الأقليات المسلمة في روسيا والصين

9 أغسطس, 2021

د. جاسم الشمري
عضو هيئة التحرير

المقدمة

امتازت الأمة الإسلامية بأنها لا تفرق بين أتباعها على أساس اللون، أو الجنس، أو العرق، بل المقياس الأبرز بين الجميع هو التقوى بدليل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13)، الحجرات.

ومن هنا فإن كل مسلم في أرجاء المعمورة ينبغي أن يكون جزء من جسد الأمة، حتى وإن اختلفت ثقافته وطبيعة حياته، لأن الأصل هو الرابط الأبرز بين المسلمين ألا وهو الدين الإسلامي، ومن هنا كان للمسلمين الذين يعيشون في دول غير إسلامية ويمثلون أقلية سكانية عناية خاصة في الدراسات الفكرية والبحثية، وسنحاول اليوم تسليط الضوء على أوضاع المسلمين في روسيا والصين.

البحث في موضوع الأقليات المسلمة يقتضي تحديد مفهوم الأقلية المسلمة، وهناك العديد من المعايير في هذا الخصوص. أهمها وأولها المعيار العددي بمعنى أن الدولة التي يزيد عدد المسلمين فيها عن نصف مجموع السكان تعتبر دولة إسلامية، وإذا قل المسلمون عن هذا الحد فيعتبرون (أقلية) داخل دولة غير إسلامية([1]).

وعلى العموم فإن الأقليات المسلمة، والجاليات الإسلامية، ولا مندوحة من وصفها بهذا الوصف، تمييزًا لها عن الدائرة الواسعة التي تعيش فيها، والتي لا تسودها أحكام الإسلام، ولا تظهر فيها قيمه وأنماطه السلوكية، ولا يُحتكم فيها إلى شريعته، عليها العديد من الواجبات، ومطالبة بأن تحتفظ بهويتها الدينية وقيمها الخلقية، وأنماط سلوكها، المستمدة من الإسلام.

وهي - وإن كانت في دول ومجتمعات غير إسلامية - تعد جانبًا لا يستهان به من الأمة الإسلامية الواحدة، ولا يمكن لهذه الأقليات والجاليات أن تأمن على عقيدتها وتؤدي شعائرها، وتحيا بقيمها المستمدة من الإسلام، إلا إذا توافر لها داخل الدول والمجتمعات التي تعيش فيها، الأمن والطمأنينة([2]).

إن الأقليات المسلمة هم جزء من الأمة الإسلامية، والتي تشمل كل مسلم في أنحاء العالم أيًّا كان جنسه أو لونه أو لسانه أو وطنه أو طبقته، وهم -من ناحية أخرى- جزء من مجتمعهم الذي يعيشون فيه، وينتمون إليه، فلا بد من مراعاة هذين الجانبين، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولا نضخم أحدهما على حساب الآخر.

ويمكن أن نستخلص الخصائص التالية للأقليات الإسلامية خارج ديارها:

1 - نشأت الأقليات المسلمة نتيجة عدة عوامل، منها: الهجرة الاختيارية بهدف العمل، أو الإقامة، أو بناء على ظروف شخصية، ومن تلك العوامل: الهجرة الإجبارية، وهي تلك التي تنشأ عن أعمال عسكرية وسياسية عدوانية، وهذه تعرف اليوم باسم ظاهرة اللاجئين.

فأما الهجرة الاختيارية، فهي في كثير من الأحوال تكون طارئة في حياة المهاجر مع رغبة أكيدة في العودة إلى الوطن، غير أن تمادي أحد أسباب الهجرة، بالنسبة إلى وضعه الخاص، يحول الهجرة مع الزمن إلى استيطان دائم، خاصة إذا نشأت ظروف محلية جديدة في بلد الهجرة كالنجاح في العمل التجاري، أو طمأنينته إلى غده وتخوفه من التحول في بلده الأصلي إلى مكافح من جديد في طلب العيش، أو إلى ارتباطه في المهجر بنشأة أبنائه وتقلبهم في مراحل الدراسة، مما يلزمه في كثير من الأحوال إلى تمديد حال الهجرة إلى حين تخرجهم، ثم قد تنشأ روابط الزواج من أهل تلك البلاد فتغدو العودة أكثر صعوبة، فيتحول المهاجر إلى مستوطن، خاصة إذا ما اكتسب جنسية الدولة المقيم فيها، وأصبح حائزًا على حقوق المواطن الأصلي.

2 - الأقليات الإسلامية سواء أكانت قوية قادرة، أم ضعيفة مقهورة، تتأثر بشكل، أو بآخر بما يجري في العالم الإسلامي من أحداث، وتتفاعل بصورة مباشرة، أو غير مباشرة مع قضاياه، وسواء أكانت تلك الأحداث سلبية، أم إيجابية، وكثيرًا ما تتأثر هذه الأقليات بالخلافات التي تنشأ في دول العالم الإسلامي، سواء أكانت الخلافات سياسية، أم مذهبية.

3 - إن استقراء واقع الأقليات المسلمة الذين يتجاوزون في عددهم أربعمائة مليون مسلم يؤكد على أن هذه الأقليات أقليات محتاجة للدعم التربوي والعلمي والاجتماعي والديني والسياسي، بل وحتى الدعم اللغوي الذي يُمَكِّن من التواصل مع لغة القرآن الكريم.

