكنها لم تنفِ إمكانية عقد سلام مع (إسرائيل)، ولم ترفض تصريحاته تلك([66])، في تناقض غريب في مؤسسات الدولة العراقية حول الموقف من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، كما أن العراق قد امتنع في (9سبتمبر/ أيلول عام2020م)، عن التصويت في جامعة الدول العربية على مشروع قرار فلسطيني يدين التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، بل إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي علق على اتفاق التطبيع بين البلدين قائلًا: "إن السلام بين أي دولة عربية وإسرائيل مسألة سيادية تقررها الدولة المعنية"([67]). وأخيرًا فمن المعروف بأن الدستور هو العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الشعب والسلطة الحاكمة، ويعدّ من أهم الوثائق في حياة الشعوب، وتتطلب كتابة الدستور وضع أمني مستقر، وكذلك استقرار سياسي، وخبرة متميزة لدى الخبراء والقائمين على كتابته كلًا حسب اختصاصه، كما أنه يحتاج لوقت كافٍ دون العجلة في كتابته، ولكن من يتابع تلك الحقبة الزمنية يجد بأن جميع هذه النقاط غير متوفرة، والعراق خاضع للاحتلال الكامل، ويمر بمخاض عسير وتطورات سريعة، وتحولات مهمة، وحالة من الغليان الشعبي والفوضى السياسية والأمنية، بسبب عمليات المقاومة العراقية التي فرضت واقعًا جديدًا على الأرض قض مضاجع المحتلين، ومع هذا لم يتم كتابة الدستور العراقي من قبل الخبراء والمختصين العراقيين بل تمت كتابته من قبل (نوح فليدمان)([68]) البالغ من العمر (32) عامًا، والذي ترعرع في بوسطن كـ "يهودي أرثوذكسي، ودرس في (مايمونيدس)، وهي مدرسة دينية يهودية في بروكلين ماساتشوسيتس، وعمل كمستشار دستوري لسلطة الائتلاف المؤقتة. وقد أدخل (فليدمان) الكثير من الإشكالات والقنابل الموقوتة فيه، وتسببت بالفوضى وعدم الاستقرار، ومنها إشكالات المادة (140) حول قضية كركوك، وكذلك الصراع بين حكومة كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد حول واردات النفط والمنافذ الحدودية والمطارات، وكذلك قضية الاستفتاء حول الانفصال عن العراق والذي جرى عام (2017م)، في كردستان. الفرع الثالث التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الاقتصادي إن الأطماع (الإسرائيلية) في العراق كانت واضحة وكبيرة من خلال التقارير الصحفية التي صدرت عن المسؤولين الصهاينة خلال السنة الأولى للاحتلال والتي توالت ليومنا هذا، وقد تلخصت الأهداف الاقتصادية الصهيونية في العراق بحاجة الاقتصاد (الإسرائيلي) الماسة للخروج من حالة الاختناق التي يمر بها، وذلك من خلال إيجاد أسواق جديدة توفر لها دخلًا إضافيًا للتخلص من ضغط الأزمة المالية والاقتصادية، وقلة فرص العمل، وارتفاع معدلات البطالة داخل الأراضي المحتلة، ناهيك عن الغطاء الأمني الذي يمكن أن توفره هذه الشركات كغطاء لعمل جهاز الموساد (الإسرائيلي)، لذا فاحتلال العراق يشكل فرصة ثمينة لإنعاش الاقتصاد الصهيوني المأزوم، كما أن الدخول إلى الأسواق العراقية سيوفر فرصة كبيرة لتصدير منتجاتها المكدسة، وهذا سيعود عليها بمردود مادي كبير هي بحاجة إليه لإقامة مشروعها القائم على التوسع، ومواجهة التهديدات والتحديات دون الحاجة إلى المساعدات الأمريكية، لتظهر إسرائيل كقوة إقليمية قادرة على حماية كيانها، وتسعى لبسط نفوذها في المنطقة. ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها عن بداية النشاط الاقتصادي الصهيوني في العراق، هي دعوة السيد (جون تايلور) "نائب وزير الخزانة الأمريكي"، في منتدى (دافوس) الاقتصادي الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان عام (2003م): "إلى استغلال الوضع الاقتصادي الجديد في العراق، وإن هناك فرصة هائلة أمام الشركات الصهيونية"، وأضاف "بأن مشاركة إسرائيل في أعمار العراق ستدفع بالاقتصاد (الإسرائيلي) إلى الأمام"، وبهذا يكون قد أعطى"ضوءًا أخضرًا للشركات (الإسرائيلية)، بالتأكيد على أن التشريع في المجال الاقتصادي في العراق سيسمح للإسرائيليين بتنفيذ مشاريع استثمارية"([69]). كما صرح لصحيفة (يديعوت أحرونوت العربية) أن أبواب العراق مفتوحة أمام الشركات (الإسرائيلية) للعمل والاستثمار والمشاركة في العمليات المختلفة"، علمًا بأن (تايلور) قد شغل منصب "الأمين العام للجنة الأمريكية المكلفة بالإشراف على الاقتصاد الإسرائيلي" وقد رد على سؤال حول إمكانية مساهمة شركات إسرائيلية في مناقصات لتطوير البنى الأساسية في العراق "بالطبع، لا مانع يحول دون ذلك، فالشركات الإسرائيلية لها مزايا مثبتة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، وتطوير البنى الأساسية، كذلك يمكنها بيع منتجات إسرائيلية في العراق، ويمكن