مشاريع تقسيم الوطن العربي جغرافيًا وديموغرافيًا الأستاذ الدكتور صبري فارس الهيتي([1]) مـقــدمــة يتمتع الوطن العربي بمساحته التي تزيد على 14 مليون كم2, بموقع جغرافي إستراتيجي في قارتي آسيا وإفريقيا, وباحتياطي نفطي كبير تصل قميته إلى ثلثي ما يوجد في العالم جميعه من نفط, وبسواحل بحرية ومحيطية بأطوال تبلغ ثمانية آلاف كيلومتر, وبعمق حضاري موغل في القدم, كل ذلك جعله يتبوء أهمية جيوبوليتيكية عالمية خطيرة. تلك الأهمية الجيوبوليتيكية دفعت بالقوى الاستعمارية الطامعة في خيرات العرب, أو في مكانته الإستراتيجية إلى التكالب على احتلاله وتجزئته, سواء من قبل العثمانيين أو الفرس أو الإنكليز أو الفرنسيين أو الايطاليين أو الأسبان وآخرهم الأمريكان , وتوج ذلك في معاونة الغرب للعصابات الصهيونية في اغتصاب الأرض العربية في فلسطين , وزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ليكون إسفينا بين قسميه الآسيوي والإفريقي. مهَّد الاستعمار ذلك الطريق من الناحية التقنية والحضارية للاستعمار الأوربي ليفرض سيطرته على الوطن العربي. وقد حاول البرتغاليون السيطرة المبكرة على أجزاء من الوطن العربي ممثلة في شرقه على سواحل الخليج العربي بين عامي 1514 و 1615 م، وتقاسموا مع الأسبان السيطرة على مراكش ابتداء من (سبتة ومليلة) حتى أفني لكنه انحسر عن السواحل المغربية للفترة من 1415 وحتى 1514م حيث اضطروا إلى الانسحاب وبقي الأسبان في أجزاء محدودة من الساحل المغربي. وابتدأت أولى محاولات الاستعمار الجديد في السيطرة على الوطن العربي في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، في سيطرة فرنسا على الجزائر سنة 1830 ثم وقوع عدن في يد الاستعمار البريطاني في 1839. ومنذ ذلك الوقت بدأ الاستعمار البريطاني يزحف بانتظام من عدن على طول الساحل الجنوبي والشرقي للجزيرة العربية حتى سيطر عليها جميعها حتى الكويت شمالاً قبل نهاية القرن. وجاءت الموجة الثانية في ثمانينات القرن 19 حين مدت فرنسا نفوذها من الجزائر إلى تونس في 1881، واحتلت بريطانيا مصر في 1882. ثم توسعت بعدها نحو السودان. والموجة الثالثة والأخيرة كانت في العقد الثاني من القرن العشرين قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى. وقد بدأت بانقضاض إيطاليا على ليبيا واقتطاعها من الدولة العثمانية في 1911. وفي نفس الوقت بدأت فرنسا تتوسع من الجزائر غرباً نحو المغرب وتم لها ذلك خلال الحرب العالمية الأولى حتى 1914م. أما في المشرق العربي، فقد كانت هذه الموجة أخطر فترة في تأريخه فقد سقط أغلبه تحت سيطرة الاستعمار دفعة واحدة وذلك كجزء من مساومات الصلح بعد الحرب ( اتفاقية سايكس بيكو 1916) فاستولت فرنسا على سوريا ولبنان وبريطانيا على العراق وفلسطين والأردن. ويرتبط الموقع الاستراتيجي للوطن العربي كونه متصلاً بقارتي آسيا وإفريقيا، حيث قسمه الآسيوي يحتل جزءاً من جنوبها الغربي، وفي قارة إفريقيا حيث إن شمال إفريقيا وأجزاء من مشرقها يكون الوطن العربي ( في قسمه الإفريقي) وهذا ما جعله يسيطر على الخليج العربي ومنفذه في مضيق هرمز، وعلى البحر الأحمر واتصاله بالبحر المتوسط عن طريق قناة السويس، وعلى اتصاله بخليج عدن عن طريق باب المندب. كما يشرف على كل من البحر المتوسط في سواحله الجنوبية والشرقية ومنفذه إلى المحيط الأطلسي عن طريق مضيق طارق. ساعد ذلك كله على أن يكون بإمكان الوطن العربي أن يشل أطماع الأعداء ويحصرهم في نطاق محدد، عندما ينسق خططه وجهوده في السيطرة على أراضيه وسواحله، وفي استثماره لموارده بصورة مشتركة ما يجعله يحكم السيطرة على جميع مضائقه ومنافذ سواحله وخلجانه([2]). إن توسط الوطن العربي بين غرب أوربا الصناعي وشرق آسيا وجنوبها المداري والموسمي، وبقية أنحاء إفريقيا ذات المناخ الاستوائي والسهوبي. جعل منه منطقة تتمكن من الاستفادة من منتجات هذه الأقاليم جميعها، وبنفس الوقت يمكن للوطن العربي أن يكون حلقة وصل بينها جميعاً وهذا مما يحقق فوائد كبيرة له. خاصة وأن قناة السويس لها دور كبير في تسهيل مهمة النقل وبأقصر الطرق، وعلى الأخص بالنسبة للبواخر التي تحمل المواد الخام الزراعية إلى الأقطار الصناعية مثل القطن والمطاط والكاكاو والمحاصيل الزيتية أو الفواكه المدارية أو الناقلات التي تحمل النفط أو عند نقل المعادن الأخرى مثل الحديد والقصدير والألمنيوم والنحاس وغيرها. يضاف إلى ذلك ما يتمتع به الوطن العربي كونه مهبط الديانات السماوية خاصة (اليهودية والمسيحية والإسلام) واحتوائه على الأماكن المقدسة لهذه الديانات الثلاث التي يحج إليها معتنقوها. وقد كرم الله سبحانه وتعالى العرب في القرآن الكريم حين خاطبهم بقوله:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾؛ والوسط هنا تعني الخيار والعدل. كما كرم الله عز وجل الأمة العربية بأن جعل القرآن الكريم بلغتها العربية، وفي الوطن العربي انتشرت الدعوة الإسلامية ومنه امتدت إلى أنحاء العالم الإسلامي ومناطق أخرى من العالم، وإلى بقاع مقدسة في الوطن العربي, متمثلة في مكة المكرمة والمدينة المنورة اللذين تتجه اليهما أنظار (1.6) مليار مسلم في العالم وإليهما يقصد سنوياً أكثر من مليوني ونصف حاج من مختلف الأقطار ومن شتى القوميات. فالإسلام لا يلغي "القومية العربية" والحضارة بمفهومها الإنساني غير العرقي، وذلك عندما وضع الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) للعروبة مفهوماً ومضموناً حضارياً بقوله: (أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد وليس العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان (اللغة) فمن تكلم العربية فهو عربي)([3]). وهذه القومية العربية المعبرة عن حضارة واحدة وأصحاب هذه الشخصية والتي يعبر عنها الجاحظ بقوله: " إن العروبة لما كانت واحدة في التربية وفي اللغة والشمائل والهمة وفي الأنفة والحمية وفي الأخلاق والسجية فسيكون سبكاً واحداً، وكان القلب واحداً، تشابهت الأجزاء وتناسبت الأخلاط وصارت هذه الأسباب ولادة أخرى، وقامت هذه المعاني عندهم مقام الولادة، والأرحام الماسة"([4]). وكانت الأرض العربية الطريق الوحيد بين أقصى الشرق وأقصى الغرب قبل أن يكتشف رأس الرجاء الصالح، وحمل العرب إلى كل مكان ذهبوا إليه التجارة، ودعوة الإسلام وكان الفتح العربي الإسلامي لعقول وأفئدة عشرات الملايين في أقصى الشرق بعشرات الآلاف من التجار العرب ليبيعوا ويشتروا ويقايضوا ويربحوا أو يخسروا، وهم يدعون ويبشرون ويعلمون الناس ديناً يحرم الربا تحريماً قاطعاً. ولكون اللغة العربية لغة القرآن الكريم فقد انتشرت هذه اللغة في أنحاء العالم الإسلامي. مما يوثق الروابط والعلاقات بين الوطن العربي والعالم الإسلامي الذي يشغل فيه الوطن العربي مكانة مهمة, إذ بظهور الإسلام انتشر العرب من شبه الجزيرة العربية حتى الأندلس غرباً وأواسط آسيا وجنوب شرقيها شرقاً، وانتشرت الحضارة العربية وترجمت علوم العرب ووصلت هذه العلوم إلى أوربا, إذ تعلم الأوربيون أصول الملاحة من العرب وبفضلهم تمكنوا من استخدام أدوات كثيرة أفادوا منها في الملاحة مثل البوصلة والاصطرلاب ما ساعدهم على اكتشاف مناطق جديدة من العالم. ولم يكن يتاح لهم إطلاق الأقمار الصناعية لولا جابر بن حيان والخوارزمي. كما أن بفضل العرب تعلم العالم علمي الجبر واللوغاريتم إضافة إلى علوم الطب وغيرها([5]). وهكذا كان ظهور الإسلام في الوطن العربي عاملاً حاسماً في هذا الوطن؛ إذ أنه وحد بين أجزائه رباط واحد وأشاع الثقافة العربية الإسلامية في جميع ربوعه فجعل من الإقليم وحدة ثقافية. يضاف إليها امتداد الوطن العربي على رقعة واسعة من الأرض لا يفصل بينها أي عوارض طبيعية أو سلاسل جبلية, تعزز من الوحدة الحضارية والثقافية والتاريخ المشترك والمشاعر المشتركة التي توحد بين أبناء الأمة العربية التي تتحدى كل مشاريع التقسيم والتفتيت. في هذا العام يكون قد مر قرنٌ على اتفاقية (سايكس- بيكو) السرية التي مهدت لخريطة الشرق الأوسط الحالية. وتشير الدلائل والوقائع على الأرض خاصةً أحداث العقد الأخير إلى أن هذه الخريطة الهشة أوشكت على السقوط , ومما يثير الدهشة هي تلك الخفة التي نتعامل بها مع تلك المصيبة بشكلٍ يتطابق مع التوصيف الدقيق الذي صاغه شاحاك الاسرائيلي الذي يقول : “حتى أولئك الذين يتصايحون للتحذير من مخططات الأعداء يفعلون ذلك بناءً على أوهام يتخيلونها وأساطير يتداولونها، وليس على أساس معرفي علمي. لذلك يحبذ الخبراء الصهاينة نشر استراتيجياتهم المستقبلية علنًا لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من اطلاع العرب عليها، فإمكانية تصدي حكوماتهم لتلك الخطط إزاء معرفتهم بها شبه معدومة”([6]). ولكي نكّون فكرة وافية عن تلك المشاريع العدائية التي استهدفت الوطن العربي وحاولت تقسيمه وتفتيته , في صالح اليهود الصهاينة لإيجاد وطن لهم يُزرع في قلب الوطن العربي, سنحاول في هذا البحث استعراض تلك المشاريع من خلال الاتفاقيات التي صدرت والأفكار التي وضعت مدعمة بالخرائط وتحليلها للإجابة على سؤال مهم, هل سيكتب لهذه المشاريع النجاح ؟ وسنبدأ في أول وثيقة صدرت في نهاية القرن الثامن عشر وهو النداء الذي وجهه نابليون عندما غزا مصر مراعاة لليهود الصهاينة ومستهدفا أكبر وأهم دولة عربية, بما تمثله من موقع جغرافي استراتيجي وثقل سكاني. الوثيقة الأولى: نداء " نابليون " إلى يهود العالم سنة 1799 (من "نابليون بونابرت" القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين. أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط. إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين - وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل أشعياء ويوئيل - قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله (كلمة إسرائيل في اللغة العبرية تعني أسر الله أو عبدالله) سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم دون خوف. انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه, إن أمامكم حربا مهولة يخوضها شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسم بينهم حسب أهوائهم... لابد من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير العبودية، وذلك الخزي الذي شل إرادتكم لألفي سنة. إن الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسر على التخلي عن حقكم. ولهذا فإن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس والعجز. إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه، قد اختار القدس مقرا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تعد تُرهب مدينة داوود. ياورثة فلسطين الشرعيين... إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها. تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء. انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفاً لاسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة. سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم. وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة إلهكم يهوه، طبقاً لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه إلى الأبد)([7]). "بونابرت" (انتهت الوثيقة) نستنتج مما ورد في الوثيقة التاريخية أعلاه ما يأتي :- هناك تقارير وصلت نابليون تذكر بأن المصريين سوف يستقبلون الفرنسيين بفرح بالغ. وهذا يماثل ما حصل مع الأمريكان إبان احتلالهم للعراق وقيل لهم: إن الشعب العراقي سوف ينثر الزهور على رؤوس المحتلين، وبأن أمريكا هي راعية الحرية والديمقراطية، ولكن نابليون وحملته باءت بالفشل الذريع وكذلك احتلال العراق باء بالفشل الذريع. الوثيقة الثانية اتفاقية سايكس- بيكو نصت اتفاقية سايكس بيكو على تقسيم العراق والشام إلى ثلاث مناطق المنطقة (أ) الزرقاء وهي العراق وتخضع للإدارة البريطانية والمنطقة الحمراء (ب) وهي سوريا وتخضع للسيادة الفرنسية أما المنطقة السمراء (فلسطين) تخضع لإدارة دولية ويأتي ذلك كمقدمة لتسليم فلسطين لليهود. تتكون الاتفاقية من اثنتي عشر مادة([8]): ورد في المادة الأولى من الاتفاقية: إن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا أي دولة عربية مستقلة أو حلف دول عربية تحت رئاسة رئيس عربي في المنطقتين (أ) - (داخلية سوريا)، (ب) (داخلية العراق) المبينتين بالخريطة الملحقة. ويكون لفرنسا في منطقة (أ) ولانجلترا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (أ) وانجلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية. المادة الثانية: يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (شقة سوريا الساحلية) ولإنكلترا في المنطقة الحمراء (شقة العراق الساحلية من بغداد حتى الخليج العربي) إنشاء ما ترغبان فيه من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية. المادة الثالثة: تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين) يعين شكلها بعد استشارة روسيا بالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة. المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالا إلى أن يتم إنشاء خط حديدي يصل بغداد بحلب مارًا بوادي الفرات ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين. المادة السابعة: يحق لبريطانيا العظمى أن تنشئ وتدير وتكون المالكة الوحيدة لخط حديدي يصل حيفا بالمنطقة (ب)، ويكون لها ما عدا ذلك حق دائم بنقل الجنود في أي وقت كان على طول هذا الخط. ويجب أن يكون معلوما لدى الحكومتين أن هذا الخط يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد وأنه إذا حالت دون إنشاء خط الاتصال في المنطقة السمراء مصاعب فنية ونفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذرا فالحكومة الفرنسية تكون مستعدة أن تسمح بمروره في طريق بربوره ـ أم قيس ـ ملقى ـ ايدار ـ غسطا ـ مغاير، قبل أن يصل إلى المنطقة (ب). المادة الثانية عشرة: من المتفق عليه عدا ما ذكر أن تنظر الحكومتان في الوسائل اللازمة لمراقبة جلب السلاح إلى البلاد العربية، (1) معاهدة سايكس – بيكو هي الجزء الخاص التنفيذي لمعاهدة بطرسبرغ التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية خلال مارس سنة 1916 وقسمت فيها أملاك الإمبراطورية العثمانية التركية وكانت أهم مبادئ هذه المعاهدة هي: الموقعون: انجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية - الدول الأعضاء (انجلترا وفرنسا) ويمكن من الخارطة الآتية ملاحظة مخطط التقسيم الذي تشير إليه الاتفاقية. خارطة سايكس بيكو وهي من أخطر الوثائق التي بالفعل تم تنفيذها حيث أنها كانت أولى الوثائق التي وضعت وطبقت بشكل عملي وذلك لتجزئة الوطن العربي وتقاسمته كل من فرنسا وبريطانيا، كما ساعدت هذه الوثيقة على إنشاء وطن لليهود في فلسطين. كما انها أرست الحدود القطرية للدول العربية وتم وضع مناطق توتر بين هذه الدول حتى تستمر النزاعات والخلافات الضيقة على حساب قضية الوحدة العربية. برنارد لويس العراب الصهيوني أعدى أعداء الإسلام على وجه الأرض, حيي بن أخطب العصر الحديث، والذي قاد الحملة ضد الإسلام ونبي الإسلام وخرج بوفد يهود المدينة ليحرض الجزيرة العربية كلها على قتال المسلمين والتخلص من رسولهم. صاحب أخطر مشروع في هذا القرن لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب، والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية. ولد "برنارد لويس" في لندن عام 1916م، وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أمريكي الجنسية. تخرَّج في جامعة لندن 1936م، وعمل فيها مدرِّساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الأفريقية , كتب " لويس " كثيرًا، وتداخل في تاريخ الإسلام والمسلمين , حيث اعتبر مرجعًا فيه، فكتب عن كلِّ ما يسيء للتاريخ الإسلامي متعمدًا، فكتب عن الحشاشين، وأصول الإسماعيلية، والناطقة، والقرامطة، وكتب في التاريخ الحديث نازعًا النزعة الصهيونية التي يصرح بها ويؤكدها. نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالاً قالت فيه: ..... " إن برنارد لويس "90 عامًا" المؤرخ البارز للشرق الأوسط وقد وَفَّرَ الكثير من الذخيرة الأيدلوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب ؛ حتى إنه يُعدّ بحقٍّ منظرًا لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة([9]). وفي عهد "جيمي كارتر" الذى كان رئيساً لأمريكا في الفترة من 1977- 1981 تم في عهده وضع مشروع التفكيك, الذى وضعه في عهده "برنارد لويس" الذى وصل إلى واشنطن ليكون مستشارًا لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط. وهناك أسس فكرة تفكيك البلاد العربية الإسلامية ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا، وهو الذى ابتدع مبررات غزو العراق وأفغانستان. وضع "برنارد لويس" مشروعه بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من "الكانتونات" والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وأوضح ذلك بالخرائط التي اوضح فيها التجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتي على اساسها يتم التقسيم وسلم المشروع إلى "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد "جيمي كارتر" والذى قام بدوره بإشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة تصحيح حدود سايكس بيكو ليكون متسقا مع المصالح الصهيوأمريكية([10]). وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع وفي جلسة سرية عام 1983م علي مشروع برنارد لويس، وتمَّ تقنين المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية المستقبلية وهى الاستراتيجية التي يتم تنفيذها وبدقة واصرار شديدين ولعل ما يحدث في المنطقة من حروب وفتن يدلل على هذا الأمر. مبرر برنارد لويس لهذا المشروع التفكيكي: يقول: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية. دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ـ ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوربا لتدمر الحضارة فيها". الخرائط التي رسمها برنارد لويس والخاصة بتقسيم الوطن العربي خريطة السودان ومصر خريطة العراق وسورية خريطة الدول العربية في شمال افريقية خريطة شبه الجزيرة العربية خريطة لبنان في فبراير عام ١٩٨٢ نشرت مجلة "كيفونيم" الإسرائيلية دراسة بعنوان "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" كتبها دبلوماسي إسرائيلي سابق يدعى أوديد ينون وحين تنبه رابطة الخريجون الامريكيون العرب لخطورة هذه الدراسة قامت بتكليف الناشط الحقوقي الإسرائيلي المعروف وأستاذ الكيمياء العضوية، إسرائيل شاهاك، بترجمتها إلى الإنجليزية ونشرت تحت عنوان: "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط مصحوبة بمقدمة وخاتمة. " The Zionist Plan for the Middle East وقد أكد شاهاك في تقديمه لهذه الدراسة أنها أشمل ما كُتب في إسرائيل حول هذا الموضوع وتعكس حقيقة ما يجول بالعقل الصهيوني. أما في الخاتمة فقد حاول التعرف على الأسباب التي تدفع بمجلة إسرائيلية لنشر دراسة كاشفة لنوايا ومخططات الحركة الصهيونية، وطرح تفسيرين مقنعين إلى حد كبير. الأول : يتعلق برغبة الحركة الصهيونية في تثقيف الأجيال الجديدة في النخبة الإسرائيلية، خاصة العسكرية، وتوعيتها بما يدور في عقل الآباء المؤسسين حول أمور خطيرة كان تداولها يقتصر حتى وقت قريب على تلقين شفهيٍّ تبين أن به عيوبا كثيرة، وهو ما يفسر الاكتفاء بنشر هذه الدراسة بالعبرية فقط. الثاني: استهانة الحركة الصهيونية بقدرة العقل العربي بسبب افتقاره للنهج العلمي وغياب اليات فعالة لصنع القرار الجماعي على مستوى العالم العربي ككل. تطرح دراسة «ينون» رؤية لما يتعين أن تكون عليه استراتيجية الحركة الصهيونية في التعامل مع الوطن العربي، ودارت حول محورين : المحور الأول : يتعلق بالبنية الديموغرافية والاجتماعية والثقافية للمنطقة. المحور الثانى: يتعلق بالسبل الكفيلة بتحقيق أمن الدولة اليهودية بمعناه المطلق فتؤكد الدراسة أن أمن إسرائيل لا يتحقق بالتفوق العسكري وحده، رغم أهميته القصوى، ومن ثم تبدو الحاجة ماسة لتفكير استراتيجي من نوع جديد ومختلف يرتكز على عدم السماح بوجود دول مركزية كبرى في المنطقة، والعمل على تفتيت ما هو قائم منها وتحويله إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس طائفية أو عرقية. فإذا نجحت الحركة الصهيونية في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي فإنها تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد: تحويل إسرائيل إلى دولة طبيعية في محيطها تقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها الدول المجاورة، ولأنها ستكون الدولة الأكبر والأقوى والأكثر تقدما في المنطقة، فسوف تصبح مؤهلة طبيعيا لقيادتها والتحكم في تفاعلاتها والقيام بدور ضابط الإيقاع في صراعاتها. لكي نستوعب تمامًا إطار الخطة، يجب أن نستعرض سريعًا الأحوال الإقليمية والعالمية في ذلك الوقت، في أوائل سنة 1982، كان الاتحاد السوفيتي ما زال قائمًا، يحتل أفغانستان، يهيمن على شرق أوروبا، ويناطح أمريكا في حرب باردة، إسرائيل عقدت اتفاقية السلام مع مصر وسلمت معظم سيناء. الحرب العراقية - الإيرانية كانت في أوجها، وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية. لبنان كان واقعيًّا مقسمًا لـ5 دويلات آنذاك، ما بين شمال في أيدي المسيحيين التابعين لسليمان فرنجيه بتأييد من سوريا، وشرق يحتله الجيش السوري، ووسط يسيطر عليه الجيش اللبناني، ومحاذاة نهر الليطاني التي تهيمن عليها منظمة التحرير الفلسطينية، وجنوب موالٍ لإسرائيل بقيادة ميليشيات سعد حداد (رغم الأكثرية الشيعية)، فكرة انقسام لبنان تلك كانت تروق جدًا للإسرائيليين بشرط إعادة توزيع الأقسام لتحقق لهم أكبر قدر من الأمن، بعد التخلص من الجيش السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية. من هنا، نبتت في ذهن ينون فكرة (لبننة) العالم الإسلامي كله، فهي تقريبًا الطريقة الوحيدة التي قد يتمكن بها شعبٌ صغير مثل الشعب اليهودي من حكم مساحة تمتد من النيل إلى ا لفرات، بالإضافة للمصلحة العقدية المادية في التقسيم الطائفي للمنطقة، رأى ينون فائدة أخرى في إرساء شرعية دولة إسرائيل، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود دولة يهودية يصبح مبررًا تمامًا من الناحية الأخلاقية في رأيه. اعتبرت الخطة أن أهم محاور الاستراتيجية المستقبلية لإسرائيل عقب الانتهاء من لبنان، يجب أن تتركز في تقسيم العراق لـ3 دول: شيعية – سنية – كردية، ومن َبعدُ : لبنان، مصر وليبيا والسودان وسوريا والمغرب العربي وإيران وتركيا والصومال وباكستان. استمد ينون واقعية مخططه من إشكالية أن الحدود العربية الحالية غير قابلة للدوام؛ مما يجعل الدول العربية أشبه ببيوت مبنية من أوراق اللعب: لم يرسم ينون خرائط لمخططه، ولكنه رأى سوريا مقسمة لـ4 دويلات: سنية في دمشق، وأخرى في حلب، ودرزية في الجنوب، وعلوية على الساحل، وتصور أن المغرب العربي سيُقسَّم بين العرب والبربر، أما الأردن فاعتبرها وطن المستقبل للفلسطينيين، وأما الخليج العربي فوصفه بـ(قصور على الرمال): نخب حاكمة في أبراج عاجية – السكان أغلبهم من جنسيات أجنبية– جيوش ضعيفة. وصف ينون مصر بالدولة (الهشة)، الأقباط المنعزلون المتقوقعون جاهزون للاستقلال بدويلتهم في الصعيد، بالنسبة لسيناء، كشف ينون عن حقيقة علمية مهمة، ألا وهي تطابق التكوين الجيولوجي بين سيناء ومنطقة الخليج، أي أنها تحوي نفس الكنوز النفطية، مما يعني إضافة ثروة اقتصادية مهولة إلى جانب البعدين الديني والاستراتيجي، وبالتالي حتمية عودة سيناء لحكم إسرائيل طبقًا للخطة، هذا يفسر جزئيًّا حرص إسرائيل البالغ منذ اتفاقية السلام حتى الآن على بقاء سيناء صحراء قاحلة لا تنمية فيها، ولا تعمير باستثناء الشريط السياحي الساحلي. المصيبة أن هذا ما كان يفكر فيه الصهاينة منذ بدايات اتفاقية السلام، وفي الشهور الأولى لحكم مبارك، بينما يحاول قادة مصر أن يقنعوا الناس بان عهد الحروب قد ولى، وأننا في مرحلة تطبيع وسلام مع إسرائيل. ماذا فعلت الدول العربية وعلى رأسها مصر لتجنب مقدمات خطة ينون المنشورة منذ أكثر من 30 سنة؟ الجواب: لا شيء... سوى إعداد المسرح لتنفيذها بشكل أو بـآخر. بمقارنة خريطة لويس مع خطة ينون، نجد أنهما اتفقا على : - ولكن برنارد لويس اختلف مع ينون في الآتي: خطة برنارد لويس لا تكتفي بخرائط صماء تستغل الصراعات الطائفية والعرقية، ولكنها اشتملت أيضًا على إشعال 9 حروب في المنطقة، وعاشرها حرب البلقان في أوروبا الذي توقع أن تمتد لشرق البحر المتوسط، حيث ان تلك الحروب ستسرع عجلة تقسيم المنطقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية- إيرانية بمجرد هيمنة إيران على الدويلة العراقية الشيعية. ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال المقارنة بين الخارطتين المرفقتين , والتي تعززها الاهداف الصهيونية المعلنة في التوسع والتي تظهره الخارطة الثانية. الخارطة الاولى: الخارطة الثانية: في الـ14 سنة التالية لمخطط برنارد لويس (1992 – 2006)، تنامى بشكل متوازي تقريبًا التطرف الإسلامي متمثلًا في تنظيم القاعدة في مقابل اليمين المسيحي- اليهودي متمثلًا في المحافظين الجدد بالحزب الجمهوري الأمريكي الذين وصلوا للحكم من خلال بوش الابن، والصهاينة التقليديين من أمثال شارون ونتنياهو الذين هيمن حزب الليكود من خلالهم على السلطة في إسرائيل. ظهرت فكرة الجنرال المتقاعد راالف بيترز التي سماها حدود الدم : كتب أن أكثر الحدود بورا وعشوائية هي تلك التي في قارة أفريقيا والشرق الأوسط, ولذا فقد قام برسم الحدود الافريقية اوربيون انتهازيون, لايعرفون على وجه الدقة ,هذه الحدود التي ماتزال مستمرة في قتل الملايين من شعوب الدول المجاورة. أما الحدود الجائرة في الشرق الاوسط التي رسمها تشرشل فقد أدت إلى كم من المشاكل يفوق ما تتحمله شعوب هذه المنطقة. فهو يرى أن الخريطة الجديدة التي يقدمها ستحل بعضا من مسائل الحدود الفاسدة وستعوض المجموعات البشرية المخدوعة فيقول سابدا بالحدود التي يتحسس لها القارئ الامريكي بشكل أكبر, فمن أجل منح إسرائيل أي أمل بحالة معقولة من السلام مع جيرانها, يجب عليها أن ترجع إلى حدود ما قبل عام 1967, مع تعديلات موضعية ضرورية([11]). فلم يقتصر في رؤيته على هيمنة إسرائيل والمطامع الاستعمارية النفطية والتقسيمات العرقية الطائفية في الوطن العربي وحسب، بل كان الأهم عنده تفتيت السعودية وإيران وباكستان باعتبارها منبع الشرور (نتيجة طبيعة صراع المرحلة بين اليمين الإسلامي واليمين المسيحي اليهودي)، بدأ رالف بيترز مقاله الشهير بالحديث عن الحدود التي توفر الأمن لإسرائيل ثم جعل الأولوية الثانية لدولة الأكراد، ورأى توحد سنة العراق مع سنة سوريا في دولة واحدة (حدودها متطابقة إلى حد كبير مع المساحة التي تسيطر عليها داعش حاليًا -2016 )، على أن تمتد دولة أخرى علوية من ساحل سوريا لساحل لبنان، وبالطبع دولة شيعية في جنوب العراق، أما السعودية، فقد أراد أن يقسمها كالتالي([12]): جزء في الشمال ينضم للأردن، الحجاز يستقل كدولة مقدسات ونموذج إسلامي من الفاتيكان، (وبالتالي يتم انتزاع الهوية الإسلامية للسعودية)، السواحل الشرقية تذهب لشيعة العراق، جزء في الجنوب الغربي يندمج مع اليمن، وبذلك لا يتبقى للسعوديين إلا نجد، وعاصمتهم الرياض في قلبها. كذلك يريد بيترز أن يعطي إمارات الخليج لشيعة العراق، بينما تصبح دبي بمفردها دولة مستقلة دون توجهات سياسية، وعاصمة الأعمال ـ للبيزينيس ـ واللهو في المنطقة على غرار إمارة موناكو وعاصمتها مونت كارلو في أوروبا، طبعًا ضم شرق السعودية وإمارات الخليج لجنوب العراق في دولة شيعية موحدة كفيل بتعظيم الهيمنة الإيرانية، وهو ما لا يريده بيترز، لذلك يوصي باستفزاز نعرات قومية (عربية- فارسية) تخلق حزازات ونوعًا من التنافس بين إيران والدولة الشيعية العربية، على أن تحيط الدولة الشيعية العربية بالخليج كالكماشة بعد انتزاع غرب إيران وضمه لها، مع إضعاف إيران أكثر بانتزاع جزء آخر منها لصالح أذربيجان وجزء لكردستان وجزء لبلوشستان التي ستُقتطع من باكستان الحالية. في العام التالي لنشر (حدود الدم)، بدأ جيفري جولدبرج، وهو من المنتمين لنفس جناح رالف بيترز داخل أروقة السياسة الأمريكية، وناشط له ثقله في اللوبي الصهيوني هناك (بالإضافة لكونه جنديًا سابقًا بجيش الدفاع الإسرائيلي) في كتابة سلسلة مقالات ترسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، على صفحات مجلة (أتلانتيك) الشهيرة، حدث هذا بالتزامن مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي خطة غير ملزمة لتقسيم العراق، مما يجزم بأنها حملة منظمة. ماذا غَيَّر جولدبرج في المخططات؟ – لأول مرة دولة (السودان الجديدة) في جنوب السودان (تأسست رسميًّا بعدها بـ3 سنوات). – امتدت الخريطة هذه المرة لعمق أفريقيا بتقسيم الصومال. – اعترف جلدبرج بقوة حزب الله ومركزيته في جنوب لبنان، فتصور له دولة شيعية مستقلة. – اصطناع دولة درزية في شمال الأردن وجنوب سوريا من أهل السنة ولا ينتمون للمذهب الشيعي)([13]). ((انظر الخارطة)) يستنتج من خلال دراستنا للمشاريع التي روجها أعداء الأمة العربية سواء منها القديمة أم الحديثة أن جميعها يسعى إلى تحقيق الأهداف الآتية: (راهن المخططون على أن العرب لن يتمردوا على هذا الواقع الأليم أبدًا)، طبقًا للعوامل أعلاه، وان بعض الدول مرشحة بقوة وبسرعة للتقسيم والحروب الأهلية، والبعض الآخر مرشح للغرق في مستنقعات الفشل والانحدار. والسؤال الذي يثار هو: كيف تكون الثورة على وقود التقسيم هي السبب في التقسيم؟ كيف يكون استمرار النظم الاستبدادية التي تولت الحكم باسم الديمقراطية ؟ هي ذاتها التي تتعاون مع تلك الجهات المعادية لتقسيم بلدانها وتعمل على هدمها وتفتيتها. وقد قام مركز الزيتونة الفلسطيني مؤخراً بنشر أربع من هذه القراءات تحت عنوان: «الشرق الأوسط خرائط جديدة ترسم». جميعها تروج لمشاريع تفتيت للوطن العربي([16]). ما يدلل على استمرار هذه المشاريع بجد ونشاط دون كلل أو ملل منتهزة كل فرصة سانحة لتنفيذها. غير أن ما تريده إسرائيل شيء وما تستطيعه شيء آخر, ورغم كل ذلك ورغم كل الجهود التي تبذل والأموال التي تصرف, فإن مشروع إسرائيل لتفتيت الوطن العربي لن ينجح، وذلك لأن عوامل اللحمة بين أبناء الأمة العربية من التاريخ المشترك واللغة الواحدة والحضارة الأصيلة الواحدة, والأرض الممتدة على مساحة أكثر من أربعة عشر مليون كيلومتر مربع بدون حواجز جغرافية, والدين الإسلامي الذي يجمع بين الأكثرية من العرب وبقية القوميات مثل الأمازيغ والأكراد والتركمان, واللغة العربية التي تجمع بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين تكوِّن آواصر قوة تمنع كل محاولات التفتيت رغم كثرتها, وذلك على الرغم من أن الوضع في الوطن العربي خطير، وخطير جداً، ويحتاج إلى الحذر والانتباه. قراءة في الجذور التأريخية لمشاريع التقسيم عثمان الأمين/ باحث في مؤسسة "أبعاد" تُعدّ المادة التاريخية لشتى العلوم، بمثابة البحر الذي يَغُوص العلماء في أعماقه بحثاً عن الأسس والقوانين التي تعدّ مصدرًا لحل المعضلات؛ لينطلقوا نحو المستقبل وفي جعبتهم تجارب الأولين؛ ليتجاوزوا بها انتكاسات الحاضر، ويرسموا بها حصون المستقبل، فالتاريخ كما يعرفه علماء الاجتماع هو (سجل تجارب الأمم)، ومن باب أولى إذا ما أردنا أن نُطلق أحكامنا الواقعية على مشاريع التقسيم التي عصفت بالشرق المسلم ومن أين كانت نقطة الشروع، فلا بد من نبذة تاريخية عن الأطماع الاستعمارية للمنطقة ومن يقف وراءها؛ كي نتمكن من تحديد الداء لنصف له الدواء. شهدت منطقة الجزيرة العربية من العراق وبلاد الشام شمالاً إلى بلاد اليمن وعمان جنوباً صراعات إسلامية، امتدت لقرون طويلة، كانت بدايتها في العصر الثاني من عصور الدولة العباسية، وتحديداً من خلافة المعتصم وما تلاها من ضعف أصاب مؤسسة الخلافة التي كانت تمثل الجانب الروحي والعملي للجامعة الإسلامية في كل العالم آنذاك، ونتيجة لهذا الضعف ظهرت حركات اِنْفِصالية في الشرق والغرب تحمل أجندات غير واضحة المعالم؛ لتقسيم المنطقة بقدر ما كانت تُمثل أطماعا توسعية لأشخاص وعقائد وصولية تنفصل عن حاضنتها متى ما سمحت لها الفرصة بذلك، كأمثال دولة القرامطة، ودولة البويهيين وغيرها، وقد استندت هذه الحركات الانفصالية على ركنين مهمين من أركان المنهج الحركي الوصولي للعقيدة الشيعية وهما: أولا الثأر لآل علي (رضي الله عنه) من مُغتَصَبي الخلافة حسب ادعائهم، وبوصف أدق: إن الامتيازات السلطوية والروحية التي منحها الله على حدّ قولهم للإمام المعصوم الغائب ستتحول تلقائيًا، وبمقتضى الضرورات إلى الشخصية القيادية المطالبة بأخذ الثأر لآل البيت، وذلك كل حسب منزلته، فالحاكم الشيعي الأعلى هو حاكم مطلق ثم الذين يلونه. وأما الركن الثاني من أركان المنهج الحركي الوصولي للعقيدة الشيعية فهو: إيقاف شريعة الجهاد لحين خروج الإمام الغائب، ولذلك استهوت العقيدةُ الشيعية حكامَ البلاد الغربية وأصبحت محطّ تحالفاتها الاستراتيجية للسيطرة على المنطقة وبدأت الدول الغربية بمدّ الشيعة بالسلاح والرجال وحتى الجيوش؛ من أجل تحقيق مطامعها الاستعمارية، ومن الأمثلة على ذلك، (التحالف البويهي البيزنطي) ضد الدولة الحمدانية الذي كان من نتائجه إضعاف الدولة الحمدانية وسيطرة الجيوش البيزنطية على أراض واسعة من بلاد الشام لم تكن تراها في الأحلام، فضلا عن (التحالف الفاطمي الأوربي) ولاسيما مع لويس التاسع لاحتلال سواحل بلاد الشام ودحر جيش صلاح الدين الأيوبي، وكذلك المراسلات التي رعاها (نصير الدين الطوسي) بين مملكة أرمينيا الصُغرى و(بابا روما)، والجزار (هولاكو)؛ لكسب الدعم العسكري والمعنوي في إسقاط الخلافة العباسية واحتلال عاصمتها بغداد والحادثة أشهر من أن تذكر، وعلى هذه الشاكلة جرت الاتفاقيات السرية والعلنية بين الدولة الصفوية والدول الغربية كل ينشد مطلبه، لكن من خلال متابعة سير الأحداث التاريخية يتضح لنا أن ملامح الاحتلالات الصفوية وما تلاها من دول لحكم بلاد فارس من (افشارية)، و(زندية)، و(بهلوية)، و(خمينية) كانت تحمل طابع الإبادة المغولية للمناطق المسلمة، مع التغيير الديموغرافي للمنطقة، ومسح هويتها العربية أو المسلمة، فبدلت مسمى إقليم الأحواز العربي مثلا بإقليم خوزستان، وطردت سكان الجزر العربية الأصليين عن جزرهم وموطنهم وأعطتها مسميات فارسية ناهيك عن إدعائها بأحقية إيران في الأراضي العربية الأخرى، أما الاحتلالات الغربية للمنطقة فقد حملت منذ ثورتها الصناعية طابعها الاقتصادي، فهي كانت تعتبر الدول المستعمرة مشاريع استثمار لصناعاتها، وسوقا لبضائعها، ومنجما لموادها الأولية، وعلى هذه المعادلة قامت التحالفات الغربية الصفوية، لكن بسبب إنعدام الحدود السياسية داخل الأراضي العربية، وسيادة روح التحالفات القبلية فضلا عن روح البداوة الحرة وغيرها من المزايا التي حالت دون استقرار سيطرة أجنبية غربية، أو صفوية على الأراضي العربية، فتحالفات قبائل القواسم وفزعة عرب (نَجْد) لهم حالت دون أمال المحتل البرتغالي والإسباني والهولندي حتى الإنكليزي والروسي، وكذلك فعل عرب اليعاربة في طردهم للوجود الصفوي نهائيا عن بلاد عمان، وهذا ما دفع معاهد البحوث والدراسات الاستشراقية إلى تقديم النصائح والخبرات والدراسات للتعامل مع المعضلة العربية الإسلامية، فجائت النتائج بوجوب استمرار التحالفات الاستراتيجية الغربية الصفوية؛ لأن العقيدة الشيعية وخصوصا الصفوية أثبتت على مر العصور قدرتها الفائقة على اختراق المجتمعات العربية بدعوى حب آل بيت النبوة، وربط تلك التجمعات الشيعية العربية في السياسة الإيرانية من خلال فكرة (المراجع الدينية ومبدأ التقليد) : الذي لا يضمن لأي فرد من أتباعه رضا الله، أو شفاعة الإمام المعصوم، أو دخوله لجنان الخلد إلا من خلال تقليد أحد تلك المراجع الدينية الفارسية، والتي تسعى بدورها لبسط السيطرة الفارسية الروحية والعسكرية على المنطقة العربية، وهذا ما حدث فعلا خلال ابتلاع السلطة الفارسية لإمارة عرب الأحواز بفتاوى آيات الله الشيعية ووأد ثورتهم التحررية، يقول المرجع الشيعي الأحوازي محمد طاهر خاقاني:""لا يحق لعرب الأحواز بأي حال من الأحوال المطالبة بتحريرهم من الدولة الإيرانية، وقد أكد لي الأدميرال أحمد مدني بأنه سيشرب من دماء عرب الأحواز كالماء إذا استمروا في الضغط لتحقيق مطالبهم"، وكان ذلك أبان حكم الشاه فما بالك اليوم في ظل حكم الآيات الخمينية وحرسه الثوري راعي المخدرات العالمية والجرائم الإرهابية، واليوم ما يحدث في العراق وبلاد الشام ولبنان واليمن ليس ببعيد عن أي متتبع للحالة الشيعية التوسعية، ولم تكن تصريحات أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية لتأتي عن فراغ حينما قال فيها: "يجب على أمريكا والغرب أن لا تنسى الفضل الإيراني في إسقاط عاصمة افغانستان والعراق". وفي العودة إلى نتائج الدراسات الاستشراقية لإنضاج مشروع استعماري غربي للمنطقة العربية توصلت المخرجات إلى ما يأتي: أولا: تجزئة المنطقة العربية إلى دويلات يصعب خلالها التكامل الدفاعي ضد الأخطار الاستعمارية الغربية وإشاعة روح الوطنية الضيقة بدل الروح الإسلامية ومفهوم الأمة الواحدة. والذي أفرز بعد ذلك اتفاقية (سايكس- بيكو) وإلغاء الخلافة العثمانية، وما تبعها من إشاعة الروح القومية والطائفية والنزعات الانفصالية، كمحاولة الأكراد، والتركمان، والأرمن، والمارون،والدروز للانفصال عن المنطقة العربية التي ما زالت تدفع ضرائبها إلى يومنا هذا. ثانيا: بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتراجع الدور البريطاني في المنطقة العربية وصعود نجم القطب الأمريكي ظهرت مشاريع تقسيم جديدة، تحمل في طياتها ثمار مرحلة النظام العالمي الجديد، نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تمثل في بروز ثلاثة مشاريع تقسيم جديدة: النتائج: سُبُل المُواجهة: قراءة في واقع الأمة بعد معاهدة سايكس بيكو إعداد قسم الدراسات في مركز الأمة ليست أحداث سنوات معدودة بل هي قراءة لمائة عام من تكريس التقسيم، ومثلما كانت معاهدة سايكس بيكو نتيجة منطقية لدراسة حالة أمة تناهبتها الأمراض كما الأعداء، فدرس أعداؤها مناطق نفوذها وقوتها وضعفها وكيف يتسنى لهم الإبقاء على هذا التقسيم، بل قل هذا التقطيع، وأن تبقى حالة التخدير قائمة وتفعل فعلها، من هنا ونحن في السنة الأولى بعد المائة عام من التقسيم، لابد من إعادة القراءة بعين بصيرة، بعيدًا عن العواطف، فمثلما استغرقت الأمة خمسة عقود أو ستة وهي تنادي بوحدتها وتحطيم الحدود، هاهي اليوم تعاني بلدانها من عدم إمكانية الإبقاء على البلد وحدة واحدة، فالدراسة اللاحقة لدراسة سايكس بيكو، كانت تنصب على القطر الواحد وكيفية تشظيته وتقسيمه تبعًا لقوانين الطول الطائفية وقوانين العرض العرقية بحسب النسب المنصوص عليها من قبل أصحاب القرار والمتحكمين بالمشهد أو هكذا يراد لهم. ولأجل قراءة خريطة التقسيم الجديدة على المنطقة لابد من قراءة عميقة لما كتب عن المرحلة السابقة لهذا التقسيم وكيف تقسمت التركة العثمانية؛ لنعرف أو نقف على الأقل على مشارف تلك الخريطة، ونعرف كيف يمكن مواجهة تحدياتها، فوجدت مجلة حضارة في كتاب الدكتور منير محمد الغضبان: (قضايا إسلامية معاصرة)([17]) إيجازًا متميزًا ارتأت أن يكون محورًا من محاور ملف العدد لأهميته في القراءة المتأنية الواثقة لتحديات هذه الأمة وواقعها. كتب الدكتور منير الغضبان عن انهيار الخلافة الإسلامية وقيام الدولة القطرية مبينًا أنه على الرغم من كل الانحرافات التي تعرضت لها الخلافة العثمانية لكنها كانت تمثل دار الإسلام الكبرى في الأرض، وكانت الدول الأوربية الكبرى إما متحالفة معها فهي دار هدنة أو صلح أو متحاربة معها فهي دار حرب، والعالم كله يتعامل معها بصيغتها الدولة التي تمثل الإسلام في الأرض، وكانت كل الحركات الانفصالية التي تنفصل عنها معتبرة داراً للإسلام وتحاول الدولة استرجاعها بالقوة أو السكوت عنها لحالة الضعف والتردي التي وصلت إليها، واستطاع العدو الأوروبي أن يدخل إلى كيان الدولة الإسلامية من خلال جمعيتي الاتحاد والترقي، وتركيا الفتاة، ويدخل في صلب الدستور العثماني مواد تتنافى مع الإسلام وشرائعه بحجة حماية الأقليات، وبحجة إعطاء الحريات. كانت الخلافة العثمانية متحالفة مع ألمانيا وإيطاليا ضد الإنكليز وفرنسا وغيرهما وانتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة دولة الخلافة العثمانية، وصار من حق المنتصرين أن يتحكموا في مصير الدولة المنهزمة، وثار مصطفى كمال من عاصمة الدولة الآستانة ضد الإنكليز في محاولة ظاهرها استعادة هيبة الخلافة، وتراجع الحلفاء أمامه، وصار أمل المسلمين في الأرض حتى ليدبِّج له شوقي قصيدته المشهورة: الله أكبر كم للفتح من عجب *** يا خالد الترك جدِّد خالد العرب ثم انكشفت المؤامرة بعد أشهر قليلة عندما أعلن رسميًّا إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، وإقامة الدولة التركية العلمانية والاعتراف بجميع الحركات الانفصالية التي قامت بالانفصال عن جسم الخلافة ورسمت الحدود الجديدة للدولة التركية، وتم الاعتراف العالمي بها، وكان أخطر أحداث القرن العشرين هو هذا الإعلان، ولا نبالغ إذا قلنا: أخطر حدث في التأريخ الإسلامي. إذ إن دولة الإسلام و (دار الإسلام) التي قامت في المدينة المنورة واستمرت أربعة عشر قرنًا - رغم كل عوامل الضعف والإبادة والإفناء-، ها هي اليوم تغيب عن الوجود، وتمحي دار الإسلام من الأرض. أفاق المسلمون على دولهم كلها في براثن الاستعمار الصليبي، ولم يخرج الاستعمار من أرضهم حتى كوَّن في ديارهم أحزباً وقادةً يؤمنون بالعلمانية بديلاً عن الدين، وبفصل الدين عن الدولة، وحلَّ القانون البريطاني والفرنسي في بلادهم محل مجلة الأحكام العدلية، وخلال خمسة وسبعين عامًا تقريبًا نشأت أجيال وأجيال.. بقي الإسلام ممنوعًا بالقوة من الوصول للحكم، فقد تحولت هذه الجيوش من حامية لثغور الإسلام، وحامية لحمى الشريعة إلى جيوش حامية لأنظمة الحكم، ومدافعة عن الأقطار الإقليمية من العدو الخارجي، وجاءت الشرائع في هذه الدول لتحدد حدود كل دولة وعَلَمها وعاصمتها. وصار مفهوم الجهاد في سبيل الله، دفاعًا عن ثرى الوطن من أن تمسَّه أية يد اعتداء عليه، وحيث إن الدول الإسلامية متجاورة، فأصبحت مهمة الجيوش الدفاع عن الدولة الجديدة ضد اعتداء الدول المجاورة، وأصبح الهمّ الأول لكل حكومات هذه الدول هو الحفاظ على الوطن وحماية الأنظمة، وتمت تربية الأجيال الجديدة على المحافظة على كل ذرة تراب من أرضه. أصبح مفهوم الدولة القطرية هو الذي يحكم الأجيال الناشئة، وانضمت هذه الدول جميعها إلى الأمم المتحدة التي تعترف باستقلال كل دولة على حدة، وتحرِّم الاعتداء عليها أو المسّ بحدودها، وتمثلت قيادة الأمم المتحدة بمجلس الأمن الدولي الذي يسهر على الحفاظ على استقلال هذه الدول، ويمنع الاعتداء عليها، وينص ( ميثاق الأم المتحدة على أن مهمة مجلس الأمن تتمثل في اتخاذ الإجراءات نيابة عن المنظمة ككل للحفاظ على السلام والأمن في العالم، وإذا دعت الضرورة يمكن لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات صارمة على أي دولة من الدول بغض النظر عن أن تلك الدولة عضو في الأمم المتحدة أم لا، وللمجلس صلاحيات البت في الإجراءات؛ مثل قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، وإذا لم تفِ هذه الإجراءات بالغرض، فمن حقه أن يقوم بإجراء مسلح ضد الطرف المعتدي..)([18]). إلا إن الأمور في الواقع تختلف، فأي إجراء من الأنواع المذكورة أعلاه يستلزم أن يتفق عليه الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس، وهم بريطانيا والصين وفرنسا والاتحاد السوفيتي (الذي أصبح روسيا اليوم) والولايات المتحدة. فإذن هناك خمس دول دائمة في مجلس الأمن لابد أن تتفق، وهذه الدول الخمس ليس فيها أي دولة إسلامية. الذود عن الوطن: هذا الوطن الإسلامي المترامي الأطراف، المتعدد الأمم، الموحد العقيدة، جاءته أعظم موجات الغزو في التأريخ، التتار والصليبيين، فهب للدفاع عنه أبناؤه والعجيب أن الأمم التي فتح الإسلام أرضها هي التي قادت المقاومة فالمماليك والعثمانيون والأيوبيون والزنكيون هم الذين قادوا المقاومة وواجهوا العدو، وحطموا أسطورة تفوقه، ففي الوقت الذي سقطت فيه بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد التتار عام (656هـ)؛ إذ ذاق التتار علقم الهزيمة المرة علي يدي قطز وبيبرس، وفي الوقت الذي جثم العدوان الصليبي على الأرض الإسلامية مئتي عام تم إجلاء الصليبيين على يد آل زنكي وصلاح الدين، والناصر قلاوون، وكلها قيادات إسلامية غير عربية، كان ذودًا عن الدين وذودًا عن الأرض التي تقام فيها شعائره، وتقوم فيها دولته. الخلافة العثمانية: إنها الخلافة التي استمرت ثمانية قرون أكثر من نصف تأريخنا الإسلامي الممتد خمسة عشر قرنًا من الزمان، انضم وطننا العربي إليها أربعة قرون، حيث وقفت كالأسد الهصور تتحدى دول أوروبا، وتواجه زحوفه على أرض الإسلام، وتضع بصمتها فيها، فترفرف راية الإسلام في البلقان وغيرها من دول أوروبا الشرقية ردًّا على الهجوم الصليبي السافر السابق، ومن ذروة المجد إلى ابتداء الانحدار الذي نزل بالدولة العثمانية، انتهى الأمر فيها أن غدت المَعْلَم الإسلامي الوحيد في الأرض لتواجه الدول الأوربية الكبرى التي أرادت أن تحطم هذه القلعة، وفي ظلها يعيش العرب والترك وكل الأمم المسلمة تنتمي إلى هذا الوطن وتذود دفاعًا عنه. وعرف الغرب أن لا سبيل إلى هدم هذه القلعة إلا بتفكيك أوصالها وتفتيت شعوبها، فكانت النغمة القومية، والحركة الشعوبية، وقاد هذا الاتجاه عملاء دول الغرب ابتداءً، ثم دعاة الإصلاح الذين قاموا لفرض الطورانية بديلاً عن الإسلام. القرن الأخير: وهو قرن الشرخ الكبير في جسم الخلافة؛ إذ كانت الثورة العربية ضد دولة الخلافة التي أصبحت الدولة التركية، ومع كل هذا الشرخ، فقد كان العالم تتقاسمه ثمان دول عظمى، كانت دولة الخلافة إحدى هذه الدول، وعندما قامت الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) انقسم العالم إلى معسكرين؛ في أحدهما دولة الخلافة، وكان نصيب هذا المعسكر الهزيمة الكبرى، وغدت الفرصة مواتية لتمزيق دولة الخلافة وتوزيعها حصصًا على دول الغرب. وتأجج الشعور الوطني والقومي ابتداءً ضد الأتراك، وانتهاءً ضد دول الغرب، وقام (مصطفى كمال) بإعلان إنهاء الخلافة العثمانية، ووصلت النار إلى العرب فأكلتهم، ومزّقت الوطن العربي إلى الدويلات المذكورة، وصارت الرابطة الوطنية هي سمة القرن العشرين. التجزئة وليدة الاستعمار: فقد (جرى توقيع اتفاقية سايكس بيكو في القاهرة (16 أيار 1916م).. وهي اتفاقية متممة للاتفاق الرئيس بين الدول الثلاث: إنكلترا وفرنسا وروسيا، والقاضي بتقسيم الدولة العثمانية بعد نجاح الحرب فيما بينهما، وتُعدُّ هذه الاتفاقية من أهم الاتفاقات الاستعمارية ذات الأمر البعيد في تأريخ الوطن العربي والقضية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الأولى، فقد مزقت سورية ولبنان وفلسطين والعراق شرَّ تمزيق، ولم يُنظر إلى الوضع الطبيعي والاجتماعي والسياسي للبلاد، بل روعي في ذلك استعمار هذه البلاد للحيلولة دون وحدتها في يوم من الأيام.. لقد بقيت هذه الاتفاقية سرية لم يسمع العرب بوجودها إلا في (كانون الأول/ديسمبر 1917م)، عندما استولى الحزب البلشفي في روسيا على السلطة، ونشر نصوص اتفاقية (1916م)، فقام الأتراك بتقديمها للشريف حسين بغية الكف عن مناوأتها والسير في ركاب الحلفاء)([19]). نص الوثيقة([20]) (معاهدة سايكس بيكو): المادة الأولى: أن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا أي دولة عربية مستقلة أو حلف دول عربية تحت رئاسة رئيس عربى فى المنطقتين (أ) - (داخلية سوريا)، (ب) (داخلية العراق) المبينتين بالخريطة الملحقة. ويكون لفرنسا فى منطقة (أ) ولإنكلترا فى منطقة (ب) حق الأولوية فى المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا فى منطقة (أ) ولإنكلترا فى منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية. المادة الثانية: يباح لفرنسا فى المنطقة الزرقاء (شقة سوريا الساحلية) ولإنكلترا فى المنطقة الحمراء (شقة العراق الساحلية من بغداد حتى خليج فارس) إنشاء ما ترغبان فيه من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية. المادة الثالثة: تنشأ إدارة دولية فى المنطقة السمراء (فلسطين)، يُعيّن شكلُها بعد استشارة روسيا بالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة([21]). وقامت الحركة الوطينة لتواجه الاستعمار في كل أرض، وتخرجه من بلادها، وقام على رأس هذه الحركات دعاة متخلون عن دينهم في كثير من الأحيان، فنهجوا العاطفة الوطنية لتواجه هذا العدو المحتل وأعطوا قدسية لهذه المواجهة؛ بحيث تكون هي العقيدة والانطلاق والمبدأ، وصار تقسيم الناس إلى فريقين: وطني وخائن، وارتفعت الرابطة الوطنية عند أبناء الوطن الواحد فوق كل الروابط، وأصبحت هي الهوية وهي المنطلق وهي الجنسية. الاستقلال والمحافظة عليه: ولأن الاستعمار كان جاثمًا على صدر العرب والمسلمين، فقد غدا الحلم عند كل قطر أن يتحرر من براثن الاستعمار، وصار الهمّ الأكبر للمواطنين في كل دولة هو تحقيق هذا الاستقلال، والتضحية بالروح والدم في سبيله، واحتلت فكرة تحرير الوطن من العدو المحتل قدسية في نفوس أبناء الشعب كله، لكن ماذا بعد تحرير الأرض من العدو؟. الجامعة العربية تكرّس الاستقلال والتجزئة: والمظهر العربي الوحيد المستمر منذ نصف قرن هو الجامعة العربية، وما استمرت إلا لاعترافها بواقع التجزئة واستقلال كل دولة على حدة، وهي ملهاة للجمع بين الرابطة القومية والرابطة الوطنية. فمن ميثاقها منع أي اعتداء على أي قطر عربي من أقطار الجامعة، وحل الخلافات بينهم بالحوار بعيدًا عن العنف، ولم يعد من حق اي دولة أن تغزو دولة أخرى على أساس أنها جزء منها، وما قيل عن الجامعة العربية يُقال كذلك عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تعترف بكل دولة من هذه الدول وتعرتف بحريتها واستقلالها وحدودها وتؤمن بالتعاون فيما بينها كما ينص الميثاق. رابطة العقيدة فوق رابطة الوطنية: فإذا كان أعلى العواطف وأغلاها هي رابطة حب الوطن، فالأعلى والأغلى منها هي رابطة العقيدة، وهوية العقيدة: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً {66} وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً{67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{68} (النساء) فالله تعالى لم يمتحن المؤمنين بقتل أنفسهم والخروج من ديارهم، ولو امتحنهم ما فعله إلا قليل منهم لقوة تمكن حب النفس وحب الوطن من القلب، لكن الجيل الأول امتحن بكليهما، واستجاب لذلك. فكانت الهجرة من الوطن في سبيل العقيدة، وكان الجهاد في سبيل الله، والقتل في سبيل الله من أجل العقيدة: { فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } (آل عمران146). والمهاجرون الذين استجابوا لداعي الإيمان كانوا هم المثل الأعلى في ذلك: {فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } (آل عمران195). حب الوطن عاطفة لا ُتنازع فيها أحد، وتتمثل هذا الحب في النصوص التالية: ((والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك))([23]). وكان بلال إذا عركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال: ألا ليـت شعري هـل أبيتن ليلة بوادٍ وحـولـي إذخـر([24]) وجليل([25]) وهــل أردن يــومًا ميـــاه مـجنةٍ([26]) وهل يبدون لي شامة([27]) وطفيل([28]) قالت عائشة رضي الله عنها: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم فقلت: إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى، قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد..))