ومع الإقرار بالحاجة على كل مستوياتها إلا أنها تتفاوت وتتباين باختلاف المجتمعات التي تعيش فيها الأقليات المسلمة؛ وعليه فإن من المفيد إدراك هذه الحاجات تبعًا لاختلاف ظروف تلك الأقليات في مجتمعاتها([3]).

الأقليات المسلمة في روسيا والصين

أولًا: الأقليات المسلمة في روسيا

المسلمون في روسيا جزء من مقومات الشعب الروسي، وعمر الإسلام في روسيا ألف عام([4]).

وتتباين الآراء التي تحدد تاريخ وصول الإسلام لروسيا وتؤكد إحدى الروايات أن المسلمين وصلوا إلى هذه البلاد في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 22هـ/ 642م، ففتحوا أذربيجان على يد القائد سراقة بن عمرو، ووصلوا إلى مدينة «دربند» على ساحل بحر قزوين في عمق المنطقة القوقازية، ودخل في الإسلام جميع سكان بلاد «شروان» وجزء من داغستان، وتعتبر قبائل «القوموق» أول من دخل الإسلام وبذلوا الكثير لنشره.

في القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري) أصبح المسلمون أصحاب مملكة كبيرة في أواسط آسيا والقوقاز والفولجا أطلق عليها تاريخيًّا مملكة المغول، أو التتار، وفي مطلع القرن الرابع عشر الميلادي برزت على الساحة الدولية، الإمبراطورية القيصرية الروسية التي انطلقت من دوقية موسكو في الوقت نفسه الذي برزت فيه الإمبراطورية العثمانية، ولم ينتصف القرن الرابع عشر الميلادي حتى بات العثمانيون والقياصرة يخوضان صراعًا مريرًا لصياغة تاريخ المنطقة.

وفي الوقت الذي بدأت فيه مملكة المغول الإسلامية في الانهيار أخذت الإمبراطورية القيصرية الناشئة تملأ الفراغ الناشئ عن ذلك، لكن الإمبراطورية العثمانية التي كانت فتية في ذلك الوقت نشطت في نشر الدعوة الإسلامية في مملكة المغول كنوع من التحصين الديني وتحفيز المسلمين فيها على الجهاد ضد الغزاة القياصرة، وبالفعل انتفض المسلمون في أكثر من ثورة ضدهم.

وفي الفترة (17٥٥-17٣٨م) في عهد الإمبراطورة «تسارينا آنا» دمر الروس (القياصرة) في قازان وحدها (481) مسجدًا ومركزًا دينيًّا من أصل (536) مسجدًا، وشن القياصرة حملات اضطهاد ضد المسلمين التتار في القوقاز وسيبيريا.

وقد تنوعت أساليب القهر القيصري ضد المسلمين من إبادة وقمع وتهجير، ثم فرضوا عليهم التنصير القسري. وحظر القانون القيصري اعتناق أي دين غير المسيحية الأرثوذكسية، وتم إحلال اللغة السلافية مكان اللغات العربية والتركية والفارسية التي كانت سائدة هناك في ذلك الوقت، فضلًا عن الإهمال المتعمد للمدن والحواضر الإسلامية حتي تتحول إلي خرائب.

في عهد الإمبراطورة «كاترين الثانية» شنت موسكو (الجيش الروسي القيصري) هجومًا على مناطق القوقاز والقرم بغية احتلالها واشتبكت مع العثمانيين في حروب طاحنة خلال أعوام (1768-1774م) وكان من نتائجها إرغام السلطنة العثمانية على الاعتراف باستقلال مملكة القرم المسلمة عنها([5]).

ويعيش في روسيا في الأصقاع المختلفة مثل قريم والقوقاس والتوركستان والولغا أورال (30) مليون مسلم لم يهاجروا إلى تلك البلاد من بلاد أخرى بل هم أهلها الأصليون. وقد وقعت بلادهم الغنية الجميلة في أيدي الروس المتعصبين الذين لا يعرفون احترام الأديان الأخرى وصاروا رعيّتهم. وبذلك اضطروا إلى مقاومة الظلم الروسي منذ عصور، الذي (كان) يرمي إلى تنصيرهم وجعلهم روسًا بالقوة([6]).

واقع حال المسلمين في روسيا:

يعاني المسلمون في روسيا بشكل عام بما فيها الجمهوريات الإسلامية من ضعف الرابطة الدينية بينهم وتفرقهم؛ وذلك بسبب العزلة الطويلة التي فرضت عليهم إبان الحكم الشيوعي.

وتوجد الآن أربع إدارات للمسلمين في الإتحاد السوفيتي، وإحدى الإدارات الدينية لمسلمي آسيا الوسطى وقازخستان ومركزها (طشقند) ويرأسها المفتي (ضياء الدين باباخانوف) وتضم الجمهوريات التالية:-

1- أوزبكستان وعاصمتها (طشقند) ويقدر عدد المسلمين فيها بحوالي 11 مليون نسمة.

3- طاجكستان وعاصمتها (دوشانبيه) ويقدر عدد المسلمين فيها بحوالي 5 ملايين نسمة.