فعل ذلك بشكل ذاتي أو بالمشاركة مع جهات أخرى"، فالعراق لا يفرض حاليًا أي قيود على الاستيراد، بل إن الواردات محررة من الجمارك، وأبواب السوق العراقية مفتوحة على مصراعيها، علمًا بأن هناك تقارير صحافية كشفت أن البضائع (الإسرائيلية) أغرقت الأسواق والشوارع العراقية بشكل ملحوظ. لقد قدم الاحتلال الأمريكي الكثير من التسهيلات للشركات الصهيونية للعمل في العراق، حيث وقّعت عدة شركات إسرائيلية عقودًا لتصدير منتجاتها إلى العراق، وقد وصل "حجم الصادرات الإسرائيلية لشمال العراق فيما يخص مشروعات التنمية والتسويق إلى (50) مليون دولار، إضافة إلى (5) ملايين دولار لتوريد مستلزمات غذائية للجنود الأمريكيين"، كما أعلن مدير شركة (نيتا فيم) (الإسرائيلية) لإنتاج معدات الري الزراعية أنه زار العراق في (أوائل شهر كانون الأول عام 2003م)، والتقى موظفين في وزارة الزراعة العراقية، كما ذكرت الإذاعة (الإسرائيلية) أن مدير الشركة قال في مؤتمر إسرائيلي للأعمال أنه بحث مع المسؤولين العراقيين إمكانية مساهمة الشركة (الإسرائيلية) في ترميم المرافق الزراعية العراقية، ومن بين الشركات (الإسرائيلية) العاملة في العراق في تلك المرحلة المبكرة: شركة (أريد يوم) التي وقعت عقدًا تجاريًا مع سلطة الاحتلال؛ لإقامة شبكة هواتف في شمالي العراق، ولا سيما في مدينتي كركوك، والموصل، وشركة (أوسيم) للمنتجات الغذائية، وشركة (تنور غاز) لتصنيع الأفران، وشركة (موليتيلوك) للأبواب المصفحة، وشركة (تاسي) لتكرير المياه([70]). لقد اتخذ التواجد (الإسرائيلي) في كردستان العراق عدة اتجاهات، وأولها الجانب الاقتصادي؛ حيث يعمل عدد من المستثمرين الإسرائيليين في قطاع النفط مثلًا، وقد رصدت صحيفة (هاآرتس) زيارة سرية نفذها (عيدين عوفر)، رئيس (شركة إسرائيل)، وهي من أكبر الشركات (الإسرائيلية)، إلى إقليم كردستان لاستكشاف مزيد من فرص الاستثمار في قطاع النفط وتكريره، وتنمية العلاقات الاقتصادية بين الإقليم وإسرائيل، وقد التقى (عوفر) بمسؤولين أكراد، منهم: نائب رئيس الإقليم (كوسرت رسول)، ورئيس الوزراء (برهم صالح). ووفقًا لـلمقالة التي نشرها (إسرائيل شامير) في (28/6/2010م)؛ فإن الدولة العبرية تستهدف تدفق نفط كركوك إلى حيفا كما كان يحدث أثناء الاحتلال البريطاني. وقد أعلن (عوفر) خلال زيارته عن نيته إقامة مصفاة تكرير في كركوك، بالتعاون مع شركاء أوربيين وآسيويين([71]). وبتأريخ (26/6/2012م)، نشر(موقع الجزيرة نت) معلومات عن نشاط تجاري سري بين العراق وإسرائيل، كما يشير إلى "استخدام العراق لميناء حيفا للاستيراد والتصدير، وتظهر الوثائق بأن إسرائيل أجازت لكبار رجال الأعمال والتجار والمصدرين الإسرائيليين التعامل والاستثمار التجاري مع بغداد مباشرة خصوصًا بعد شطب القانون (الإسرائيلي) صفة (العدو) عن دولة العراق، مما مكنهم من تنشيط التبادل التجاري بمختلف الميادين والمجالات، وقد كشفت وثائق (ويكيليكس) عن تأكيد رسمي بهذا الخصوص صدر عن رئيس الوزراء (الإسرائيلي) (بنيامين نتنياهو) خلال اجتماعه مع (بنجامين كاردين)، ممثل الرئيس الأمريكي عام (2009م)، كما يضيف الموقع بأن وزير المواصلات (يسرائيل كاتس) قد "أجاز تصدير السيارات والشاحنات القديمة إلى العراق"، كما كشف النقاب عن "قيام شركات إسرائيلية للاستثمار في أعادة إعمار العراق بتفويض من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كما أن هناك شركات إسرائيلية تنشط في شمال العراق بمجالات مختلفة منها الزراعة والبنى التحتية والشؤون الأمنية والعسكرية والكهرباء وتكنولوجيا الاتصالات"، كما نقلت الجزيرة بأن "الشاحنات تنطلق من ميناء حيفا إلى العراق عبر الأردن وأن هناك علاقات تجارية حرة ومباشرة مع العراق، وهذا ما تناقلته وسائل الإعلام الأردنية علمًا بأن رئيس بلدية حيفا (يونى ياهف) صرح قائلًا: "بأن النشاط التجاري العراقي عبر ميناء حيفا يتم بالسر وبعيدًا عن أضواء الصحافة والإعلام وذلك منذ فترة زمنية طويلة"([72]). وقد كشف موقع (الجزيرة نت) نقلًا عن صحيفة (الفايننشال تايمز) البريطانية في (أغسطس/ أب 2015م)، بأن (75%)من واردات الكيان الصهيوني من النفط هي من النفط المهرب عن طريق كردستان العراق، وهو يصل إليها بأسعار منخفضة جدًا. وقد استقبل ميناء (أشكلون) على البحر الأبيض المتوسط العديد من شحنات النفط المهرب من كردستان العراق، وقد كتبت صحيفة (إيسرائيل هيوم) بأن هذا إسهام إسرائيلي في الحملة الدولية على تنظيم الدولة لتمويل الجهد الحربي لكردستان العراق، والحقيقة أن الإستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في التعامل مع كردستان تتجاوز مسألة الحرب على تنظيم الدولة الذي يوظف كشماعة لتبرير الشراكة الإستراتيجية القائمة بين الجانبين. وتشير التقديرات التي أجراها مدير (معهد الصادرات الإسرائيلية) السابق، (شراغا بروش)، إلى أن حجم الصادرات (الإسرائيلية) المرتبطة بقطاع البناء وتأهيل البنى التحتية إلى العراق تقدر بمئة مليون دولار سنويًا، وذلك عبر مسارات نقل غير مباشرة عبر تركيا أو الأردن أو بولندا. ومن أهم الشركات (الإسرائيلية) العاملة على الساحة الاقتصادية العراقية، بحسب ما ذكرته صحيفة (معاريف) الصهيونية في تحقيقها: 1. شركة الحافلات (دان) التي تبيع الحافلات المستعملة. 