([29]). فقد قرن الله تعالى قنل النفس بمغادرة الوطن لصعوبة ذلك على النفس البشرية. فكان حب العقيدة وحب الروح وحب الزوج قرين حب الوطن، وكلها مرتكزات قابعة في أعماق النفس البشرية. (فإن وطؤوها وغشوا المسلمين وعلم كل واقف عليه من الكفار أنه إذا أخذه قتله، فعليه أن يتحرك ويدفع عن نفسه ما أمكن يستوي في ذلك الحر والعبد والمرأة والأعمى والأعرج والمريض؛ ولأنه قتال دفاع عن الدين لا غزو، فلزم كل مطيق)([32]). الوطنية والإسلام يتلاحمان: وعندما كان العدو الكافر يحتل أرض الإسلام، وهو العربي نفسه الذي يحتل وطنه، توحد الشعور بين الرابطتين، فكان دعاة الإسلام على رأس الحركة الوطنية في كل صقع، هم الذين يقودون الثورات وشعلونها ضد الاستعمار من أقصى أرض الإسلام إلى أقصاها، وكان الشعور الوطني والديني توأمان يغذي أحدهما الآخر، فقاد الحركة الوطنية في مصر سعد زغلول ومصطفى كامل، وكانوا تلاميذ الإمام محمد عبده، وقاد الحركة الوطنية في سورية تلاميذ الشيخ بدر الدين الحسيني الذي أشعل الثورة السورية الكبرى عام (1925م)، وفي فلسطين كان الشيخ القسام وعبد القادر الحسيني وأمين الحسيني هم رواد المقاومة الفلسطينية. وفي الجزائر ترعرعت الثورات وتربت على ثورة الأمير عبد القادر الجزائري، وفي ليبيا يقودها الشيخ عبد الكريم الخطابي، وفي العراق يقوم رشيد عالي الكيلاني والشيخ الزهاوي.. وعندما قامت الحركات الإسلامية كانت هي فوهة المدفع ضد الاستعمار، فالأخوان المسلمون في العالم العربي طلايع التحرير ضد العدو المحتل، وضد اليهود في فلسطين، وضد الإنكليز في القناة، وكان للإمام الشهيد حسن البنا، وللشيخ الدكتور مصطفى السباعي، وللشيخ الصواف في العراق وغيرهم دور قيادة حركة التحرير الداخلي من الظلم، والخارجي من الاحتلال. الاعتراف بالواقع الوطني: رغم أن أجيالنا العربية المسلمة ثارت على التجزئة ولا تزال تطالب دائمًا بالوحدة، لكن لابد من الاعتراف أن الوطنية الضيقة صارت في شعورنا وفي دمنا، وصارت جزءًا من تركيبنا، فالانتماء السوري عندنا تموذج مثل الانتماء الأردني والفلسطيني والمصري والتونسي وغيره، لقد تكونت أوطان صغيرة في هذا الوطن العربي وفي هذا الوطن الإسلامي، وليس لنا خيار في التعامل معها والولاء لها، والاعتراف بدساتيرها وحدودها، وتتأجج هذه المشاعر عندما يتعرض الوطن لعدوان خارجي، ولعل وجود إسرائيل اليوم واستمرارها في اغتصاب فلسطين، جعل الشعب الفلسطيني هو الضحية الأولى والوقود للمعركة. لكن المشكلة تقوم عندما يقوم صراع الحدود بين أجزاء الوطن العربي الواحد، وتقع المعارك والحروب بين الأشقاء، عندها تكون الإقليمية البغيضة والولاء الأعمى للوطن الصغير، إنه لا حرج أبدًا من الانتماء إلى سورية بحدودها القائمة وشعبها بكل ألوانه وأطيافه على أن لا يكون ذلك بديلاً عن الانتماء العربي والانتماء الإسلامي، وقد أصبح لكلمة سوريا مساحة كبيرة في أعماقنا، كما هي الحال لكلمة مصر عند الأخ المصري، والمغرب عند الأخ المغربي والسعودية عند الأخ السعودي، لكنها تخضع في النهاية للمصلحة الأكبر، وللرابطة الأكبر. نحن لسنا أمام عواطف متناقضة، إنما نحن أمام مشاعر متكاملة، ونحن نعيش ضمن الدوائر الثلاث التي ننتمي إليها بلا حرج: الدائرة الوطنية، والدائرة العربية والقومية، والدائرة الإسلامية، والأصل أنه عندما يقع اعتداء على قطر من الأقطار العربية أو الإسلامية أن تكون الأمة في كل أقطارها يدًا واحدة في صد هذا الاعتداء. هذا ولابد من الحديث بوضوح أكثر حول العاطفة الوطنية مع تعدد الأعراق والأديان والذي يبرز أكثر ما يبرز في سورية ولبنان والعراق، ففي سورية مثلاً طوائف دينية مختلفة؛ كالنصارى والمسلمين، وطوائف إسلامية مختلفة بين سنّة وشيعة ودروز ونصيريين وإسماعيليين، كما أن هناك تنوعًا عرقيًا مثل: العرب والأكراد والشركس والتركمان والآشوريين وغير ذلك، وأصبحوا جميعًا يشكلون الشعب السوري، وأرضهم هي الوطن السوري، وتكوَّن الوطن السوري والشعب السوري من هذه الأطياف جميعًا، يجمع بينهما مصلحة هذا الوطن وحبه والحنين إليه والذود عنه، وحق كل مواطن أن يكون شريكًا رئيسًا في الاستمتاع بخيراته وحكم نفسه والدفاع عنه وقبول الديمقراطية أساسًا للتعامل بحيث تحكم الأكثرية دون أي مساس بحق الأقلية كما هو الحال في كل أوطان العالم ودوله المتحضرة.. مشاريع التقسيم في ظل قواعد القانون الدولي أ.د. ارحيم سليمان الكبيسي أستاذ في القانون العام مقدمة: تتعدد الأشكال القانونية للدول، والخريطة الدولية تعرف نوعين رئيسين بالنظر إلى فكرة القانون، فهي إما موحدة بسيطة إذا كانت تتضمن سلطة واحدة وفكرة قانون واحدة، أو دول مركبة إذا ما تعددت السلطات من ناحية، وتعددت فكرة القانون من ناحية أخرى. الاختيار بين هذا الشكل أو ذاك تحكمه عوامل متعددة، من حيث الامكانات والسكان ومدى تجانس القاطنين في الدولة من حيث اللغة والدين. وإذا كانت متطلبات الدولة تكمن في العنصر البشري ( الشعب ) من ناحية و العنصر الجغرافي من ناحية ثانية ( الإقليم )، ووجود السلطة السياسية كضرورة لحالة الانتظام، فإن المشاكل التي تواجه الدول الآن من الصعوبة بمكان من حيث البطالة وحركة السكان والجريمة المنظمة، قادت هذه الدول إلى التجمع والتنسيق فيما بينها لإيجاد حلول لهذه المشاكل، ذلك أن تشابه المشاكل يفرض وحدة الحلول. وإذا ما نقلنا الصورة إلى الواقع العربي نرى الصورة باتجاه آخر، سعي للتقسيم بفعل إرادة خارجية مفروضة، ومشاريع معدة سلفاً متذرعة بوجود أطياف عرقية ودينية لا يمكن لها العيش في ظل دولة موحدة بفكرة قانون موحد، وبالتالي لا بد من تقسيم الدول إلى ما يلبي تطلعات هذه المكونات. ولدراسة هذا الموضوع يستوجب العودة إلى الوراء بعد تفكك (الإمبراطورية العثمانية) وخسارتها للحرب الكونية الأولى، وطرح فكرة التقسيم للأمة العربية من خلال ما توصل إليه وزير خارجية بريطانيا ووزير خارجية فرنسا، فيما يعرف باتفاقية ( سايكس _ بيكو ) سنة 1916 وما تبعها من وعد بلفور بإقامة كيان صهيوني في فلسطين 2/11/1917، والربط بين الحدثين على قدر كبير من الأهمية، لأن الجانب الأمني للكيان الصهيوني سيكون بارزاً في مشاريع التقسيم المطروحة. دراسة الموضوع الموسوم أعلاه يستوجب تقسيمه إلى دالات ثلاث: الدالة الأولى: أشكال الدول على الخريطة الدولية. الدالة الثانية: المشروع الأول لتقسيم الوطن العربي والأطر القانونية لمقاومته. الدالة الثالثة: الإرادة الخارجية في تفكيك الوحدات الدستورية للخريطة العربية. ( الدالة الأولى ) أشكال الدول على الخريطة الدولية الدول على الخريطة الدولية لا تتخذ نفس الشكل القانوني، فهي تختلف فيما بينها بحسب درجة وحدتها القانونية، وفي هذا الإطار يمكن أن نميز بين نوعين رئيسين وهما: أولاً: الدولة البسيطة أو الموحدة: الدولة الموحدة أو البسيطة تمثل اليوم الشكل الأكثر استعمالا في العالم وتعرف بحسب هوريو بأنها ( الدولة التي تتميز بكونها غير منقسمة أو غير قابلة للانقسام إلى أجزاء داخلية تستحق هي بذاتها وصف دولة ). كما تعرف بحسب جورج بوردو بأنها ( الدولة التي تبدو من الناحية القانونية كما لو كانت السلطة فيها واحدة من حيث أسسها ومن حيث كيانها، ومن حيث ممارستها ). أما الأستاذ مارسيل بريلو فيرى أن ما يميز الدولة الموحدة هو: وهكذا تكون الدولة البسيطة أو الموحدة، هي الدولة التي تكون السيادة فيها موحدة، ولها دستور واحد، وتتركز السلطة في يد حكومة واحدة تدير شؤونها الداخلية والخارجية، ويخضع الأفراد فيها لسلطة واحدة ولقوانين واحدة، وتتجلى هذه الوحدة من نواح ثلاث: ثانياً: الدولة المركبة أو المتحدة الدولة المركبة أو الاتحادية، هي الدولة التي ترتبط مع دولة أو دول أخرى، وهذا الرباط قد يكون من القوة يحكمه القانون الدستوري، أو أن معاهدة تحكم هذا الرباط مما يقع تحت حكم القانون الدولي العام. والدول المركبة تتخذ أشكالاً متنوعة بحسب درجة القوة وحالة الضعف التي تربط هذه الدول. ويجمع الفقه القانوني على وجود أربعة صور لهذه الاتحادات وهي: أ _ الاتحاد الشخصي ب _ الاتحاد الحقيقي أو الفعلي ج _ الاتحاد الاستقلالي أو التعاهدي د _ الاتحاد المركزي أو الدولة الاتحادية أ _ الاتحاد الشخصي: هذا النمط من الاتحادات هو الأضعف والأوهى رابطة، فهو ذو طابع شخصي، ولا يعرف من مظاهر التوحد إلا ما تعلق بشخص رئيس الدولة. وهذا النوع من الاتحادات مؤقت وعرضي لا يستقر طويلاً، فهو يزول بمجرد اختلاف شخص رئيس الدولة سواء أكان ملكاً أو رئيس جمهورية. وأصبح هذا الاتحاد من خلال أمثلته من بقايا ما يشير إليها فقه القانون الدولي ولم تسجل الساحة الدولية حالة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية. ب _ الاتحاد الحقيقي أو الفعلي: يتكون هذا الاتحاد من دولتين أو أكثر، تنشأ بينهما روابط أشد قوة مما موجود في الاتحادات الأخرى، وهذه الروابط أكثر ديمومة بحكم وجود هيئة واحدة للاتحاد تتولى السياسة الخارجية وقد تمتد إلى وحدة الأمور الدفاعية والمالية. ومن الأمثلة التي سجلها التأريخ الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن بتاريخ 14/2/1958 حيث نص ميثاق الاتحاد على: ج _ الاتحاد الاستقلالي أو التعاهدي: هذا النمط من الاتحادات تحكمه معاهدة، يسعى المشاركون فيه إلى تحقيق أهداف مشتركة أو حماية مصالح معينة. تحتفظ الدول الداخلة في مثل هذا الاتحاد بسيادتها الخارجية والداخلية وحريتها في الانفصال عنه، وصورته ليست ثابتة فهو نظام قلق ويعبر عن مرحلة انتقالية لا تستمر طويلاً، فقد تنفصم عرى هذا الاتحاد، أو يتحول إلى حالة قوة مثل الاتحاد السويسري واتحاد الولايات الأمريكية، والساحة الدولية مليئة بمثل هذه الاتحادات إلا أن قوة رباطها متفاوتة ومن أمثلة ذلك اتحاد دول الجامعة العربية والاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي. د _ الاتحاد المركزي أو الدولة الاتحادية: يتكون هذا الاتحاد من عدد من الدول تندمج معاً، مكونة دولة واحدة، تفنى فيها الشخصية القانونية للدول الداخلة فيه، فلا يوجد لهذا الاتحاد إلا شخص قانوني واحد وبالتالي وجود دستور واحد للاتحاد وجيش واحد وعملة واحدة وجنسية واحدة وعلم واحد. ولهذا وصف الأستاذ ( ديلوبادير) الدولة الاتحادية بأنها دولة الدول، أي أننا أمام كيان قانوني يعبر عن اتحاد بين دولتين أو أكثر، وأن إرادة هذا الكيان تعلو إرادات الدول الداخلة فيه. الدول الفيدرالية أو الاتحادية محدودة العدد على الساحة الدولية وهي لا تتجاوز عشرين اتحاداً. (الدالة الثانية ) المشروع الأول لتقسيم الوطن العربي والأطر القانونية لمقاومته بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، ونكث العهود التي أعطيت للشريف حسين، تم تقسيم المنطقة العربية بعد انسلاخها من الإمبراطورية العثمانية، من خلال اتفاقية سايكس _ بيكو وبالتالي وضعت الدول العربية تحت الانتداب. فوضع العراق وفلسطين ومصر تحت الانتداب البريطاني في حين وضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وبقية الدول العربية إما محميات أو مستعمرة لفرنسا أو ايطاليا. لتبدأ الجماهير كفاحها ضد الاستعمار فمن ثورة مصر 1919 إلى ثورة العشرين في العراق، وكفاح سوريا ضد الاحتلال الفرنسي ليجلو سنة 1946، واستمرار الكفاح لإزالة القواعد العسكرية البريطانية والفرنسية وتحقيق الاستقلال الناجز، لكن الجسم الغريب الذي زرع في المنطقة العربية ( الكيان الصهيوني) تمت رعايته من دولة الانتداب ( بريطانيا) وفاء لوعد بلفور 2/11/1917. استبشرت الناس خيراً بإزالة القواعد العسكرية البريطانية من العراق ( قاعدة الحبانية وقاعدة الشعيبة 1958 ) وإجلاء القوات البريطانية من مصر 1955، وإجلاء القوات الفرنسية من سوريا 1946، وإزالة القواعد العسكرية من ليبيا ( قاعدة هويلس الأمريكية وقاعدة العدم البريطانية ) 1970، وقاعدة بنزرت الفرنسية من تونس، ويتحقق الاستقلال للجزائر 1962، إلا أن الذين خططوا لمشروع تقسيم الوطن العربي في خطة سايكس-بيكو لم يستسلموا لظاهرة تحقق الاستقلال للوحدات العربية وظهور فكرة التوحد من خلال أطر قانونية. ولهذا كان العدوان الثلاثي على مصر 1956 من نفس أطراف مشروع التقسيم ( فرنسا _ بريطانيا _ الكيان الصهيوني ) وبعد فشل العدوان والرد على ذلك بمزيد من التوحد وتراكم القوة العربية ليعاد العدوان في 5/6/1967 وهذه المرة رأس الحربة الكيان الصهيوني وغطاء أمريكي. مع فداحة النكسة إلا أن الوحدات العربية وجماهيرها لم تستسلم فخسارة معركة لا يعني خسارة الحرب، وبدأت حرب الاستنزاف ليتوج الأمر بحرب 6/10/1973 حيث خاضت القوات المسلحة المصرية والسورية معركة تكللت بالنجاح، وعبرت الطائرات ومختلف صنوف الأسلحة باتجاه جبهات الحرب السورية والمصرية دون أن تكون هناك موافقات ومعاهدات، فساحة المعركة واحدة واشترك جميع العرب فيها كل بطريقته الخاصة وقدرته على تقديم الدعم للمجهود الحربي. هذه الصورة لم ترق لأصحاب مشاريع التقسيم، ولذلك طرح (كسينجر) وزير خارجية أمريكا آنذاك، فكرة "أن حرب أكتوبر آخر الحروب ولا حق لأحد مساعدة أخيه عند نشوب أية معركة في المستقبل"، ولهذا لم يسمح لأحد الوقوف مع لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية عند احتلال لبنان 1982. مشروع التقسيم الأول ( سايكس_ بيكو ) حقق هدفه بعد أكثر من نصف قرن والكيان الصهيوني حامي هذا المشروع بما يملكه من قوة عسكرية وفرتها دول التقسيم. مشروع للتقسيم يقابله مشروع للتوحيد عبر طرح فكرة الوحدة أو الاتحاد لمقاومة مشروع التقسيم، وهكذا طرحت الدول العربية أطرًا قانونية عدة سعت بموجبها إلى توحيد جهودها لكي تبقى في مأمن مما يحاك لها من مشاريع تسعى إلى تجزئتها إلى وحدات صغيرة يسهل إبتلاعها من دول الجوار الطامعة في خيراتها، أو من العدو الأوحد وهو الكيان الصهيوني. ( الحركة الاتحادية العربية كإطار قانوني لمقاومة التقسيم ) قاومت الدول العربية مشروع التقسيم الأساسي الذي انبنى على أتفاق سايكس- بيكو من خلال محاصرة الجسم الغريب الذي زُرع في المنطقة العربية، أي الكيان الصهيوني، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى سعت الدول العربية إلى توحيد جهودها في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية بحكم عوامل التأريخ والجغرافية والحضارة. وإذا كانت عوامل الوحدة متأصلة في الأمة العربية، فإن التأريخ يرينا صوراً رائعة من الانتصار، عندما التأم شمل الأمة، وعلى العكس من ذلك كلما أقيمت الحواجز بين الأقطار العربية التي فتتها الاستعمار، كلما حلت الهزيمة والخسران، وحدة العدو تفرض تجمع الأمة أنظمة وجماهير. لكل ذلك تعددت محاولات الأقطار العربية للاتحاد والوحدة، وإن اختلف هذا التوجه من حالة إلى أخرى بحسب الظروف، ولهذا يكون لزاماً إعطاء فكرة عن الطبيعة القانونية لنماذج الوحدة أو الاتحاد التي قامت أو بقيت مشروعاً بين الدول العربية في كثير من الأحيان. أولاً: جامعة الدول العربية: إن أول صورة من صور الاتحاد بين الدول العربية كُتب له الاستمرار حتى يومنا هذا، وقد اتخذ شكل الاتحاد التعاهدي الذي أشرنا إلى طبيعته فيما سبق، هذا الاتحاد أسفر عن قيام جامعة الدول العربية، وقد أبرم ميثاقها بين سوريا وشرق الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ولبنان ومصر واليمن، وبعد التصديق عليه من الدول ذات العلاقة دخل حيز التنفيذ في 10/5/1945. هذا الميثاق هو المؤتمر أو الجمعية في الاتحاد الاستقلالي، ذلك أن الدول الموقعة عليه، تمسكت بسيادتها الخارجية، وحرصت على الاحتفاظ بذاتيتها واستقلالها. فالجامعة العربية منظمة دولية إقليمية تقوم على أساس التعاون الاختياري بين الأعضاء. يرتكز ميثاق الجامعة العربية على المبادئ التالية: لقد تزايد عدد أعضاء جامعة الدول العربية إلى 22 دولة إلا إن واقعها الحالي انتقل من وحدة الهدف وضرورة تطبيق ما ورد في المادة السادسة من الميثاق واتفاقية الدفاع المشترك، إلى التدخل في الشأن الداخلي للدول، والاصطفاف مع الدول الأعداء للعدوان على أعضاء في مجلس الجامعة، ولم تعد الجامعة بيت العرب فهي أقرب إلى الجثة الهامدة، ولهذا سهل تنفيذ مشروع التقسيم المطروحة أطره العامة كما سنرى في الدالة القادمة. ثانياً: الوحدة بين مصر وسوريا طالب الشعب العربي في كل من مصر وسوريا بضرورة قيام الوحدة بينهما، ولهذا أعلن ممثلو الحكومتين في بيانهم بتأريخ 1/2/1958 ( اتفاقهم التام وإيمانهم الكامل وثقتهم العميقة في وجوب توحيد سوريا ومصر في دولة واحدة اسمها الجمهورية العربية المتحدة). وقد تم إقرار هذا البيان في اجتماع كل من مجلس النواب السوري ومجلس الأمة المصري في كل من دمشق والقاهرة وفي يوم واحد، وبعد استفتاء الشعب على الوحدة، قامت الجمهورية العربية المتحدة بتاريخ 22/2/1958. هذه الدولة الجديدة لها دستور واحد وسلطة تشريعية واحدة. فالجمهورية الجديدة دولة موحدة بسيطة تحكمها سلطة عامة واحدة، وإقليماً سياسياً واحداً، ويتمتع سكانها بجنسية واحدة، ويخضعون لسلطة تشريعية واحدة. وهذه صورة من صور مقاومة مشاريع التقسيم عن طريق إطار قانوني يسعى للوحدة والتوحد، ولكن مع الأسف انتهت هذه التجربة الفريدة بجريمة الانفصال بتاريخ 28/9/1961. وقد أثبتت الوثائق اللاحقة دور العدو الصهيوني والدول راعية مشاريع التقسيم، في التآمر على هذه التجربة الوحدوية. ثالثاً: اتحاد (الدول العربية المتحدة) نشأ هذا الاتحاد بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة المتوكلية اليمنية، وذلك بموجب ميثاق صدر بتاريخ 8/3/1958، وقد نصت المادة الثانية من الميثاق على احتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية وبنظام الحكم الخاص بها، كذلك نصت المادة الثالثة عشرة من الميثاق على إنشاء مجلس أعلى يشكل من رؤساء الدول الأعضاء، ويتولى هذا المجلس الإشراف على شؤون الاتحاد، ويختص المجلس الأعلى برسم السياسة العليا للاتحاد في المسائل السياسية والدفاعية والاقتصادية والثقافية، وتصدر قرارات المجلس بالإجماع. إن طبيعة هذا الاتحاد حددها ميثاقه، فهو اتحاد تعاهدي بحكم احتفاظ كل دولة من الدول الداخلة في الاتحاد بشخصيتها الدولية وبنظام الحكم الخاص بها. وإذا كانت هناك مظاهر قوة في بعض بنود الميثاق، فإن ذلك لا يغير من الطبيعة التعاهدية للاتحاد؛ ذلك أن جوهر الاتحاد التعاهدي واحد دائماً، يكمن في احتفاظ كل دولة من دول الاتحاد بسيادتها الخارجية والداخلية. رابعاً: مشروع 7 نيسان 1963 ( الوحدة الاتحادية الثلاثية ) اجتمعت وفود من مصر وسوريا والعراق للفترة من 6/4/1963 ولغاية 17/4/1963 وخلصت إلى إقرار مشروع لقيام الوحدة الاتحادية على الأسس التالية: وقد حدد المشروع اختصاصات للدولة الاتحادية من سياسة خارجية ودفاع وأمن قومي، والضرائب. كما أورد المشروع مؤسسات الدولة الاتحادية وهي: يتضح مما سبق أن هذه الاتفاقية تنطوي على اتحاد مركزي بين مصر وسوريا والعراق وفقاً للأسس التي يقوم عليها الاتحاد المركزي، أي نحن أمام دولة اتحادية تفنى فيها الشخصية الدولية لكل الدول الداخلة في الاتحاد. وكان المفروض أن يتم الاستفتاء على هذا المشروع خلال خمسة أشهر، لكن مع الأسف لم يتم الاستفتاء وبالتالي لم يكتب لهذا المشروع التطبيق العملي. سوف نشير في الدالة القادمة إلى مشروع التقسيم يستهدف هذه الدول بالذات لأنها تمثل الركن الركين في الوطن العربي. خامساً: ميثاق طرابلس ( اتحاد الجمهوريات العربية مصر _ ليبيا _ السودان ) في عام 1970 اجتمع رؤساء مصر وليبيا والسودان واتفقوا على ما يلي: سادساً: اتحاد الجمهوريات العربية ( مصر _ ليبيا _ سوريا _ 17/4/1971 ) تم الإعلان في بنغازي بليبيا عن قيام اتحاد الجمهوريات العربية، يسعى هذا الاتحاد إلى: كما حدد هذا الإعلان الاختصاصات المعقودة للاتحاد وهي: وللاتحاد مؤسسات تكمن في الآتي: ئهذا الاتحاد إذا ما نظرنا إلى طبيعته القانونية، فهو لا يعدو أن يكون صورة من صور الاتحادات التعاهدية، بحكم احتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية وحقها في إبرام المعاهدات وتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي. كما أن قاعدة الإجماع تؤكد بدورها الطبيعة التعاهدية للاتحاد، وإذا كانت هناك بعض النصوص التي تشكل الأرضية الصالحة لإقامة اتحاد مركزي، فإن ذلك لا يحول دون غلبة طبيعة الاتحاد التعاهدي عليه. كما أن هذا الاتحاد غلب على أهدافه الجانب الأمني في مواجهة العدو الصهيوني، وهي مسألة ستكون موضع دراسة في الدالة القادمة. سابعاً: بيان طبرق _ بنغازي ( مصر _ ليبيا _ 2/8/1972 ) إلى مزيد من التنسيق في مجالات متعددة قررت كل من ليبيا ومصر أن تكون الوحدة بينهما في المجالات التالية: 4- النظم الاقتصادية 5- التشريع والقضاء 6- النظم الإدارية والمالية 7- التعليم والعلوم والثقافة والاعلام ثامناً: إعلان جربة 12/1/1974 قيام الجمهورية العربية الإسلامية بين تونس وليبيا أعلن عن قيام الوحدة بين تونس وليبيا تحت مسمى الجمهورية العربية الإسلامية، لها دستور واحد وعلم واحد ورئيس واحد وجيش واحد، وفي نطاق نظم تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة. ضمن هذه الصورة لو تمَّت سنكون أمام دولة موحدة بسيطة. تاسعاً: ( إعلان طرابلس بقيام الوحدة بين ليبيا وسوريا بتاريخ 10/9/1980 ) قررت الدولتان إقامة دولة واحدة تضم القطرين السوري والليبي، على أن تتمتع هذه الدولة الجديدة بالسيادة الكاملة على القطرين، ولها شخصية دولية واحدة. عاشراً: التجمعات العربية وطبيعتها القانونية نشأت على الساحة العربية تجمعات عدة، أملى نشوؤها ظروفاً معينة، فقد نشأ مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 بين الدول والإمارات الست ( المملكة العربية السعودية – الكويت – الإمارات العربية المتحدة – البحرين – قطر – سلطنة عمان ). وهذا التجمع بالرغم من السنوات الطويلة التي مضت عليه، فهو لا يعدو أن يكون اتحاداً تعاهدياً، ذلك أن هذه الدول احتفظت بشخصيتها الدولية والداخلية، وعلى الرغم من الصورة الضعيفة لهذا التجمع فإننا نراه خطوة على طريق الأمل البعيد للوحدة العربية وحائط صد ضد محاولات تقسيم المنطقة العربية. التجمع الثاني على الساحة العربية باتجاه شمال إفريقيا، نشأ في نفس عام1981 من خلال معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي يضم الجزائر – المغرب – تونس – ليبيا – موريتانيا. وطبيعة هذا الاتحاد طبيعة تعاهدية بحكم الحفاظ على استقلال الدول الداخلة فيه خارجياً وداخلياً، بالرغم من أن نصوص المعاهدة سمحت بالتعاون ورد الاعتداء الذي تتعرض له إحدى دول الاتحاد. كما أن للاتحاد هيئة قضائية تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق المعاهدة، وأحكام هذه الهيئة ملزمة ( م 16 من المعاهدة ). إنه اتحاد تعاهدي يرمي إلى تحقيق التعاون في بعض المجالات واستهداف سياسة مشتركة بصدد بعض القضايا.... صحيح إن هذا الاتحاد لا زال قائماً من الناحية النظرية، والصعوبات تواجه تطبيق بعض نصوص معاهدة إنشائه، لكن حرية انتقال مواطنيه فيما بين بعض دوله يسمح بتحقيق مزايا الساحة العربية الواحدة. التجمع الثالث نشأ سنة 1989 باسم مجلس التعاون العربي بين العراق والأردن ومصر واليمن، وهو صيغة أخرى من صيغ الاتحادات التعاهدية، وقد استفاد الشعب العربي القاطن في هذه الدول من خلال حرية الانتقال وإزالة بعض الحواجز الكمركية، إلا أن هذا الاتحاد إنهار بعد دخول القوات العراقية للكويت واصطفاف بعض دوله في الحرب بمواجهة العراق بما سمي بحرب الخليج الأولى 1991. حادي عشر: وحدة شطري اليمن في عام 1990 تحققت الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي وتم الاستفتاء على دستور الوحدة، ليصار إلى دولة موحدة بسيطة لا زالت باقية بالرغم من بعض العثرات، وبروز ظاهرة العودة إلى التقسيم أي إلى ما قبل 1990. من خلال هذا العرض لمحاولات التجمع بغض النظر عن الطبيعة القانونية التعاهدية لبعض الصيغ، فإن الجماهير ضغطت ولا زالت باتجاه تقوية مثل هذه التجارب، أي أن الجسم العربي ظل واحداً بالرغم من إتفاقية سايكس-بيكو التي سعت إلى تقزيم الوحدات العربية وتقوقعها في وحداتها الترابية وأطرها الجغرافية. إن زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، أدى بهذه الوحدات العربية أن تجعل من الدفاع عن فلسطين دفاعاً عن وجودها. وما أن أعلن عن قيام الكيان الصهيوني حتى تجحفلت القوات العربية من مصر وسوريا والعراق والأردن وهي الدول التي كانت لها جيوش آنذاك، وحاربت سوياً بقيادة واحدة سنة 1948 من خلال ساحة معارك واحدة وعقيدة عسكرية واحدة، صحيح إن الفشل أصاب هذه الحملة، إلا إنها تدلل على وحدة الهدف من خلال العدو المشترك. ليكرر هذا الأمر في العدوان الثلاثي على مصر 1956 من خلال هبة جماهيرية وعسكرية أطاحت بالقواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة العربية. في سنة 1967 حاربت الدول العربية سوياً، ولم تكن الجيوش العربية بحاجة إلى موافقة للتدفق على جبهات القتال في مصر وسوريا والأردن، صحيح أن النكسة كانت مآل هذه الحرب، إلا أن الدروس المستفادة منها، ظهرت في حرب الاستنزاف. في عام 1973 كانت الصورة أوضح من خلال عبور الجيش المصري لقناة السويس وفي ساعة واحدة عبر الجيش السوري مرتفعات الجولان، وما هي إلا ساعات حتى هبت الجيوش العربية للاشتراك في المعركة، فالعراق أرسل كل قواته الجوية والبرية، والأردن زج بخيرة قواته، والجزائر بعثت الطائرات وقوات خاصة، والمغرب أرسل خيرة عناصره، وليبيا أرسلت طائرات الميراج وتونس فعلت ودول الخليج منهم من أرسل جيوشاً ومنهم من ساعد في المجهود الحربي، وقطع النفط عن دول ساعدت الكيان الصهيوني. أي أن الجسم العربي كان يحارب سوياً طالما أن العدو واحد، ولم تنفع نصوص المعاهدات التي تشير إلى الاستقلال الخارجي والداخلي، لهذا بدأت المشاريع التقسيمية تنظر بريبة إلى هذه الصورة المتينة من التوحد، ودخل ثعلب السياسة الأمريكية كيسنجر من خلال فصل القوات على جبهات القتال، ثم الإنفراد بالجانب المصري لإخراج القوة المصرية من المعادلة عبر إتفاقية كمب ديفيد، وأن تكون حرب أكتوبر 1973 آخر الحروب، وأن يكتفي بالشجب والاستنكار إذا ما تعرضت دولة عربية للعدوان. وهو ما عشناه بعد احتلال عاصمة عربية ( بيروت ) وعما حصل من عدوان على غزة. التوجه إلى الجسم العربي الموحد هو محور مشاريع التقسيم التي ستكون محور دراسة الدالة القادمة. ( الدالة الثالثة ) الإرادة الخارجية في تفكيك الوحدات الدستورية العربية أشرنا سابقاً أن مشروع سايكس- بيكو بتقسيم المنطقة العربية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، قد تم تتويجه بوعد بلفور 2/11/1917، وهذه الصورة ما هي إلا انعكاس للفكر الصهيوني الذي اجتمع في بازل بسويسرا 1897، أي بعبارة أخرى أن الاستعمار الغربي كان يهدف إلى التقسيم على أن تكون الغدة السرطانية للفكر الصهيوني القوة التي تشكل رأس حربة التقسيم، عبر إنشاء هذا الكيان الذي تحقق سنة 1948. هذا التقسيم الذي تم برعاية فرنسية- بريطانية، وهما الدولتان اللتان كانتا القوة المهيمنة على الساحة الدولية آنذاك، ومع ذلك لم تستسلم الإرادة الوطنية العربية في مقاومة هذا المشروع، الذي اكتسى صفة الانتداب والحماية. فالعراق من خلال ثورة العشرين 1920 ثم ثورة مايس 1941 وصولاً إلى ثورة 1958 أزال القواعد الأجنبية، وسوريا من خلال الثورة السورية 1925 وقيادة يوسف العظمة تحقق الجلاء عن سوريا 1946، والأردن تحولت قيادة جيشه من بريطانيا إلى قيادة أردنية، وتحقق جلاء القوات البريطانية من مصر بعد ثورتي ( 1919، 1952 ) والجزائر لم تستسلم للاستعمار الفرنسي ودفعت أكثر من مليون شهيد ليتحقق الاستقلال 1962، وثورة عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي، وعمر المختار في ليبيا، وثوار تونس الذين أجبروا فرنسا على سحب قواتها من قاعدة بنزرت، ناهيك عن ثورة الجنوب اليمني وإنكفاء القوات البريطانية 1967، أما فلسطين فهي بدورها رفضت الاستعمار من خلال ثورة القسام 1936، لكن غدر بريطانيا رافعة وعد بلفور إنحازت للعصابات الصهيونية. الإرادة العربية الوطنية لم تألُ جهداً في مقاومة مشروع التقسيم بالقوة المسلحة، ومن خلال الأطر القانونية للتوحيد، أي أن الجسم العربي كان واحداً، حتى ولو تعددت الوحدات الدستورية تحت مسميات وكيانات لها الاستقلال الداخلي والخارجي. ويبدو أن الاتفاق البريطاني الفرنسي، الذي حقق نصراً مفصلياً للحركة الصهيونية وصولاً إلى إعلان كيان قائم بذاته، لم يكن كافياً ولهذا يقول (بن غوريون) غداة إعلان قيام الكيان الإسرائيلي: ( ليست العبرة في قيام إسرائيل، بل بالحفاظ على وجودها وبقائها، وهذا لن يتحقق إلا بتفتيت سوريا ومصر والعراق ). الفكر الصهيوني والفكر الاستراتيجي الأمريكي ومدرسة تقسيم الوطن العربي عمدت مدرسة تقسيم الوطن العربي إلى الاستعانة بمفكرين كبار يسمع صوتهم في مطابخ السياسة الأمريكية، ولاسيما إن أمريكا أصبحت القطب الأوحد على الساحة الدولية، ويتنافس الحزبان الجمهوري