3- قيرغيزيستان وعاصمتها (فرونزي) ويقدر عدد المسلمين فيها بحوالي 5 ملايين.

4- تركستان وعاصمتها (تشخيط) ويقدر عدد المسلمين فيها بحوالي 5 ملايين.

5- قازخستان وعاصمتها (الماءتا) ويقدر عدد المسلمين فيها بحوالي 12 مليونًا([7]).

وتُعد روسيا الاتحادية واحدة من أكبر الدول مساحة في العالم، وأكثرها تنوعًا عرقيًا، حيث ينتمي سكانها إلى ١٦٠ قومية مختلفة، أكبرها هي القومية السلافية التي تتجاوز ثلثي عدد السكان، يليها ست قوميات رئيسة يتجاوز عدد أفرادها المليون نسمة، أربع منها إسلامية، هي القوميات التترية والبشكيرية والتشوفاشية والشيشانية، بالإضافة إلى ٣٠ قومية إسلامية أخرى ضمن بقية القوميات الأقل عددًا.

ولكن تلك الإحصائيات تتضارب بشدة في تحديد نسبة ذلك العدد من عموم سكان روسيا، فيحاول بعض المصادر تقزيمه إلى ٦.٥٪ فقط (تسعة ملايين نسمة)، بينما تضخمه مصادر أخرى حتى تصل به إلى ٣٠٪ (٤٣ مليون نسمة) دون توفر بيانات تفصيلية موثقة يُعتد بها. حيث إن روسيا تُعد دولة علمانية لا تفرق رسميًا بين مواطنيها حسب أديانهم، ومن ثم جميع الإحصائيات المتوافرة تقديرية، يخضع بعضها للأهواء والمصالح المختلفة.([8])

والمسلمون في روسيا أغلبيتهم من أهل السنة من أتباع المذهبين الحنفي والشافعي، ويشكل أتباع المذهب الحنفي الأغلبية في منطقة حوض الفولغا وأعماق روسيا وسيبيريا، بينما يسود المذهب الشافعي في القوقاز (باستثناء أذربيجان).

الحالة الإسلامية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي:

على الرغم مما عاناه المسلمون في تلك المنطقة منذ القرن السادس عشر - خلال الحقبة القيصرية والشيوعية - من عمليات اضطهاد وإبادة مستمرة استهدفت هويتهم، حتى ضعف أثر الإسلام في نفوس مسلمي روسيا؛ غير أن روسيا شهدت في العقدين الأخيرين ملامح أولية لنهضة إسلامية نشطة؛ حيث جرى تشييد العديد من المساجد، كما يتزايد عدد المسلمين الذين يؤدون فريضة الحج كل عام، ويجري إنشاء محلات تجارية ومطاعم وعيادات استشارية نسائية وأداء طريقة الدفن حسب الشريعة الإسلامية في بعض المناطق الروسية.

‏‏‏كما بدأ النشاط الإسلامي السياسي من خلال حركات إسلامية مع ‏ظهور حزب النهضة الإسلامية (يونيو 1991م)، والذي تشكَّل في مؤتمر للإسلاميين في أستراخان في جنوب روسيا، وقد جعل مهمته الأساسية إرجاع المسلمين إلى حضن الإسلام.

ويظهر الحس الديني بوضوح وتبرز ملامح الصعود الإسلامي لدى مسلمي شمال القوقاز المسلمة، خاصة في الشيشان وداغستان و أنغوشيا التي تقع على أطراف روسيا بالقرب من آسيا الوسطى التي تموج بحركات إسلامية صاعدة - والقريبة من أفغانستان - والتي تعمل على إعادة الهوية الإسلامية لشعوب تلك المنطقة، بخلاف منطقة الفولغا والأورال التي يضعف في غالبية جمهورياتها الإسلامية الملامح الدينية، وترتبط في غالبها بالنشاط الرسمي للدولة لوقوعها في القلب الروسي بعيدًا عن التأثير الإسلامي المجاور.

ويوجد في روسيا ما يقارب 40 إدارة دينية للمسلمين، وأكثرها نفوذًا الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي من روسيا.

وتتبع هذه الإدارات في مجملها الخط الرسمي الروسي في توجهاته، وتقوم الدولة بالإشراف عليها ومتابعة أنشطتها ورسم توجهاتها أمنيًا.

وعلى الرغم من أن كثيرًا من تلك الشواهد على الصعود الديني لمسلمي روسيا والعودة للهوية الإسلامية تمثِّل في غالبها توجهات رسمية تختلط فيها السياسة بالدين وبالمصالح القومية، كما أن بعضها يبدو سطحيًا وضعيفًا مقارنة بحجم التحديات التي يواجهها مسلمو روسيا؛ غير أنها تمثل البداية للعودة الحقيقية للهوية الإسلامية المفقودة التي شوهتها عقود القهر القيصرية والشيوعية([9]).

والبيانات المستمدة عن الأقليات المسلمة معظمها من مصادر منحازة ضدها، من بيانات حكومية عبر سلطات يهمها تحطيم القيم العقائدية ليتحول مجتمعها إلى الولاء المذهبي، فتحاصر المجتمعات الإسلامية بستائر زائفة تجعلهم في عزلة لتقدم منها طعمًا لحملات التشكيك والإلحاد حتى تنمحي شخصيتهم الاجتماعية ويدخلون مرحلة الذوبان في مجتمع الأكثرية.