2. شركة (ربينتكس) لبيع الأقنعة الواقية. 3. شركة (سونول) وهي من أكبر الشركات لبيع الوقود، وتزوّد يوميًا جيش الاحتلال الأمريكي بملايين اللترات من الوقود. 4. شركة (دلتا) للمنسوجات. 5. شركة (سوليل بونيه)؛ من مجموعة (شيكون فبينوي) (إسكان وبناء). 6. شركة (ارونسون)، وهي من أكبر الشركات في مجال تأهيل البنى التحتية. 7. شركة (كاردان) المتخصصة في المياه. 8. شركة (أشتروم) في مجال إنشاء بنى تحتية([73]). ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين في مجلس النواب لموقع (الخليج أونلاين): بأن "إسرائيل ساعدت حكومة العراق سرًا، في المجال العسكري ودرّبت قوات جهاز مكافحة الإرهاب، والبيشمركة وزودتها بالسلاح أثناء عمليات التحرير ضد تنظيم داعش عام (2017م)، بالمقابل حصلت تل أبيب على مساعدات استخبارية من العراق عن إيران، وعن هجرة اليهود الذين عاشوا في العراق". وقد كشفت وزارة الخارجية (الإسرائيلية) النقاب عن زيارات سرية قامت بها ثلاثة وفود عراقية إلى (تل أبيب)، قائلة: إن هذه الزيارات "قد مهدت لزيارة الوفود العراقية للتبادل التجاري في مطلع عام (2018م)، من خلال فتح صفحة على (فيسبوك)، وعلى (تويتر) باسم (إسرائيل باللهجة العراقية)، وقالت في تغريدة لها على (تويتر): إن "هذه الخطوة تهدف لخلق تواصل وحوار مثمر بين الشعبين الإسرائيلي والعراقي وإظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل"([74]). الفرع الرابع التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الثقافي لا شك بأن الغزوين الفكري والثقافي هما أخطر من الغزو العسكري كون آثارهما ستبقى عالقة في ذاكرة الأجيال لفترات طويلة، حتى ولو خرج الاحتلال العسكري، وذلك لما له من تأثير كبير على بناء وتفكير الفرد والمجتمع خصوصًا في بلد محتل مثل العراق الذي تعرض لزلزل مدمر شمل جميع نواحي الحياة وخاصةً الثقافية منها، فمثلًا في بغداد نهبت جميع ممتلكات (وزارة التعليم العالي) أمام أنظار القوات الغازية للعراق، حتى وصل الأمر إلى أن جامعة بغداد وموقعها الرئيسي في منطقة (الجادرية) تحولت إلى معسكر لقواتها العسكرية، التي كانت تفعل في هذه الأكاديمية ما تشاء بدون حسيب أو رقيب، بل إنها أخضعت جميع الأساتذة الجامعيين والطلاب للتفتيش قبل دخولهم إلى الجامعة من قبل الجنود الأمريكان. لقد استمر هذا الضغط النفسي الكبير على الطبقة المثقفة في العراق لدفعها إلى الهجرة خارج العراق حيث يؤكد رئيس رابطة التدريسيين العراقيين الدكتور (عصام الراوي) -رحمه الله- بأن (1250) أستاذًا جامعيًا وخبيرًا غادروا العراق بعد الاحتلال خوفًا من الاستهداف الذي طال الكثير منهم، كما أن الكثير من الحوادث التي لا تزال عالقة في الذهن في تلك الفترة ومنها أن(مركز الدراسات الدولية) في (كلية العلوم السياسية) أقام ندوة حول (تداعيات ما حدث في العراق)، وإذا بإدارة الجامعة والمركز تفاجأت بحضور الضابط الأمريكي الذي نسب رئيسًا للجامعة ومعه مجموعة من الضباط الآخرين لحضور الندوة، وعند دخولهم لاحظ قائد المجموعة خارطة كبيرة لفلسطين حرصت إدارات المركز المتعاقبة على وضعها في المدخل، فتوقف عندها وأشار إليها بيده ليقول بالإنكليزية، "هذه الخارطة يجب أن ترفع، فلا فلسطين بعد اليوم"([75])، وبعد مدة من الزمن تم إلغاء مركز الدراسات الفلسطينية، ونقل موظفيه إلى مركز الدراسات الدولية. وقد نظمت (تل أبيب) بالتنسيق مع بعض الشخصيات العراقية المحسوبة على المعارضة العراقية سابقًا زيارات لوفود من العراقيين تضم مجموعات من المفكرين والمثقفين لزيارة إسرائيل، ومن هذه الوفود وفد ضم الباحث (كنعان مكية) الذي وصف سقوط قنابل القصف الأمريكي-البريطاني للعراق في عام (2003م)، قائلًا: "إن لها وقع الموسيقى في أذني، إنها أشبه بأجراس تقرع للتحرير" وهذه الشخصية معروفة بتحمسها للتطبيع مع (إسرائيل)، والذي حول مؤسسة الذاكرة العراقية إلى مؤسسة تجسسية، بعد أن حصل على أكثر من ثلاثة ملايين وثيقة من الأرشيف الحكومي التي سلمها بدوره إلى المخابرات المركزية الأمريكية، وهو متهم بتسليم الأرشيف اليهودي