والديمقراطي، لتلبية الحاجات الصهيونية، التي ما انفك روادها من المطالبة بتفتيت المنطقة العربية ليسهل ابتلاعها الواحدة تلو الأخرى أو الانحياز لمقولة مزاوجة العقل الصهيوني بالمال العربي وبالتالي لن تكون الريادة إلا للعقل. عند اشتعال الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي (بريجنسكي) بالقول: (إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة الامريكية من الآن 1980، هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس – بيكو ). والآن وضحت الصورة فبعد وقف الحرب العراقية الإيرانية في 8/8/1988 وبتدبير ما دخلت القوات العراقية إلى الكويت، لتقوم الحرب في عام 1991 ويتم تدمير العراق في الصفحة الأولى قبل احتلاله في عام 2003، فالمدرسة هي المدرسة والمخطط هو المخطط حتى ولو تغير الأشخاص اللذين روجوا للتقسيم بلغة القوة. عند إطلاق تصريح بريجنسكي وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) بدأ المؤرخ (برنارد لويس ) بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الأقطار العربية ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان ودول شمال إفريقيا، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، والخاص بضرورة تسعير حرب خليجية ثانية تستطيع الولايات المتحدة من خلالها تصحيح حدود سايكس – بيكو، لكي يكون هذا التصحيح متسقاً مع المصالح الصهيونية. في عام 1983 ( أي في عهد ريغان الجمهوري ) وافق الكونغرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور برنارد لويس، وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة. إن برنارد لويس ( 100 عاماً ) يعدّ المنظر لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية. وقد شارك في وضع إستراتيجية الغزو الأمريكي للعراق. ولعل المقابلة التي أجرتها وكالة الإعلام مع برنارد لويس في 20/5/2005 توضح التفكير الأمريكي الذي صنعه لويس، فهو يقول بالنص: ( إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون، فوضويون، لا يمكن تحضيرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك فأن الحل السليم للتعامل معهم، هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك (إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع من أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم – دون مجاملة أو لين ولا هوادة – ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية في هذه المنطقة). ولعل الصورة التي عليها المنطقة العربية الآن تطبق فيها أمريكا حرفياً مدرسة برنارد لويس([33])، فالبطون الخاوية لشعب العراق والنزوح الداخلي والهجرة الخارجية، ناهيك عن مئات آلاف القتلى، هي مثال يحتذى به لديمقراطية أمريكا في العراق. كما أن الدستور العراقي (2005) يشير إلى أن ( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ( برلماني ) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق )، المادة الأولى من الدستور. لكن شكل الدولة لا هو موحد ولا اتحادي، فما يحصل في إقليم كردستان لا علاقة له بشكل الدولة الاتحادية، التي أشرنا إلى أمثلة عليها في الدالة الأولى من هذه الدراسة. فلا يوجد مسؤول دولي يزور العراق إلا ويعرج على إقليم كردستان، ولا يوجد علم واحد لهذه الدولة الاتحادية، فعلم كردستان يشارك العلم العراقي في الإقليم وقوات البيشمركة كأنها قوات مسلحة للإقليم وهو ما يخالف فكرة وحدة الجيش بإمرة رئيس الدولة الاتحادية أو رئيس وزراء الاتحاد كما يشير الدستور. ومن المشاريع التي تصب في مدرسة تفتيت المنطقة العربية، مشروع (الفوضى الخلاقة) وهو مشروع كبير يعتبر الوسيلة التنفيذية التي ثبت نجاحها في إقرار مشروع التفتيت، وقد صاغ هذا المشروع العضو البارز في معهد ( أمريكا انتربرايز) ( مايكل ليدين ) باسم التدمير البناء، وقد تبنت هذا المشروع وزيرة خارجية أمريكا في عهد بوش الأبن ( كونداليزا رايس ) والذي ورثته لإدارة أوباما. لقد لخصت رايس مشروع الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط بقولها: ( إن الولايات المتحدة سعت على مدى ستين عاماً إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية، ولم تحقق أي منهما، وتتبنى الآن نهجاً مختلفاً، وتمثل الأطروحة الرئيسة لنظرية الفوضى الخلاقة على اعتبار الاستقرار في العالم العربي، عائقاً أساسياً أمام تقدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولذلك لا بدمن اعتماد سلسلة من التدابير والإجراءات تضمن تحقيق رؤيتها التي تطمح إلى السيطرة والهيمنة على العالم العربي ). ينطلق مشروع الفوضى الخلاقة إلى اعتماد القوة العسكرية لتغيير الأنظمة، وهو ما حدث في العراق دون الإعتماد على قرار من الشرعية الدولية، فقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 عام 2003 أعتبر القوات الغازية للعراق بمثابة قوات احتلال، إلا أن السيادة الأمريكية على القرار الدولي، تمت شرعنت هذا الاحتلال، من خلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1546 عام 2003 الذي غير وصف قوات الاحتلال إلى قوات التحالف المتعددة الجنسيات. وهو ما تكرر في ليبيا 2011 وفي سوريا ما زال استخدام القوة سارياً. ويبدو أن مشروع خارطة الدم الذي أعده ( رالف بيترز ) ونشره في مجلة القوات المسلحة الأمريكية ( عدد تموز 2006 ) يؤكد أن حدود الشرق الأوسط انطوت على خلل وظيفي داخل الدولة نفسها، وأن هناك ممارسات دكتاتورية ضد الأقليات داخل دول الشرق الأوسط، ولهذا السبب ترى خارطة الدم استقلال الأقليات بدويلات تقوم على أسس طائفية واثنية وقومية ومذهبية تدعم التقسيم الديموغرافي الأنسب للتعايش السلمي في الشرق الأوسط، ويرى المشروع أنه لا بد من سفك الدماء حتى يسهل للدول الراعية للمشروع تنفيذه على الواقع بالقوة. هذا المشروع وجد مجاله للتطبيق من خلال الاحتقان الذي ساد المنطقة العربية من تصرفات الأنظمة الشمولية، لينفجر الموقف وتتلقف دول المشروع الدموي وتساهم في تدمير البنى التحتية للدول ورفع شعار دولة لكل مكون، حتى وجدنا خارطة الدم تطبق ليس داخل دولة المكونات، بل حتى بين منطقة وأخرى أو محافظة وأخرى. ولعلّ السؤال المطروح فيما إذا كان ما أطلق عليه الربيع العربي، يصب ضمن مشاريع التفتيت للمنطقة العربية أو لا ؟ وهل أن أروقة الكونجرس الأمريكي بعيدة عن ذلك ؟. مدى توافق مشاريع التقسيم مع قواعد القانون الدولي من المبادىء التي أرساها ميثاق الأمم المتحدة: هذه المبادئ التي يستوجب إعمالها فيما بين الدول صغيرها وكبيرها، تملك من القوة الكثير، أو أنها لا تقوى على شيء في ميزان التسلح الدولي. ومشاريع التقسيم التي بدأت في مشروع سايكس- بيكو ولا زالت تأخذ مسميات عديدة من خلال القوة الأكثر تأثيراً في ميزان الوضع الدولي ( الولايات المتحدة الأمريكية ) خصوصاً بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي. واستمرت من خلال الفوضى والاضطراب مما سمح لأمريكا ودول حلف الناتو للتدخل لتطبيق أفكار المدرسة التقسيمية للوطن العربي. ولم يكن انفصال جنوب السودان بدعة، بل تمت مباركته من أمريكا وإسرائيل، ولا عجب أن تكون إسرائيل هي الوجهة الأولى لقادة جنوب السودان الجدد. كما أن مشروع ( جو بايدن ) الذي صار قانوناً أقره الكونجرس الأمريكي، والذي يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، (جو بايدن هو نائب الرئيس الأمريكي الحالي أوباما، وهو المكلف بالملف العراقي). قانون تقسيم العراق تصدره السلطة التشريعية في أمريكا بمخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، كما أن الاجتياح والاحتلال الحربي وقصف الأقاليم وحصار المرافئ والسواحل من إعمال العدوان بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ( 3314)، والمعروف أن السلطة التشريعية في أي بلد تشرع لمواطينها من خلال قواعد عامة مجردة، ولا تلزم الآخرين بها، لكن الذي حصل أن مشروع تقسيم العراق نال موافقة صناع القانون في أمريكا ( مجلس النواب + مجلس الشيوخ ) وهذا القانون حتى ولو تم الإدعاء بأنه غير ملزم للإدارة الأمريكية فهو قانون يجد مجاله للتطبيق على الساحة العراقية من الناحية العملية. والمعروف أن المشرعين في كل دول العالم لا يعبثون، وإنما يقررون لمصالح معينة سواء في الداخل أو الخارج. لقد اختلط فكر المحافظين الجدد في أمريكا مع الفكر الصهيوني لتنفيذ مخطط تقسيم الوطن العربي، ولا ننسى قول جورج بوش الابن عند غزو العراق بأنه مأمور من الرب لحرب صليبية جديدة، فهو يقول بالنص ( أمرني الرب بأن أضرب أفغانستان ففعلت، وأمرني الرب بأن أضرب العراق ففعلت، ولو لم أنفذ مشيئة الرب لبقيت أحتسي الخمرة في بارات تكساس ). مشروع تفتيت الوطن الوطن العربي الذي رسمت ملامحه في بدايات القرن الماضي، تطور تبعاً لأحداث ومتغيرات مرت بها المنطقة العربية، وتغير دور القوى الدولية الفاعلة، إلى أن تسيدت أمريكا على الساحة الدولية التي اعتبرت أمن الكيان الصهيوني مهمة مقدسة، ولن يتأتى هذا الأمر إلا بإضعاف القوة العربية التي لم تسمح بوجود هذا الكيان، ولهذا تنوعت مشاريع التقسيم أو قُل الفكر الذي غذى صانع القرار الأمريكي باديولوجية تبرير استخدام القوة لصناعة التقسيم. ومع ذلك فإن الذين يظنون أن تقسيم المنطقة العربية أمر لا مفر منه، هم واهمون، فالتقسيم ليس قدراً مقدوراً على الأمة، بل هي مشاريع تحتاج إلى أرضية وحاضنة محلية تساعد على إنضاج تطبيق مشروع التقسيم، وتحويله من جانبه النظري إلى واقعه العملي، صحيح أن من يتحكم في المنطقة العربية ضعفت فيه الوطنية، وأن جامعة الدول العربية ساهمت في تمرير دالات التقسيم، أو أعطت الاحتلال تغطية عربية من خلال ضعف إدارة الجامعة في الفترة الأخيرة. إن الجماهير التي خبرت أساليب الاستعمار ومشاريعه لم تستسلم بالرغم من قلة زادها، وضعف قوتها المادية، لكن إرادتها كانت أصلب ولم تنكسر، ولذلك أسقطت مشاريع التقسيم في صفحتها الأولى، والآن وحتى مع قتامة الصورة فإن نقطة الضوء في النفق المظلم ستتسع لا محالة. الأمة بحاجة إلى إشاعة روح مقاومة مشاريع التقسيم، وإلى جهد قانوني لمحاسبة أصحاب الفكر التقسيمي، وإقامة الدعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة الدول التي تساهم بقوة السلاح في العدوان على المنطقة وفرض حدود الدم وتقسيم المنطقة. الملاحظ أن مشروع (بيرنارد لويس) تم البدء بتنفيذه من خلال فصل جنوب السودان والطرح المتكرر لأصحاب العملية السياسية في العراق بخيار التقسيم الثلاثي، وهي الصورة التي ستتكرر في سوريا إذا ما استمرت الحرب بتمويل غربي، وفي ليبيا أفكار التقسيم مطروحة في أجندة من يتسيد على سلطة الحكم. ولهذا أستوجب تعبئة الجهود الشعبية حتى لا يكون التقسيم حقيقة واقعة. كما تجدر الإشارة إلى أن مشروع التقسيم ركَّز بالدرجة الأولى على دول الطوق للكيان الصهيوني؛ لأن تفتيت هذه الدول يحقق أمنـًا لسنوات عديدة للكيان الصهيوني، وبالتالي لن يكون هناك تهديد لوجوده، أي أن جوهر مشروع التقسيم انكفاء الوحدات العربية المتشظية على نفسها، وأمن واستقرار للكيان الصهيوني لزمن غير محدد. المراجع المعتمدة الفدرالية الجغرافية والفدرالية الطائفية- صورة أخرى لتجذير التقسيم في المنطقة العربية بقلم: رائد فوزي احمود([34]) بادئ ذي بدء، ودون الدخول بالأسباب الموجبة لتبني كيان سياسي ما لنظام حكم إداري، إذ يضيق المقام هنا والوسع في عرضها، أو الإجابة على التساؤلات العديدة حول مدى ملائمة هذا النوع أو ذاك من أنظمة الحكم للمنطقة العربية التي تبنت منذ مرحلة ما بعد الاستقلال نظاما قام على المركزية الشديدة في الحكم والإدارة. تتجه المنطقة مع تفاعلات المشهد العراقي إلى تبني أفكار جديدة -على أمل- أن تخرج المنطقة من حالة الفوضى الامنية والسياسية التي أفرزتها تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، وصولاً لمرحلة الربيع العربي وما أعقبها من ثورة مضادة؛ إذ مهدت مجموع هذه التفاعلات إلى إنتاج بيئة إقليمية غير مستقرة يجتهد واضعو السياسات فيها إلى مواجهتها بما يضمن وحدة أراضيها حتى لو كانت صورية؛ فالأهم بالنسبة لهم ديمومة مصالحهم الخاصة سواء كانت في البقاء بالحكم أو ضمان مصالح مكون واحد من مكونات المجتمع على حساب المكونات الأخرى التي تشكل ما كان يوصف بالدولة القومية. لا نعتقد بوجود خلل ما أو شبهة وراء تبني الأنظمة المختلفة لنظام الفدرالية وهو موضوع بحثنا هنا؛ إذ يعتبر من أرقى الأنظمة التي تتبناها الدول الحديثة لغايات التنمية، إلا أن الوصول إلى هذه الغاية يقتضي فهم خصوصية البلاد، والأهم هو وجود ثقافة تتلاءم معها حتى تستقيم حالها ويعتمد عليها نجاح هذا النظام؛ إذ يتبنى عدد كبير من الدول نظام فدرالي إلا أن كلاً منها لا تتفق في تفاصيلها مع الأخرى ولا تتشابه باعتبار أن نتاج هذه الفدرالية تتعلق بمخرجات البيئة التي يراد تطبيق هذا النظام فيها؛ فالفدرالية القائمة في البرازيل تختلف عن ما هو معمول به من تشريعات وقوانين في الولايات المتحدة، أو ما هو قائم في روسيا أو غيرها. في المنطقة العربية التي دخلت وحداتها السياسية مرحلة جديدة بعد فترة ما سمي بالربيع العربي أو قبل ذلك بقليل في البناء الذي تم تأسيسه في العراق بعد الاحتلال، لم تنتج الفدرالية إلا نظاماً جديداً لا يمت إلى مفهوم الفدرالية بشيء؛ إذ كانت خدمة حصرية لمكون واحد تحديدًا أكثر منه تمثيلاً لمصالح مشتركة أو تعبيراً عن هوية وطنية جامعة. وفي ظل غياب ثقافة ديمقراطية تتلاءم مع هذا النظام، أفرزت لنا المنطقة فدرالية طائفية أو مذهبية؛ إذ غابت الهوية الجامعة وعملت على تقسيم الوطن الواحد إلى إجزاء، بل قامت على توزيع المواطن إلى أكثر من هوية فرعية، تقسِّم أكثر مما تجمع. بعد مرور عقد وبضع سنوات على قيام الفدرالية في العراق مازال الفرقاء العراقيون فريسة هذا النظام، ما أوقعهم في العديد من القضايا الخلافية التي كادت أو بالأحرى قسَّمت الصف العراقي بل وأصابت المكون الواحد بمقتل. ويعدُّ الموقف من الفدرالية أحد أبرز هذه القضايا، بل إن أغلب الفرقاء يرون أن هذه القضية هي القضية الخلافية الأبرز التي تقف عائقا أمام اتفاقهم. لقد بنيت العملية السياسية على مبدأ المحاصصة، كتعبير عن تمثيل واقعي لمصالح الأطراف المشاركة آنذاك من جهة، ولضمان استمرارية هذه المصالح من جهة أخرى؛ لهذا كان من الطبيعي بناء المنظومة السياسية والاقتصادية العراقية استناداً على هذا المبدأ؛ إذ يتم اعتماد نظام خاص للدولة العراقية الجديدة ينسجم مع هذه المحاصصة، فكانت الفدرالية تعبيرًا صادقًا عن تطلعات ومصالح الأطراف المختلفة. تقوم الفدرالية عمومًا على مبدأ اللامركزية السياسية والإدارية بحيث تتوزع ممارسة أعمال السيادة وإدارة البلاد بين الحكومة المركزية والحكومات الفدرالية ضمن منظومة توفر نوعًا من التنسيق لضمان صيرورة عمل الدولة بصورة لا تتصادم فيما بينها. والفدرالية كنظام يتبع في الدول التي تحمل خصوصية التنوع العرقي والطائفي المتمثل بوجود أقليات متعددة دينياً ولغويًا وثقافيًا تحتاج إلى قدر من تمثيل حقوقها في ظل حكومة قادرة على التعاطي بإيجابية مع مسألة الفدرالية، لدى يعد النظام الفدرالي صيغة تتلائم مع شكل الدولة العراقية الجديدة، أو هكذا يراد. والفرقاء السياسيون لا يختلفون في كون الفدرالية نظاماً سياسياً مناسباً للبلاد بعد مرحلة من الحكم المركزي فقدت فيه البلاد أو قسم كبير منها الحقوق التي تمتع بها المركز (العاصمة) على حساب الأقاليم. لكن يكمن اختلاف الأطراف من الفدرالية في الشكل الأنسب من الفدرالية ودرجة الصلاحيات الممنوحة للأقاليم على حساب الحكومة المركزية. موقف الأطراف السياسية من الفدرالية: يمكن القول بصورة مبدئية: إن الأطراف العراقية السياسية تتفق على مبدأ الفدرالية كشكل للحكم في العراق. وجاءت هذه الموافقة عبر تعاملها المشترك مع القوانين والتشريعات التي أسست للعملية السياسية في العراق، بدءًا من قانون إدارة الدولة إلى الموافقة على الدخول بالعملية السياسية بموجب الدستور الذي وافق عليه أكثر من 70% من الشعب العراقي-حسب المصادر الرسمية-. لقد أشار قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي صدر في 8/2/2004 في المادة الرابعة منه على أن (نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي فدرالي، يجري فيه تقاسم السلطات بالاشتراك بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان والمحافظات والبلديات. ويقوم النظام الفدرالي الحكومي على أساس مبادئ الجغرافية والحكم الصالح والفصل بين السلطات وليس على أساس العرق والقومية والمذهب)؛ وإذا كان هذا القانون الذي عرف بالعراق بقانون بريمر لم يتوفر فيه أدنى قواعد الشرعية كونه صادرًا عن سلطة الاحتلال؛ إذ لا يلزم الأطراف العراقية التي نظرت إليه كونه إملاءً لا ينسجم مع القانون الدولي مما لا يعبر عن رأي العراقيين إزاء مبدأ الفدرالية، إلا أن الدستور العراقي الذي حظي بمشاركة واسعة للتصويت عليه من مختلف الأطراف (السنة والشيعة والأكراد) قد أكد على أن الفدرالية هو نظام الحكم المناسب للعراق؛ إذ جاءت المادة الأولى منه إلى أن (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي..). إذن، إذا كانت الأطراف قد اتفقت على كون الفدرالية النظام الأمثل بالعراق، فلماذا الاختلاف والتصارع الذي وصل حد الدموية وانتقل فيما بعد إلى صراع بين المكون الواحد كما جرى مؤخراً في الخلاف الذي استعر بين الحركة الصدرية وبين مختلف القوى السياسية الشيعية؟. ينقسم الأطراف إزاء الموقف من الفدرالية على محورين أساسين، المحور الأول شكل الفدرالية كونها فدرالية جغرافية (إدارية) أم فدرالية طائفية؟، والمحور الثاني يرتكز على الصلاحيات الممنوحة للأقاليم على حساب الحكومة الفدرالية أي السعي نحو إضعاف الحكومة المركزية وتقوية الحكومات الفدرالية. لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن موقف كل من الأكراد والشيعة من الفدرالية تم صياغته في السنوات المبكرة التي أعقبت حرب الخليج الثانية حيث اجتمعت مختلف قوى المعارضة العراقية في مؤتمر صلاح الدين 10/1992 ومؤتمر لندن 9/2002 فيما بعد؛ إذ وجدا أن النظام الأنسب لعراق المستقبل هو قيام فدرالية تحترم مكونات الطيف العراقي مستلهمين حسنات هذا النظام من كونه تعبيراً صادقاً وممثلاً حقيقياً للأقليات والطوائف المختلفة ولم يكن اختياره على أساس إداري أو جغرافي؛ إذ يتم تقليص صلاحيات الحكومة المركزية وتوزيع سيادتها وصلاحياتها على الأقاليم بصورة تتوافق فيما بينها ضمن منظومة معقدة من التنسيق. أي أن مطالب الأكراد والشيعة (وتحديداً حزب الدعوة والمجلس الأعلى) قامت وتقوم على أساس طائفي وليس جغرافي، لذلك وجدنا الإلحاح من جانب السيد عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي السابق طوال السنوات الثلاث التي أعقبت الاحتلال بضرورة إنشاء فدرالية الجنوب والوسط بل كان هو من أوائل المطالبين بتأسيس الفدرالية على أساس طائفي؛ إذ أنها تُعدُّ وحدة طائفية متشابهة يقتضي المنطق اجتماعها في إقليم واحد؛ وبالنسبة للأكراد ليس لديهم مشكلة حقيقية وفدراليتهم قامت بفترة مبكرة سبقت الاحتلال؛ إذ عاشوا في ظل حكومة لا مركزية طوال عقد ونصف بعيداً عن سيطرة المركز وحكمه في بغداد، لذا انصبت دعوتهم على القبول بالأمر الواقع وإنشاء فدرالية تقوم على أساس طائفي. هذا المشهد ينطبق الآن على الحالة السورية؛ إذ تتصاعد الدعوات إلى إنشاء نظام حكم جديد يقوم على فدرالية لا مركزية؛ إذ تتقلص صلاحيات الرئيس في دمشق، وهو اقتراح يتبناه الفاعلون في المشهد السوري حاليا وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا، بل وتتبناه بعض التيارات المعارضة السورية كونه حلا يناسب الاستعصاء الذي تشهده مفاوضات التسوية في جنيف والذي توقفت على نقطة وجود أو عدم وجود الرئيس خلال أو بعد المرحلة الانتقالية؛ ويأتي هذا المقترح كعامل جذب لقوى المعارضة التي تعتقد أن إنشاء فدراليات "طائفية" تتقلص بموجبها صلاحيات المركز الأمر الذي يصبح فيه وجود الرئيس في الحكم من عدمه أمر غير مهم بقدر الاستقلالية التي ستوفرها لهم هذه الفدرالية. إن كل طرف سواء في المشهد العراقي أو السوري، لديه دوافعه ومصالحه التي يبررها لاختيار هذا الشكل من الفدرالية؛ فالشيعة في العراق يرون بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه أن الفدرالية ضمانة لعدم عودة الاستبداد وحكم فئة مركزية متسلطة ليس لها صورة واضحة أو ضبابية عن أحوال الأقاليم الأخرى؛ وفي الحالة السورية تعطي الفدرالية ضمانة يحول دون انتقام الأغلبية السنية للأقلية العلوية الحاكمة وهو أحد أبرز الأسباب التي جعلت هذه الطائفة متماسكة وتقاتل حتى اللحظة لجانب النظام القائم في دمشق وحال دون انشقاقها. في السياق نفسه، يسوق الأكراد سواء في المشهد العراقي أو السوري حججهم المختلفة كذلك من قبيل المعطيات الجغرافية والتماشي معها؛ إذ يرون أن هناك فاصلاً طبيعيًا بين سكان الإثنية العربية والكردية، ويرون أن التنوع الذي عليه العراق وسوريا يشكل عامل تفريق وليس توحيد مما يقتضي أن يكون لكل تشكيل إثني في هذا التوزيع الحرية في تنظيم نفسه وإدارة إقليمة. وعليه بعد عقد من تطبيق الفدرالية الطائفية بالعراق أصبح واضحًا أن الهدف منها لم يكن لإطار تنموي بدليل حجم الغضب الشعبي في غياب الخدمات والتنمية، بل جاءت لتثبيت هيمنة المرجعيات الدينية في هذا الإقليم وإيجاد نظام سياسي ديني فيه، شبيه بالحالة الإيرانية؛ وعليه يصبح هذا الإقليم والذي يضم معظم نفط العراق ويمثل منفذه البحري الوحيد، أقرب بتابعيته إلى إيران مذهبياً وسياسياً منه للحكومة في بغداد، ولاسيما مع وجود أشخاص مثل الحكيم والمالكي وغيرهم في سدة الحكم. إن ما يؤخر إخراج هذا الإقليم إلى حيز الوجود هو الصراع بين القوى الشيعية التي تريد تحسين وضعها السياسي في هذا الإقليم وتحسن تمثيلها في حكومتها الإقليمية؛ إذ لم يكن دخول الحركة الصدرية للمنطقة الخضراء في 30 نيسان الماضي إلا جزءًا من مفاوضات علنية مارسها زعيم الحركة، مقتدى الصدر، على شركائه لغايات تحسين تمثيله في حكومة المركز والأهم في المحافظات الجنوبية؛ إذ يدرك أن شعبيته في بغداد تفوق ما تتمتع به بقية القوى الشيعية في المناطق الجنوبية باستثناء حضور مميز في البصرة. أما قول بعضهم: إن السنة أو هذا المكون أكثر حفاظًا على وحدة العراق، وهو قول صائب نسبياً إلا أن وجه اعتراض هذا المكون على الفدرالية آنذاك وقبل انتقال قسم كبير منهم إلى تبنيه بعد سنوات من الدمار لحق بمناطقهم، هو اعتراض ينصرف حول الشكل الأنسب للفدرالية وليس على مبدأ الفدرالية. في لقائنا مؤخراً مع بعض أعضاء وقادة السنة أكدوا لنا أن وجهة الاعتراض تذهب إلى أن القول باتخاذ الفدرالية هو الضمانة الوحيدة لعدم عودة الاستبداد ممثلةً بحكومة مركزية قوية كما تتذرع المكونات الأخرى، هو أمر باهت وحجة ضعيفة؛ إذ أن الفدرالية الجغرافية التي يطلبها الشيعة والأكراد لا تضمن كذلك عدم عودة الاستبداد أو إقصاء الآخر من خلال استبداد رجال الدين واتخاذهم نمطًا متعصبًا مذهبيًا قائمًا على ولاية الفقيه مثلاً أو نظام يكون أشبه بحكم الملالي في إيران في ظل بيئة عراقية متنوعة الطوائف والخلفيات الثقافية والعقائدية المختلفة، أي أنهم يرون أن نظام الفدرالية الإداري القائم على جعل كل محافظة إقليماً على سبيل المثال يضمن وحدة الكيانات السياسية (الأقاليم) في ظل عراق واحد متنوع؛ أي أنهم لا يفضلون نظامًا فدراليًا يقوم على عدد من المحافظات، لأن ذلك يؤدي بالضرورة إلى تقسيم العراق، وهو قول فيه من المنطق الشيء الكثير. بالرغم من أن هذه هي مواقف السنة عموماً إزاء الفدرالية ومبررات الشيعة تجاهها، إلا أنهم يقرون بفدرالية الشمال كونها أصبحت أمراً واقعاً فرضه عامل الزمن. إن إمعان النظر قليلاً إزاء الأوضاع السياسية في الشمال ودراستها في ضوء الموقف من الفدرالية، وأي نوع من الفدرالية أنسب لها، يجد المتتبع حقيقة تذهب إلى أن الفدرالية الإدارية أو الجغرافية هي الأنسب للشعب الكردي وليس الطائفية؛ فإذا أهملنا التطرق للعوامل الخارجية التي تمنع قيام أي فدرالية تحمل في ثناياها عوامل انفصالية واستقلالية، إلا أن الأحزاب السياسية الحاكمة في الشمال (الحزب الوطني الكردستاني والحزب الكردستاني) لا تتمتع بتأييد واسع لدى شريحة واسعة من الشعب الكردي، لعوامل مختلفة بدءًا من استبداد القيادة السياسية مروراً بسنوات الفرصة التي توفرت لهم وجعلتهم يتناغمون فيما بينهم وينبذون خلافاتهم قليلاً طالما أن هذا الوضع يحقق لهم مكاسب لا يمكن حصر فوائدها، وصولاً إلى حالة الاتفاق الهش الذي جمع قيادات هذه الأحزاب في ظل حكومة واحدة، لم يكن الشعب الكردي أبداً طرفاً في معادلة احتساب الفوائد الناتجة عن هذا الاتفاق. إذن فالفدرالية الإدارية القائمة على الإدارة اللامركزية للأقاليم تعمل على إقامة وإرساء حكومة تتسم بالشفافية، والإدارة الناجحة لتحقيق مطالب المجموعات السكانية المختلفة. فالمناطق الشمالية على الرغم من الأغلبية الكردية إلا أنها تحتوي مكونات الطيف العراقي المختلفة من العرب والأشوريين والتركمان والمسيحيين وغيرهم. كما أن النظام الفدرالي هذا يقترن بالنهج الديمقراطي الضامن الرئيس لتحقيق التنمية والتطور للمجتمعات وخصوصًا في الشمال الذي يشهد ثروات نفطية وسياحية تقضي معطيات العدالة توزيعها بين مختلف الأقاليم بصورة تتسم بالشفافية، وبما يحقق التنمية المتوازنة بين المناطق المختلفة، هذا عدا عن أنه يوطد وحدة أراضي الدولة العراقية، ويقلل من مخاوف الأطراف الأخرى من تقسيم العراق، وأخيرًا يحول دون استبداد حزب أو شخص على مجريات الحياة في الأقاليم. ولكن ما نراه بعد كل هذه المدة أن تبني نظام الحكم الفدرالي في منطقتنا العربية لم يؤدِّ إلا إلى ترسيخ التقسيم؛ إذ انتقلنا إلى تقسيم فعلي للدولة الواحدة الأمر الذي سيطر فيه مكون واحد يتمتع بأغلبية في إقليم معين على غيره من الأقليات، ونظرًا لغياب الديمقراطية عن هذا النظام في الحكم تصبح هذه السيطرة سيطرة طائفية ذات أهداف شوفينية إقصائية الهدف منها إخضاع طرف على حساب آخر، الأمر الذي ينتج عنه مزيد من الهويات الفرعية والصغيرة على حساب الهوية الجامعة، وهو ما أنتج بالمحصلة حالة من عدم الاستقرار المزمن سواء في الإقليم أو الدولة القومية كلها. دور إيران في تقسيم المنطقة محمد رشيد دكتوراه علوم سياسية في جامعة حلب تنطوي العلاقات العربية - الإيرانية على تعقيدات تأريخية ومعاصرة مخيفة، فإيران في توتر وصراع مع العرب منذ ما قبل التأريخ، حيث تمكن ملك فارس (قوروش) عام 542 ق.م من إخضاع الشام والعراق. ثم قام ابنه بإخضاع مصر وسائر بلاد العالم القديم، باستثناء الجزيرة العربية ويذكر المؤرخ اليوناني (هيرودوتس) أن العرب في الجزيرة بقوا مستقلين بأنفسهم إلى أن قام الملك (سابور الثاني) عام 370م بشن حملة إلى مدينة (القطيف والأحساء). ثم توغل في جزيرة العرب فقتل من تمكن منه من العرب ومثل بهم بقطع أكتافهم.