وقد ذكرت تقارير موثوقة صادرة عن المنظمات المسؤولة عن العمل الإسلامي في روسيا أن الإسلام في روسيا يشغل المرتبة الثانية، وأن عدد المسلمين في جمهورية روسيا الاتحادية يزيد عن ثلاثين مليون نسمة! أي ما يعادل 18% من إجمالي السكان في روسيا البالغ عددهم حوالي (145) مليون نسمة، ولهم تسع جمهوريات إسلامية مشتتة جغرافيًا ضمن "روسيا الاتحادية" في ظل حكم ذاتي صوري!([10])

مستقبل الإسلام في روسيا

ظل الإسلام في روسيا طوال أزمات العالم في العقود الأخيرة بعيدًا عن محطات الجدل التي كان جزء كبير منها يدور حول المسلمين في ظل صعود التيارات المتشددة وظهور الإرهاب. هذا الهدوء الذي يلف مسلمي روسيا زاد من عدم إدراك كثيرين لحقائق كثيرة عن المسلمين الروس.

هذه أبرز الحقائق حول المسلمين في روسيا:

– يبلغ تعداد المسلمين في روسيا قرابة 28 مليون نسمة في إحصائيات آخر 3 سنوات، مشكلين بذلك ثاني أكبر ديانة انتشارًا في البلاد بنسبة 20% من إجمالي السكان البالغ عددهم 140 مليون نسمة.

– هنالك مناطق دون غيرها، تشهد الانتشار الأكبر للمسلمين في روسيا وتتوزع ما بين شمال القوقاز، حيث تستوطن هذه المناطق عدة أعراق؛ كالبلكار، والشركس، والكراشاس، والداغستانيون، والشيشان، والأنجوشيا، والقبردينو، ومناطق حوض الفولجا، وفي العاصمة موسكو التي يزيد عدد المسلمين فيها عن المليون ونصف، ما بين سكان أصليين ومقيمين.

– ازداد عدد المساجد في روسيا عشرة أضعاف، من 500 في ثمانينات القرن الماضي إلى 6 آلاف عام 2015، وفق صحيفة برافدا الروسية.

– يتوقع باحثون روس أن يصبح الإسلام الدين الأول في روسيا بحلول 2050 إذا استمرت معدلات الزيادة الحالية في عدد مسلمي روسيا.

– تحت عنوان: “الإسلام سيكون دين روسيا الأول مع حلول عام 2050″، كتب باحثون روس في مقالة مثيرة عام 2008 أن معدلات الولادة بين المسلمين تزيد أضعاف على المعدلات المنخفضة بين المسيحيين. وجاء في المقالة أن المجتمع المسلم لا يعاني في روسيا من الوفيات نتيجة الإدمان على الكحول، والذي يعتبر أحد المسببات الرئيسة للوفيات في روسيا. ووفق هذا التوقع فإن المسلمين سيشكلون بهذا المعدل من الزيادة، ثلث سكان روسيا مع منتصف القرن الحالي، وقد يصبحون الأغلبية مع نهاية القرن.

نهاية عصر الاضطهاد

الحقوق التي يتمتع بها المسلمون حاليًا في روسيا، لم تكن قديمة؛ ففي القرن الماضي عاش الإسلام أسوأ أنواع الاضطهاد إبان الحكم الشيوعي في دول الاتحاد السوفياتي، وفي تلك الفترة تم حظر تداول المصاحف، وجرى إغلاق جميع المساجد.

لكن الصورة اختلفت اليوم، بعدما نال مسلمو روسيا الكثير من حقوقهم، وأصبح الإسلام الديانة الثانية في روسيا، وأنشئت الجامعة الإسلامية بموسكو([11]).

ثانيًا: الأقليات المسلمة في الصين

عرفت الدول الآسيوية (الغير عربية) الإسلام في فترة مبكرة منذ ظهور الإسلام، إذ وصلت الفتوحات الكبرى التي بدأت في عهد الخلفاء الراشدين واستمرت في العهد الأموي إلى بلاد ما وراء النهرين وبلاد السند.

وقد تحققت أعظم تلك الفتوحات في عصر الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ/705 - 715 م) فقد فتحت بلاد ما وراء النهرين بقيادة قتيبة بن مسلم، بينما تمكن القائد محمد بن القاسم من فتح بلاد السند.

ولا يزال الجامع الكبير في مدينة شيان الصينية حيث المحطة الأولى على طريق الحرير، يفتح أبوابه للمسلمين منذ 13 قرنا، شاهدا بذلك على العديد من الإمبراطوريات الصينية المتعاقبة.

وأنشئ الجامع المذكور سنة 742 للميلاد، بمدينة شيان التابعة لإقليم شانسي شمالي الصين، خلال عهد إمبراطورية تانغ (618 ـ 907)، أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بـ 110 أعوام، ويعد من أقدم مساجد البلاد.

ويجسد جامع شيان الكبير الذي بني على مساحة تبلغ 13 ألف دونم من الأرض، في بنيته مزيجا من العمارة الإسلامية والصينية، حيث زينت الآيات القرآنية جدرانه التي يغلب عليها النقوش الخشبية، وخاصة الأبواب التي نقش عليها بالخط الصيني.ويحتوي الجامع على أقسام أخرى مثل المعهد الدراسي والمطعم، وهو على شكل مجمع وكلية.