الموجود في العراق لإسرائيل؛ حيث يقول أحد المستشارين في وزارة الخارجية ببغداد طلب عدم ذكر اسمه لموقع (الخليج أونلاين) بأن هناك نوابًا وشخصيات كانت ضمن الوفد العراقي الذي زار إسرائيل عام (2019م)"([76]). وقد تمت مكافأة (مكية) من جامعة بأن (تل أبيب) بالحصول على درجة الدكتوراه الفخرية مرتين، وقد وصف (مكية) زيارته قائلًا: "لقد حضرت إلى إسرائيل لعدة أسباب مهمة، ولتحقيق أهداف سامية ربما لا يستطيع الكثيرون استيعابها بسهولة، ولكنني متأكد من أن التأريخ سيخلد أسم أي مسؤول أو مفكر ساهم بقدر في قيام علاقات طبيعية بين بغداد وتل أبيب، حيث أن كلتا الدولتين العراق وإسرائيل من شأنهما وبفضل ما يمتلكانه من حضارة وإمكانيات سيكونون قادرين على إنشاء العديد من الدعائم والأسس التي لن تفيدهما وحدهما فقط، بل ستفيد المنطقة والعالم بأسره"!.([77]). وقد كانت تلك الزيارة أول محاولة (إسرائيلية) لاختراق العراق الجديد، وذلك من أجل تحقيق الهدفين الآتيين: الهدف الأول: جذب العقول العراقية بتقديم الكثير من المغريات لهم، كون هذه الشريحة أحد عوامل نجاح الدولة العراقية السابقة علميًا وتكنولوجيًا، لذا فهم يركزون عليها وهم بين ثلاث خيارات أما جذبهم إلى المراكز البحثية الأمريكية والأوروبية، أو تصفيتهم، أو اعتقالهم وتهجيرهم. الهدف الثاني: تقديم الزيارة التي قام بها الوفد المؤلف من بعض الشخصيات المحسوبة على المثقفين العراقيين كنموذج لباقي البلدان العربية الأخرى، لكسر الحاجز النفسي في الداخل والخارج ودفع الجميع نحو التطبيع العلمي والثقافي، أسوة بالتطبيع الاقتصادي، والأمني، والسياسي مع بعض الدول العربية، علمًا بأن (إسرائيل) عقدت (25) ندوة حول التطبيع بين الدولة العبرية والعراق الجديد عقدت خلال شهرين فقط داخل (إسرائيل)([78]). الهدف الثالث: استخدام الشخصيات الثقافية للترويج الفكري والثقافي لبناء تيارات سياسية وثقافية لصناعة رأي جديد يقبل بالتطبيع مع اليهود، والاستفادة من هذه الشخصيات للترويج الفكري والثقافي لبناء تيارات سياسية وثقافية لصناعة رأي جديد يقبل بالتطبيع مع اليهود، ويخفف من الروح العدائية ضدهم، وهذا ما حصل في كردستان العراق، بحيث بلغت العلاقات (الإسرائيلية)-الكردية إلى مستويات غير مسبوقة، وخاصةً على مستوى العلاقات الثقافية التي وصلت إلى تأسيس مؤسسة (إسرائيل-كورد)، وإصدار مجلة ثقافية مشتركة في (أربيل) أطلق عليها مجلة (ئيسرايل-كورد)، عام (2008م)، وتدعو المجلة الجديدة إلى تأسيس علاقات طبيعية مع إسرائيل، وقد فتحت مكتبًا لها في القدس، وناشر المجلة هو (داوود باغيستاني) وهو مسؤول حكومي سابق في الموصل([79]). ويقول رئيس تحرير المجلة (مولود آفند) عن مكتب أربيل بأنه أقرب إلى المركز الثقافي منه إلى مكتب مجلة([80]). وفي هذا السياق شهد العراق نشاطًا واسعًا وغير مسبوق لممثلي الوكالة اليهودية والموساد، تمخض عن وضع اليد على: المكتبة اليهودية القديمة الموضوعة في مبنى المخابرات العراقية، والتي تضم تحفًا نادرة من كتب التوراة، والتلمود، والكابالا، والزوهار المكتوبة على لفائف البردي وجلود الغزلان، ويعود تأريخها إلى فترة السبي البابلي لليهود في الألف الأول قبل الميلاد. وتم نقل هذا الأرشيف اليهودي عام (2003م)، إلى معهد (هوفر) التابع لجامعة (ستانفورد)؛ لغرض صيانته وترميمه من التلف، ولكن تبين فيما بعد أنه تم نقله إلى (تل أبيب)، بعدما عرضت (القناة الإسرائيلية السابعة) عام (2010م)، لفافة التوراة مكتوبة على جلد ومحاطة بإطار فضي، وقد أعلنت إسرائيل عن وصول كامل الأرشيف اليهودي في العراق إلى تل أبيب، وأنها دفعت رشوة كبيرة لعدد من المسؤولين العراقيين، وهناك اتهامات تدور حول (برهم صالح)، و(حسين الصدر)، و(مصطفى الكاظمي)، و(كنعان مكية) حول ضلوعهم في عملية اختفاء الأرشيف اليهودي، الذي يعرض الآن في متحف (أحفاد بابل)، كإشارة لليهود الذين تركوا العراق واستقر معظمهم لاحقًا في إسرائيل"([81]). وقد بينت القناة (الإسرائيلية) السابعة في تقريرها: أن "نسخة التوراة مكتوبة في القرن الثامن عشر وبغطاء من الفضة الخالصة مرصعة بأنواع من الخرز والزجاج، وعليه أيضًا قطع من الألواح التوراتية، إضافة إلى شمعدان له (7) فوهات نقش عليه صورة للهيكل"، وقد ذكرت صحيفة (معاريف): أن هناك تعاملًا فائق السرية جرى بين قوات الاحتلال في العراق وعناصر من الموساد ومختصين يهود بالآثار، والذين عملوا طوال مدة الاحتلال على شكل خلية مصغرة داخل السفارة الأمريكية، ولم تكشف النقاب عن عملها إلّا بعد إتمام المهمة([82])، علمًا بأن وسائل إعلام أمريكية و(إسرائيلية) قد نقلت عام (2015م)، خبر احتفال أُقيم في القدس المحتلة، بوصول مخطوطة