د. باسل الناصر مقدمة: إذا أردنا أن نتكلم عن محافظة صلاح الدين فلابد أن نذكر القائد العربي المجاهد صلاح الدين الأيوبي محرر القدس، وموحد العرب؛ والذي سميت المحافظة باسمه. ولد صلاح الدين الأيوبي في مدينة تكريت، مركز هذه المحافظة والذي يبعد عن العاصمة بغداد نحو180كم شمالًا. تبلغ مساحة المحافظة 24,363 كم2، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 1,300,000 نسمة([1])، موزعين على أقضية المحافظة والتي أهمها: سامراء، وبلد والدجيل جنوبًا، والدور، والطوز شرقًا، وبيجي، والشرقاط شمالًا. تأتي أهمية هذه المحافظة دينيًا؛ في وجود معالم ومراقد دينية متمثلة بالإمامين العسكريين في مدينة سامراء، وصناعيًا وجود مصفى بيجي الذي يُعد من أكبر المصافي النفطية في الشرق الوسط، إضافة إلى وجود مصنع الأسمدة الكيميائية ومنشآت التصنيع المختلفة. محافظة صلاح الدين والاحتلال: لو أردنا أن نقسم المحافظة دينيًا فإننا نجد أنّ الغالبية العظمى من المحافظة هي من السنّة ولا يمثل الشيعة فيها أكثر من 10% موزعين جنوب مدينة تكريت، في قضائي بلد والدجيل، ونتيجة لتحمل السنّة في العراق عمومًا ثقل مقاومة الاحتلال؛ فقد كانت محافظة صلاح الدين تمثل جزءًا مهمًا في مقاومة المحتل؛ ولذلك كان للمحافظة عمومًا شرف أن تكون أحد أضلاع المثلث السني الذي أثخن في جسد المحتل، وكبدهم خسائر بشرية ومادية كبيرة. ونتيجة لما تقدم فقد تعرضت محافظة صلاح الدين إلى ما تعرضت إليه المحافظات السنيّة الباقية من التدمير بفعل هذه العمليات الباسلة، إضافة إلى التهميش والإقصاء من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة، خلا فئة قليلة ارتضت لنفسها المشاركة في برامج هذه الحكومة؛ للحصول على مصالح مادية فردية على حساب أهلهم وشعبهم. أما شباب ورجال المحافظة فقد تعرض قسم كبير منهم للاعتقال، والسجن من قبل قوات الاحتلال، والقوات الحكومية التي اعتبرت مقاومة المحتل جريمة يعاقب عليها القانون؛ في الوقت الذي كفلته جميع الشرائع السماوية والوضعية، وقسم آخر كان يشكل نسبة كبيرة من الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة؛ أُجبر على ترك وظيفته بعد حَلّ الجيش العراقي السابق والأجهزة الأمنية من قبل الحاكم المدني بريمر سيء الصيت، ونال القسم الآخر ماناله أبناء الشعب العراقي عمومًا من العطالة والبطالة التي ارتفعت إلى نسبة 30%([2]). شارك أبناء محافظة صلاح الدين في جميع التظاهرات والاعتصامات التي خرجت في جميع أنحاء البلد؛ من أجل رفع الظلم وتحسين أوضاع الشعب الاقتصادية والاجتماعية والصحية؛ التي وصلت إلى مستوى متدني تصدّر فيه العراق جداول التصنيف في سيئها، وتذيل في جيدها، تمثلت في المشاركة بثورة 25 شباط 2011م والتي انطلقت في جميع أنحاء العراق، ثم المظاهرات السلمية للمحافظات الست السنيّة عام 2013م؛ والتي طالب المتظاهرون خلالها بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية، وإيقاف نهج الحكومة الذي وصفوه بالطائفي، وإلغاء المادة 4 إرهاب التي تستهدفهم وحدهم، وقانون المساءلة والعدالة من الدستور العراقي، وغيرها من المطالب التي اعترف العالم بأجمعه على مشروعيتها، إلا إنّ حكومة الاحتلال برئاسة المالكي جابهتها بالحديد والنار، وعدم الاستماع لمطالب المتظاهرين، بل أرسلت قواتها لضرب المعتصمين؛ مما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين المتظاهرين والقوات الحكومية، استغل "تنظيم الدولة" هذه الأجواء للدخول إلى مدينة الموصل دون قتال، ثم مدينة بيجي والاستيلاء على المصفى الكبير، وصولًا إلى مدينة تكريت دون أن تطلق إطلاقة واحدة من القوات الأمنية التي بلغ عددها ما يقارب 23 ألف مقاتل، بين جندي وعنصر أمن، تركوا أسلحتهم وثكناتهم هربًا، فضلًا عمن تولّى المسؤولية الإدارية، والأمنية، والعسكرية،في المحافظة. ونتيجة لدخول "تنظيم الدولة" إلى مدن بيجيوتكريت والدور؛ فقد تعرضت هذه المدن إلى قصف عشوائي بالمدفعية والطائرات المروحية والمقاتلة من الجيش الحكومي؛ بحجة ضرب مقاتلي "تنظيم الدولة". ولَّد هذا القصف العشوائي موجات من النزوح انتهت بإفراغ هذه المدن من أهلها حيث نزح سكانها متفرقين إلى المحافظات الشمالية من إقليم كردستان، والقسم الآخر الذي خرج متأخرًا ووجد أبواب مدينة كركوك مقفلة أمامه فاضطّر للرجوع والنزوح إلى مدينة الموصل، حيث بلغ عدد النازحين ما يقارب 600 ألف نسمة([3])، ولم يبق في المدن إلا بضعة عوائل لم تتمكن من مغادرة المدينة؛ لعدم وجود المقدرة المادية لديهم. وإذا أردنا أن نصف الوضع الأمني في مدينة سامراء كبرى أقضية المحافظة؛ فلا نجد فرقًا يذكر مع ما تعرضت إليه باقي أقضية المحافظة؛ فقد فُرض على هذه المدينة وضعًا أمنيًا تمثل في سيطرة مليشيا سرايا السلام التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على المدينة وممارسة كافة الصلاحيات الأمنية بحق أهل المدينة من إغلاق الطرق واعتقال الأشخاص وغيرها دون تدخل القوات الأمنية الحكومية، وكل ذلك بحجة حماية المرقدين العسكريين الذيْن تعرضا إلى عملية تفجير في 22 شباط 2006م؛ لإشعال حرب طائفية في البلد. الدور وتكريت ومع ما يسمى بالتحرير: بعد دخول "تنظيم الدولة" إلى مدينة تكريت والدور والسيطرة عليهما؛ تعرضت قوات "تنظيم الدولة" المتمركزة في المدينتين إلى هجمات عديدة من قبل الجيش الحكومي باءت جميعها بالفشل، بل تكبدت القوات الحكومية خسائر جسيمة بالأشخاص والمعدات. ورغم ذلك بقي القصف الجوي من قبل القوات الأمريكية والجيش الحكومي مستمرًا، لا يميز بين مقاتل ومدني؛ والذي كان سببًا رئيسيًا في نزوح الناس وترك مدنهم. استمر هذا الحال إلى تاريخ 11 آذار 2013م والذي حشدت فيه القوات الحكومية والحشد الشعبي بكافة فصائله، والقوات الأمنية بصنوفها المتعددة، يساندهم غطاء جوي أمريكي، لما يسمى تحرير مدينة الدور وتكريت، ودخلت هذه القوات إلى مدينتي الدور وتكريتدون قتال يذكر؛ بدليل عدم وجود أي مظهر من مظاهر المقاومة في المدينة، أو وجود قتلى أو أسرى بيد الجيش الحكومي والحشد الشعبي([4]). الجيش الحكومي والحشد الشعبي في الدور وتكريت بعد دخول الجيش الحكومي والحشد الشعبي إلى مدينتي الدور وتكريت، رافق دخولهم ترديد الشعارات الطائفية، ورفع أعلام المليشيات التابعة للحشد الشعبي، التي قامت باعتقال ما يقارب 125 شخص من مدينة الدور، ومن منطقة الجلام خاصة، شمل الاعتقال عوائل بأكملها، لم يعرف مصيرهم إلى اليوم([5]). وأما في مدينة تكريت قامت هذه القوات بقتل كل من بقي في المدينة من الرجال أمام عوائلهم بتهمة انتمائهم ل"تنظيم الدولة"([6])، ثم توزعت هذه القطعات إلى مجموعات صغيرة لنهب البيوت والمحلات التجارية وحرقها بعد إفراغها