وعلى مدى 13 قرنا من عمره، شهد الجامع خمس إمبراطوريات صينية، كما شهد فعاليات توسعة وترميم في كل مرحلة زمنية([12]).

والصين دولة متعددة القوميات، وتتكون من (56) قومية يشكل فيها أبناء قومية (هان) 91% من مجمل عدد السكان، والقوميات الأخرى الخمسة والخمسين يبلغ عدد أبنائها 9% من تعداد السكان أي ما يقارب 108 مليون نسمة، ولغة هان الصينية هي اللغة الرسمية المستخدمة في البلاد كلها.

وينقل الباحث الأستاذ أنور مصباح سوبرة في دراسته المعنونة «المسلمون في الصين» والمحفوظة في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت أن القوميات التي ينتمي إليها المسلمون في الصين عشر قوميات هي:

1 - هوي: من الصينيين.

2 - الأوزبك: من الأتراك.

3 - دونغشيانغ: من المغول.

4 - سالار: من الأتراك.

5 - باوآن: من المغول.

6 - الويغور: من الأتراك.

إضافة إلى القازاق، والقيرقيز، والتتار، والطاجيك.

وينتشر المسلمون في القوميات العشرة هذه بشكل أساسي في أربع عشرة مقاطعة مع تواجدهم في كافة أنحاء الصين بنسب وكثافات متمايزة؛ بالإضافة إلى منطقة سينكيانغ التي تعتبر غالبية ساكنيها من المسلمين من قومية الويغور، وهذه المنطقة تشكل سدس مساحة الصين الإجمالية، أما باقي مناطق التواجد الإسلامي فتتوزع على:

- المقاطعات الغربية: نن تشا ـ كانسو ـ تشينغهاي ـ خوبي ـ خنان ـ شاندونغ ـ يونان ـ شانسي ـ سيشوان.

- المقاطعات الجنوبية: كوانغ دونغ - كوانغ شي ـ هونان ـ آنخوي ـ هوبي.

ويرى سوبرة أن الديانات في الصين تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: في الصين الداخلية وتعتبر موطن قبائل هان وفيها: الكونفوشية ـ الطاوية ـ البوذية ماهايانا.

القسم الثاني: في الصين الخارجية وفيها: البوذية اللامية ـ الإسلام.

أما البروتستانتية والكاثوليكية فإن تأثيرهما ضيق ومقتصر على المدن الكبرى مثل شنغهاي وبكين، وقد دخلت المسيحية إلى الصين للمرة الأولى في القرن الثامن الميلادي، ثم اندثرت وعادت مرتين إلى أن انتهى الوجود المسيحي إلى حوالي أربعة ملايين مسيحي على المذهب البروتستانتي([13]).

` أصول وقوميات مختلفة:

وترى الباحثة فتحية يحيى الكمالي في دراستها المعنونة «المسلمون في الصين» - الواقع الراهن «المحفوظة في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية» أن عدد المسلمين في الصين أكثر من مائة مليون نسمة حاليًا، أي أكثر من عشرة بالمائة من تعداد السكان وهي تشرح أصولهم كما يلي وفق الأصول القومية:

- قومية الخوي: وهي تنتمي إلى الأصل الصيني وتستخدم اللغة الصينية، وتتوزع في كافة أنحاء الصين مع غيرهم من الصينيين المعروفين بالخان، وتحاول هذه القومية التميز عن الخان في المأكل والملبس والمسكن وعدم الاختلاط بهم.

- قومية الأوجور: والتي يسميها الباحث سوبرة الويغور (وهم مسلمو تركستان الشرقية) الذين يعيشون في الجزء الشمالي من الصين وأصولهم تركية، وهم السكان الأصليون لتركستان الشرقية، ويصل تعدادهم إلى 2.7 مليون نسمة. وهناك أيضًا خمسمائة ألف نسمة منهم في تركستان الغربية التي تحتلها روسيا يُعرفون بـ (كازاخستان، وأوزبكستان، وقرغيزستان، وتركمانستان وطاجيكستان) ، ويتحدث الأوجور اللغة الأوجورية، وهي من اللغات التركية القديمة، ويستخدمون الحروف العربية في الكتابة.

- قومية القازان: ويسميها الباحث سوبرة (القازاق) وأصل هذه القومية من قازاقستان في آسيا الوسطى، وتعيش في الصين وفي تركستان الشرقية وشنغهاي، وتستخدم الحروف العربية للكتابة.

- قومية الدونغشيانغ: (ذات الأصل المغولي) وهي تتحدث باللغة المغولية، وتتمتع بالحكم الذاتي في مناطق لينشيا الشرقية وفي شينيانغ.

- قومية القرغيز: وأصلها من قرغيزستان في آسيا الوسطى، وتعيش في الصين في ولاية ذات حكم ذاتي تابع لمقاطعة سينيكيانغ ولغتها من اللغات التركية القديمة وتستخدم الحروف العربية في الكتابة.

- قومية السالار: وتتمركز في مقاطعة تشيهو ذات الحكم الذاتي في شنغهاي، والبقية الباقية منها في محافظة هوالوانغ، ولغتها كذلك من اللغات التركية القديمة، وتستخدم الحروف العربية في الكتابة.