نادرة للتوراة كانت ضمن مقتنيات المتحف العراقي، وأظهرت صور الخبر تفاصيل عملية استقبال المخطوطة من مسؤولين إسرائيليين، ورجال دين يهود، ومواطنين. ومهدت (تل أبيب) لزيارة الوفود العراقية والتبادل التجاري بإطلاق الخارجية (الإسرائيلية)، حملة إعلامية في مطلع (مايو2018م)، تضمنت فتح صفحة على (فيسبوك) و(تويتر) باسم (إسرائيل باللهجة العراقية)، فضلًا عن نشر فيديوهات مختلفة عن يهود العراق، وإنتاج فيلم سينمائي طويل عن واقعة الفرهود والترويع التي تعرض لها يهود العراق عنوانه: (طير حمام) وباللهجة العراقية، لترتفع بعدها مطالبات الجالية العراقية اليهودية الموجودة بإسرائيل بمنحهم جنسيات عراقية"، وقالت الخارجية في تغريدة لها على (تويتر): إن "هذه الخطوة تهدف لخلق تواصل وحوار مثمر بين الشعبين الإسرائيلي والعراقي وإظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل"([83]). بينما يصف مسؤول في جهاز الاستخبارات لـصحيفة (الخليج أونلاين) أن "العلاقات الثنائية بين العراق وإسرائيل تمضي نحو العمل المشترك، على إثر حذف الدولة العراقية لعبارة من الجواز العراقي مفادها بأنه يسمح لحامل هذا الجواز بالسفر إلى كافة دول العالم ما عدا إسرائيل"، وجميع هذه الخطوات هي للتقارب المستند إلى خطط مدروسة للوصول إلى قضية التطبيع في العلاقات بين البلدين. وقد تم استقطاب عدة شخصيات سياسية عراقية لزيارة إسرائيل ومن أبرزهم -فضلًا عن مثال الآلوسي- الدبلوماسي العراقي السابق (حامد الشريفي) الذي زار تل أبيب في نيسان عام (٢٠١٦م)، والتقى بأعضاء من الكنيست (الإسرائيلي) بناءً على دعوة من وزارة الخارجية (الإسرائيلية) للتباحث بشأن منظمة (مسلمون ليبراليون) التي شكلها الشريفي عام (2015م) ([84])؛ حيث زار (الشريفي) وزارة الخارجية (الإسرائيلية) والتقى عددًا من اليهود ذوي الأصول العراقية، علمًا بأن الشريفي عمل كمستشار ومؤسس في وزارة الدفاع العراقية ومستشارًا في وزارة الخارجية العراقية وأصبح قائمًا بأعمال السفير العراقي في الكويت، وعمل مستشارًا للسفارة العراقية في عمان. وفي (يوليو/ تموز 2017م)، زارت إسرائيل العراقية من أصل يزيدي (نادية مراد) الفائزة بجائزة نوبل للسلام عام (2018م)، بناءً على الحملة التي قادته الوكالة (الإسرائيلية) غير الحكومية (إيسرايد) واللجنة اليهودية الأمريكية التي طالبت بوقف الإبادة اليزيدية والتي شاركت بمؤتمر أقيم بالكنيست (الإسرائيلي)، وقد نقلت الصحف العبرية القول: "إنها سافرت لآلاف الأميال وعرضت حياتها للخطر ليس للتعبير فقط عن مدى شعورنا بالسأم، بل هي للتعبير عن هذه الحرب التي لا نهاية لها بين بلدينا"، وقد جاءت هذه الزيارة عن طريق منظمات (إسرائيلية) تعمل في مجال حقوق الإنسان([85]). ثم جاءت المفاجئة التي كشفتها وزارة الخارجية (الإسرائيلية)في (6/1/2019م)، عندما أصدرت بيانًا باللغة العربية كشفت فيه عن "قيام ثلاثة وفود عراقية غير رسمية بزيارة تل أبيب وبينها شخصيات سنية وشيعية مؤثرة". وقد جاءت تحت غطاء كثيف من التعتيم والسرية وتكونت الوفود الثلاثة من (15) شخصية عراقية، وقد التقى أعضاء من هذه الوفود بعدد من المسؤولين الإسرائيليين والشخصيات الأكاديمية وقادة المنظمات ذات صلة بالطائفة اليهودية في العراق، كما زاروا متحف (ياد فاشيم) لتخليد ذكرى ضحايا النازية([86]). لقد أخذ التدخل الصهيوني أشكال وأساليب متعددة وجديدة، تتمثل باستخدام العلاقات التجارية الواسعة كأحد وسائل القوة الناعمة للاختراق، وكذلك العمل على بناء علاقات صداقة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارية والثقافية، من خلال خطة مدروسة وإدارة ناجحة تنتهج سياق جديد في العلاقة مع العراق، فمثلًا حضور اليهود العراقيين إلى معرض بغداد الدولي للكتاب في نيسان عام (٢٠١٨م)، "تعتبره الأطراف الإسرائيلية بشائر تقارب ثقافي مدني بين العراق وإسرائيل"، كما كتبت صحيفة (إسرائيل باللغة العربية) مقالًا تقول فيه "إن هذا الانفتاح المبارك سيساهم في بناء جسور من المعرفة والتعاون الثقافي والتقارب بين المثقفين العراقيين والإسرائيليين، وبالأخص من هم من أصول عراقية، لأن السلام الحقيقي يبنى من الجذور، كما أن التواصل الإلكتروني بين العراقيين والإسرائيليين تحول لأمر روتيني بفضل صفحات التواصل الاجتماعي التي خصصتها إسرائيل لمخاطبة العراقيين"([87]). ونشرت صحيفة (العربي الجديد) في (30/9/2018م)، عن مسؤول في وزارة الخارجية ببغداد قوله: "بأن هناك تركيزًا إعلاميًا إسرائيليًا على العراق يستهدف العوام من الناس، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والمنابر الإعلامية الممولة من جهات غربية مشبوهة"([88])؛ حيث تركز