ومع الفتح الإسلامي اكتسب الصراع العربي - الإيراني بعدًا دينيا في ظل الدولة الصفوية مطلع القرن الـ16 الميلادي، التي فرضت «الجعفرية - الاثني عشرية» مذهبًا رسميًا للدولة، إلى جانب صراع الحدود والتهام الأراضي العربية بدءًا بالسيطرة عام 1925 على إقليم عربستان المعروف حاليًا بـ«خوزستان - الأهواز» شمال الخليج العربي (أغنى مناطق النفط في إيران)، واحتلال الجزر الإماراتية (1971)، ثم محاولة السيطرة على كامل شط العرب، وكلها عوامل صراع وتوتر سحبت نفسها على العلاقات العربية - الإيرانية المعاصرة. ومع مجيء ثورة الخميني عام 1979 ظهرت عوامل جديدة في الصراع العربي - الإيراني ارتبطت بقضية تصدير الثورة واستمرار سياسة التوسع لغرض السيطرة في المنطقة العربية وكان هذا العامل من أبرز مسببات نشوب الحرب العراقية-الإيرانية، التي استمرت 8 سنوات. من خلال هذا الواقع يحاول الباحث الإجابة على الأسئلة البحثية الآتية : 2- ما الآليات والأدوات التي تلجأ إليها إيران لخدمة سياستها؟ 3- ما محددات السياسة الإيرانية للسيطرة على المنطقة؟ 4-ما مستقبل العلاقة مع إيران ومحدداتها؟ سلوك إيران وتوجهاتها للهيمنة على المنطقة: ما تمارسه إيران ليس طموحات سياسية واقتصادية يحق لكل دولة أن تقوم بها بالوسائل المشروعة، بل هي أطماع واسعة تتعدى حقوق الآخرين. فقد اتخذت السياسة الخمينية الإيرانية التوسعية مسارًا عدائيًا تصادميًا عبر خطين متوازيين([35]). الخط الأول: ممارسة العنف والتصعيد ضد العدو الحقيقي الدائم، وهم المسلمون السُّنة . الخط الثاني: إظهار العدو الوهمي (إسرائيل وأمريكا) بمظهر العدو الحقيقي الدائم كغطاء لإخفاء حربها الحقيقية على عدوها الرئيسي. لقد استطاعت إيران أن تخلق لها مواقع نفوذ في المنطقة العربية، فهي تتحكم بقوة بالقرار السياسي في العراق، وتخلط أوراق اللعبة الأمنية والسياسية في سوريا، ولبنان، واليمن، وترتبط بعلاقات خاصة مع حركة حماس في قطاع غزة، وتمتلك أوراقا عسكرية وسياسية في الخليج وفي أكثر من دولة عربية، خاصة مع الدول التي استفحلت فيها الخلافات السياسية، وولدت بدورها خلافات من نوع آخر، استنهضت معها الصراعات المذهبية والإثنية (العرقية) والطائفية وهو في هذه الحيثية بالذات عمل يتنافى مع قيم ومبادئ الأعراف السياسية والدبلوماسية في علاقات الدول بعضها ببعض. أصبحت إيران تمتلك أوراق ضغط كبيرة، ولاسيما بعد أن قطعت شوطا مقلقا بشأن تطوير برنامجها النووي، الذي أصبح بدوره يهدد أمن وسلامة المنطقة، لكنها، وهي تعدُّ نفسها دولة محورية في المنطقة، تسعى لأن تحافظ على إرثها التأريخي من السيطرة والنفوذ، وترتب أوراقها لأن تكون قوة إقليمية معاصرة، يكون لها رأي في تقرير مصير المنطقة. ولذلك، فإيران وتحت تسميات وعناوين مختلفة تقاتل «داعش» في العراق، وتتحكم بشواطئ الخليج العربي، ومضيق هرمز، وتتحرك نحو باب المندب، وتوجد عسكريا في إريتريا، وعبر تنظيم «الشباب» في الصومال، كما توجد أيضا في السودان، والمغرب، وهذا مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي، يقول: «إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التأريخ وعاصمتها (بغداد) حاليًا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي([36]). تسعى إيران جاهدةً إلى فرض نفوذها وهيمنتها على المحيط الجغرافي المجاور لها، وكأنها بذلك تحاول استعادة عرش كسرى وسلطان ما قبل القادسية إذ اتّبعت السياسة الإيرانية الخمينية سَنَن السياسات الإسرائيلية والأمريكية في التعامل مع الدول الأخرى والتدخل في شؤونها المحلية، إذ قامت تلك السياسة على بث الشقاق، وتفعيل الصراع، وإثارة الفوضى والأزمات، وإيقاظ الفتن. بصورة دينية طائفية عبر نشر التشيع ودعم الجماعات الشيعية في المنطقة وإثارة النعرات المذهبية والاضطرابات السياسية والفوضى. أولا: أدوات الضغط الإيراني في المنطقة: إن دور إيران في تقسيم المنطقة لا يعني أن إيران قادرة على التقسيم أو تملك القدرة على فرضه كدولة عظمى بل إيران تسهل أو تقوم بممارسات تؤدي إلى أو تدفع إلى التقسيم من خلال ممارسات في العديد من الدول العربية وتفاهمات مع الدول الكبرى في سبيل تمرير مشروعها: إن تحقيق نفوذ إيراني في أي دولة لا يمكن أن يتم في ظل وحدة مجتمعية ودولة مهيمنة ومستقرة لذلك فهي سعت إلى تقوية حلفائها في اليمن وتفجير الأوضاع العسكرية وإيجاد حالة من الفوضى العارمة التي يمكن معها إعادة صياغة موازين القوى؛ إذ لجأت إلى تمويل وسائل إعلامية فضائية وورقية وإلكترونية، وقد بدأت فعلًا بالسعي لاستخراج تصاريح لإصدار صحف مختلفة كما جرى تمويل وإطلاق عدة مواقع إلكترونية لجهات وأشخاص ومجموعات تعمل في إطار المخطط نفسه([37]). إن إيران أنفقت ملايين الدولارات لدعم مخططها لفصل الجنوب، ورصدت ضعف هذا المبلغ لمواصلة تنفيذ المخطط وإقامة دولتين. كما قامت باستقطاب نحو 1200 شاب من صنعاء وعدن وتعز وصعدة، ومناطق أخرى، من بينهم شيعة وسنة، وإرسالهم إلى سورية وبيروت لتلقي تدريبات عسكرية على يد مقاتلي (حزب الله)، ونقلتهم إلى مدينة (قُم) الإيرانية لمواصلة دراستهم الدينية هناك، وعملت على تحويل هذا العدد الكبير من شباب اليمن إلى خلايا تخريبية تتحكم فيها إيران للقيام بأعمال تجسسية وتخريبية تخدم مصالح طهران عندما تعيدهم إلى بلادهم([38]). ب- دور إيران في العراق: خلفت الحرب العراقية(1980-1988) آثارًا مدمرة وهيأت الفرصة لظهور الخلاف بين إيران والعرب على المستوى الرسمي والشعبي، وأسست لظهور إشكاليات كبيرة، من هذه الإشكاليات ما يتصل بالغزو الأمريكي للعراق، ودور إيران في مساعدة الولايات المتحدة في الغزو وما تـلاه من سياسات وممارسات وتصفيات سياسية وأمنية ودموية وهيمنت الجماعات المحسوبة على إيران على السلطة وتهميش المكون السني في العراق واعتبرت إيران من خلال أجهزتها وأدواتهـا وحلفائهـا تقـف وراءها ليتعزز لديها شعور بأن إيران لم تتراجع عن مخطط قديم بالهيمنـة علـى العراق، وأكد هذ الأمر جنرال أمريكي عام 2014 بمؤتمر عقد في ولاية أريزونا الأمريكية، إذ أشار إلى أن إيران اعتمدت أساليب في التدخل بالعراق من خلال الآتي([39]): - وسائل عسكرية: دعم الميلشيات وفرق الموت لبث الرعب في نفوس الشعب ودفعهم للهجرة وخلق حالة ودائمًا ما يكون دور الميليشيات الإيرانية هو تحقيق الأهداف الإيرانية خارج حدوده في العراق من خلال هذه المليشيات وقد كان لصعود “داعش” فرصة لإيران لتثبت أنها قوة مهمة في الشرق الأوسط، وينبغي الاعتراف بها كمفتاح أساس في حل معضلات المنطقة. اعتبرت إيران أن الثورات التي تجتاح العالم العربي، ولاسيما بعد ثورتي تونس ومصر، سوف تجعل من اندلاع احتجاجات شيعية في البحرين تطورا يبدو طبيعيًا تمامًا ولا يثير أي غرابة عن أي دور إيراني محتمل وراءها. وتصرف الأنظار عن الطابع الطائفي للاحتجاجات في البحرين وسوف تجعل العالم ينظر إليها على اعتبار أنها حركة احتجاجات شعبية بحرينية عامة، وعلى اعتبار أن المطالب التي تعبر عنها هي مطالب عامة للشعب البحريني، ولن يلتفت أحد إلى طابعها الطائفي، ولا إلى أن هذه المطالب طائفية لا تعبر عن كل شعب البحرين([40]). لقد توافرت مطالبات إيرانية تجاه البحرين، عرقلت التمهيد لعلاقات طبيعية، استنادًا إلى وجود الشيعة في البحرين، علمًا بأن الجانب العربي لم يتعمد المعاملة بالمثل فيما يخص، على سبيل المثال، (عبدان) نفسها، والتي كانت تُحكم ولمئات السنين من قِبل سلطان عمان العربي، بيد أن إيران لم تمض بعيدًا في هذه المطالبة.كما أن في الحسابات الاستراتيجية الإيرانية، كان يتم النظر دومًا إلى البحرين على اعتبار أنها مؤهلة لأن تكون المحطة التالية بعد العراق ، كنقطة الانطلاق الثانية الكبرى نحو تحقيق أطماعها الإقليمية في الهيمنة على مقدرات المنطقة بسبب وجود عدد كبير من الشيعة في البحرين، بالإضافة طبعًا إلى أطماعها ودعاواها في البحرين. فالتصريحات الإيرانية العدائية الرسمية تجاه مملكة البحرين والتي بلغت خلال الفترة من عام 2011م، وحتى نهاية عام 2015 حوالي 63 تصريحًا عدائيًا بما يعني تصريح كل ثلاثة أسابيع وهي ليست تصريحات عشوائية وإنما مدروسة وتصدر على لسان مسؤولين بكافة مستوياتهم ومنها تصريحات علي خامنئي في يوليو 2015م " إن طهران ستواصل نصرة الشعوب المظلومة في دول عدة من بينها البحرين وانتقد تعامل السلطات البحرينية مع المقدسات الشيعية خلال إحياء ذكرى عاشوراء" وبتحليل هذه التصريحات يلاحظ أنها تتضمن معاني عدة وهي([41]): أما على المستوى العملي للممارسات الإيرانية في البحرين فنجد([42]): 1-التفجيرات التي شهدتها منطقة سترة بالبحرين في يوليو2015 م، وراح ضحيتها اثنان من رجال الأمن وإصابة 6 آخرين، فقد أفادت التحقيقات أن المتفجرات المستخدمة في ذلك التفجير هي ذاتها من نوع المتفجرات التي تم الكشف عنها خلال عملية إحباط تهريب مواد متفجرة وأسلحة عن طريق البحر من خلال جماعات ذات صلة بإيران. 2-إعلان وزارة الداخلية البحرينية عن اكتشاف مخبئ للمتفجرات تحت الأرض في منطقة النوي درات في سبتمبر 2015م، فيه أكثر من 1,5 طن من مواد شديدة الانفجار وأسلحة . من جهة أخرى أعلن النائب العام البحريني أن تحقيقات النيابة العامة أثبتت أن هناك 18 تنظيمًا إرهابيًا تم ضبطها في البحرين، تلقوا دعمًا ماليًا ولوجستيًا من إيران والعراق وحزب الله وقد ضمت هذه القضايا 422 متهما. من خلال هذا العرض نلحظ أن التهديدات الإيرانية لمملكة البحرين ليست عابرة ولكنها بشكل ممنهج ومدروس بما يعني أن البحرين لا تواجه مخاطر دولة وإنما مخاطر مشروع إقليمي يستهدف الهيمنة ما يتطلب تضافر الجهود كافة لمواجهته . ث-دور إيران في سورية: أثار رئيس الحكومة السوري (يوسف زعين) قضية الأهواز عام 1965 ، وبقيت العلاقة غير جيدة حتى مجيئ حافظ الأسد إلى سدة الحكم، ونسج علاقات على أساس طائفي إذ سعى للحصول على اعتراف إيراني بأن العلويين فرقة من الاثني عشرية، كما أنه تواصل مع زعماء الشيعة في العالم وفتح لهم مكاتب في سورية، كما استخدم الخلاف الإيراني - الخليجي لتدعيم مكانته والاستفادة ماديًا من كلا الطرفين. إن المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية قد ساعدت في تسريع خطـوات التقارب الإيراني السوري الذي تجاوز في مرحلته الأخيرة مستوى التنسيق المتبادل إلى الارتباط الكلي خصوصًا بعد خروج القوات السورية من لبنان واغتيال رئيس الـوزراء اللبناني رفيق الحريري وأخيرًا اندلاع الثورة السورية التي فضحت الموقف الإيراني وحجم مساندتها للنظام، ماديا بمليارات الدولارات، وعسكريًا حيث زجت إيران النظام السوري بآلاف المرتزقة والقيادات العسكرية من: أفغانستان، والعراق، وباكستان زيادة على الدعم المادي والسياسي الكبير للنظام السوري([43]). لذلك إيران أمام مأزق كبير من تداعيات المشهد السوري وهي تستعد لكل السيناريوهات([44]). في حال سقوط النظام السوري على يد المعارضة السورية المسلحة في سياق الصراع الصفري الذي تشهده سوريا حاليًّا، فإن إيران ستفقد كليًّا مصالحها وأوراقها بدءًا من حزب الله وانتهاءً بخروجها من المشهد في سوريا. 2- (التوافق السياسي): وفقًا لهذا السيناريو ستتمكن إيران من الحفاظ على جزء معتبر من مصالحها الاقتصادية في سوريا سواء كسوق تصدير لسلعها، أو استحواذها بقدر ما ستمتلكه من أوراق مساومة على طاولة المفاوضات وعلى هذا الأساس, ربما تشارك طهران في عملية إعادة الإعمار وذلك إلى جانب بقية الأطراف الإقليمية المناوئة بعد الخروج بتسوية سياسية بين جميع الأطراف، أما فيما يخص ملف الطاقة فالاضطراب الأمني الذي من المتوقع أن يستمر طويلًا (مع تفكك تنظيم الدولة وتحوله إلى مجموعات عنقودية) قد يقلل من فرص نجاح مشروع خط الغاز؛ حتى لو تم إنشاؤه. 3- (التفكك والتقسيم): تبعًا لسيناريو تقسيم سوريا (عرقيًّا،ومذهبيًّا) إلى دويلات, ستتمكن إيران من تعزيز تمددها الاقتصادي في الشريط الساحلي العلوي (وبذلك يكون اقتصاد الدويلة العلوية تحت احتكار ثنائي من قبل إيران وروسيا)؛ وربما الكيان الكردي بالشمال الشرقي إلا أنها لن تتمكن من مد أنبوب الغاز من العراق إلى الكيان العلوي وفقًا لخطتها القديمة. ج- دور إيران في لبنان: إن الهدف الرئيس للسياسة الإيرانية في لبنان يتمثل في احتفاظ حزب الله بقوته ونفوذه من خلال وزنه ودوره في البرلمان وفي الحكومة (التحالف مع ميشال عون ومع الأرمن ومع جماعة سورية،)وله القدرة على تشكيل الحكومة والقدرة على تعطيلها، بقاء السلاح بيد الحزب والتحكم في تعيينات الجيش والقوى الأمنية والقضاء، وصولًا إلى تشكيل أغلبية برلمانية في الانتخابات المقبلة). وهذا يعطي إيران قدرة على التوازن مع إسرائيل (في حال التفكير بضربة إسرائيلية أو أمريكية لإيران فإن جبهة جنوب لبنان هي المرشحة للاشتعال والرد العنيف إلى قلب إسرائيل)، ومن خلال حزب الله وصلت إيران إلى حماس والجهاد أي إلى قلب فلسطين ما جعلها تتحكم أيضًا إلى حدٍ ما بالسياسات العربية والإسلامية حيال الصراع العربي-الإسرائيلي… فتفرض بالتالي توازنًا مع العرب (مصر والسعودية تحديدًا) يصل بها إلى شاطئ التوازن مع المجتمع الدولي (الملف النووي)([45]). فلبنان بالنسبة لإيران هو ساحة ليس إلا، مهمتها إدامة الصراع مع العدو الإسرائيلي على أرض الجنوب حيث بالإمكان التحكم الكامل بكل مجريات هذا الصراع، ما يعني إبقاء الدولة اللبنانية مفككة إن لم يكن غير موجودة، أو جعلها ضعيفة ورهينة سياسيا وعسكريا لحزب الله، والإبقاء ما أمكن على التحالف مع سورية خدمة لهذا الهدف. ثانيًا: المشروع الإيراني وسبل تحقيقه: يرتكز المشروع الإيراني على أسس أيديولوجية تحمل أبعادًا دعوية تسعى للتمدد والانتشار من خلال الخداع والمراوغة بالإضافة إلى: -محاولة اعتلاء منصة الإسلام والتحدث باسمه واستخدام مفردات الثورة ومقارعة قوى الامبريالية – طرح المشروع الإمبراطوري للتحول إلى قوة عالمية باسم المذهب الشيعي. -والتمدد إلى كل منطقة ودولة تارة تستخدم التمدد الناعم من خلال تجمعات ومراكز دينية وثقافية وتارة تمدد عسكري دعم عسكري حزب الله. -اتباع سياسة الخطوة خطوة بتجاه العمق العربي مستفيدة من التصدعات السياسية، ودعم المجتمع المدني في البلدان العربية والإسلامية، والعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية وتجنيس، وترتكز في تحقيق ذلك على: 1-القوة العسكرية الإيرانية إيران دولة منتجة للسلاح وهي مهتمة كثيرًا في تطوير مقدرتها النوويـة مـن خلال توظيف ما بين17– 15مليار دولار سنويًا من عوائدها النفطية في هذا المجال وغيره وتشتمل القوة العسكرية الإيرانية حوالي( 513) ألف من القوات العاملة ، و(350) الف من قوات الاحتياط، فضلًا عن قوات الحرس الثوري التي تـضم (120) ألـف مقاتل، وجاء سعي إيران لامتلاك منظومة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية(النووية)([46]). 2 –(حزب الله): يعدّ حزب الله من أهم أدوات النفوذ التي تملكها إيران في المنطقة العربية، وأصبح تنظيمًا عسكريًا يملك سلاحًا قادرًا على مواجهة جيش دولة. فيما يتعلق بالمساعدات المقدمة لـحزب الله هي وحدة من النخب التابعة للحرس الثوري الإيراني تسمى (قوة القدس) وهذه الوحدة مـسؤولة عـن النشاط العسكري الإيراني وتوجيه العناصر في لبنان، وفي أماكن أخرى من العالم. وتقدر اسرائيل أن المساعدات المالية التي تقدمها إيران إلى حزب الله عن طريق قوة القـدس تتعدى إل100مليون دولار في السنة، زيادة على التدريبات والإرشادات التي تتم في إيران ولبنان، وتوفير الوسائل القتالية النوعية، ونقـل المعلومـات الاسـتخباراتية عـن إسرائيل([47]). نجحت إيران عن طريق المساعدات إلى حزب الله من تحويل هذا الحـزب من منظمة إرهابية إلى قوى عسكرية ذات قدرات عالية، وتـأثير فـي الطائفة الشيعية والسياسة اللبنانية عمومًا، ويعترف الموساد الإسرائيلي بـأن القـدرات التنفيذية لـ (حزب الله) هي في مستوى دول وليست في مستوى منظمة إرهابية، وذلـك تجسد في حرب تموز 2006 ، وإن وجود حزب الله يوفر للإيرانيين الفرصة والقدرة من وجهة النظر الإيرانية على إحداث تدهور اقليمي من دون تدخل مباشر، وضرب مصالح اسرائيل والغرب طبقًا لاعتبارات السياسة الإيرانية. سلوك حزب الله في الدول العربية([48]) -اسـتغلت إيران الـرحلات الجويـة المخصصة لنقل المساعدات الانسانية لمنكوبي الهزة الأرضية جنوب شـرقي إيران كانون الأول/ ديسمبر2003 ، وكانون الثاني/ يناير2004؛ لتحميل الطـائرات معـدات ووسائل قتالية وشحنها إلى حزب الله. -محاولة اغتيال أمير الكويت جابر الأحمد الصباح بتفجير سيارة مفخخة عام 1985. -خطف طائرة كويتية في مشهد عام 1988 ، وفي نوفمبر 2008. - تم في مصر تفكيك خلية لحزب الله والقبض على( 26 ) شخصًا من أصل ( 49) عنصرًا نجحت السلطات المصرية في تحديد هوياتهم، كانوا يخططون لهجمات تستهدف أهدافًا مصرية بما في ذلك مراقبة قناة السويس. -وفي مطلع العام 2011 تم اكتشاف خلايا تنتمي لحزب الله في الكويت والبحرين والسعودية ، علاوة على تدخل حزب الله المباشر في الشؤون الداخلية لبعض دول الخليج، كما أسهم الأمين العام للحزب “ حسن نصر الله ” في تصاعد عمليات العنف في هذه الدول بتصريحاته التحريضية - وتورطه في أحداث العنف التي شهدتها مدينة القطيف السعودية مطلع عام 2011، وتهديده يوم 23 فبراير 2013 بغزو السعودية ودخول الحرمين الشريفين . - وفي العراق اعترف حسن نصرالله في16فبراير 2015، بوجود عناصر تابعين للحزب يقومون بالقتال في هذا البلد الذي أصبح خاضعًا لإيران ومليشياتها المسلحة . -مشاركة حزب الله في الأحداث اليمنية، وتم القبض على أسرى من حزب الله في المعارك الدائرة في اليمن، كما أن لهذا الحزب دورًا في تدريبات عسكرية للحوثيين سواء في لبنان أو بعثهم إلى طهران. -وفوق هذا كله فإن هذا الحزب كان شريكًا أساسيًا في الجرائم الوحشية التي ارتكبها النظام السوري بحق المواطنين السوريين، إذ استخدم في القصير، والزبداني، ومضايا، أفظع المجازر البشرية، فضلًا عن الحصار والتهجير والتجويع، الذي أدى إلى الكارثة الإنسانية والأخلاقية بسبب حصارها الحزب لـ40 ألف مدني سوري في بلدة مضايا بريف دمشق، بعد أن أطبقت مليشيا حزب الله الحصار عليهم سبعة أشهر، مما دفع الناس لأكل الشجر والقمامة . -يقول حسن نصر الله أمين عام "حزب الله" اللبناني: "ما تقوم به إيران في منطقتنا إنما تؤدي به واجبها الإلهي، وهي منسجمة مع عقيدتها ودينها"([49]). على الرغم من تبني إيران منذ قيام الثورة الإسلامية المشروع الإسلامي وترويجها عبر أدوات سياستها الخارجية المتعددة لنموذج الثورة الإسلامية، فإنها قد اتجهت في العديد من مسارات سياستها الخارجية إلى التعامل وفق مبدأ المنفعة المتبادلة من منطلق (براغماتي) يغلب المصلحة على الإيديولوجية من خلال سعيها لبناء تحالفات مع دول تتباين أنظمتها السياسية مع النظام الإيراني مثل سوريا ومع جماعاتها وحركات سياسات مختلفة إيديولوجيا معها مثل حركة «حماس»([50])، مؤكدة أن إيران تمتلك في هذا الإطار أدوات عدة تستخدمها في تحركاتها في المنطقة، ومن أهمها أدوات إيديولوجية واقتصادية إذ تقوم إيران بمحاولة نشر للمذهب الشيعي الإثني عشر في عدد من البلدان العربية من خلال أدوات غير رسمية للدولة وهو ما يتضح من خلال العديد من المؤسسات الخيرية مثل مؤسسة «المستضعفين» و «الشهيد» و«الإمام الرضا» و «الخامس عشر» وغيرها وهذه المؤسسات تعمل بشكل كبير على سبيل المثال في سوريا دول الخليج وإفريقيا ومن خلال ما تلقاه هذه المؤسسات من دعم مالي من النظام الإيراني، وممارساتها لأنظمة اقتصادية متعددة معفاة من الضرائب فإن هذه المؤسسات بدورها تقوم بدعم بعض الجماعات الموالية للنظام مثل الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، أيضًا تمتلك إيران أدوات عسكرية وتستخدم إيران هذه الأدوات بفاعلية مع العديد من حلفائها ومن أهمهم حزب الله اللبناني الذي يعد إحدى الأوراق الإيرانية الرابحة لدعم دورها الإقليمي([51]). 4-الدعم المادي والعسكري: إن حجم الدعم الإيراني لحلفائها في المنطقة العربية سنويا للميليشيات الشيعية في العراق بين (100) و(200) مليون دولار سنويًا وتٌقدر مساعدات إيران للنظام السوري ما بين مليار إلى ملياري دولار سنويًا، (500) مليون دولار منها خُصصت للمساعدات العسكرية وأما دعم حزب الله في لبنان فيٌقدر (300) مليون دولار سنويًا([52]). وتنوعت صور الدعم الإيراني المتزايد للحوثيين في اليمن بين المساعدات المالية والعسكرية والتدريب وإرسال الخبراء. ودوائر القرار الإيرانية تجمع على ضرورة استمرار دعم حلفائها في المنطقة بالرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتراجع أسعار النفط عالميًا، وقد أثّر ذلك بشكل سلبي على الحالة الاقتصادية الإيرانية، ولكن لأن هذا الدعم يحقق مميزات عدة منها: ضمان أمنها القومي فضلًا عن تعزيز نفوذها في المنطقة العربية، وكذلك من حيث كونها قوة إقليمية على الساحة الدولية ما يُقوي من وضعها التفاوضي مع الغرب. على سبيل المثال، حزب الله في لبنان، والذي كان يحظى في وقت من الأوقات بدعم عربي بحجة مقاومة إسرائيل، والآن أصبح لها دور ميليشياتي آخر في تحقيق الأهداف الإيرانية في سوريا والمنطقة، ونجد إيران قد فرضت سيطرتها في بعض المناطق السورية، وتحاول فرض سيطرتها في غرب العراق بضرب “تنظيم الدولة الإسلامية” في الأنبار وغيرها، فتصل منها إلى الحدود الأردنية العراقية، فتطل منها على الأردن والجزيرة العربية كمنطقة نفوذ([53]). التوصيات: -مواجهة مشروع إيران تحتاج إلى عمل استراتيجي متكامل، وأعتقد أن إيران تسابق الزمن لتعويض وجودها في سوريا والعراق ولبنان واليمن. - إن نظام طهران لا يعمل على نشر حضارة أو تطور في الدول العربية، بل يبذل ما في وسعه لتخريبها وتدميرها وتقسيمها، حتى لا يبقى في المنطقة سوى طهران وتل أبيب، أما بقية الدول العربية والإسلامية يجري العمل على تحويلها إلى كنتونات ضعيفة وهشة تتصارع فيما بينها دينيًا، وقوميًا، وعشائريًا، وقطريًا، وطائفيًا، إلى أجل غير مسمى. -على دول المغرب العربي أن تتحرك بسرعة ضد التمدد الشيعي باتخاذ قرارات صارمة، وتراقب السفارات الإيرانية التي تصنع خلايا نائمة ستحركها في الوقت المناسب، وحينها لن ينفع الندم. -على دول الخليج أن تعمل ما في وسعها لفك الارتباط بين شيعتها وطهران، وذلك بتفكيك نظرية "الولي الفقيه"، التي لن تتحقق إلا بتحرك الشيعة ضدها. - توجد فرصة ذهبية للقضاء على مشروع إيران، وذلك بدعم الثورة السورية والقضاء على ميليشياتها الأخرى في إطار مكافحة الإرهاب وغيره، كما يجب دعم القضية الأحوازية القوى المناهضة لنظام الملالي ولاسيما حركة مجاهدي خلق مثلًا، التي تناهض مشروع الملالي ولها قوة شعبية داخل الكيان الإيراني. - إصلاح العلاقة المتوترة مع تيارات الإسلام السياسي المعتدلة؛ لأن الحوار معها والوصول لحلول وسط سوف يخفف من حالة «الاستقطاب السياسي» السائدة في المجتمعات العربية وما نتج عن ذلك من عنف وعزل وتهميش قوى التطرف والعنف والإرهاب في المنطقة. - تشكيل محور إقليمي عربي يشمل تركيا. ومثل هذا التوجه يتطلب بعض السياسات التصحيحية، بحيث يتم تقريب وجهات النظر بين تركيا وبعض الدول العربية، يتم من خلاله تجاوز تداعيات الثورات العربية، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على خلق علاقات تعاونية أساسها التوافق وليس الاختلاف. النتائج: يمكن أن نستخلص بعض النتائج التي يمكن أن تخدم الواقع العربي الصعب: -يمكن القول: إن ظاهرة التدخل الإيراني في شؤون بعض الدول العربية، ولاسيما في العراق ولبنان والبحرين واليمن «تجمعها جوامع أو عناصر عدة، الجاذبية الغلابة لإيران في الأوساط الشيعية في سائر إنحاء العالم، ولاسيما في المشرق العربي والخليج. -وجود مشروع ديني– سياسي للثورة الإسلامية، يرمي إلى إلحاق كل الشيعة في العالم بالزعامة والمرجعية الإيرانية، وغلبة الطابع الأمني– السياسي على علاقة إيران بشيعة المشرق العربي والخليج. - لم يكن الغرب يومـًا ولاسيما الولايات المتحدة في موقف إسقاط النظام الإيراني، بل على العكس، وخلافـًا لما يراه كثيرون، ظل النظام الإيراني منذ قيامه حاجة أميركية في وصفه فزاعة ضد العرب، بما يجعل الدول العربية بحاجة ماسة إلى الوجود العسكري الأميركي في الخليج؛ إذ تم تقديم صفقة إيرانية للولايات المتحدة تشمل : أ-اعترف إيران أن مسألة الدمار الشامل والإرهاب قضيتان مهمتان وهي على استعداد للتفاوض عليهما. ب-تعمل إيران على وقف دعم حماس والجهاد الإسلامي في صراعهم مع إسرائيل. ت-دعم إيران لعملية نزع سلاح حزب الله اللبناني وتحويله إلى حزب سياسي. ث-لا مانع من لدى إيران من التوقيع على البروتوكول الإضافي بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ج- تتعاون إيران بصورة كاملة لمواجهة المنظمات الإرهابية. ح-اعتراف إيران رسميا بالحل القائم على حل الدولتين _القضية الفلسطينية. خ- تعمل إيران مع أمريكا على دعم استقرار العراق مقابل اعتراف أمريكا بشرعية نفوذ إيران والنفوذ يعني ممارسة كل السياسات التي تحقق أهداف إيران ومنها تقسيم المنطقة. -ان العلاقة بين إيران واسرائيل ليست علاقة تضاد فهناك الكثير من نقاط الالتقاء فمثلا يظهر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في أغسطس 2006م ليعلن أن بلاده لا تشكل خطرًا على إسرائيل. وتكرر المشهد في يوليو 2008م بإعلان نائب الرئيس الإيراني وصهره - أسفنديار رحيم مشائي - أن إيران هي صديقة الشعب الإسرائيلي. وقال - بحسب ما نقلت عنه صحيفة (اعتماد) ووكالة أنباء (فارس) المعروفة بقربها من التيار الإيراني المتشدد -: إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والشعب الإسرائيلي.. وقال: "إننا نعتبر الشعب الأمريكي بمثابة أحد أفضل شعوب العالم"([54]). - يظهر مما سبق أن السياسة الإيرانية لا تختلف كثيرًا عن سياسات الدول الاستعمارية، حيث تتدثر بالشعارات البرّاقة لتعيث في الأرض الفساد، ولسان حالها يقول: "إنما نحن مصلحون"، بينما الواقع يقول: "إنهم هم المفسدون". فقد دمر الاتحاد السوفييتي جزءًا واسعًا من العالم تحت شعار مقاومة "الرجعية والإمبريالية"، والغرب جاء بشعار "الحرية، والديمقراطية، وحرية الإنسان" كغطاء لنشر الدمار والخراب في الأرض.. وها هي إيران تسير على نفس الدرب رافعةً بإحدى يديها شعارات "الممانعة" و"الموت لإسرائيل وأمريكا"، بينما اليد الأخرى تبطش بالمسلمين سفكًا وتنكيلًا، وما أحداث سورية واليمن عن واقع هذا الحال ببعيدة. -هناك معضلة استراتيجية تنعكس على سياسات إيران تجاه الجوار العربي وتتمثل هذه المعضلة الاستراتيجية في ثلاث نقاط: -يعدّ مشروع (أم القرى) أو المشروع الإيراني لعام(2005-2020) وثيقة رسمية إيرانية للتوسع في المنطقة والهيمنة من خلال تفتيت المنطقة وخلق الفوضى فيها. وتقوم هذه الاستراتيجية على: -الحفاظ على الطابع الإسلامي لايران0 -التوسع إقليميًا. -تعزيز القدرات العسكرية لإيران. خاتمة: إن إيران تحركت في المنطقة كدولة فارسية قبل أن تتحرك كدولة إسلامية، رغبة في بناء الإمبراطورية الفارسية وتوظيف المذهب الشيعي، والذي يرى أنهُ من حقها توظيف المذهب. يحاول الموالون لإيران أو المعجبون بها تسويق هذا المشروع على أنه مشروع أممي حضاري للإسلام والمسلمين تنقصه المقومات بسبب الأنظمة الفاشية التي استعمرت العالم العربي والإسلامي. لم تكن إيران يومًا عنصرًا مقررًا في العالم العربي كما هي اليوم. لقد صارت جزءًا لا يتجزأ من أحداث أساسية تعيشها المنطقة العربية بعد الانتفاضات التي ضربت بنى مجتمعاتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ويستند التدخل الإيراني في الوضع العربي إلى جملة عناصر تتصل بنظرة إيران إلى موقعها ودورها في المنطقة، وإلى نظرة جيوبولتيكية ترى المنطقة العربية واحدًا من مدارات المدى الحيوي لإيران ومصالحها، كما تستند إلى عنصر طائفي مذهبي ترى إيران فيه دورًا «رسوليًا» عليها القيام به دعمًا لأبناء الملة التي ينتسب اليها ملالي النظام وضرورة أن تكون لهم اليد الطولى في تقرير المصير تعويضًا عما فات أبناء المذهب منذ خمسة عشر قرنًا، وانتقامًا لما أصاب «أهل البيت» في ذلك الزمان الذي لا يزال متواصلًا حتى اليوم ويتفاعل فيه. الأبعاد الاستراتيجية لإعادة محاولات تقسيم المنطقة العربية الدكتور حارث قحطان (بدون صورة للكاتب) باحث في مؤسسة "أبعاد" لا يخفى على أحد من مشاريع تقسيم المنطقة العربية قديمًا وحديثًا، والتي تتبناها الدوائر الاستخبارية، التي اتخذت أسماء ومدلولات كثيرة، منها مشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم مشروع الشرق الوسط الجديد، الذي تسعى الولايات المتحدة الى تحقيقه بمساعدة الدول الغربية وإسرائيل، وذلك من خلال إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى، ما يشكل مشروعًا مضادًا لمشروع وحدة الدول العربية، وتحاول الدول العربية بلا أدنى شك عرقلة هذا المشروع بكل الوسائل المتاحة. فمنذ قرن من الزمن شهد العالم إبرام اتفاقية سايكس –بيكو عام 1916، وهي اتفاقية المؤامرة الغربية الكبرى؛ لتقسيم الوطن العربي وإيجاد حدود اصطناعية بين مناطقه على نحو يحول دون تحقيق الوحدة الوطنية، ومع حلول ذكرى تلك الاتفاقية السيّئة الصيت تبدو المنطقة العربية وكأنها تعيش مخاضًا حقيقيًا لمشاريع التقسيم من خلال سلسلة الحروب الأهلية التي تعيشها المنطقة، وكذلك النزاعات القومية والطائفية التي يمرّ بها أكثر من بلد عربي، مثل العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وغياب التفاهم السياسي في لبنان. كل هذه الاحداث والتي تجري في المنطقة العربية تدعونا إلى التساؤل: هل هذه بداية تقسيم الدول العربية من خلال إثارة النعرات العرقية والطائفية وصولًا إلى تفتيت الدول العربية؟ وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد مرور قرن كامل على اتفاقية سايكس –بيكو. تذكرنا هذه الأحداث بمقولة الحاخام "فيشمان" عضو الوكالة اليهودية في شهاداته أمام اللجنة الخاصة للأمم المتحدة للتحقيق في 9 يوليو 1947: "إن أرض الميعاد تمتدّ من نهر مصر إلى نهر الفرات وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان"([55]). إن ما يجري على امتداد الساحة العربية من الأحداث، سواء كان في دول الخليج أم في العراق واليمن وليبيا والسودان وسوريا ولبنان ومصر ودول المغرب العربي، ليس من قبيل المصادفة، وإنما هو بداية عصر تجزئة الوطن العربي. كان المحافظون الجدد في غاية الحماسة لإحكام السيطرة الأمريكية على العالم العربي عبر تنفيذ مخططات التقسيم الطائفي والعرقي انطلاقا من رؤية برنارد لويس لخريطة الشرق الأوسط الجديد عبر استراتيجية ما سمي بـ"الفوضى الخلاقة". وقد قامت صحيفة "نيويورك تايمز" بنشر دراسة أعدَّها الباحث الأمريكي "روبين رايت" من معهد السلام الأمريكي ونشرت في سبتمبر 2013، تحت عنوان "تخيل إعادة رسم خريطة الشرق الوسط"، تحدثت فيها الدراسة بكل وضوح عن سيناريوهات تترجم سعي الولايات المتحدة إلى تقسيم خمس دول عربية هي: السعودية وليبيا واليمن وسوريا والعراق إلى أربع عشرة دولة، وهذا المخطط سيخدم المصالح والأهداف الأمريكية في المستقبل([56]). ويرى الدكتور جمال شقره مدير مركز بحوث الشرق الأوسط في ندوة عقدها المركز أن نظرية المؤامرة تظهر بشكل واقعي وملموس في الأحداث الجارية، وأن الأهداف الاستراتيجية لتقسيم المنطقة العربية وتفتيتها هي أهداف أمريكية وإسرائيلية وغربية، يمكن إجمالها بما يأتي: أولًا : السيطرة على منابع البترول العربية. يلعب النفط دورًا أساسيًا كمُحدِّد لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية منذ بدايات القرن الماضي، إنطلاقًا من قناعةٍ مفادها أن السيطرة على هذه السلعة الاستراتيجية التي تغذي الاقتصاد العالمي تضمن التفوق الأمريكي، وتعزز من هيمنة الولايات المتحدة في العالم، وتحسم التنافسية الدولية لصالحها، ومن هنا بنتْ واشنطن استراتيجيتها على تأمين نفطٍ رخيص، وتعزيز وجودها في مناطق إنتاج هذه المادة الخام، وعدم السماح لأي قوة أخرى باحتكارها أو التحكم في أسعارها، بل اتجهت مؤخرًا للسيطرة المباشرة على مناطق إنتاجها من خلال غزو العراق واحتلاله. ولا يُعدّ التوجه الأمريكي جديدًا، وإن كان قد ازداد وضوحًا منذ أن تولى جورج بوش الابن رئاسة الإدارة الأمريكية السابقة، ذات الارتباطات القوية بشركات النفط الأمريكية. يُحدّد الجنرال الأمريكي" انتوني زيني" الرئيس السابق للقيادة الأمريكية في منطقة الخليج خلال محاضرة ألقاها في المعهد الملكي البريطاني (تشاتهام هاوس)، في مايو 1999 م، مبررات دوافع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة العربية في أربع اهتمامات رئيسة، جاء على رأسها النفط حيث أوضح أن المنطقة تملك 65% من احتياطي النفط العالمي، لذا فالأولوية الأمريكية في هذا الشأن هي الإبقاء على تدفق النفط([57]). ولذلك نجد في الفصل الثامن من وثيقة السياسة الوطنية للطاقة الصادرة عن مجموعة تطوير السياسة الوطنية للطاقة التي رَأسها "ديك تشيني"، إشارة واضحة إلى أهمية الشرق الأوسط كمورد نفطي رسمي إن لم يكن هو الأهم في العالم. ومما جاء في الوثيقة "من المتوقع أن تنتج دول الخليج ما بين 54-76 % من النفط العالمي بحلول عام 2020، الأمر الذي يستمر معه الاقتصاد العالمي في الاعتماد على نفط الدول الأعضاء في منظمة أوبك OPEC، وبخاصة دول الخليج، ولهذا ستبقى المنطقة حيوية بالنسبة للمصالح الأمريكية"([58]). إن الحقيقة الجيوستراتيجية تؤكد أن هناك أربع دول عربية في منظمة أوبك سوف تستأثر وحدها بنحو 60% من الطاقة الإنتاجية الكلية لمنظمة الأوبك عام 2020 م، وهذه الدول هي السعودية، والعراق، والإمارات والكويت، إذ سيتجاوز نصيب هذه الدول من الصادرات العالمية 41%، وهذا ما أقرّ به تقرير" الاتجاهات الأربعة حتى عام 2015 م "الذي أشرفت عليه أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والصادر في أكتوبر عام 2000 م، أي قبل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول بأقل من عام واحد، حيث أشار التقرير إلى أن ( منطقة الخليج العربي ستظل أكبر مصدر للبترول لمواجهة الزيادة في الطلب من 75 مليون برميل يوميًا عام 2000 إلى 100 مليون برميل يوميًا عام 2015 وهو الطلب الذي يتعاظم من جانب أساسي من قبل الولايات المتحدة)([59]). ثانيًا : الحفاظ على أمن اسرائيل. يُقدم كميل منصور في دراسة له عن علاقة أمريكا بإسرائيل، تفسيرات عن سبب تلك العلاقة والدعم الأمريكي لإسرائيل، حيث ينطلق من التفسير الأدائي الذي يقضي باعتبار إسرائيل أداة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وبعبارة أخرى: إن الدعم الأمريكي لإسرائيل والمحافظة على أمنها، إنما هو تأكيد لحقيقة مهمة، فإسرائيل شكلت دعامة حقيقة استندت إليها الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط، وهي حليف ذو قيمة مميزة لأسباب تنبع من المصالح الأمريكية في المنطقة([60]). إن دعمَ إسرائيل يحتل الأولوية المتقدمة على أجندة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط باعتبار أن الولايات المتحدة لم يكن لديها في أي مرحلة أي جدل بشأن الموقف من إسرائيل، فمنذ نشأة هذه الدولة كان الجدل حول المدى الذي تذهب إليه في دعم إسرائيل وطبيعة هذا الدعم ومقدار التوازن بينه وبين بقية الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط وغير ذلك من اعتبارات لا تمس جوهر " أولوية الدعم الأمريكي لإسرائيل"، باعتبار أن إسرائيل تمثل رصيدًا ايجابيًا واستراتيجيًا للولايات المتحدة وحليفًا يمكن لواشنطن الاعتماد عليه لحماية مصالحها في المنطقة([61]). ومن هنا كان الدعم الأمريكي وما يزال من الثوابت لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، وكذلك لدى دورات الكونجرس المتتالية، أي أن مختلف القادة في التيار العام للسياسة الأمريكية أكدوا التزامهم بأمن إسرائيل، وبأن يكون لديها من القوة العسكرية ما يضمن تفوقها على الدول العربية. إِن الاستراتيجية الأمريكية كما يقول "رتشارد هاس"، تحاول أن تجعل إسرائيل الدولة الأقوى بالمنطقة، وذات اقتصاد يدخل ضمن المنافسة العالمية من خلال تحصين أمنها باعتبارها تملك أكبر ترسانة نووية في المنطقة([62]). أما بخصوص السلام بين العرب وإسرائيل فيقول"رتشارد بيرل": "إن الولايات المتحدة في أفضل الأحوال ستمارس تأثيرها بمساعدة الوسطاء في إنشاء دولة فلسطينية محايدة ومنزوعة السلاح". ثالثًا : إضعاف النهج الاسلامي: لم يرتبط الفكر الأمريكي بشأن "المفهوم الإسلامي" ورؤيته الواسعة في الأوساط الأمريكية بأحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001 م فحسب، وإنما كانت أبعاد هذه الرؤية تمتد إلى أبعد من هذا الحادث. وفي هذا الصدد يقول رتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق "إن الأصولية الإسلامية عقيدة قوية، تحتكم إلى الدين لا العلمانية وهي تخاطب الروح لا الجسد، إن القيم العلمانية الغربية لا يمكنها أن تنافس هذه العقيدة، وبالمثل لا تشكل القيم العلمانية في العالم الإسلامي منافسًا لها. وفي صراع الحضارات لا يكفي أن يكون أقوى وأغنى دولة عبر التاريخ، أما الأمر الحاسم فهو قوة الأفكار العظيمة الدينية والعلمانية التي جعلتنا أمة عظيمة". أما السناتور داني كويل فيقول " لا يزال العالم مكانًا خطرًا، لقد أخذتنا الدهشة من القرن المنصرم لبروز الشيوعية والنازية والأصولية الإسلامية"([63]). وفعل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الشي نفسه عقب حادث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 م، حينما تحدث عن "الإيديولوجيات المدمرة" وشبّه ما يعتقد فيه" الإسلاميون الأصوليون"، بما كان يؤمن به النازيون والفاشست. وعند تحليل الأقوال السابقة يتبيّن أن الصراع أساسه يقوم على المستوى الديني- الثقافي، فضلًا عن المستوى المادي، وهذا يتضمن تنفيذ وسائل سياسية منفصلة ومتقاربة، وقد تحققت تلك الاستراتيجيات من خلال الجمع الملائم بين الأمرين من أجل إقناع العدو لاحقًا بتغيير غاياته من خلال توجيه ضربه نفسية لهويته. إن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية بشكل عام تتكون بصورة عامة من ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تهدف إلى تحقيق توازن بين القوى المعنية، وبعبارة أخرى إنها تنظر إلى الحركات الإسلامية نظرة واحدة، في حين تهدف المرحلة الثانية إلى إحداث انشقاقات وانقسامات، واستغلال التوتر في معسكر الأخر(العدو)، وبمعنى آخر التمييز بين الحركات الإسلامية وتصنيفها إلى "معتدلة" و"متطرفة". أما المرحلة الأخيرة فتهدف إلى تغيير أهداف الخصم وسلوكه، أي تغيير أهداف الحركات الإسلامية" المعتدلة "بما ينسجم ومصالح الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي من جانب، وإضعاف الحركات الإسلامية المقاومة من جانب أخر. وعلى هذا الأساس اتبعت الولايات المتحدة وسائل عدة بعضها تقوم بها مباشرة ووسائل أخرى يقوم بها حلفاؤها؛ إذ يدرك الأمريكيون أن الحركات الإسلامية المقاومة، هي أخر معاقل مناهضة مشاريع الهيمنة الغربية والأمريكية، وأن الولايات المتحدة لن تتراجع في محاولات فرض هيمنتها لسبب بسيط وهو الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط. وللأبعاد والعوامل السابقة تتبع الاستراتيجية الأمريكية والمتمثلة في توسيع نفوذها وهيمنتها على الشرق الأوسط، وإن كانت هيمنة مغايرة لما يعرفها "غرامشي"،" الهيمنة الإيديولوجية التي من خلالها تؤسّس طبقة اجتماعية سلطتها على منظومة اجتماعية بالتراضي، وليس بالإكراه أو بالقيد"؛ إذ أن الهيمنة الأمريكية واضحة من خلال الفوضى التي تخلقها هي "امبراطورية الفوضى"، وهذه الهيمنة هي نتاج عدم تبلور بديل عنها أكثر مما هي نتاج تفوق حقيقي للولايات المتحدة في مجالات حاسمة. مشروع تقسيم الأمة.. وسبل المواجهة (وضع العنوان فوق الصورة) أ. ظافر بالطيبي إعلامي وباحث في الحضارة الإسلامية من تونس لا يختلف اثنان على أنّ ما تمرّ به الأمة الإسلاميّة اليوم هو من أسوأ مراحل تاريخها الحديث؛ئ\ إذ ساء حال البلاد الإسلاميّة، والعربيّة على وجه الخصوص،ولاسيّما مسته لّهذا القرن. في حين تغوّلَ النظام العالمي الجديد واتسعت الهوّة الحضاريّة بمختلف تجلياتها بين بلاد الغرب وبلاد الإسلام، حتى أضحت التبعيّةُ والاستسلامُ الواقعَ الذي لا مناص منه وِفق ما يراه كثير من المثقفين والحكام. فقد استحالت البلاد العربيّة إلى قصعة تتهافت عليها أكَلَتُها من كل حدب وصوب، كما وصفها الرسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم([64])وائتلفت نخبها وأنظمتها اتباع الغرب المتقدّم القذّة حذو القذّة، بعد أن تآمرت الأمم الغربيّة على الخلافة الإسلاميّة وكادت لها حتى أسقطتها في مارس آذار 1924. وأصبحت الأمة الإسلاميّة دولا مشتتة تحكمها أنظمة مختلفة ومنهكة تمّ اقتسامها فيما بعد بين القوى الغربيّة الكبرى. وذلك بعد أن كان المسلمون وفتوحاتهم مضربَ المثل عبر التاريخ "حادث الفتح الإسلامي بهذه السرعة التي اتسق بها لم يسبق له مثيل في التاريخ، حتى قال الكثيرون:إنّ العرب فتحوا في ثمانين سنة أكثر مما فتح الرومان في ثمانمائة سنة. وكان نابليون يقول:إنّ العرب فتحوا نصف الدنيا في نصف قرن"([65]). ولا شكّ أنّ مردّ تقهقر حال الأمّة بعد ازدهارها وتطوّرها في الصدر الأوّل للإسلام هو تآمر الغرب عليها وكيد أعدائها لها من الداخل والخارج؛ من أجل إخضاعها والسيطرة على ثرواتها وعوامل قوّتها التي أقضّت مضاجع حكّام أوروبا بعد الفتوحات الإسلاميّة العظيمة، وتميّز المسلمون في شتى العلوم، وازدهرت تجارتهم وعِمارتهم وفنونهم "اتفق المؤرخون العصريون من أهل أوربا، على أنّ بغداد في القرن الثالث للهجرة كانت أرقى مدن ذلك العصر حضارة، وأزخرها عمرانا، وأعظمها ثروة ورفاهية، وأنّ هارون الرشيد كان أكبر سلاطين ذلك الدهر، وأنّ عبد الرحمن الناصر في القرن الرابع كان أرقى ملوك الغرب من مسلمين وإفرنج، وكانت الأندلس في أيامه أرقى الممالك كلها"([66]). ومازالت الأمة الإسلاميّة مستهدفة في أمنها وأرضها ودينها وثروتها مذ ذلك العهد إلى اليوم، وما زال أعداؤها من الممالك والدول الغربيّة يكيدون لها الفتن والمؤامرات حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم من التشتت والانقسام والوهن، حتى بعد استقلال أغلبها أواخر القرن الماضي من احتلال الدول الأوروبية الكبرى، إلاّ أنه سرعان ما تبيّن أنّ ذلك الاستقلال لم يكن سوى وهم سياسي أقنعت به القوى الاستعمارية الشعوب العربيّة والإسلاميّة بحريتها بعد نجاح مخطط سايكسبيكو، واقتناع المسلمين بانقسامهم الجديد وتفكك وحدتهم وعدم جدوى خلافتهم الضائعة في النهوض بهم من جديد إلى مصافّ الدول الكبرى. ولئن كانت العوامل والأسباب لانقسام المسلمين وتشتتهم كثيرة إلاّ أنّ أكثرها خطورة على الإطلاق الاعتقاد بأفضليّة هذا الانقسام وعدم جدوى توحيد الأمّة من جديد، ويعللون ذلك بتعليلات واهية يعود معظمها إلى حقيقة الأنظمة الجديدة وطبيعتها، التي استخلفها الاستعمار على بلاد المسلمين بعد منحها استقلالا صوريّا وإبداله باحتلال جديد أكثر ذكاء وتطورا، يقوم أساسا على التبعيّة السياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة للقوى الاستعماريّة الغربيّة الكبرى. مما جعلكثيرًا من جهود الاستنهاض والتوحيد والإصلاح تبوء بالفشل أمام واقع دوليّ جديد بات أكثر سيطرة وإحكاما على الأنظمة الدوليّة الصغرى والمتخلفة، وقد وصف بعض المثقفين حالَ الأمّةِ في هذا القرن بأنها خريطة تبحث لنفسها عن أرض تعيش عليها. ومن ذلك ما ذكره العلامة محمد الحبيب بلخوجة المفتي الأسبق للديار التونسية في كتابه "مواقف الإسلام" إذ قال: "وهل كانت في التاريخ المعاصر محنة أقسى أو ملمّة أفدح وأوجع من ذلك الأخطبوط الاستعماري يجتاح بلادنا، ويعصف بأوضاعنا، ويستبّد ساخرًا في غير رحمة، ومتنكرا في غير شفقة للجماهير الغفيرة والعديدة من الناس يستلحقهم أتباعا ويستخدمهم عبيدا ويرهقهم إرهاقا.. لقي العدو المستعمر هؤلاء وأولئك بألوان من الإغراء والتنكيل أساسها دعوى التمدين بطمس المقدسات والإشادة بكل ماهو أوروبي غربي والقضاء على الأمجاد القوميّة العربيّة الإسلاميّة، وإثارة الأحقاد والعداوة بين الناس، والتقسيم العنصري والتذكير بالأصول البعيدة، والحضارات القديمة التي تردّ المحكومين جميعا إلى ما عرفته أوطانهم وأصولهم من أمجاد تاريخيّة تعود بهم إلى الأرومات القبطية والأعجميّة والبربرّة والقرطاجيّة وإلى الحضارات المصريّة والفارسيّة والفينيقيّة والرومانيّة"([67]). ومن هذا المنطلق طفق عدد من المصلحين والمفكرين ينظرونَ في أسباب الواقع الرديء وعوامله التي أوصلت الأمّة إلى هذا الحال، فاختلفت الآراء والتحليلات والأطروحات في هذا السياق، ولكنها اتفقت جميعها على ضرورة بدء العمل؛ من أجل محاولة تغيير الواقع وتجاوز أسبابه عبر السعي إلى ما يجمع الأمّة ويوحّدها ضدّ أعدائها ويُخرجها من حالة الشتات والانقسام. إلاّ أنّ الأمر على ما يبدو أصبح أكثر سوءا بعد التحوّلات السياسيّة والأمنية والجغرافيّة الأخيرة التي شهدها العالم العربي إثر ما أطلق عليه تيمّنا الربيع العربي بعد ثورة عدد من الأقطار العربيّة بداية سنة 2011 أدّت إلى استعار الفتن والحروب في عدد من أهم البلاد العربيّة، مثل العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس.. مما يجعل من مسعى التحرك الفوري لمعالجة الواقع العربي والإسلامي أمرا ضروريا لا مناص منه،ولاسيما في ظلّ الحديث عن مؤامرة جديدة لتقسيم الوطن الإسلامي مجددا بعد ساكسبيكو. ولا يخفى عن المتابع لمجريات الأحداث اليوم أنّ دوافع القوى الغربيّة والمطامع الاستعماريّة لتقسيم البلاد الإسلاميّة، كثيرة وعديدة، منها ماهو ظاهر ومعلوم لدى العوام ومنها ما هو خفيّ. ولكنّ المتابعين يُرجعون ذلك أساسا إلى مطامع الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني، في النيل من ثروات بلاد الإسلام النفطيّة والطبيعيّة مواءمة لاستكشافات وسياسيات دوليّة جديدة. ومن الطبيعي أن يكون منطلق استهداف الأمّة الإسلاميّة من الوطن العربي بالأساس، وأن يكون من العراق والشام ثمّ المغرب الكبير وصولا إلى الجزائر. ولمواجهة المشاريع الغربيّة القديمة والجديدة لتقسيم الأمة الإسلاميّة، لابدّ من الحديث عن مدى وعي النخبة بهذا التقسيم الحاصل، ومدى توّفر الإرادة لتجاوزه والقضاء عليه، بيد أنّ الواقع الفكري الإسلامي اليوم لا يُوحي بوعي كبير بخطورة القضيّة والحرص على تجاوزها بسبب نوع آخر من التقسيم الذي غرسه الغرب الحاقد في الأمّة إبّان الاحتلال وإلى اليوم، ولا يقل هذا التقسيم خطورة عن التقسيم الجغرافي والسياسي، إنّه التقسيم الفكري والمذهبي. فمخطط الغرب في تقسيم الأمة الإسلاميّة لم يقتصر على التقسيم المادّي والجغرافي للدول والممالك فحسب، وإنّما تجاوزها ليشمل الأفكار والمعتقدات والآراء والمواقف، عبر نشر إيديولوجيات وقناعات غربيّة تناقض الفكر الإسلاميوترويجها،ويُقابل ذلك العمل على تشويه الشريعة الإسلاميّة والفكر الإسلامي عموما. مما أفرز واقعا فكريا واجتماعيّا متعددا ومنشرخا لاشكّ أنه سيكون من أبرز عوائق التوحيد والتجميع. ولا ريب أنّ معالجة واقع التقسيم والانقسام الذي ترزح تحته البلاد الإسلاميّة اليوم لابّد أن ينطلق من عقول المسلمين أنفسهم، أي من وعيهم بخطورة الواقع وضرورة تجاوزه، وهنا يكمن دور العلماء والمفكرين في توعية الرأي العام الإسلامي واستنهاضه؛ من أجل توحيد الصفوف وتحقيق الوحدة الإسلاميّة الجديدة والخلافة الحقيقيّة المبنية على الفهم الصحيح والدقيق للواقع والدين. دور العلماء والمفكرين في التصدي لمشروع التقسيم: بالرغم من أنّ مشروع التقسيم حاصل وبات أمرًا واقعا إلاّ أنّ نجاحه وتواصله مقترن بتواصل أسبابه وعوامله على أرض الواقع. وللقضاء على هذه الأسباب والعوامل أو التقليص منها بالتدّرج لابدّ من الوقوف عليها وإدراكها وفهمها؛ ومن هنا كان لزامًا تدخل أصحاب الحل والعقد من العلماء والمفكرين والنخب للتوعية بأسباب ضعف الأمة وتخلّفها، وطرح الحلول والاستراتيجيات البديلة والكفيلة بتغيير واقع المسلمين إلى ماهو أفضل، والعودة بهم إلى زمن الازدهار والرقي الغابر. ولا يمكن الحديث اليوم عن علماء أو مفكرين بمعزل عن الوازع الديني الأصيل، فالأمّة الإسلاميّة أوّل أسباب استهدافها هو التزامها بتعاليم دين الإسلام التي كانت سبب تأسيس دولتهم التي امتدت من الشرق إلى الغرب. فبالإسلام فقط يمكن للأمة استرجاع عزّتها وقوّتها، وبدونه وصلت إلى ما هي عليه اليوم. ولما طلب مفكرو آواخر القرن الماضي الحلول بغير الوازع الديني الأصيل زادت الفرقة والهوّة وكانت نتيجة الجهود المبذولة مزيدًا من الخيبة والفشل. ولا أدّل على ذلك من مشروعات القوميّة العربيّة انطلاقا من الجامعة العربيّة الفاشلة وباقي المنظمات التي اعتمدت على العصبيّة العربيّة دون المرجعيّة الإسلاميّة الصحيحة والسليمة، فكانت مشاريع إصلاحيّة فاشلة زادت من تشرذم النخب الفكريّة والأكاديميّة، بل ظهرت معها نزعات وأحزاب وإيديولوجيات فكريّة ومذهبيّة غريبة وهدامة في أحيان كثيرة تتناقض مع الأصول الإسلاميّة. ولعلّ أهم دور للعلماء والدعاة والمفكرين اليوم في ظلّ واقعنا هذا بتناقضاته الكثيرة وشبهاته المختلفة، هو العمل على تجديد الفكر الديني للمجتمع الإسلامي الذي عصفت به الآراء والفتن والنزاعات والمذاهب والفرق حتى اختلطت الأمور عند أغلب المسلمين وذهبت الإيديولوجيات الحديثة بحصانته الإسلاميّة بل حتى فطرته الإنسانيّة. فتجديد الفكر الديني اليوم داخل العالم الإسلامي من شأنه كشف شبهات الملبّسين وتلبيساتهم الذين يعملون على هدم العقيدة الإسلاميّة وشريعتها وتشويهها باعتماد المتشابهات والتأويلات المخالفة للنصوص والمعلوم من الدين. ولا ينكر أحد اليوم ما بات عليه المسلم من واقع تجفيف منابع الدين والعلم والأخلاق في مقابل تزيين الشبهات والشهوات لتفريق المسلم عن دينه ونمط عيشه الأصلي والترويج لعيش الغرب المتنصل من كل الضوابط والقيم والأخلاق. ومن شأن تجديد الفكر الديني أيضًا كشف المؤامرات وتوعية الأجيال بضرورة الحذر وعدم الانسياق وراء مخططات هدم الدين وتشويه أصحابه من الملتزمين. ويُقصد به هنا "إعادة الدين بنصوصه وقواعده ومناهج الفهم والاستنباط فيه إلى حالته الأولى التي أنزله الله عليها، وإزالة كلّ ما تراكم عليه من سمات ومظاهر، طمست جوهره وشوّهت حقيقته"([68]). أي: العودة بالإسلام إلى حالته الأولى قبل أن تدخل عليه عوامل التغيير والتبديل والتزييف والتشويه التي عمل أعداء الإسلام على بثها في البلاد الإسلاميّة إدراكا منهم أنّ عزّة المسلمين تكمن في عزّة دينهم وأنّ هوانهم في هوان دينهم وتلبيسه على العوام منهم. كما أنّ تجديد الفكر الإسلامي لدى علماء العصر الحديث ودعاته ومفكريه من شأنه أن يتجاوز حدود سايكس بيكو، ويقرّب الشعوب الإسلاميّة المفرّقة إلى بعضها، ويوحد من جديد رؤاهم وآراءهم وعقيدتهم ومنهج حياتهم حول المستجدات والحوادث التي تتطلب بالضرورة اجتهادًا إسلاميّا جديدًا يكفله تجديد الفكر الديني وظهور أصحابه كما ورد في ذلك الحديث النبوي الشريف: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"([69]). كما أنّ الشبهات والسموم التي ينفثها أعداء الأمة في المجتمع الإسلامي كالفُرقة والتمذهب والطائفيّة وعلى رأسها التشيّع والتصوّف الخرافي والحلوليّ والعلمانيّة والإلحاد وغيرها من البدع الفكريّة والعقديّة التي أضعفت دولة الإسلام وأنهكت طاقاتها، لا يمكن مجابهتها ولا القضاء عليها إلّابتجديد للفكر الديني الحنيف، ونشر للإسلام الصحيح العادل والمعتدل، وكسر أباطيل المنافقين والمرجفين المشبهين على الناس دينهم ودنياهم. ولا أحد يجهل اليوم دور التحزّب الديني والمذهبي في تفريق المسلمين وتشتيت دولتهم مذ العهد الأوّل للإسلام وإلى اليوم. غير أنّ الحال اليوم أسوأ بكثير، ولعوامل كثيرة ومعلومة منها ضعف الأمّة وتشتتهاإلى عشرات الدويلات تحكمها أنظمة معظمها لا ترى في الإسلام منهجًا حكمًا وتحكيمًا. مما يجعل أمر تجديد الفكر الإسلامي لدى العلماء والدعاة وبذل الجهد والاجتهاد لرفع اللبس والشبهات على العوام وإرجاعهم إلى المحجّة البيضاء واجبا لا مناص منه. ولاسيما خطر التشيّع من جهة، والتغريب من جهة أخرى، فقد نُخِر جسم الأمّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، وقد اجتمعت عليها الأمم من الغرب والفرس والروس والأمريكان حتى بعض العرب من المنافقين والمنتكسين والغلاة. وهنا يكمن الدور الأعظم لعلماء الدين والدعاة والمفكرين في كشف حقائق الأمور وخفايا الأحوال وأحكام النوازل والأحداث والمستجدات لخلق جيل من المسلمين يتجاوز في عقيدته وفقهه وفكره حدود الأنظمة الضعيفة والعاجزة والمستبدة. جيل مؤمن أنّ لا عزة له بغير دينه ولا دولة له غير دولة الإسلام والتوحيد والعدل. أما على المستوى العملي فلا بدّ للعلماء والدعاة والمفكرين من منابر جديدة لهم في كل أصقاع بلاد الإسلام. ولابدّ لهم من دراسة أساليب الأعداء ومخططاتهم واستراتيجياتهم ضدّ الأمة للوقوف على طرق المواجهة المناسبة وأساليبها، وليس الاقتصار على العلوم الشرعيّة والفقهيّة فحسب. فواقع المسلمين اليوم ليس معزولا عن واقع غيرهم من أصحاب الديانات والعقائد، وواقع دولة الإسلام المنقسمة لا يبعد عن واقع دول الأمم القويّة وقد ساهمت عوامل حديثة في تقارب هذه البلدان على نطاق الاتصال ونقل الأخبار والسفر والتجارة وغيرها، وهو ما يستدعي بالضرورة من العالم والمفكر أن يكون قريبا من هذا الواقع الجديد والمتطوّر، وقادرا على التواصل فيه والانسجام معه بعيدا عن المحاذير والمحرمات. وهذا الشيء الذي يُعزز من قدرتهم على فهم الناس والأجيال الجديدة التي قد تكون أجيال تحقيق النصر، أو أجيال تقليص الهوّة وتقريب الشعوب الإسلامية من بعضها. كما لابدّ لهم أيضا من فهم اللغات الأخرى وتعلمها كعامل أساسي للتواصل مع سائر المسلمين ومواجهة مشروع التغريب الذي وَجدَ له موضع قدم في بلاد الإسلام ومجتمعاتها، ولاسيما بعد استقلالها المزعوم في أواسط القرن الماضي. ومن هنا نفهم أنّ توحيد الأمّة وكسر مشروع تقسيمها إنما يكمن أولا في توحيد دينها وفهمها له بعيدًا عن التاويلات المغلوطة والأهواء السياسيّة الجارفة، ثمّ توحيد لغتها العربيّة لغة القرآن والإسلام. حيث كان مشروع تغريب المسلمين يرتكز بالأساس على ضرب الهويّة الإسلاميّة وذلك اعتمادا بالدرجة الأولى على ضرب لغتها العربيّة الأم، والقول بعجزها وضعفها أمام لغة الغرب القوي على اعتبار أنّ المغلوب مجبول عادة على الانبهار بغالبه نازعا إلى تقليده واتّباعه. وهذا من أبرز أولويات علماء الإسلام ودعاته ومفكريه. يقول الشيخ محمد الحبيب بلخوجة في كتابه مواقف الإسلام عن واقع المسلمين "ويقابل ذلك في المظاهر العامة بمجتمعاتنا تشدّق وتفاصح بالأعجميّة وقلّة اكتراث وسخريّة أحيانا باللغة القوميّة، وتصوّر منهم للمدنية ألقي معه في روعنا أنّ كل مظاهر العزّة والتقدّم في مجاراة الغرب والإلحاح فيه، وأنّ كل أسباب الفشل والتقهقر في الاحتفاظ بالماضي الذي لم يجّر إلاّ خزيا ولم يكتب على المسلمين في مختلف البلاد إلاّ شرّا ووبالا..."