- قومية الأوزبك: التي تعيش مع الأوجور في سينكيانغ (ولها وجود لا بأس به في أفغانستان) .

- قومية الطاجيك: وهي تنتمي بالأصل إلى جمهورية طاجيكستان، وتسكن على جبال البامير التي ضمت للصين، ويتحدث الطاجيك اللغة الفارسية، وتستخدم الحروف العربية في الكتابة.

- قومية البوان: ويسميها الباحث سوبرة باو آن، التي تمثل الفرع الثاني من الهجرة المنغولية نحو الصين وتتحدث اللغة المنغولية.

- قومية التتار: ويعود أصل هذه القومية إلى تتار تتارستان، وتتار سيبيريا، والقرم، وتعيش في تركستان الشرقية، وتتحدث اللغة التتارية، وتستخدم الحروف العربية في الكتابة.

ويلاحظ أن لكل قومية من هذه القوميات، لغتها الخاصة بها وتاريخها وحاضرها الثقافي الخاص بها، وأن كل القوميات باستثناء الخوي ذات الأصل الصيني، لا تزال تسكن أوطانها الأصلية وقد ضمت إلى الجمهورية الصينية، إما بإقرار سياسي أو عن طريق الغزو العسكري المباشر([14]).

وأغلب الأقليات المسلمة في قارة آسيا (الهند، الصين)([15]).

وقومية سالار هي أصغر الأقليات المسلمة العشر في الصين، إذ لا يتجاوز تعدادها مئة ألف نسمة يقطنون في مقاطعة تشين خاي شمال غرب الصين، وتتمتع بلدتهم شونخوا بالحكم الذاتي([16]).

والواقع لا توجد إحصائية معتبرة عن عدد المسلمين في الصين، ولكن في الثمانينيات قالت الحكومة إن عدد المسلمين في الصين (20) مليونًا، والآن يقول كثير من المهتمين، إنَّ عدد المسلمين (30) مليونًا وبعضهم يقول (50) مليون مسلم، والذي أظنه أن عدد المسلمين في الصين لا يتجاوزون (30) مليونًا.

وبالنسبة للتداخل بين المسلمين والحكومة الصينية من الناحية السياسية فإن الحكومة توكل لبعض المسلمين بعض الأعمال، كمجلس الشورى السياسي، فيوجد من يكون إمام مسجد وهو عضو في مجلس الشورى السياسي الصيني، وهذا الرجل يشارك في إبداء اقتراحات، كغيره من المندوبين النصارى وغيرهم، ويقدمون آراء واقتراحات ويشاركون بذلك في ذلك المجلس([17]).

وفي نيسان 2017، أعلنت السلطات المحلية في تركستان الشرقية المعروفة بإسم منطقة "شينجيانغ" في الصين، أنها حظرت قائمة أسماء إسلامية، مكونة من 29 اسما، تمنع بموجبها الأسر من إطلاق أسماء مثل "محمد" و"قرآن" على أطفالهم حديثي الولادة.

وقال مسؤول في مكتب الأمن العام في محافظة "كاشغار"، الواقعة جنوبي الإقليم، طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية القضية، إن "بعض الأسماء حظرت في الإقليم بسبب ارتباطها بخلفية دينية، وإن الأطفال حديثي الولادة، والذين سيحملون هذه الأسماء، سيتم منعهم من الحصول على الرعاية الصحية الممولة من الحكومة، ومن التعليم، وإن الحظر شمل أسماء ترتبط بالدين الإسلامي مثل: محمد، إسلام، قرآن، جهاد، مدينة، مكة وغيرها".

وفي وقت سابق، أطلقت السلطات المحلية حملة ضد المسلمين، فمنعت الرجال من إطلاق اللحى والنساء من ارتداء النقاب.ويعيش في شينجيانغ حوالي 23 مليون مسلم، بحسب إحصاءات رسمية.

يشار إلى أن الصين، تطلق على إقليم تركستان الشرقية، الذي يشكل الأتراك المسلمون غالبية سكانه، اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة"، ويطالب سكان الإقليم بالاستقلال عن الصين، ويعتبرون السيطرة الصينية "احتلالًا لبلادهم منذ (66) عامًا".

ويشهد الإقليم منذ سنوات عديدة، اشتباكات دامية، كانت أشدها عام (2009)، وقتل فيها حوالي (200) شخص، وفقًا للأرقام الرسمية، ونشرت الحكومة الصينية منذ ذلك التاريخ، قوات مسلحة في المنطقة، التي ارتفعت فيها حدة التوتر بين قوميتي "الهان" الصينية، و"الأويغور" التركية، وخاصة في مدن "أورومجي"، و"كاشغر"، و"ختن"، و"طورفان"، التي يشكل فيها الأتراك غالبية السكان([18]).

وفي آب / أغسطس 2018، أفادت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من أقلية الأويغور في معسكرات سرية في تركستان الشرقية، شمال غربي البلاد.

جاء ذلك في كلمة لـ"جاي مكدوجل"، عضو لجنة "القضاء على التمييز العنصري"، في جلسات بمقر الأمم المتحدة بجنيف، بدأت الجمعة وتختتم اليوم، لمراجعة سياسات بكين.