هذه المنابر والواجهات على مسألة الأديان، والحريات، والدعوة لقبول اليهودي، واعتبار التفريق عنصرية، ويجب تقبل الآخر، وجميع هذه الطروحات في حقيقتها هي لتقبل الاحتلال (الإسرائيلي)، تمهيدًا لتهيئة وتغيير المزاج والرأي في الشارع العراقي. ويضيف هذا المسؤول قائلًا: "بأنه تم اكتشاف دخول (6) إسرائيليين دخلوا إلى العراق بجوازات سفر بريطانية وفرنسية وأمريكية، زاروا مراقد أنبياء، وآثار بابلية، ومقابر، ومباني تراثية تعود ليهود عراقيين". وبحسب هذا المسؤول نفسه، فإن "هناك تزايدًا في الأنشطة (الإسرائيلية) التي تستهدف العراق، من خلال منظمات وجمعيات عدة بعضها مسجلة في دول غربية، وغالبيتها في بريطانيا، وتتحرك تحت أغطية مختلفة، من بينها أنشطة حماية الإرث، والتراث، وحرية التعبير، وقضايا التمييز، والعنف المجتمعي، ومحاربة العنصرية والإرهاب، لافتًا إلى أن "إقليم كردستان العراق يُعدّ نافذة دخولها الرئيسة للبلاد، وبالعادة هذه الجمعيات لا تفعل شيئًا سوى تأسيس علاقات وصداقات مع قواعد شعبية ناقمة على الوضع السياسي الحالي في البلاد"، باستخدام القوة الناعمة للاختراق([89]). الفرع الخامس التغلغل الصهيوني في العراق على المستوى الاجتماعي إن التغلغل الصهيوني على المستوى الاجتماعي كان واضحًا رغم التعتيم الإعلامي الكبير الذي فرضه الكيان على نشاطاته في بداية الاحتلال، خصوصًا في ظل الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمر بها العراق، وقد أخذ التغلغل الاجتماعي الكثير من الأشكال والأساليب ومنها: شراء الأراضي والعقارات، وإقامة الشراكات التجارية، والمؤسسات الفندقية، وتنظيم الوفود السياحية للقيام بزيارات دينية للمعابد اليهودية في العراق، حيث كشف مراسل (الأسوشييتد بريس) عن وصول مسؤول (إسرائيلي) الى العاصمة العراقية قبل اعلان الرئيس الأمريكي (بوش) انتهاء العمليات العسكرية لتفقد أوضاع اليهود، ويذكر موقع (أروتس شيفا) إن مسؤولين من الوكالة اليهودية أمضوا أسابيع في العراق ليفتشوا عن اليهود ووجدوا هناك (43) منهم([90]). لقد شكلت الوكالة اليهودية بالتنسيق مع رئيس الوزراء (الإسرائيلي) وهيئات في (إسرائيل الخارج) كـ (جمعية معونة المهاجرين العبريين) فريقًا من ثلاثة شخصيات يترأسها (جيف كاي) وسافر الفريق إلى بغداد في (21 حزيران عام2003م)، للتأكد من الوضع الأمني الحساس للجالية اليهودية في بغداد، وتعزيز العلاقة مع قوات الأمن الأمريكية، والتعرف على الأوضاع المادية وتشجيعهم معنويًا بإعطائهم مواد دينية من (إسرائيل)، ومعالجة محفوظات الجماعة اليهودية التي عثر عليها في مكاتب المخابرات العراقية بغرض جلبها إلى (إسرائيل)، كما تم توثيق مكتوب ومصور لأعضاء الجماعة اليهودية وممتلكاتها، ووجد (جيف كاي) بزيارته إلى بغداد (34) يهوديًا عراقيًا، معظمهم مسنون ويقيمون في بغداد والبصرة، وقد أحيطت تفاصيل الرحلة بسرية تامة، حيث تمكن (جيف) من تحقيق الاتصال المنشود بين الجماعة اليهودية والقوات الأمريكية في بغداد، وحصل على معلومات إضافية عن محفوظات الجماعة اليهودية التي صادرتها السلطات العراقية في السبعينات، وقدم نتائج رحلته إلى مجلس الوكالة اليهودية وإلى رئيس الوزراء (الإسرائيلي) أرييل شارون([91]). لقد حدد الصهاينة أملاكهم في العراق حسب رأيهم في مناطق متميزة بموقعها التجاري في بغداد والمحافظات، وأنهم كانوا يملكون البيوت، والأسواق، والخانات، والمراكز الثقافية والدينية، بعضها مختوم عمرانيًا بنجمة داوود، حيث تشير الإحصائيات (الإسرائيلية) إلى أن عدد أملاك اليهود في العراق تقدر بــ (١٢٧٣٦) عقار في عموم العراق، وأنهم قد حركوا قضية للمطالبة بإعادة أملاكهم التي تركوها أو تعويضهم بما فيها إعادة الجنسية لهم([92])، وهي مطالب مدعومة من الحكومة (الإسرائيلية)؛ حيث قدرت صحيفة (يديعوت أحرنوت) العبرية حجم هذه التعويضات بمليار دولار، عن ممتلكاتهم المزعومة في العراق، والتي تتوزع بين ممتلكات عقارية، ومساكن، وأرصدة مالية في المصارف العراقية، وهذه المطالب سيتم تنفيذها عاجلًا أم آجلًا، وستتكفل الحكومة العراقية الجديدة بدفعها لليهود؛ لأن وزير الأسكان وقتها (بيان باقر صولاغ) قال في (31/3/2004م) بأن: "من حق اليهود العراقيين استعادة ممتلكاتهم في العراق"([93]). وهذا التصريح بحد ذاته يؤسس للتغلغل الصهيوني في العراق بعد الاحتلال بذريعة ممتلكات اليهود. الاستهداف الصهيوني للفلسطينيين في العراق بعد الاحتلال: تعاملت الحكومات العراقية في مختلف عهودها مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عربية ذات أولوية في السياسة العراقية، وفي سياق الصراع مع الكيان الصهيوني ومن هنا كانت مهتمة باللاجئين