([70]). ومن هنا تبرز أهمية عامل اللغة في تقريب الشعوب الإسلاميّة وتوحيدهم وإنْ فرّقتهم الجغرافيا والسياسة والحدود الترابيّة وغيرها من مظاهر فرقة المسلمين كالتأشيرات وجوازات السفر والقوانين واختلاف العملات والمعاملات المالية والاقتصاديّة. إلاّ أنه من أخطر ما عصف بأمة الإسلام اليوم وفرّقها هي الحروب الداخليّة والأهلية والفتن والنزاعات بين الطوائف والأحزاب. وتعدّ هذه الأسباب من أكبر تحديات علماء الأمة ومفكريها. إذ لابدّ لهم اليوم من غلق باب الفتن والاقتتال بين أهل الإسلام وإظهار الحق وإعلاء كلمة الله مهما كانت الظروف والملابسات. ولا مثال لذلك خير مما يحدث اليوم من إبادة طائفيّة للمسلمين في بعض بلاد الإسلام التي تقطعت أوصالها كالعراق واليمن وسوريا. حيث بات من واجب العلماء والمفكرين التصدي لمخطط تشييع السنّة في أرض الشام وغيرها عبر تبيين بطلان المذهب وضلال أصحابه والتحذير منه بصحيح الأدلة والمحاججة. إلى جانب فضح شبهات الخوارج وكشفهم، وحماية الدين من الغلاة المتطرفين الذين توفرت لهم اليوم للأسف كل مبررات إقناع ضِعاف الدين ورقاق الفهم بصحة مذهبهم ونهجهم في التعامل مع المخالفين من أهل القبلة أو من أصحاب الديانات الأخرى. كما وجب عليهم اليوم التصدي لكل مشاريع التنصير والتهويد والتغريب بأساليب جديدة تتوافق مع واقع الإسلام اليوم الذي يتعرّض لكل تشويه واتهام من الأنظمة المحليّة أو العالميّة التي ترنو إلى إلصاق تهم الإرهاب بالإسلام، وضرب مفهوم الجهاد في الفقه الإسلامي والترويج لمفاهيم جديدة مغلوطة عن الإسلام، ومحاولة ضرب بعض شعاراته وتعاليمه بالترويج للأقوال الفقهية الشاذة فيه وللفرق والمذاهب البدعيّة والخرافية... كما لابد للمفكرين والعلماء من آليات جديد للالتقاء والتشاور وطرح مستجدات القضايا العاجلة والبت فيها، كالمنتديات والهيئات والملتقيات والمنظمات الإسلاميّة العالمية التي يتمّ فيها وضع أسس ومبادئ وآليات للعمل الإسلامي المشترك وأساليب التعامل مع القضايا المطروحة. ويمكن تلخيص ما سبق من دور للعلماء والفقهاء والدعاة والمفكرين المسلمين في الآتي: أوّلا- ضرورة العمل على توحيد الأمة عبر تجديد دينها وإظهار الحق من الباطل، ودعم الاجتهاد في الأحكام والنوازل والتصدي للتقليد والتحجّر وكشف ضلالات المبتدعين. ثانيا- إعادة الاعتبار للغة القرآن وتبيان أهميتها في توحيد أمة الإسلام بلغة واحدة هي لغة القرآن الكريم. ثالثا- إظهار الدين وإعلاء كلمة الحق ومجابهة الفتن والحروب الأهليّة. رابعا- محاربة التحزّب والتآمر على الإسلام وشريعته السمحة من قبيل مشاريع التغريب والتشييع والتنصير والتمييع والتفرقة بين الشعوب. خامسا-تفعيل دور التنظيمات والملتقيات الإسلامية العالمية والمصنّفات التي يتم فيها طرح الإشكالات والقضايا والنظر في إمكانات الحلول والمعالجة. بيد أنه لا ينكر عاقل اليوم العائق السياسي الذي يقف وراء مجهودات العلماء والمفكرين متمثلا بالأساس في كيانات الأنظمة العربيّة والإسلاميّة التي لا تؤمن بالتوحيد والوحدة الإسلاميّة رغم العوامل المشتركة القوية التي تجمعها، في حين تنزع فيه الدول الكبرى إلى الاتحاد والتجمع على غرار الاتحاد الأوروبي. دور الحركات والتنظيمات السياسيّة: يقول ابن خلدون في مقدمته "اعلم أنّ أوّل ما يقع من آثار الهرم في الدولة انقسامُها، وذلك أنّ المُلك عندما يستفحل ويبلغ من أحوال الترف والنعيم إلى غايتها، ويستبد صاحب الدولة بالمجد وينفرد به ويأنف حينئذ عن المشاركة ويصير إلى قطع أسبابها ما استطاع بإهلاك من استراب به من ذوي قرابته المرشحين لمنصبه"([71]).ما يعني أنّ لكل دولة عمر تفنى له بعد أن تبلغ من الترف والاستقرار مبلغها وهو الذي حدث مع الدولة الإسلاميّة الأولى في عهد بني العبّاس وما حدث في نهاية الخلافة الإسلاميّة العثمانيّة بداية القرن الماضي، ودخول بلاد الإسلام مرحلة الانقسام الفعلي جغرافيا وسياسيّا،وكرسها الاحتلال الغربي للبلدان العربيّة الإسلاميّة. ومن هنا بدأت الفكرة إلى ضرورة تأسيس الحركات والأحزاب ذات النزعة القوميّة إلاّ أنها لم تكن ناجحة رغم قوّة حجة الوحدة العربيّة. وهناك عوامل كثيرة ساهمت في فشل مشروع الاتحاد العربي القومي،من أهمها ضعف الرابط المعنوي والأخلاقي في توحيد الدول والقوى العربيّة المستقلة حديثا، ولعل مصر وسوريا وتونس وليبيا أمثلة ظاهرة لفشل المشاريع القوميّة بها بعد أن أعلنت هذه الدول اندماجها ثمّ ما انفكت أن سقطت من جديد في التفكك. "بعد سقوط المشرق العربي في قبضة الاستعمارَين البريطاني والفرنسي كثمرة لاتفاقية سايكسبيكو، دخلت الحركة القومية العربية التقليديّة طور أزمة وتراجع كبيرين. وخلال عشرينيات القرن الماضي والسنوات الأولى من الثلاثينيات لم يتبلور في مواجهة الحركة الاستعماريّة سوى الأحزاب التي نشأت في حدود الكيانات الوطنية مثل الكتلة الوطنية في سوريا وحزب الاستقلال في العراق والوفد في مصر وغيرها"([72]). واليوم يمكننا الجزم بفشل المشروع القومي فشلا ذريعا بعد أن أظهرت الأحزاب والحركات التي كانت تنادي بمشروع الوحدة عصبيّة مطلقة للأنظمة الكليانية التي تعشَّشت فيها. وهذا الأمر بديهي؛ حيث لا يمكن إبدال الخلافة الإسلاميّة القائمة على أساس الرابط العقدي والأخلاقي الصرف بوحدة قوميّة لا يربط بين كياناتها وعناصرها سوى العرق واللغة. ومن هنا كانت الحاجة اليوم إلى وحدة حقيقيّة بين البلدان الإسلاميّة تكون مرجعيتها وهويتها واحدة. ولا يخفى على أحد أنّ العامل الديني هو من أقوى عوامل التجميع والاتحاد البشري على الإطلاق. حيث لم تقم للعرب دولة إلاّ بالإسلام فكانت من أقوى وأوسع وأرقى الدول إلى أن أنهكتها صراعات الحكم وثورات الانفصال التي أدّت في الأخير إلى إسقاط الخلافة العثمانيّة. بيد أنّه من الصعب اليوم رفع راية الخلافة الإسلاميّة في ظلّ ظهور رؤى وأساليب مخطئة، إلاّ أنه من الممكن بل من الضروري أنّ ترفع الحركات والأحزاب السياسيّة اليوم راية الوحدة الإسلاميّة ولكن برؤى وآليات جديدة تختلف عن تلك المشوّهة التي أمعن الغرب في طمسها وتشويهها بينما أعلن هو الوحدة أو "الخلافة" بأسماء جديدة مثل الاتحاد الأوروبي أو الدولة الكونفدراليّة على غرار الولايات الأمريكيّة المتحدة وغيرها. يقول شكيب أرسلان في تعليقه على كتاب حاضر العالم الإسلامي: "الخلافة في الإسلام ليست بملك ولا سلطنة، وإنما هي رعاية عامة للأمّة لإقامتها على الشرع الحنيف، وردع القوى عن الضعيف في الداخل وصيانة الإسلام ودفع المعتدى عليه من الخارج"([73]). فعلى الحركات السياسيّة في البلدان الإسلاميّة اليوم انتهاج الأسلوب نفسه في بناء وحدة عربيّة إسلاميّة حقيقيّة ومرحليّة تقوم أساسا على توحيد العقيدة والأفكار والأرض وأنظمة الحكم والعُملة والدستور والراية والقوانين وغيرها. ولاسيما بعد الفشل الذريع الذي باءت به الجامعة العربيّة في معالجة القضيّة القوميّة وإدارة أزمات البلاد العربيّة المتواصلة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة والكيان الصهيوني الغاشم. بيد أنّ هذه التنظيمات والحركات السياسيّة وجب عليها الارتكاز أساسا على فهم صحيح للدين واجتهاد صريح في مسايرة الأوضاع وتناول القضايا المستجدة. وهو ما يجعلها تنظيمات سياسيّة إسلاميّة تقوم على فهم الدين وتفسيره للواقع والنوازل بعيدًا عن أشكال التحزّب والعصبيّة وحسب ما يُسمح به في كل جزء من البلاد الإسلاميّة. كما ينبغي عليها أن تستفيد من تجارب الأحزاب القوميّة والتحرريّة، وكذلك تجربة حزب التحرير الإسلامي. أي: عليها تبني مرجعيّة قوميّة إسلاميّة يكون فيها الدين هو المُحدد الأساسي لأشكال التعاطي مع القضايا والواقع الراهن. دور المؤسسات الإعلاميّة: لا يمكن الحديث اليوم عن وحدة إسلاميّة ومجابهة مشاريع التقسيم في بلادنا الإسلاميّة، دون إيلاء العامل الإعلامي الاهتمام اللازم. فالإعلام في عصرنا الحديث ومع التطور الباهر في مستوى تكنولوجيات الاتصال والإنترنت أصبح بمثابة السلطة الأولى في الدولة. به ترفع الرايات والشعارات والأسماء والأحزاب والحركات، بل وبه تُدقّ طبول الحرب وتنتصر الجيوش وتُقام الدُول. ويعدّ الإعلام بعناصره وآلياته المختلفة اليوم سواء كانت المكتوبة أم السمعيّة أم البصريّة إلى جانب الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، من أهم سبل تحقيق الوحدة الإسلاميّة والترويج لها، ومجابهة المشاريع الصهيونية في العالم الإسلامي. وذلك عن طريق ترويج مقولات الوحدة وأطروحاتها، وكشف مخططات تقسيم الأمة وتسويق خطابات علماء الأمة ومفكريها من دعاة التوحيد في شتى المجالات، وفتح ملفات الأمة الكبرى ومعالجتها إعلاميا وتبليغها لأكثر ما يمكن من أهل القبلة عبر البرامج والحوارات والأخبار والأفلام الوثائقيّة والدروس والمحاضرات المتنوعة، ولاسيما الفقهية منها والفكريّة؛ من أجل خدمة مشروع الأمة الإسلاميّة المتحدة. وفي إطار تأسيس مشروع الوحدة الإسلاميّة أو الأمّة الإسلاميّة المتحدة لابدّ أن يتم توحيد كافة الرؤى والخطابات، وآليات تحقيق هذا الاتحاد الذي كان ولايزال يمتلك كافة مقوّمات التوحيد والنصر. من ذلك بعث مؤسسات إعلاميّة تتبنى الفكرة نفسها والمشروع في كل بلد إسلامي وتوحيد هذه المؤسّسات في منظمة دوليّة قائمة الذات ودقيقة التنظيم والنشاط. ومن مقتضيات الدور الإعلامي المنشود في سبيل تحقيق المشروع الآنف الذكر تكريسُ التواصل وفتح المجالات بين العناصر المتداخلةكافة؛ لتحقيق الوحدة مع المؤسسات الإعلاميّة القائمة، ومن ذلك ربط الصلة بينها وبين الدعاة والمفكرين ونشر أقوالهم وكتبهم وأطروحاتهم الفكريّة فيما يخص الأحداث الطارئة والمستجدات السياسيّة والأمنية. كما ينبغيأن تكون هناك صلة وثيقة بين هذه الوسائل والمؤسّسات الإعلاميّة والمنظمات والحركات والأحزاب السياسيّة الإسلاميّة الوحدوية في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي وفي المنطقة كافة. كما يلزم أيضا الاهتمام بالشعوب الإسلاميّة غير العربيّة ببعث قنوات دينية وفكريّة وإخباريّة إسلاميّة بلغاتهم الأخرى كالتركيّة والأفغانية والهندية وكذلك باللغتين الفرنسيّة والإنجليزية؛ لتقريب الأفكار والأطروحات الإسلاميّة من المسلمين فيالدول الأوروبيّة لغير الناطقين باللغة العربيّة. دور النُخب الاجتماعيّة: لا يقل العمل الاجتماعي أهميّة عن غيره من المجالات فيما يخص تحقيق مشروع الوحدة الإسلاميّة والتصدي لمخططات التقسيم والتشتيت. وهنا يبرز الدور الكبير للنخب والهيئات الاجتماعيّة في البلاد الإسلاميّة. فلاشك أنّ الجميع اليوم يعلم ما يُقدمه الغرب من سموم فكريّة وأخلاقيّة تحت أغطية الأعمال الاجتماعيّة والإنسانية في أغلب البلدان الإسلاميّة مثل النيجر والصومال وغيرهما من الدول الإسلاميّة الفقيرة. حيث تنشط الجماعات التنصيريّة بصفة كثيفة تحت مسميات المنظمات الإنسانية والاجتماعيّة الدولية التي تمتلك فروعا لها في أغلب الدول الإسلاميّة. وتلزم الفقراء من المسلمين باعتناق المسيحية مقابل المساعدات الغذائيّة والمادية. وهو ما يجعل العمل الاجتماعي الإسلامي اليوم من الأهميّة بمكان سواء كان عبر المنظمات والجمعيات الإنسانيّة والإغاثية أو عبر المشاريع الخيرية في عدد من البلدان الإسلامية والعربيّة،ولاسيما الأكثر فقرا وتعاونا في المجال الاجتماعي. ويمكن الاستفادة بشكل كبير من العمل الاجتماعي في تكريس فكرة الوحدة الإسلاميّة عبر غلق أبواب التنصير على المنظمات التبشيرية أو أبواب التطرف فيما يخصّالجماعات الإسلاميّة المتشددة. وكذلك الترويج للإسلام الصحيح لدى المجتمعات الإسلاميّة الفقيرة والعمل على بلورة فكرة الوحدة الإسلاميّة، ورأب الصدع مع باقي المجتمعات العربيّة والإسلاميّة الأكثر نموّا. كما أنّ الرقي بالمجتمع الإسلامي إلى مكانة متطورة فكريا واجتماعيّا من شأنه أن يُوفّر أسباب التقارب والاتحاد بين هذه المجتمعات المختلفة وتهيئة المجال تدريجيا لقبول مشروع الاتحاد الإسلامي وتبنيها لدى المسلمين كافة في مختلف بلادهم. وبناء على ذلك يجب تخصص جماعات وهيئات وأفراد في العمل الاجتماعي في محتلف الأقطار العربية والإسلاميّة، وتكوين جمعيات أهلية وخيرية وفكريّة وتنموية تساهم في توعية المجتمعات الإسلاميّة وتعليمهم، وتنمية قدراتهم الذاتيّة، وتحصينهم من مخططات التقسيم والتفريق. وجعلها أكثر وعيا بالواقع وبأسباب الحالة المتردية وسبل تجاوزها والتمهيد لمشروع "الخلافة" الجديدة الذي يُوحّد العالم الإسلامي على كلمة واحدة وقلب رجل واحد، وإن تعددت فيها الرايات والحركات والأحزب والأنظمة. ومن الضرورة بمكان تكوين هيئات عالمية إسلاميّة للعمل الاجتماعي يكون لها الوجهة والأهداف نفسها من أجلبناءمجتمع إسلامي واع وقادر على تخطي الأزمات والتحدّيات، ويحمل الهموم والأفكار والعقيدة والتطلعات نفسها. ولاسيما مشاريع التقسيم والتفكيك التي تغذّت أساسا على شرخ المجتمع الإسلامي والتفريق بين مكوّناته حتى أصبحت بعض المجتمعات الإسلاميّة للأسف لا تولي اهتماما لما يجري في غيرها من مآس ومجاز على غرار ما يفعله البوذيون معمسلمي بورما في مينمار وغيرها من المجازر البشعة التي تُرتكب ضدّ المسلمين في أصقاع الأرض. فمن شأن تطوير الحس الاجتماعي الإسلامي أنّ يرأب الصدع ويعيد الجسم الإسلامي إلى الحالة الأصلية التي كان عليها. واتحاد الشعوب والمجتمعات من أبرز عوامل هزم مشروع التقسيم والتفكيك وهو أولى خطوات توحيد الأمّة الإسلاميّة مجددا والنهوض بها ومقارعة باقي الأمم، ولا أدلّ على قوّة الروابط التي تجمع مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة مما يُعرف بثورات الربيع العربي، حيث تحركت الشعوب في بعض البلدان تقليدًا لبعضها ورفعت المطالب نفسها حتى أسقطت بعض الأنظمة الفاسدة التي قمعتها طوال عقود. مما يعني أنّ قوة الرابط الذي يجمع مجتمعات البلاد العربية والإسلاميّة لا يمكن أن يزول مهما اختلفت الأنظمة السياسية وتباعدت فيما بينها ومهما تعددت وتقدّمت محاولات التفريق والتقسيم. التدرج التأريخي لمشروع تقسيم العراق ودور المثقفين والعلماء في التصدي له دراسة تحليلية د. هلال فريح الدليمي كاتب وباحث سياسي عراقي المقدمة عمد الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق إلى اعتماد سياسة تفكيك الدولة الوطنية العراقية وتحويلها إلى دولة مكونات متعددة الولاء, وجعل هذا الأمر هدفًا استراتيجيًا ومحوريًا في الحلقات اللاحقة لهذا المشروع المسخ كافة منذ 2003 ولحد الآن، وما زال يغذي هذا المشروع الذي أخذ أطوارًا متعددة، من البديهي أن يسعى أي محتل لاستهداف الكتلة الصلبة في المجتمع، والذي يفترض منطقيًا أن تقاوم المحتل، تعتمد قدرة أي شعب على الصمود أمام هذه المخاطر حسب القوة الفكرية والمادية ومدى تماسك المجتمع معتمدًا على رجال الفكر والعلم وعلية القوم، ولكي نسلط الضوء على ملامح المشروع الأمريكي قي المنطقة ولمعرفة الأسس التي قام عليها المشروع, وفهم الآليات والتدرج الزمني في استهداف العراق الذي كان يشكل قلقًا واضحًا للكيان الصهيوني وللغرب عامة، والولايات المتحدة بشكل خاص, لابد من إعطاء لمحة تأريخية عن هذا المخطط, كيف تطور إلى أن وصل إلى الاحتلال المباشر. هل كانت فكرة فصل العراق عن محيطه العربي أمريكية أو بريطانية ؟ ذكرت المس بيل في مذكراتها أن الاحتلال البريطاني سوف يعمل على التعامل مع العراق كوحدة إدارية واجتماعية مستقلة عن محيطه العربي والإسلامي، وأنا أرى ترابطًا وثيقًا بين ما خطط له مخططو سايكس بيكو للعراق، وبين ما خطط له المستعمر والمحتل الجديد الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الدائمة بريطانيا صاحبة الخبرة الطويلة في الاستعمار القديم في المنطقة، والتي وضعت أولى لبنات التقسيم والتجزئة للوطن العربي، ويجب أن لا ننسى مخطط كامبل رئيس وزراء بريطانيا عام 1906 والذي جمع فيه الأوربيين وشرح لهم كيفية تقسيم الوطن العربي إلى دول مشرق ومغرب، وزرع كيانًا مدعومًا أوربيًا في قلب الوطن العربي يكون ربيبًا أوربيًا مطلق الدعم والتمويل والحماية .. فكان الكيان الصهيوني المسخ، والذي تنسج كل المخططات في المنطقة لضمان حمايتة وضمان تفوقه العسكري، وإضعاف أي دولة عربية إسلامية في هذا المحيط قد تشكل خطرًا على هذا الكيان. كما أن المستعمر البريطاني أكثر من استعمل العداء الفارسي الإيراني للإسلام والعرب ولاسيما ضد الدولة العثمانية، وكانت إيران حليفًا أساسيًا لبريطانيا في هذا الصراع، والتآمر على "الخلافة الإسلامية"، وآخر اتفاقية وقعت بين الطرفين في عام 1893، كما وتُعدُّ إيران ركيزة وحليفة أساسية تأريخيًا وسياسيًا للغرب في أي مشروع يستهدف العرب والإسلام, وهذا الأمر ليس تجنيًا على إيران ولكن الشواهد التأريحية باتت متواترة ومتكررة قبل الإسلام وبعده وفي جذور التأريخ الإسلامي في جميع مراحلة أشرت هذا العداء والتآمر المستمر والتعاون بشكل علني مع كل أعداء الأمة في كل ما يضعف الأمة الإسلامية ويسهل الانقضاض عليها، ومنهجيتهم المتلونة بألوان مختلفة وأشكال مختلفة لخدمة هذا المشروع الحالم باستعادة الأمبراطورية الفارسية, ولهذا لم تدَّخر جهدًا لخدمة هذا الهدف قديمًا وحديثًا. ملامح المشروع الانكلوأمريكي - الصهيوفارسي بناء على ما تقدم لم يغفل المشروع الأمريكي الذي صمم للعراق الجذور التأريخية للمشروع الإيراني والأطماع الإيرانية في العراق وكبقية توظيفه ليتكامل مع المخطط الصهيوني بقيادة أمريكا وبريطانيا ومن تحالف معهم في التنفيذ. بدأت ملامح هذا المشروع في سبعينيات القرن الماضي بما عرف بمشروع (كيسنجر) عام 1973, وما عرف في حينها نظرية احتواء العراق وإيران, بعد تأميم العراق لثروته النفطية في حزيران سنة 1972. يعد هذا المشروع الذي انتهجته الولايات المتحدة الأمريكية هو للسيطرة على منابع النفط في المنطقة العربية، ولاسيما الخليج العربي والعراق, فضلاً عن تحقيق هدف بعيد المدى، وهو حماية الكيان الصهيوني الذي يشكل المحور الأساس لأي تحرك أمريكي غربي في المنطقة العربية قديمًا وحديثًا. أول بوادر هذا المشروع ودلائل ما قدمنا به من الاستهداف المزدوج للدول العربية ومحيطها الإقليمي هو استخدام إيران (الشاه) شرطي الخليج الدائم والجاهز دائمًا للانقضاض على الأمة العربية مهما كان شكل الحاكم أو نظلم الحكم القائم في إيران؛ فقد تم الاتفاق مع الشاه(ت1980) عام 1974 للمباشرة في تقويض نظام الحكم في العراق، فقد كشفت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في عددها الصادر في 14-10-1974م عن تفاصيل اتفاق إيراني– "اسرائيلي" - أمريكي نصَّ على ضرورة قيام إيران في إعاقة جهود البناء العلمي والاقتصادي والعسكري للعراق. هذا الميثاق وإن كان موقعًا إبان حكم الشاه إلا أنه بقى نافذًا بعد تغير النظام السياسي في إيران كما برهنت عليه العلاقات العسكرية الإيرانية- "الاسرائيلية" لاحقًا. مرحلة حروب الإنابة: المقصود هنا بحروب الإنابة هو تكليف طرف غير أمريكي بافتعال حرب مع الدولة الهدف وهذا الأسلوب الغربي والأمريكي خاصة، اشتهرت بالحرب الباردة التي تقودها أمريكا ضد كل دول العالم التي تعتقد أنه ضمن مناطق الصراع مع القطب الاتحاد السوفيتي المعسكر الشرقي. وبدأت أولى حروب الإنابة, على العراق بتحريك الأكراد في شمال العراق بالتمرد المسلح المدعوم من الكيان الصهيوني وإيران، فقد كان الجيش الإيراني وجيش الكيان الصهيوني وجهاز المخابرات الإيراني والموساد الصهيوني هما من يقودان التخطيط والدعم العسكري واللوجستي للمتمردين في شمال العراق، استمرت الحرب قرابة السنة الكاملة. بعد توقيع اتفاقية الجزائر1975 والتي كانت بوساطة الرئيس الجزائري هواري بوميدين رحمه الله، وخلال أقل من أسبوع انتهى التمرد في شمال العراق وهربت جميع العصابات المسلحة إلى خارج العراق، هذا الاتفاق أعدته الولايات المتحدة الأمريكية ضربة قاسية لهم من الشاه الإيراني وخروجه عن الطاعة الأمريكية وإخلاله بالاتفاق المذكور أعلاه، وعلى إثرها قررت الولايات المتحدة الأمريكية بأن الوقت قد حان للتخلي عن الشاه وإنهاء دوره في إيران , وقررت أن تستبدل الشرطي الإيراني من شرطي علماني Gentleman (جنتلمان) إلى شرطي آخر أكثر خطورة وأشد فتكا بالعرب والمسلمين، وأكثر حرصًا على تنفيذ المشاريع المعادية للعرب وللإسلام، والذي يتخذ من الثورة الإسلامية اسما له, وهنا تم تصنيع نظام مذهبي طائفي بلباس إسلامي، ألا وهو الخميني ونظام الملالي في طهران. أول المستهدفين من قبل نظام خميني كان العراق ليؤكد بشكل قاطع ما أثبتته الدلائل التأريخية الآن, بأن هذا النظام هو مقاول الهدم الرئيس الذي تم تصنيعه بعناية فائقة ليحقق للأمريكان والصهاينة الخدمة الأكبر والأكثر تقدمًا في مستوى العداء للعراق، فقد شن الحرب المباشرة والشاملة على العراق وبارك الاحتلال الإيراني للجزر التي قام بها الشاه وطالب بالبحرين, تحت شعار تصدير الثورة. وكانت أولى خطواته هو البدء بتفكيك المجتمع العراقي على الأساس المذهبي بتفعيل معاول الهدم التي أسست ودربت في إيران، وكان أبزرها وأقدمها حزب الدعوة الذي تبرع في المبادرة باستهداف المجتمع العراقي والدولة العراقية؛ وذلك بالقيام بتفجيرات عدة في بغداد والمحافظات الأخرى وأشهرها تفجير جامعة المستنصرية في بغداد والذي أدى إلى استشهاد عدد من الطلبة وجرح وزير خارجية العراق المخضرم الأستاذ طارق عزيز، وما تبعة من إلقاء قنابل على المشيعين من المدرسة الإيرانية في بغداد، وما يزال هذه الحزب أحد أبرز معاول الهدم المنظم للعراق جغرافيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا, والتي ارتكز عليها الاحتلال الانكلوأمريكي الصهيوفارسي في العراق، وأستطيع القول: إنه بحق أحد أسلحة الدمار الشامل الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية وإيران للانتقام من شعب العراق. بعد عجز إيران خميني من تحقيق التدمير المطلوب للعراق في حرب السنوات الثمانية وتجرع خميني ونظامة سم الهزيمة؛ فقد أثبت العراق تفوقة العسكري والتكنولوجي والقضاء على الشر الإيراني الذي كان وما يزال يستهدف العراق كبوابة الوطن العربي الشرقية وذلك للولوج إلى الجسد العربي وبث سموم الفرقة والتمزق والقتل الجماعي في عموم الشعب العربي. إن خروج العراق منتصرًا قد دق ناقوس الخطر لدى الصهاينة ومن تحالف معهم أو تطوع للدخول في حلفهم الأسود، فقد قام العراق بدوره الفاعل وبنى جيشًا عقائديًا وصنع أسلحته بأيد عراقية وأرسى قاعدة صناعية وعلمية متطورة شهد لها أعداء العراق أنفسهم، وهذا عكس ما خطط له أعداء العراق، ولكي يكون التدمير بشكل مباشر وضعت السيناريوات المتعددة التي تحقق الهدف والقرار الأمريكي الصهيوني وهو الانتقال من حروب النيابة إلى الحروب المباشرة, ومن الاستهداف للقادة والعلماء إلى استهداف شامل للشعب العراقي والدولة العراقية، والجدير بالذكر إن أول سيناريو تم تجربته إعلاميًا هو أن يقوم الكيان الصهيوني بهذا الدور, وفعلاً بدء الكيان الصهيوني في عام 1988 بتهديد العراق، وكانت الماكنة الاعلامية الصهيونية الغربية تدعم هذا التوجه ولكن الأجهزة الاستخباراتية والمخابراتية توصلت إلى قناعة مفادها بأن هذا السيناريو لن يحقق الهدف، فيجب إيقاف هذا السيناريو لأنه سوف يؤدي إلى: ولذلك كان على الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني أن تجد سيناريوهًا بديلاً يحقق كل ما يعاكس النقاط الأربعة أعلاة ويستهدف الشعب العراقي, والجيش العراقي, والقاعدة الصناعية, والعلماء, والبنى التحتية للعراق فضلاً عن ضرورة عزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي والدولي على أن يكون لكل أعداء العراق وجودًا فعليًا في هذا المشروع، وعلى رأسهم إيران التي يهمها جدًا تدمير العراق ومد مخالبها فيه، وهذا السيناريو والتحليل طرح في برنامج على قناة بريطانية تلفزيونية عام 1991, وفيه كشفت كثير من الأمور والخفايا بعد فرض العقوبات الاقتصادية والحصار على العراق، وهذه المرحلة تعد بمثابة التمهيد لاحتلال مباشر للعراق وتحقيق كل الأهداف على مراحل بحجة أسلحة الدمار الشامل والصواريخ العراقية البالستية، والملفت للنظر أن العراق لم يستخدم أسلحة الدمار الشامل في حربه ضد التحالف الدولي عام 1991، ولكن العكس هو الذي حصل فقد استخدمت الولايات المتحدة اليوارنيوم المنضب والقنابل العنقودية والصواريخ البالستية ضد الشعب العراقي والجيش العراقي والمؤسسات الخدمية والمدنية وأعلنت القيادة الأمريكية رسميًا أنها دمرت جميع محطات توليد الطاقة ومحطات المياه والاتصالات وجميع مصافي النفط في العراق . الاحتلال المباشر للعراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا عام2003 ذكر جورج تنت George Tenet رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية CIA في مذكراته بعد خروجه من هذا الجهاز, أنه قد أعلم القيادة الأمريكية رسميًا بعدم إمكانية الإطاحة بنظام الرئيس الراحل "صدام حسين"، وبعد فشل كل محاولات اغتياله، وقلب نظام الحكم في العراق وضعت خطة الاحتلال المباشر للعراق، وتمت المباشرة الفعلية في اتخاذ ما يسمى بقرار أو قانون "تحرير العراق" الذي مرره مجلس النواب الأمريكي في 5 أكتوبر 1998 ومجلس الشيوخ في 7 أكتوبر من العام نفسه، القانون يمنح الرئيس حرية التصرف كيفما يشاء في إنفاق مبلغ 97 مليون دولار في شكل مواد عسكرية وخدمات لمنظمات المعارضة العراقية التي تحددها الإدارة. وقد وقع الرئيس على المذكرة بالقانون في 31 أكتوبر 1998. في الظاهر كانت الولايات المتحدة تعلن دائمًا على أن تحرير العراق يضمن وحدة العراق وعدم تجزئته ووحدة أراضية, ولكنها وضعت في الواقع كل أسس التجزئة للعراق عمليًا ابتداءً من مؤتمر الخيانة العلني بما يسمى (مؤتمر لندن) بقيادة خليل زادة الذي كان هو من يقرر لما يسمى المعارضة (العراقية ), من سيحضر ومن يستبعد من حضور المؤتمر الذي كان يقرر مصير العراق، وهنا يجب الانتباه إلى أهم نقطة في التصميم الأمريكي للمشروع المدمر للعراق، والذي وضع الحجر الأساس للمرحلة الحالية التي نعيشها الآن باستخدام أسس (الفوضى الخلاقة) فعليا في العراق من خلال هذا المؤتمر؛ إذ تم تحديد النسب والتمثيل الطائفي من قبل الأمريكان أنفسهم، ومن المفيد هنا ذكر أدوات التنفيذ التي نذرت نفسها بإخلاص لجعل هذا المشروع يطبق فعليًا في العراق بعد 2003؛ فقد سار كل المشاركين في هذا المؤتمر على هذه الأسس الباطلة التي فتكت بالشعب العراقي وما زالت لحد هذه اللحظة بشكل دقيق وبحرص للوصول إلى هدف الاحتلال المراد للعراق. في مؤتمر لندن وافقت ستة أحزاب فقط على مقررات هذا المؤتمر وانسحب عدد آخر من الذين تمت دعوتهم من الأحزاب والحركات، وقد أعلنت أطراف عديدة هيمنة الطرف الإيراني الممثل بالمجلس الأعلى، وحزب الدعوة، وكتلة الجلبي، وبدعم أمريكي على كل مجريات المؤتمر لتؤسس أمريكا قاعدة تخريب وتدمير بنيت عليها العملية السياسية التي نفذت محاور المشروع الأمريكي الصهيوني بكل دقة، وزادت عليه بما أجادته قريحة ملالي طهران التي تحمل حقدًا على العراق يمتد لآلاف السنين غلفته بالمظلومية والمذهبية لتعلن عن ثارها من الإسلام والعرب، فكانت المأساة على العراق تدمير أمريكي صهيوني إيراني بشع؛ ولهذا أسميته المشروع الأنكلو أمريكي والصهيوفارسي. الولايات المتحدة الأمريكية وضعت مخططاتها للمنطقة العربية والتي تبتدأ باحتلال العراق، على أن تضمن هذه الخطط مصالح كل من الكيان الصهيوني وإيران وكل دول الإقليم الراغبة في تفتيت العراق، ولكي تضمن نجاح مشروع التدمير الذي يستهدف العراق كشعب وكدولة للانطلاق للمرحلة الثانية التي أعلنتها، ألا وهي البدء بما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي يراد منه إعادة تجزئة الدول العربية المحيطة بالكيان الصهيوني؛ فقد أعطت الولايات المتحدة الأمريكية ضمانَا كافيَا ودورًا فاعلاَ لإيران التي تحلم بإعادة الأمبراطورية الفارسية تحت الغطاء المذهبي والتعصب الديني المتطرف، والذي تحتاجه الولايات المتحدة بشكل ضروري وأساس في تفكيك الكتلة العربية الإسلامية ابتداء من العراق ثم تبثه في عموم الجسد العربي والإسلامي؛ ولهذا السبب يتبين للقارئ الكريم والباحث في هذا الشأن الإجابة على السؤال: لماذا سلمت أمريكا العراق قبل الاحتلال بالتهيئة لأطراف إيران في مؤتمر لندن وإعطائهم دور المهيمن، وبعد الاحتلال في إسناد كل مفاصل الدولة العراقية إلى الأحزاب الإيرانية حصرًا مع ضمان أمان الأحزاب الكردية في شمال العراق, قد جعل بقية الأطراف تخضع للهيمنة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة مع الحرص على وجودهم الشكلي فقط لإضفاء نوع من الشرعية الشكلية لنظام الحكم في العراق، والذي يضمن لإيران ما تريد من فرض السيطرة المباشرة على العراق. مرحلة التطبيق العملي للمشروع في العراق بعد مباشرة الولايات المتحدة وبريطانيا بغزو العراق لتطبق كل مخططاتها التي وردت أعلاه, عمدت إلى اتخاذ خطوات على الأرض لتسهيل تطبيق مشروعها في العراق، ومن هذه الخطوات: العقبات التي واجهت المشروع الأنكلوأمريكي الصهيوفارسي في العراق يمكن إجمال أهم العقبات التي واجهت المحتل الأمريكي باختصار كما يأتي: كيف تخطى الأمريكان هذه العقبات؟ بعد أن استشار الأمريكان شركاءهم في المشروع وكيفية تجاوزها, كانت المشورة الأثمن من إيران هي إشعال الفتنة الطائفية بتفجير المرقدين العسكرين في سامراء بتنسيق بين إيران وأمريكا بجهد مشترك وبغطاء تسليم سامراء للجيش العراقي ووزارة الداخلية التي كان يقودها الإيراني (بيان باقر صولاغ) من منظمة بدر الإرهابية التي أسست في إيران عام 1982. وبالفعل حصل الشرخ الطائفي وبدأت أدوات التنفيذ تعمل بجد لزيادة الفتنة وإضعاف الصف المقاوم, فقد حصل إحراق 200 مسجد لأهل السنة، واغتصاب عدد كبير من المساجد الأخرى. على الجانب السني كان الأمر ربما أشد؛ وذلك لأن المقاومة انطلقت بقوة من هذه المناطق، ولأن طبيعة فصائل المقاومة جلها أسلامية، وانطلقت من مبدأ الجهاد ورد الصائل حسب الشريعة الإسلامية, فإن الأمر يتطلب أن يسمع الأمريكان رأي ربيبتهم والتي من أجلها غزوا العراق، ألا وهي الكيان الصهيوني لما لها من خبرة في التصدي للمجاهدين في أرض فلسطين، فكانت النصيحة بأن يتم فصل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، هذا الأمر صعب جدًا، ولكن التخطيط الشيطاني للأمريكان والأحزاب السنية المشاركة في السلطة أدى إلى اختراق صفوف المقاومة, ودخولهم على خط اللعبة لتبدأ حركة الاستقطاب الطائفي لتؤطر لحرب طائفية مثمرة جدًا للأمريكان أنتجت ما يسمى بالصحوات التي ثبَّتت الاحتلال الأمريكي، وثبَّتت حكم الطوائف المدعوم إيرانيًا، والمسيَّر من قم وطهران، وإضعاف دور المقاومة إلى حد كبير، كما نجحت في خلخلة الحاضنة للمقاومة، واستمرت هذه اللعبة حتى قبيل انسحاب الجيش الأمريكي وتسليم العراق لإيران في فترة حكم المالكي الأولى ليقضي على العديد من قيادات الصحوات وبعلم الجانب الأمريكي وبمباركته وبتخطيط المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني؛ لمنع أهل السنة من الحصول على أي قوة تذكر حتى وإن كانت متآمرة ضد مناطقها وأهلها وبلدها ولكن الإيغال في الأذى والشحن الطائفي الذي كان المالكي وحزب الدعوه أسياده وأهم ركائز نشره بالعراق علنًا ما يهيئ لنزاع مستقبلي محتمل ومخطط له أن يكون لتأسيس المليشيات الإيرانية الولاء والقيادة وبدعم كامل وبحماية أمريكية خالصة بل إن (نغربونتي) و(جيمس ستيل) هما من أشرف على تأسيس وتدريب فرق الموت والمليشيات الإيرانية في العراق. أحزاب السلطة في العراق وأدوارها في التهيئة للتقسيم الطائفي للعراق أثبتت الوقائع العملية بعد الاحتلال أن جميع الأحزاب التي أتى بها المحتل ليس لها قاعدة جماهيرية ساندة لها، وإن توفرت فهي ضعيفة وغير متفاعلة مع محيطها لرفض الشعب العراقي لدخولها بإمرة المحتل الأمريكي، وارتباطها كليـًا بدول الجوار وبالأخص الأحزاب الشيعية التي أسست في إيران، وكل قياداتها إيرانية خالصة أو إيرانية الولاء بالكامل، وعلى الجانب الآخر من سياسيي العرب (السنة) لا يختلف الحال كثيرًا للأسباب نفسها أعلاه فضلاً عن رفض الشارع للمحتل ومن أتى معه، خيانة هذه الأحزاب التي تسمى إسلامية لأبسط مبادئ الإسلام جعلها ضعيفة أمام الجمهور ما يجعلها غير متمكنة من أداء الدور المرسوم لها، وهذا شكل عائقًا إضافيًا للمحتل الأمريكي في العراق الذي كان يطمح بالأساس لتفتيت العراق كهدف استراتيجي. إن اختيار هذه الأحزاب والجهات من قبل الأمريكان كان مدروسًا بدقة؛ لأنها تمثل الأساس المتين والناجح لإضعاف وحدة العراق وهي عمليًا تقسم العراق قوميًا ومذهبيًا وهو ما يتطابق تمامًا مع مشروع (بن غوريون) 1953 والقاضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات متناحرة شيعية وسنية وكردية. إن الوقود الوحيد الذي تستديم به حركة تواجد هذه الأحزاب في أرض العراق, هو الطائفية والعزف على المذهبية والاستفادة من الخلافات التأريخية التي مضى عليها أكثر من 1380 عامًا، وإذكاء الثارات باستغلال العاطفة واستغفال العقل بشكل مدروس, وهنا كانت أقطاب الشحن الطائفي جاهزة، وهي أدوات إيرانية وأمريكية تم الدفع لها مسبقًا وأعدت لهذا الغرض. ظهرت مصطلحات وتسميات الشحن الطائفي من خلال القنوات الإعلامية للأحزاب، وهي مفردات كانت مستهجنة ومستنكرة من قبل أهل العراق ومعيبة أيضًا. وهذه هي بداية طريق التفكك الأفقي على نطاق القومية الواحدة وهم عرب العراق، وهي (النواصب) وهم السنة و(الروافض) وهم الشيعة. أكثر من أجاد الدور في تهيئة الحقد المجتمعي هو حزب الدعوة وعلى رأسهم نوري جواد المالكي الذي سعى بإخلاص لتنفيذ مشروع التفتيت المشؤوم وتهيئة الأرضية للاقتتال الطائفي في العراق من خلال خطوات عدة معروفة للجميع، فقد عمد المالكي إلى استخدام سياسة استعداء أهل السنة على الاصعدة كافة، والإيغال في الضرر والاستعباد والاعتقالات والتهميش والإقصاء والسيطرة على القضاء وتوزيع اتهامهم بالإرهاب والتخريب لكي يدفع بهم دفعًا إلى التفكير بالتقسيم الذي يبدأ بما يسمى بالأقاليم أو الفيدرالية، وهذا هو السر الذي يكمن وراء إصرار كل من إيران وأمريكا على إعادة انتخاب المالكي مرة أخرى بالرغم من أن الاستحقاق كان لإياد علاوي؛ لأن المالكي خير من نفذ ما خطط له من تخريب للنسج الاجتماعي والتخريب الاقتصادي وسياسة خلق الأزمات ومحاربة أهل العراق ممن طالبوا بحقوق مشروعة وارتكب مجازر ضد الانسانية وتطهير عرقي وأفرغ المؤسسة العسكرية من كل محتواها ومضمونها باعطاء أوامر تهين هذه المؤسسة متعمدًا لسببين: الأول: أن وزارة الدفاع هي من حصة المكون السني حسب المحاصصة، والسبب الثاني: استبدالها فعليًا بالمليشيلت التي ترتبط بشكل عضوي بإيران لتكون هي المتحكم بكل مفاصل الدولة وتنفذ بإحكام تعليمات الولي الفقية في إيران، وتقاد فعليًا من قبل قاسم سليماني، ولغرض تسهيل دخول الإرهاب عمد المالكي إلى إفشاء الفساد بكل مؤسسات الدولة وإنهاك الوطن والمواطن، وترك الحدود سائبة، وولاؤه المطلق لإيران وإطلاق يدها فعليًا في العراق لتكون هي من يقرر من سيكون في المنصب الفلاني أو لا يكون، هذه الأساليب كلها كانت وراء طرح مشاريع التقسيم والتفكيك للعراق. كيفية التصدي لهذا المشروع؟ ومن يتصدى للحلول والمعالجة؟ إن الفهم الدقيق لأسس التآمر على العراق هو مفتاح الاختيار الأمثل للإجابة على كيف, بعد أان نفهم الإجابة عن لماذا حصل ما حصل للعراق؟ ومن هي الاطراف التي تقع عليها مسؤولية التصدي لهذه المهمة المعقدة والمتشابكة؟. كانت العرب تصف أهل الحكمة والرأي في كل قوم بأهل الحل والعقد, وهم من كانت لهم المشورة في كل ما يهم أمر المجتمع في السلم والحرب، ونحن في العراق من فضل الله لدينا شريحة واسعة وعريضة من الكفاءات العلمية والثقافية التي تحكم العقل في وزن الأمور وعليهم وحدهم تقع المسؤولية الأكبر في التصدي الفاعل لهذا المخطط الخبيث، إن أول خطوة في الحل في العراق هي الاعتراف بوجود المشكلة وعدم تجاوزها بالأماني والتمني، وعلينا كمثقفين أن نشكل مراكز دراسات متخصصة في هذ المجال لتقوم بدور المرشد والموجِّه لمن يتصدى لهذا الأمر، وأن يكون العراقي الذي يتصدى للأمر في الميدان كالطبيب الحصيف الذي يشخص المرض بدقة ويصف العلاج ويشرف على علاجه؛ لأن حالة العراق يمكن تشبيهها بحالات الإدمان؛ لأن الشرخ الذي حصل في المجتمع كبير جدًا، كما أن الدول الخارجية وأطراف الصراع ما تزال تضخ السموم الطائفية التي تستهدف المجتمع العراقي لتنفيذ أجنداتها. لغرض مواجهة هذا المرض الخطير، على أهل العلم والثقافة في العراق أن يسعوا إلى التفكير العاجل بكيفية إيقاف المد المدمر للطائفية، والسعي لإيجاد الطرائق التي تضمن الوصول إلى السلم المجتمعي عبر كل الوسائل المتاحة مع التفكير الجاد في معالجة الآثار السلبية للمرحلة الحالية وما سبقها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن سيناروهات عدة محتملة للوصول إلى الهدف, منها آنية وعاجلة، ومنها طويلة الأمد، وأول هذه الخطوات والتي نعتقد أنها أساسية هي: إزالة المسبب وهي الخطوة الأصعب في تقديرنا؛ لأن الشعب العراقي يواجه مشروعًا دوليًا تقوده الولايات المتحدة القطب الأقوى في العالم، وإيران التي لا تخفي أحلامها السوداء مع ضعف المحيط العربي والإسلامي، وأهم الخطوات التي نرى أنها أساسية في التصدي للتفتيت هي: الخلاصة يُعد المثقفون وأصحاب الكفاءات من أهم الثروات القومية لأي مجتمع، وعليهم تقع مسؤولية إعادة تشكيل الواقع نحو الأفضل وهم ركيزة التطور ومادته الأساسية؛ ولهذا السبب تم استهدافهم أولاً في العراق، ولغرض إفشال المخطط تقع على الجميع مسؤولية الالتفاف حول وحدة العراق أرضًا وشعبًا وإزالة اثار الدمار وإيقاف عجلة التدهور والتخلف، وأن تتظافر الجهود لمعالجة مرض التفكك التي سعت له الأحزاب العميلة والمتلبسة بلباس الدين ومن تمحور معهم، وهؤلاء وحدهم من علماء وكتاب وأدباء ومفكرين وأصحاب الفكر الحر تقع عليهم المسؤولية في التصدي لأي مرض يصيب مجتمعاتهم، وأحب أن أختم بقول للشيخ العلامة عبد الملك السعدي في كلمة له في عمان الأردن: ( إن الفيدرالية هي إلغاء للعراق, وإن إلغاء العراق يعني نجاح أعداء الأمة في تفتيت بقية العالم الإسلامي). المصادر ([1]) الأمين العام لاتحاد الجغرافيين العرب. ([2]) د. صبري فارس الهيتي, الجغرافية السياسية للوطن العربي, عمان , 2015, ص 176- 177. ([3]) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق: 7/ 3030، وينظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (925). ([4]) الجاحظ , رسائل الجاحظ ,ج1. ([5]) د. صبري فارس الهيتي , التراث الجغرافي العربي الاسلامي , دار الوراق,2013 ,ص 146. ([6]) اسرائيل شاحاك, اثبت العالم العربي عجزه عن التحليل المنطقي للمستقبل, جريدة القدس. ([7]) سلسلة دراسات وثائقية, وثائق مختارة في تفتيت الوطن العربي ,2009 , ص 15. ([8]) وزارة الإرشاد القومي, ملف وثائق فلسطين, مجموعة وثائق وأوراق خاصة بالقضية الفلسطينية من عام 637 -1947, القاهرة, 1969, ص 193-197، وينظر: بسام النعماني, الوطن العربي بعد مائة عام من اتفاقية سايكس-بيكو : قراءة في الخرائط, مجلة المستقبل العربي, العدد,446, نيسان, 2016, ص 24-32. ([9]) .New Bernard Lewis plan will carve up the Mideast. ([10]) د. صبري فارس الهيتي, الفوضى الخلاقة والحرب الاستباقية والنظريات الجيوبوليتيكية,عمان, دار أمجد, ط2,2016, ص76- 84. ([11]) رالف بيترز, حدود الدم, الشر ق الأوسط, خرائط جديدة ترسم, سلسلة ترجمات, العدد: 74, بيروت , 2013 , ص 23- 27. ([12]) د. حسن نافعة , مشروع صهيوني لتفتيت الوطن العربي , ملتقى شذرات عربية ,13-1- 2013. ([13]) - The Unfolding of Yinon’s “Zionist Plan for the Middle. ([14]) علي مقلد, خيوط العنكبوت, الحلم الصهيوني ومخططات تقسيم الوطن العربي, كتابي للنشر والتوزيع, 2014. ([15]) www.shabiba.com 14-2-204. ([16]) مركز الزيتونة للدراسات, الشرق الاوسط, خرائط جديدة ترسم, سلسلة ترجمات, العدد:74, بيروت, 2013, ص 23- 27. ([17]) ينظر كتاب: (قضايا إسلامية معاصرة)، الدكتور منير محمد الغضبان، دار السلام، ط1، 1433/2012م. ([18]) نقلاً عن المعلوماتية/ الآفاق العالمية المتحددة (1991م)، ص634. ([19]) فجر الاستقلال في سورية لمحمد سهيل العشي: (ص234). ([20]) كتاب الوثائق الرئيسة في قضية فلسطين المحموعة الأولى (1910-1946)، إصدار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. ([21]) ملاحق فجر الاستقلال في سورية للعشي: (ص234). ([22]) الحَزْوَرَة: لغةً: المكان المرتفع من الأرض، وفي الحديث: موضع بمكة يلي البيت..فلما توسع المسجد الحرام دخل فيه. ([23]) سبل الهدى والرشاد للصالحي: (3/333), وهو من الأحاديث الصحاج. ([24]) الإذخر: نبات طيب الرائحة ينبت حول مكة. ([26]) مجنة: سوق للعرب في الجاهلية في أسفل مكة. ([27]) شامة وطفيل: جبلان بمكة. ([28]) السيرة النبوية لابن هشام: (13/589). ([29]) صحيح مسلم: (ح 11365)، (ص538)، بيت افكار الدولية. ([30]) أخرجه أحمد (3/483) والنسائي: (6/21). ([31]) مسند أحمد ط الرسالة (25/ 315). ([32]) كفاية الأخيار للحصين الشافعي الدمشقي: (2/128). ([33])ولد برنارد لويس في لندن 1916 م، وهو مستشرق بريطاني الأصـل يهـودي الديـانة، صهيـونـي الانتماء، أمريكي الجنسية، تخرج من جامعة لندن 1936 وعمل فيها مدرسـاً فـي قسـم التاريـخ للـدراسـات الشـرقيـة الإفريقية . له مؤلفات عديدة عن الشرق الأوســـط والمـذاهب الإســـلاميـة والحركـات الخـارجة عـن الـدين مثـل الإسماعيلية والقرامطة والحشاشين. ([34]) باحث ورئيس معهد العالم الثالث للبحوث والدراسات/ عمان-الأردن/ [email protected] ([35]) محمد إقبال, العلاقات الإيرانية -العربية بين الواقع والطموح، بيروت، 2013، ص113. ([36]) محمد إسماعيل, صحيفة الشرق الاوسط الخميس الموافق 14 إبريل 2011 العدد 13817النسخة. ([37]) عبد الحميد النهمي, المشروع الإيراني في المنطقة العربي والإسلامية، مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2014م، 417. ([38]) الحوثية في اليمن.. الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية، مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث، صنعاء، بالتعاون مع المركز العربي للدراسات الإنسانية، القاهرة، الطبعة الأولى 2008م، ص 87. ([39]) علي العبيد: تأريخ الصراع العراقي، الإيراني الطائفية غطاء المشروع الإيراني،ـ العراق نموذجًا المكتب العربي للمعارف ـ القاهرة،2016 ، ص 413-415. ([40]) النسخة الإلكترونية من جريدة الرياض اليومية الصادرة من مؤسسة اليمامة الصحفية الخميس 27 ربيع الأول 1437 هـ - 7 يناير 2016م - العدد 17363. ([41]) موقع شبكة البصرة نت 2009م. ([42]) الحوثية في اليمن, الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية، لمجموعة باحثيين، مركز الجزيرة للدراسات والبحوث، 2015 ، ص 93-94. ([43]) مرجع سابق. فادي شامي .المشروع الإيراني في المنطقة العربي والإسلامية .مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ص152. ([44]) هيئة الاستثمار السورية, التقرير السنوي السادس للاستثمار, تقرير سنوي (تأريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2015), ص 115. ([45]) مرجع سابق،علي الأمين، المشروع الإيراني في المنطقة العربي والإسلامية .مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية . ص117-118. ([47]) صحيفة (الشرق الأوسط)، في 16 مارس 2012م، ومجلة (المجلة)، في 15 مارس 2012م. ([48]) .صحيفة (أخبار اليوم)، في 23 أغسطس 2012م. وانظر: صحيفة (الشرق) السعودية، بتأريخ 23 أغسطس 2012م. ([49]) صحيفة (الشرق الأوسط)، في 14 أكتوبر 2010م. ([50]) مرجع سابق. علي العبيد تأريخ الصراع العراقي- الإيراني ص-325 -326 . ([51]) وائل مجدي ، خمس دول عربية في مرمى النفوذ الإيراني، لمزيد من التفاصيل انظر: http://www.masralarabia.com ([52]) وكالة " تاس" حجم القوات المسلحة الإيرانية -http://ar.rt.com/hkdb ([53]) مرجع سابق ذكره.وائل مجدي ، خمس دول عربية في مرمى النفوذ الإيراني. ([54]) صحيفة (القدس العربي)، في 7 يوليو 2008م. ([55])- أميل أمين، خيوط العنكبوت..الحلم الصهيوني ومخططات تقسيم الوطن العربي، موقع إضاءه، 28/10/2014. ([56]) عبد الملك سلمان، تحديات استراتيجية أمام مستقبل الأمة العربية، جريدة أخبار الخليج، العدد 13106، الأحد 9/2/2014. ([57]) فتوح أبو دهب هيكل، الرؤية الأمريكية لأمن الخليج، مجلة شؤون خليجية، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد37،ربيع 2004، ص89. ([58])- عبد الحي زلوم حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت الطبعة الأولى،2007،ص16. ([59])-عبد الخالق فاروق، احتلال العراق ومستقبل الطاقة والنفط، مؤسسة العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص106. ([60])- برادلي أ. تاير, السلام الأمريكي والشرق الأوسط : المصالح الاستراتيجية الكبرى لأمريكا في المنطقة بعد 11 أيلول ، ترجمة: د. عماد فوزي شعيبي ، الدار العربية للعلوم، بيروت2010, ص88. ([61])- وليد محمود عبد الناصر، من بوش إلى أوباما: المجتمع والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية، مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى ،2010،ص120-121. ([62]) -Richard N.Haass," The New Middle East", Foreign Affairs, Vol85, No.6, November/ December 2006, P.132. (([63])) جون اسبوزيتو،" الحركات الإسلامية وتحقيق الديمقراطية وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية" في فيبي مار، وليم لويس "امتطاء النمر : تحدي الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة"، ترجمة: د. عبد الله جمعة الحاج، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الطبعة الأولى،1996،ص249. ([64])أخرج أبو داود في سننه عن ثوبان، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت). ينظر: السنن: 4/111 ح(4297). ([65]) حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد، تعليق شكيب أرسلان، ج1-2 ص 24، دار الفكر بيروت. ([66]) المصدر السابق: ج1-2، ص 106. ([67])مواقف الإسلام، محمد الحبيب بلخوجة، ص108-109، دار بوسلامة للنشر والتوزيع، تونس ([68])التجديد في الفكر الإسلامي، عدنان محمد طه، ص2، دار ابن الجوزي. ([69])رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (149)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/599) ([70])مواقف الإسلام، محمد الحبيب بلخوجة، ص133، دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع ([71])مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمان بن محمد بن خلدون، ص323، مؤسسة باباي للنشر والتوزيع والطباعة تونس. ([72])مجلة الوحدة: المثقف العري والتحوّلات المجتمعيّة، ص36، السنة السادسة العدد66، عبد الإله بلقزيز، مقال نشأة الحركات السياسية القومية، شباط فبراير 1992، عن المجلس القومي للثقافة العربية المملكة المغربية. ([73])حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد، تعليق شكيب أرسلان، ص240، ج1-2، دار الفكر بيروت
وبالمقارنة مع مشروع برنارد لويس القائم أيضًا على تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية ولغوية، ويتطرق للبننة (نسبةً للبنان) وكذلك الحرب العراقية الإيرانية، عندما زود الغرب كل الأطراف بالأسلحة الفتاكة لكي يظل القتال مستمرًا لأطول فترة ممكنة قبل أن يدرك المتصارعون كم كانوا أغبياء، وَيعتبر برنارد لويس غزو العراق للكويت النهاية الفعلية لسيطرة العرب على سلاح البترول، فلن تتمتع بعده أية دولة نفطية بالاستقلال أو القوة، وكلمة السر هي (التحكم من الخارج)، دون الحاجة لاحتلال عسكري على الأرض إلا بالقدر الذي يحمي موارد البترول إذا تعرضت لخطر مسلح.
– لأول مرة دولة (سيناء) المستقلة، (بدأت أعمال العنف المسلح في سيناء سنة 2004، وفي سنة 2013 أعلنت إسرائيل عن وجود وحدة لمكافحة الإرهاب تابعة للجيش الإسرائيلي تعمل داخل سيناء، ومؤخرًا ظهرت دراسات عن مراكز بحثية استراتيجية إسرائيلية تمهد لفشل الجيش المصري في السيطرة على سيناء وأهمية تواجد عسكري دولي لحسم المعارك هناك).5. مشاريع الموساد للتفتيت
اعدت مشاريع ستراتيجية تخدم المصالح الاسرائيلية, أعدها رئيس المؤسسة المركزية للاستخبارات والمهام الخاصة، المعروفة باسم “الموساد”- “رؤوبين شيلواح”- الذي ترأس الموساد بين أعوام 1949و 1952 جاء فيها :
.... "إن المصلحة الإسرائيلية تتطلب العمل على تفتيت واختراق العالم العربي، وبخاصة مصر، العراق، سوريا، السودان، ودول الخليج” أما دول المغرب فإن المطلوب إقامة لجان صداقة أمازيغية مع إسرائيل" فـ ”شيلواح” المذكور، كُلف بمهام استخبارية في العراق في سنوات الثلاثينيات، تحت غطاء مدرس وصحفي في صحيفة فلسطين بوست، وكانت مهمته جمع المعلومات عن يهود العراق، كما عمل في القسم السياسي التابع للوكالة اليهودية وكلف بإدارة القسم السياسي في وزارة الخارجية، ومستشاراً لوزير الخارجية، وشارك باتفاقات الهدنة مع مصر في رودس، وكان خبيراً في شؤون الشرق الأوسط، فدراسته عن تفتيت الدول العربية لم تأت صدفة بل نتيجة خبرة من أن وحدة العالم العربي تشكل خطراً مؤكداً على بقاء إسرائيل.
دراسة “شيلواح” هذه، تقاطعت مع أخطر دراسة سربت من أوراق “البنتاجون”، نشرت تسريباتها صحيفة “نيويورك تايمز″ الأمريكية، والتي كشفت عن وجود مخطط يقضي بتفتيت الدول العربية قبل عام 2015، فالدراسة المذكورة تحتوي على ما يقارب ( 1736) صفحة، في تشخيص دقيق لحالة العالم العربي بما في ذلك دول الخليج العربي تحتوي على دراسات وتوصيات مدعومة بالتحليلات الميدانية، التي قامت بها معاهد وجامعات سياسية أمريكية، ومراكز عسكرية، أشرفت عليها أربع وحدات بحث، تضم ( 120 ) خبيراً إستراتيجياً وسياسياً وعسكرياً، معظمهم من الجنسية الأمريكية، وشملت الدراسة عدداً من المقترحات، والسيناريوهات المفترض تطبيقها على مراحل، لتحقيق الهدف إن الخطط الأمريكية وفقاً لأوراق “البنتاجون” تقضي بتقسيم خمس دول عربية إلى ( 14 ) دويلة منها تقسيم سوريا إلى ثلاث دول على خلفية الصراع المذهبي والديني، واحدة للطائفة العلوية، ودولة للأكراد، وانضمام سنة سوريا إلى المحافظات السنية في العراق، لتشكيل دولة “سنستان” ( انظر الخارطة )
أما مصر فيتطلب العمل على تفتيت الجيش المصري بافتعال إدخاله في مواجهات مع شعبه والهدف تفتيته وإضعافه، وفي العراق استغلال النعرات الطائفية التي غذاها الغزو الأمريكي، وحسب التسريبات أن يتحد شمال العراق مع دولة الأكراد في سوريا، أما الوسط السني العراقي فيتحد مع سنة سوريا، فيما يبقى جنوب البلاد للشيعة.
وفي ليبيا يتم دفع النعرات القبلية إلى الانقسام إلى ثلاث دويلات، واحدة في الشمال الغربي وعاصمتها طرابلس، والثانية في الشرق تتبع لبنغازي، إضافة إلى دولة فزان التابعة لسبها.
وفي اليمن –الذي يعاني الفقر والانقسام- فسيصبح يمنين اثنين، شمالي وآخر جنوبي، على أن تجزأ شبه الجزيرة العربية.
وإحداث مواجهات إيرانية شيعية مع السعودية تنتقل أعمال عنف وحسب تسريبات “البنتاجون”، فإن هناك ( 69 ) سيناريو لتطبيقها، حسب الدراسة التي صنفت الجيش الإيراني، والجيش السوري، والجيش المصري، والجيش السعودي، والجيش الباكستاني، كأقوى الجيوش التي تملك ترسانة أسلحة، فإن أولوية الخطة أشارت إلى تفتيت تلك الجيوش تمهيداً لاحتلال بلادها كخطوة لاحقة، بينما أشير إلى الجيش السوري، أنه فقد قوته بما يتخطى 70 % عام 2013، وتشير الدراسة أيضاً إلى التكتيك المتبع في تفتيت الجيش المصري، وتراهن الدراسة على تحقيق النجاحات المتتالية، بتقصير المدة، وتعزو ذلك إلى وجود انقسام أيديولوجي وفكري وعرقي وطائفي وصل إلى حد التجذر بشعوب المنطقة، ونوهت الدراسة إلى أسماء شخصيات سياسية وعسكرية ورجال أعمال، ولوبيات محددة موثوقة من قبل الأمريكان لها علاقات وطيدة مع شعوبها، داخل الخليج ومصر وسوريا تحديداً، تقوم بمساعداتها بطرق مباشرة وغير مباشرة لتحقيق الهدف، وترى الدراسة بأن المرحلة الراهنة للمنطقة العربية هي الأنسب لتنفيذ “السيناريوهات” في ظل أزمات شديدة لبعض الدول العربية، وانشغالها في أوضاعها الداخلية.
الدراسة وضعت في حساباتها توقعات لردة الفعل، حال تقسيم العالم العربي إلى دويلات، وتخصص الدراسة في ( 600 ) صفحة طرق تخدير الشعوب بشعارات الربيع العربي الذي على ما يبدو جرى اختراقه، والثورات والغزو الإعلامي عن طريق أكثر من ( 38 ) قناة مرئية ومسموعة، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتمد المخطط في تمويله، على مصادر متعددة([14]).