وقالت "مكدوجل": "نشعر بقلق عميق إزاء التقارير الكثيرة الموثوق بها، التي تفيد بتحويل الصين منطقة الأويغور ذاتية الحكم إلى ما يشبه معسكر تدريب ضخم، محاط بالسرية".

وانتقدت المسؤولة الأممية الحقوقية اعتبار بكين المعسكر "منطقة بلا حقوق باسم مكافحة التطرف الديني والحفاظ على استقرار المجتمع".وأشارت إلى وجود تقديرات بتعرض نحو مليونين من الأويغور والأقليات المسلمة للإجبار على المشاركة في معسكرات تلقين سياسي في المنطقة.

وحسب "أسوشييتد برس"، لم يدل وفد الصين، المكون من نحو 50 مسؤولًا، بأي تعليق على تصريحات "مكدوجل".بدورها، دعت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، عبر "تويتر"، الصين إلى "إنهاء سياستها التي تؤدي إلى نتائج عكسية، والإفراج عن كل المعتقلين بشكل تعسفي".

ومنذ عام 1949، تسيطر بكين على إقليم "تركستان الشرقية"، الذي يعد موطن أقلية "الأويغور" التركية المسلمة، وتطلق عليه اسم "شينغيانغ"، أي "الحدود الجديدة".

وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مواطن مسلم في البلاد، 23 مليونًا منهم من الأويغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز الـ100 مليون، أي نحو 9.5% من مجموع السكان([19]).

بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ومن باب بيان الحقيقة وتسليط الضوء على واقع المسلمين في الصينأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيان حول الاضطهاد للمسلمين في الصين، ومما جاء فيه:

تتواتر الأخبار، منذ سنوات وإلى الآن، عما يتعرض له  المسلمون في الصين، وخاصة في تركستان الشرقية، من أشكال الاضطهاد في حقوقهم وحريتهم الدينية وحياتهم الاجتماعية، ومحاولات إكراههم على الانسلاخ من دينهم.

وعموما فإن الأخبار المتعلقة بالسياسة الصينية الرسمية تجاه المسلمين، تدل على أنها ترمي إلى محو الإسلام واستئصال الانتماء إليه.

وبناء عليه، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إذ يثير الانتباه إلى خطورة هذه التعسفات والمظالم الواقعة على مسلمي الصين، ويؤكد رفضه وإدانته لها، وتحذيره من سوء عواقبها، فإنه:

1. يذكر وينوه بالعلاقات والروابط المتجذرة والمتنوعة بين الصين والعالم الإسلامي، دولا وشعوبا، وهي العلاقات والروابط التي نتطلع إلى توسيعها وتعميقها، بدل تسميمها وتوتيرها.

2. يدعو الحكومة الصينية إلى احترام كافة الحقوق والحريات الدينية والاجتماعية للأقليات المسلمة، ومنها:

3.  يدعو منظمة التعاون الإسلامي، والدول الإسلامية كلا على حدة، إلى الاهتمام الجدي بهذا الموضوع، والوقوف على وقائعه ومجرياته، وإثارته ومتابعته مع الطرف الصيني، وأمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.([20]).

مستقبل الإسلام في الصين

ذكر الشيخ الداعية: ( يوسف بن عبد الله الصيني) أن هناك نكتة واقعية حيث كان بعض الشباب يفاخر ويقول إن الإسلام سينتشر على يد المسلمين الصينيين؛ لأن هناك عالم أمريكي (صاموئيل هنتنغتون) يقول: في القرن الحادي والعشرين ستكون الحرب بين الأمــم المتحضرة، وإذا كانت تلك الحضـارتـــان الإســـلام و(الكنفوشيوسية) اجتمعتا معًا فَسَتُسْقِطْ تلك الحضارتان (الحضارة الغربية) فكان بعض الشباب الصينيين يحللون ذلك ويقولون: الذي يُسقِط الحضارة الغربية هم المسلمون الصينيون ـ إن شاء الله ـ حيث إنهم هم الذين يعرفون الإسلام ويعرفون (الكنفوشيوسية). فكان بعض الشبان الصينيين يقولون: الإسلام سينتشر عندنا، ونحن الذين سنُسقط الحضارة الغربية، وهذا الكلام كان في الثمانينيات الميلادية من القرن الفائت.

ولكن هذا الأمر علمه عند الله، وأنا متفائلٌ بالمستقبل، إلا أنَّه بصراحة: الدعوة للإسلام في الصين ضعيفة، وتحتاج إلى جهود كبيرة، ونحن ـ إن شاء الله ـ سنبذل الكثير من الجهود للدعوة إلى الإسلام في الصين، وننصر دين الله فيها، ونتفاءل بعدها بمشيئة الله، وحين يعرف الناس الإسلام فإنَّهم سيدخلون في دين الله أفواجًا ([21]).