الفلسطينيين في العراق الذي قدموا بعد النكبة سنة (1948م)، مع قطعات الجيش العراقي، واستقروا فيه. وكانت لهم تجمعات عدة في بغداد وخارجها، ومن ثم استقر قسم منهم في مجمعات سكنية في مناطق مختلفة من بغداد ومنها: مجمع الزعفرانية ومجمع البلديات، وشارع حيفا وسط بغداد. كما وفرت لهم الدولة فرص للعمل والتوظيف في مؤسسات الدولة أسوة بالعراقيين، خصوصًا بعد أن صدر قرار مجلس قيادة الثورة الرقم (202) في عام (2001م)، والذي تضمن معاملة الفلسطيني كمعاملة العراقي في كل الجوانب، واستثنى منها الجنسية وتملك العقارات فقط من أجل أن تبقى القضية الفلسطينية حاضرة في ذاكرة اللاجئين([94]). تم استهداف الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال (الأمريكي-البريطاني) بصورة مباشرة بعد الاحتلال وبشكل مخطط له؛ حيث أثبت الحوادث والمعلومات إلى قيام القوات الأمريكية بالتحقيق مع المنظمات الفلسطينية التي تتخذ من بغداد مقرًا لها، كما شنت القوات الأمريكية حملات مداهمات واسعة لمناطق سكن العوائل الفلسطينية، وتم القاء القبض على شبابها بدعوى الإرهاب، وأنهم من أنصار النظام السابق، الأمر الذي ساعد الميليشيات الطائفية التي انتشرت بعد الاحتلال على مهاجمة المجمعات السكنية للفلسطينيين والقيام بجرائم الخطف، والقتل، والتعذيب، والتهديد، والابتزاز، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حوالي (700)شخص تم تصفيتهم من الجالية الفلسطينية([95]). حتى وصل الأمر إلى انتزاع ممتلكاتهم وطردهم من مساكنهم، بحيث أجبر الكثيرين على ترك العراق والهرب باتجاه الدول العربية المجاورة، التي رفضت دخولهم، بحجة عدم وجود جوازات سفر لديهم، مما اضطرهم إلى إقامة معسكرات لهم في الصحراء على الحدود، ليتم ترحيلهم بعد ذلك إلى أمريكا الجنوبية، ولم يبق منهم سوى بضعة آلاف([96]). وقد رافق تنفيذ هذه الجرائم ضد اللاجئين الفلسطينيين صمت حكومي شمل جميع الطبقة السياسية الحاكمة، وليتها اكتفت بهذا، بل إنها بدأت من خلال الحكومات التي شكلها الاحتلال بالتضييق على الفلسطينيين، فبدأت بإصدار القوانين، ومنها صدور القانون المرقم (76)لعام (2017م)، والذي ألغى بموجبه القرار رقم (202) لعام (2001م)، والذي يقضي بمعاملة اللاجئ الفلسطيني كمعاملة العراقي وتمت المصادقة عليه من قبل رئيس الجمهورية (فؤاد معصوم)([97]). وقد وصف الباحث الحقوقي الفلسطيني (سامي الخطيب)؛ لموقع (الخليج أونلاين) وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق بعد هذا القانون قائلًا: "إن الوضع القانوني لفلسطيني العراق بعد عام (2017م) أصبح مجهولًا، وأشار إلى معاناة المقيمين مع غياب توصيف قانوني واضح، خاصةً بعد إلغاء الحكومة العراقية للقرار رقم (202)، والذي أفقد اللاجئ الفلسطيني الامتيازات القانونية، بل وضاع توصيفه القانوني؛، فلا حصل على صفة لاجئ إنساني ولا لاجئ سياسي، علمًا بأنه لا يزال يعيش بالعراق قرابة (4000) لاجئ فلسطيني"([98]). ولم تكتف الحكومة بإصدار هذه القوانين، بل إنها أصدرت قوانين أخرى هي أكثر إجحافًا بحق الفلسطينيين، كونها تلزمهم بالحصول على موافقات لتجديد الإقامات سنويًا، ثم أصدرت قانون أخر مفاده بأن كل فلسطيني يغادر العراق لمدة ثلاثة أشهر تلغى إقامته ويجب عليه أن يحصل على فيزا دخول جديدة للعراق، والتي غالبًا ما ترفض، بينما يسمح للإيرانيين بدخول العراق بسهولة. وهذا الإجراء لا ينسجم مع الجعجعة الإعلامية للميليشيات الولائية التي تدعي معاداتها لـ (إسرائيل)، خصوصًا وإن المادة (201) من قانون العقوبات العراقي تم تعطيلها، وهي تنص على "الإعدام لكل من أيّد أو روّج لمبادئ صهيونية أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديًا أو أدبيًا أو عمل بأي كيفية لتحقيق أغراضها، ولكن هذه المادة معطلة حاليًا نتيجة الضعف الذي أصاب الدولة العراقية بعد عام (2003م)، بسبب طبيعة النظام السياسي الحاكم والانقسام الحاد بين مكوناته"، وجميع هذه الخطوات مقصودة وهي مؤشرات على توجه الطبقة السياسية الجديدة الحاكمة في العراق نحو التطبيع مع (إسرائيل)([99]). الخـاتمــــة من خلال ما تقدم في البحث؛ يمكننا أن نقول: بأن الحقائق والأدلة تشير بدقة إلى مدى التغلغل والاختراق (الإسرائيلي) الملموس في العراق والذي أصبح علينًا بعد الاحتلال، كما أن التواجد (الإسرائيلي) أصبح حقيقة لا جدال فيها مطلقًا، رغم المحاولات التي يقوم بها الكثير من المسؤولين العراقيين للتخفيف من حدة الخطب الذي عم وطم، والذي يعد سابقة خطيرة في تأريخ العراق الحديث، علمًا بأن ما يجري يتم بدعم وتنسيق مع قوات الاحتلال الأمريكي -البريطاني التي سهلت ودعمت التواجد (الإسرائيلي) على أرض العراق، مما يعيد إلى الأذهان نفس التجربة البريطانية الاستعمارية في فلسطين والتي مهدت للسيطرة والهيمنة الصهيونية لإقامة دولتهم في فلسطين المحتلة، خصوصًا وأن الإدارة الأمريكية فتحت أبواب العراق على مصراعيها لتدمير الدولة العراقية، وسمحت للكيان الصهيوني بتنفيذ مخططاته التوسعية الطامعة فيه. مما يعني ازدياد التحديات والمخاطر والتهديدات التي يولدها هذا المد والتواجد والتغلغل الصهيوني ليس على العراق فحسب، بل على جميع الدول العربية في المنطقة، بما فيها دول الجوار، وهذا ما وعته فصائل المقاومة العراقية مبكرًا وعملت على التصدي له بكل قوة من خلال استهداف قوات الاحتلال الأمريكي-البريطاني التي تعتبر المرتكز الأساس للتغلغل الصهيوني الحاصل في العراق والمنطقة، كما أنها كشفت وفضحت الطبقة السياسية العراقية الحاكمة والتي جاء بها الاحتلال لحكم العراق، من خلال تواطؤها لخدمة المصالح الأمريكية والإيرانية والتي لا تنفصل أبدًا عن المصالح الصهيونية التي تسعى لإقامة دولة (إسرائيل) الكبرى من النيل إلى الفرات، الأمر الذي حول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ولا يزال العراق في فرن المحرقة العسكرية الأمريكية-الصهيونية-الإيرانية. ويمكن أن نلخص أهم الأهداف الصهيونية الإستراتيجية للتغلغل في العراق؛ فيما يأتي: المصادر والمراجع أولًا: الكتب: ثانيًا: المواقع الإلكترونية:
1- الاختراق الإسرائيلي للعراق بعد الغزو الأمريكي بالوثائق؛ الثأر البابلي، د. عبد الكريم العلوجي، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة.
2- الاختراق الصهيوني للعراق، د. خالد الناشف، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005م.
3- الإعلام والحرب؛ العراق نموذجًا، د. عبد الكريم العلوجي، الدار الثقافية، القاهرة، ط 1، 1431ه-2010م.
4- التغلغل الصهيوني في العراق بات حقيقة، د. أكرم المشهداني، كتاب مجلة البيان، ذو الحجة 1427ه.
5- الدين في السياسة الأمريكية، فرانك لامبرت، ترجمة: عبد اللطيف موسى أبو البصل، نمو للنشر، بيروت، ط 1، الرياض، 1436هـ.
6- الكفاءات العلمية التي تم اغتيالها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، حسين الرشيد وسيف الجبوري، مركز الأمة للدراسات والتطوير، ط 1، 2009م.
7- ينظر: اللجوء والاضطهاد؛ اللاجئون الفلسطينيون في العراق 1948-2010م، ناهض خميس زقوت، دار دجلة، عمّان، ط 1، 1437ه-2016م.
8- المشاريع الكبرى لتقسيم العراق ومحافظاته، د. نور الدين الحيالي، الموصل، 2011م.
9- مقاتل من الصحراء؛ التعاون الأمريكي الإسرائيلي خلال الحرب على العراق وما بعدها، خالد بن سلطان بن عبد العزيز، 1995م.
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Isar-Ameri/sec16.doc_cvt.htm
10- الأبعاد الإستراتيجية في علاقة إسرائيل بكردستان العراق، صالح النعامي، الجزيرة نت، 26/8/2015م: https://2u.pw/dYh8m
11- إسرائيل تشطب العراق من قائمة الأعداء، الجزيرة نت، 8/1/2019م: https://cutt.us/ZDlgz
12- الأكراد وإسرائيل: لعبة كبرى خطرة، موقع سويس إنفو، 14/7/2004م: https://2u.pw/u1rQJ
13- الأكراد وإسرائيل وأمريكا واحتلال العراق.. أحداث ومواقف، توفيق المديني، 3/5/2019م: https://2u.pw/iQ9YW
14- بالأرقام والأسماء.. دراسة تفضح التغلغل الصهيوني في العراق، موقع المجد (بدون تأريخ): https://almajd.ps/news990/
15- التغلغل اليهودي في العراق.. إلى أين، المسلم نت، 20 ذي الحجة 1424ه: https://almoslim.net/node/85331
16- حارث الضاري يتحدث عن وجود إسرائيلي مكثف بالعراق، الجزيرة نت، 4/10/2008م.
https://2u.pw/yb3tx
17- نجمة داوود في سماء كردستان، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 21/7/2010م: https://2u.pw/PuNeS
18- نشاط تجاري سري بين العراق وإسرائيل، محمد محسن، الجزيرة نت:
26/7/2012م: https://2u.pw/GRuuD
19- هل حققت الصهيونية آمالها باحتلال العراق، عبده عياش، مجلة البيان، رجب 1425ه:
https://al-maktaba.org/book/1541/5038
20- هل يصبح العراق تحت الاحتلال الأمريكي في قبضة الصهاينة؟ صحيفة التجديد المغربية، 13/11/2003م: https://www.maghress.com/attajdid/9814
21- هل يمضي العراق قدمًا نحو التطبيع مع (إسرائيل)، محود النجار، الخليج أونلاين، 20/11/2020م: https://2u.pw/IBhVW
22- واقع الفلسطينيين في العراق بعد الاحتلال، د. سعد ناجي جواد، رأي اليوم، 26/12/2021م: https://2u.pw/P9n3i
23- وزير عراقي… يحق لليهود العراقيين استعادة ممتلكاتهم، وكالة الأنباء الكويتية، (كونا): 31/3/2004م: https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?language=ar&id=1422999