مما فيها، وقد نقلت وسائل الإعلام،والتواصل الاجتماعي صورًا لهذه السرقات وعمليات الحرق. اتجه قسم آخر من المليشيات (مليشيا بدر)إلى أحياء المدينة يحملون معهم قوائم لضباط الجيش السابق والطيارين الذين شاركوا في حرب الثمان سنوات مع إيران، وتم التركيز على حي الشهداء، ودور الضباط للانتقام منهم؛ فقاموا بتفجير 178 دار([7])، وتعدى هذا الحقد البغيض ليصل إلى الأموات فقاموا بنبش قبور الشهداء الذين استشهدوا في معارك القتال مع إيران، واستمرت عمليات السلب والنهب من الدوائر الحكومية، ودور المدنيين ومحلاتهم التجارية من قبل "المحررين" على قدم وساق شملت المولدات الكهربائية العامة والخاصة، ومضخات المياه في محطات المياه، ومن الغريب والعجيب أنّ نصب الدلال العربية الذي يتوسط مدينة تكريت رفع من مكانه ونقل كذلك إلى إحدى مدن جنوب العراق. ولابد من أن نذكر أنّ مليشيات الحشد الشعبي صبّت جام غضبها وحقدها على مدينة العوجة مسقط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ضمن سلسلة حلقات بدأت بحرق الدور بعد نهبها ومن ثم تفجيرها واحدًا تلو الآخر واختتمت بتجريف كافة الأراضي الزراعية فيها. بعد السيطرة على المدينة، حدثت سلسلة من الوساطات بين شيوخ العشائر وقادة الحشد الشعبي وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس؛ وافق الأخير على عودة العوائل وفق ورقة ووثيقة أمنية توقع وتختم من قبل سبعة أطراف مسيطرة على المدينة([8]). فعاد ما يقارب 40% من ساكني المدينة، إضافة إلى بعض ساكني مدينة البيجي والدور الذين فقدوا منازلهم وجميع ما يملكون، وسط قلة الخدمات من كهرباء وماء وغيرها. والجدير بالذكر أن الجهة المسيطرة أمنيًا على مدينتي الدور وتكريت هي مليشيات الحشد الشعبي التي قامت بفتح مكاتب لها في المدينتين، وانعدمت سلطة الشرطة والجيش فيهما، بل إن المليشيات قامت بأكثر من مناسبة باعتقال مجموعة من الشرطة بتهمة مساعدة "تنظيم الدولة"، وتعدى الأمر إلى إنشاء سجون سرية في المدينة يعتقل فيها الأبرياء ويعذبون، وأحيانًا تتم تصفيتهم ودفنهم، ولا زال البعض يبحث عن أبناءه الذين اعتقلتهم المليشيات ولا يعرف مصيرهم([9]). بيجي والمصفى يعد مصفى بيجي من أكبر المصافي النفطية في منطقة الشرق الوسط تبلغ طاقته الانتاجية 15 مليون طن سنويًا من المشتقات النفطية، وتبلغ طاقة التكرير 310,000 برميل يوميًا([10])، فقد سيطر "تنظيم الدولة" على مصفاة بيجي في 24 حزيران عام 2014م، بعد معارك دامية مع القوات المكلفة بحمايته، وبقي المصفى متوقفًا إلى 16 تشرين الأول عام 2015م؛عندما استعادت القوات الحكومية والحشد الشعبي المصفاة منهم، وتعرضت المصفاة لأضرار كبيرة إثر العمليات العسكرية التي دارت فيها، إضافة إلى قيام مليشيات الحشد الشعبي بتفكيك أجزاءه ونقله إلى جنوب العراق ضمن حملات الحشد الشعبي لهدم البنى التحتية في المحافظات السنيّة، وكل ذلك يحدث أمام أنظار مسؤولي المحافظة دون أن يحركوا سكنًا، كما أن مدينة بيجي تعرضت إلى دمار هائل بفعل العمليات الحربية، والقصف المستمر مما جعلها بحق مدينة منكوبة، كما إن فصائل الحشد الشعبي سيطروا على أحياء المدينة واتخذوا فيها مقرات وخاصة حي الكهرباء، وحي النفط وأنشأوا سجنًا فيهما، ومنعوا الدخول إليهما. واستمرت عمليات ما يسمى بالتحرير شمالَا وصولًا إلى الشرقاط، ترافقها عمليات النهب والسلب والتدمير. الخلاصة: لا زال ما يقارب 50% من أبناء مدن تكريت، وبيجي، والضلوعية، والدور والشرقاط، لا يستطيعون العودة لعدة أسباب أهمها: أن الكثير منهم خدم في الجيش العراقي السابق والأجهزة الأمنية المنحلة، وخوفهم من عمليات الانتقام والثأر تمنعهم من العودة. والسبب الثاني. تعرض منازل الكثير إلى التفجير والهدم ولا يوجد لديهم مأوى للعودة إليه. والسبب الثالث. عدم وجود الحماية الكافية لهم حيث قامت المليشيات بالسطو على كثير من المنازل وسرقة الأموال والمصوغات الذهبية، ولم تستطع القوات الأمنية من حمايتهم. وأما السبب الرابع. فهو قلة الخدمات متمثلة بانقطاع التيار الكهربائي، والماء الصالح، وانعدام العناية الصحية. ومن جهة أخرى لم تعمل حكومة العبادي التي ادعت أنها "حررت" المدن من "تنظيم الدولة" على تعويض الأهالي عما دمرته عمليات التحرير المزمعة؛ لذلك بقيت الدور مهدمة لا يستطيع أصحابها إعادة إعمارها والسكن فيها. بقاء مليشيات الحشد الشعبي رغم صدور أوامر بسحبهم من قبل رئيس الوزراء واستغلال هذا الوجود في الناحية الدينية، حيث أنشأت حسينية في منطقة العلم، وحسينية أخرى في منطقة البعيجي جنوب مدينة بيجي، كما يدل ذلك على إن هذه المليشيات تأتمر بأوامر ولاية الفقيه وأن الحكومة لا سلطة لها عليهم. كما أن وجود المليشيات وسيطرتها على مداخل المدن وأخذها أتاوات على العجلات الداخلة خاصة التي تحمل المواد الغذائية وغيرها جعل هذه المواد ترتفع ارتفاعًا فاحشًا؛ مما يثقل كاهل المواطن خاصة الفقير. وختامًا: لابد أن نذكر موقف هيئة علماء المسلمين في محافظة صلاح الدين متمثلة بالقسم الإغاثي وفرعي الهيئة في تكريت وبيجي؛ حيث قام القسم الإغاثي بحملات إغاثية إنسانية في تكريت، وبيجي والشرقاط، والضلوعية، وفي كافة المخيمات التي أنشأت لإيواء النازحين في المحافظة، فضلًا عن مواكبة فرعي الهيئة لأهل المدينة ومد يد المساعدة لهم ماديًا ومعنويًا. ([1])حسب إحصائية لوزارة التخطيط العراقية عام 2011م، موقع وزارة التخطيط. ([2])جريدة الحياة-العدد الصادر بتاريخ 11أيلول 2017م-لقاء مع رئيس «اتحاد رجال الأعمال العراقيين» راغب رضا بليبل، وقال: «أكدت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي صعود معدل البطالة في العراق متجاوزاً 33.4 في المئة بين الشباب واليائسين وغير القادرين على إيجاد فرصة عمل، بينما يصل إلى 37.2 في المئة بين الشباب الحاصلين على التعليم الإعدادي أو الجامعي». ([3])حسب إحصائية رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس محافظة صلاح الدين-في لقاء مع وكالة بدر نيوز 26/12/2017م. [4])) شهادات لشهود عيان. ([5])خبر أورده قائم مقام قضاء الدور في موقع العربية بتاريخ 23 آذار 2015م. ([6]) حسب شهود عيان،قامت مليشيا بدر والعصائب وحزب الله العراقي بقتل الدكتور خالد الآلوسي والمواطن خزعل الثويني. ([7])حسب إحصائية المجلس المحلي لمدينة تكريت-حسب شهادة أحد أعضاء المجلس المحلي لمدينة تكريت. [8])) شهادات لشهود عيان من داخل مدينة تكريت. [9]))تم تحديد أحد السجون السرية لمليشيا علي الأكبر(أحد فصائل الحشد الشعبي) في منطقة المعسكرات شمال مدينة تكريت. ([10])القصة الكاملة لمصفى بيجي من الإنتاج على التدمير-مقال في الغد بريس بتاريخ 28آذار 2016م.
كاتب وباحث من العراق