واجب المسلمين نحو الأقليات

يجب ألا نتغافل عما تتعرض له الأقليات المسلمة في أوروبا وآسيا، وبصفة خاصة في بلغاريا والفلبين والهند وتايلند وروسيا، حيث تدبر لحرب الإسلام والمسلمين كل يوم وسيلة جديدة، فحري بنا نحن المسلمين أن نولي هذا الأمر ما يستحقه من الدراسة العلمية واتخاذ كافة السبل لتوثيق الصلات بهذه الأقليات ودعمها، حتى يقوى كيانها وتقف في وجه التيارات التي تتعرض لها، وهذه أمور لا تنالها الأماني أو تدرك بالوعود المسوفة، وإنما لا بد أن نستنفذ الوسائل المادية والمعنوية، وأن نسلك في سبيلها كل الدروب الوعرة. وعلى سبيل المثال يجب أن تتخذ الدول الإسلامية بعض الإجراءات ضد الدول التي تضطهد الأقليات المسلمة، ولا سيما وأن الدول الإسلامية لها وزنها وتملك الأساليب الفعالة في هذا المجال([22]).

الخاتمة

تعيش غالبية الأقليات المسلمة في العالم أوضاعًا إنسانية صعبة، فهي تقع بين مطرقة الفقر وقلة الموارد والإمكانيات، وسندان التهميش الاجتماعي والسياسي، والعنف الممنهج من قبل بعض الحكومات والجماعات الدينية والطائفية الأخرى.

وغالبية الأقليات المسلمة في العالم تعيش تهميشًا اجتماعيًا واقتصاديا وسياسيًا متعمدًا وواضحًا.

إن المسلمين في روسيا اليوم لهم حقوق واضحة وحرية بارزة في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، دون أي ضغوطات حكومية طالما كانت بعيدة عن التدخل في الجانب السياسي المتطرف، وليس السياسي المعتدل.

أما في الصين فإن المسلمين ما زالوا حتى الساعة يعانون من تمييز كبير، وبالذات خارج دور العبادة، وقد ازدادت معاناتهم في السنوات الأخيرة بشكل كبير ولأسباب مختلفة، وتواجه الصين اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في شينجيانغ وتعذيب المعتقلين الويغور وتشديد القيود على ممارستهم لشعائرهم الدينية وثقافتهم. وهو ما أثار قلق ومخاوف المنظمات والمؤسسات الإنسانية وأثار أيضًا انتقادات دولية للصين، المتهمة بالتمييز على أساس ديني عِرقي في تعاملها مع المسلمين، لاسيما مع أقلية الأويغور في إقليم شينجيانغ.

وأخيرًا يجب على الحركات الإسلامية والإعلام والشخصيات والجمعيات والهيئات المؤثرة السعي لتوثيق الصلات بالأقليات الإسلامية ودعمها، حتى يقوى كيانها وتقف في وجه التيارات التي تتعرض لها.


([1]) أحمد معمور العسيري، موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل الإسلام) إلى عصرنا الحاضر 1417 هـ/96 - 97 م، ص: 506، (فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض)، ط1، 1417 هـ - 1996م.

([2]) عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي، الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، ص: 50، الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات.

([3]) محمد يسري إبراهيم فقه النوازل للأقليات المسلمة «تأصيلا وتطبيقا»، أصل الكتاب: رسالة دكتوراه في الفقه الإسلامي من كلية الشَّريعة والقانون بجامعة الأزهر،1/ 112-115،  دار اليسر، القاهرة - جمهورية مصر العربية، ط1، 2013 م.

([4]) مجلة البيان، 141/70.

([5]) مجلة البيان | ملف العدد:روسيا والمسلمون: حملات الإبادة وملف المجازر، 11/11/2015 . شعبان عبدالرحمن العدد : 342.

([6]) المنار، 31/70.

([7]) مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، موقع الجامعة على الإنترنت، 28/414، عدد الأجزاء: 120 عددًا.

([8]) إيهاب عويص،  مسلمو روسيا القوة الضائعة، 8/16/2015، العدد : 339 http://www.albayan.co.uk/mobile/MGZarticle2.aspx?ID=4538

([9]) محمد يسري إبراهيم، فقه النوازل للأقليات المسلمة «تأصيلا وتطبيقا»، أصل الكتاب: رسالة دكتوراه في الفقه الإسلامي من كلية الشَّريعة والقانون بجامعة الأزهر،1/ 129،  دار اليسر، القاهرة - جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1434 هـ - 2013 م

([10]) المنار، 31/70.

([11]) كيوبوستس، بعد نهاية عصر الاضطهاد، أصبح المسلمون ثاني أكبر ديانة في روسيا، https://www.qposts.com/هل-يصعد-الإسلام-إلى-المرتبة-الأولى-في-ر/

([12]) مجلة البيان، http://www.albayan.co.uk/mobile/event.aspx?ID=15805

([13]) خالد اللحام، المسلمون في الصين، مجلة البيان/ 204/ 16.

([14]) مجلة البيان/ 204/ 16.

([15]) موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل الإسلام) إلى عصرنا الحاضر 1417 هـ/96 - 97 م، المؤلف: أحمد معمور العسيري، ص: 425، (فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض)

الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م

([16]) الجزيرة نت

([17]) مجلة البيان، العدد 221.

([18]) البيان، 2017/04/27

([19])

([20]) الموقع الرسمي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، http://iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=8921

([21]) مجلة البيان العدد 221.

([22]) موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل الإسلام) إلى عصرنا الحاضر 1417 هـ/96 - 97 م، المؤلف: أحمد معمور العسيري، ص: 515، (فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض)

الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram