خريطة القوى الكردية ومستقبلها ما بعد استفتاء كردستان والانتخابات العراقية

7 أغسطس, 2021

شاهو القره داغي
كاتب وباحث من كردستان

تمهيد:

         احتكر الحزبان الرئيسان (الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني)، و(الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة عائلة جلال الطالباني) المشهد السياسي في إقليم كردستان العراق منذ عام 1992م، عندما جرت أول انتخابات برلمانية بعد خروج الإقليم من سيطرة الحكومة المركزية في بغداد (حرب الخليج الثانية عام 1991)، وجرت الانتخابات في تاريخ 19 مايو/أيار 1992 وأسفرت نتائج الانتخابات عن حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على 51 مقعدا، وحصول الاتحاد الوطني الكردستاني على 49 مقعدا من أصل 105 مقعد.

         وبحسب قانون الانتخابات حينها تم اشتراط حصول كل حزب على 7% من أصوات الناخبين للحصول على مقعد في البرلمان ([1])، وبسبب هذه الفقرة في القانون فشلت الأطراف الأخرى في الحصول على مقاعد في البرلمان مثل الحركة الإسلامية التي نجحت في الحصول على 5.5% من الأصوات، ولكن فشلت في تجاوز حاجز 7% بالتالي تم توزيع أصواتهم على الحزبين الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني مما نتج عنه توزيع جميع المناصب الحكومية بين الطرفين بالتساوي، وكل حزب عمل على تسخير الموارد الموجودة داخل الحكومة لخدمة الحزب، وتعيين أكبر عدد من الكوادر وترسيخ قواعد الحزب.

         استمر هذا الحال حتى شهر مايو 1994عندما اندلعت الحرب الأهلية بين الطرفين؛ بسبب عدم وجود شراكة حقيقية، وعدم الاتفاق على أمور مشتركة والأخطاء التي تراكمت بعد وصولهم إلى السلطة، واستمرت الحرب الأهلية حتى سبتمبر 1998،بعدما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية واستدعت الطرفين، لإقامة معاهدة سلام رسمية بوساطة أمريكية، وهذه الوساطة قامت على تقاسم السلطة مجددًا بين الطرفين السياسيين([2]).

         التقارب بين الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني كان مستمرًا حتى وصل إلى إبرام (الاتفاقية الاستراتيجية ) بين الفريقين في عام 2007، حيث تقاسم الطرفان السلطة والثروة، واحتكار كافة المناصب في المؤسسات الحكومية، وتقاسم المصالح في بغداد بشكل مشترك.

         احتكار المشهد السياسي بين الحزبين الحاكمين استمر بهذه الطريقة إلى حين ظهور حركة التغيير بقيادة (نوشيروان مصطفى ) الذي انشق عن الاتحاد الوطني الكردستاني، ونجح في الحصول على المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية التي حصلت في 2013 ؛وبالتالي فإن إضعاف الاتحاد الوطني الكردستاني، وخسارة نصف مقاعده في البرلمان لصالح التغيير كان سببًا في تراجع الاتفاقية الاستراتيجية بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وتوجه الديمقراطي الكردستاني إلى التحالف مع التغيير ما تسبب في تغيير حقيقي في موازين القوى، وحصول حركة التغيير على رئاسة البرلمان الذي كان يتداول عليه قيادات من الحزبين الحاكمين خلال الفترة السابقة.

         لم يدم تحالف الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير طويلا؛ إذ عصفت مشاكل سياسية بين الطرفين ما أدى للجهات الأمنية التابعة للديمقراطي الكردستاني في أربيل من منع رئيس البرلمان (يوسف محمد) من دخول مدينة أربيل في 12/10/2015 ؛بسبب خلافات حول مناقشة قانون رئاسة الإقليم، وهذا ما تسبب في تعطيل البرلمان في الإقليم وعدم قيامها بالدور الرقابي على الحكومة؛ وبالتالي تراجع الديمقراطية في الإقليم، وهذا ما تسبب بعودة الثنائية القطبية للحزبين الحاكمين، واستمرار تقاسم السلطة والنفوذ والأمن والاستخبارات والبيشمركة بحكم الأمر الواقع.

         استمر الحال على هذه  الطريقة حتى 7 يونيو 2017 عندما اجتمع مسعود البارزاني مع بعض الأطراف الكردية، وقرر إجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر في سبيل اتخاذ أول خطوة نحو الانفصال عن العراق، ولكن هذه الخطوة تعرضت لانتقادات كثيرة من الجهات السياسية في الإقليم؛ بسبب عدم توافر العوامل الضرورية لاتخاذ هذه الخطوة التي اعتبرها البعض قفزا على المشاكل الداخلية، والأزمات السياسية وتعطيل البرلمان، وعجز الحكومة عن تقديم حلول لمشاكل المواطنين، ولكن مسعود البارزاني أصر على اتخاذ الخطوة وإجراء الاستفتاء والذي تسبب في إحداث زلزال سياسي في العراق ونتجت عنه أحداث 16 أكتوبر 2017، والتداعيات السلبية على الإقليم بما فيها خسارة كركوك والمناطق المتنازع عليها، والحظر الجوي على إقليم كردستان، والخسائر المادية الكبيرة، وممارسة الضغوطات العسكرية والسياسية، وتحول الإقليم إلى الطرف الأضعف بينما كان الأقوى قبل الاستفتاء، وبالتالي حدوث تغييرات كبيرة على الأطراف والقوى السياسية داخل الإقليم، وظهور أطراف جديدة تسعى لكسب موطئ قدم داخل الساحة السياسية في الإقليم مستقبلا.

أبرز القوى الموجودة داخل الساحة السياسية في إقليم كردستان ومستقبلها :.

الحزب الديمقراطي الكردستاني:.

         كان الحزب الديمقراطي الكردستاني يسيطر على أغلب السلطات، والمؤسسات المهمة ومصادر الحكم والقرار في إقليم كردستان، فرئيس الإقليم كان (مسعود البارزاني ) بينما ابن أخيه (نيجيرفان بارزاني) هو رئيس الحكومة وابنه (مسرور البارزاني ) مدير المخابرات والأمن في الإقليم، علاوة عن التحكم بملف النفط والطاقة عن طريق وزارة الثروات الطبيعية ومؤسسة العلاقات الخارجية للإقليم.

         تخلي (مسعود البارزاني ) عن منصب رئاسة الإقليم في 29/10/2017 تحت الضغوطات الداخلية، والحكومة المركزية كانت من أكبر التداعيات السلبية للاستفتاء على الحزب، فالبارزاني تولى منصب رئاسة الإقليم منذ عام 2005، وحسب المادة الأولى من الفصل الأول لقانون رئاسة إقليم كردستان العراق؛ فإن رئيس الإقليم هو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية، وهو القائد العام لقوات البيشمركة الكردية وغيرها من الصلاحيات والسلطات الواسعة التي كانت وراء تمسك الحزب الديمقراطي بهذا المنصب، وسبب اعتراض الكثير من الأحزاب الكردية على احتكار الديمقراطي الكردستاني للمنصب.

         وبعد تخلي (مسعود البارزاني ) عن رئاسة الإقليم تم توزيع صلاحياته على الحكومة والبرلمان، والسلطة القضائية في الإقليم والتركيز على رئيس الحكومة (نيجيرفان البارزاني)، ليقوم بإصلاح العلاقات بين الإقليم والدول المجاورة والجهات التي عارضت الاستفتاء، ويحاول حل المشاكل بين الأحزاب الكردية، وهذا الأمر تسبب بتراجع (مسرور البارزاني) الذي يعدّ منافساً لرئيس الحكومة داخل الحزب، والذي حرص على الظهور كثيرا بجانب والده (مسعود البارزاني) في عدد من الحملات الدعائية للاستفتاء، ودعم العملية بقوة عن طريق تنظيم المؤتمرات والندوات المؤيدة للاستفتاء، بينما تجنب (نيجيرفان بارزاني) الظهور في الحملات الدعائية للاستفتاء؛ لذلك كان الأوفر حظًا لقيادة هذه المرحلة وبالتالي: فإن تداعيات الاستفتاء أثرت على موازين القوى داخل الديمقراطي الكردستاني حتى لو كانت بصورة مرحلية.

         أشادت وزارة الخارجية الأمريكية في 30 أكتوبر على أنها تتطلع إلى الانخراط بنشاط مع رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان (نيجيرفان بارزاني) ونائبه (قباد طالباني)، وبالتالي دعم واشنطن لهذه الحكومة والتعامل معها بشكل مباشر، ولكن هذا لا يعني أن حكومة الإقليم تستطيع ممارسة التفرد بالقرارات كما كانت في السابق؛ لأن الأحزاب الموجودة على الساحة الكردية ولاسيما (حركة التغيير والجماعة الإسلامية) يؤكدون على ضرورة حل هذه الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بشكل مستعجل، مع دعوات مستمرة من قبل بعض نواب البرلمان في الإقليم لمعاقبة وزير الثروات الطبيعية (اشتي هورامي) أمام البرلمان والقضاء بعد استجوابه، والذي يتم اتهامه بالوقوف وراء فشل السياسة النفطية لإقليم كردستان.

على الرغم من أن نجاح الحزب الديمقراطي الكردستاني في السيطرة على مصادر الحكم والقرار بأريحية في السابق، ولكن سيكون هناك تراجع ملحوظ في المستقبل بسبب تداعيات الاستفتاء ويتقلص القدرات التي كانت موجودة سابقا، لعدة أسباب: أولاً: خلق الحزب لعلاقات قوية مع الدول الإقليمية والعالمية عن طريق تسخير جهاز العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم لصالح الحزب، ولكن بسبب الاستفتاء تراجعت أغلب هذه العلاقات؛ لأنها كانت على أسس غير سليمة ولم تعتمد على رؤية واضحة ومصالح مشتركة تستطيع مقاومة الأزمات، وتحافظ على العلاقات رغم وجود المشاكل والأزمات. ثانيًا: خسارة الحزب للكثير من حقول النفط في كركوك بسبب أحداث 16 من أكتوبر وانسحاب البيشمركة من هذه الحقول سوف تؤدي على الوضع المالي للحزب مستقبلا، ومع الضغوطات المستمرة من قبل الحكومة العراقية لتسليم معبر إبراهيم خليل سوف يعاني الحزب من انخفاض كبير في موارده في حال خسارته لهذا المعبر، وبالتالي سيكون هناك تراجع تأثير الحزب على المجتمع؛ لأنه وحسب دراسة لمركز "كارنيغي للشرق الأوسط"([3]) (فإن الطفرة الاقتصادية في الإقليم والتي استندت إلى عائدات النفط عززت بشكل كبير قبضة الحزب الديمقراطي الكردستاني على السلطة).

ثالثًا: كان الحزب الديمقراطي الكردستاني من اكثر الأحزاب الكردية التي تستخدم شعار (إعلان دولة كردية) في العراق، ولكن بعد عملية الاستفتاء والتداعيات السلبية للاستفتاء على معنويات المواطن الكردي، خسر الحزب ورقة قوية كانت تستخدمها دائما مع قرب الانتخابات لكسب التعاطف الشعبي، ولكن هذه المرة لم يعد يستطيع استخدام هذه الورقة.

حزب الاتحاد الوطني الكردستاني:.

يعاني الاتحاد الوطني الكردستاني من صراعات داخلية منذ فترة طويلة، ولكن غياب أمينه العام جلال الطالباني عن الساحة السياسية بسبب المرض في (2012)، ووفاته في 3 أكتوبر 2017،زادت من تعميق الخلافات بين الاذرع الموجودة داخل الحزب، ولاسيما أن جلال الطالباني كان ناجحا في احتواء المشاكل والأزمات الداخلية داخل الحزب، ومرجعا يعود إليه جميع القيادات في حال نشوء نزاعات فيما بينهم.

         وبعد إعلان بارزاني عن موعد إجراء الاستفتاء لم يكن هناك موقف موحد من قبل الاتحاد الوطني حول هذا القرار، بل انقسم الحزب بين جبهتين حيث وقف العديد من قيادات الحزب مثل: (لاهور شيخ جنكي) رئيس جهاز الأمن والمعلومات، و(بافيل طالباني) نجل جلال طالباني ضد الاستفتاء، وكانوا يحذرون من مغبة إجراء الاستفتاء ويطالبون بتأجيله إلى وقت لاحق، بينما الجبهة الثانية برئاسة نائب الأمين العام للحزب (كوسرت رسول) كان يؤيد إجراء الاستفتاء، ويقف مع رؤية بارزاني بقوة مما تسبب في زيادة الخلافات بين أنصار الفريقين داخل الحزب.

         زاد الشرخ بين الطرفين وأصبح هناك اتهامات بالتخوين، وعدم تحمل المسؤولية بعد اتفاق ذراع عائلة الطالباني مع القوات العراقية والطرف الإيراني؛ للانسحاب دون قتال من كركوك والمناطق المتنازع عليها في 16 من أكتوبر دون الرجوع للجبهة الأخرى بقيادة كوسرت رسول، الذي يعدّ نائب الأمين العام وأحد الرموز القيادية التاريخية للحزب.

         غياب كوسرت رسول عن الساحة السياسية بسبب المرض يكون عاملا آخر لإضعاف الحزب وخاصة بعد نقله إلى ألمانيا للعلاج في ظل تسريبات عن صعوبة قدرته على مواصلة دوره القيادي مجددًا، ويأتي هذا الأمر بعد تقديم النائب الثاني للأمين العام (برهم صالح) استقالته من الحزب وإعلانه لكيان سياسي جديد باسم (التحالف من أجل العدالة والديمقراطية)، والذي أعلن أنه سيشارك في الانتخابات بقائمة مستقلة بعيدًا عن الاتحاد الوطني، ما يعني إمكانية تراجع عدد مقاعد وقوة الاتحاد الوطني في الانتخابات البرلمانية القادمة.

         ومع تراجع دور القيادي كوسرت رسول، فإن التنافس سيكون مستمرًا في ظل ثلاث عوائل سياسية على قيادة الحزب والعمل على إعادة تنظيم صفوف الحزب بما يوافق مع رؤية كل عائلة من هذه العوائل، والذي من المحتمل أن يبقى صراعًا سياسيًا وباردًا ولا تصل إلى نزاع مسلح بسبب وجود شبكة من المصالح الاقتصادية التي تربط كل عائلة بالآخر.

من المحتمل أن يتحول الحزب إلى حزب عائلي مثل حزب الديمقراطي الكردستاني، والتنافس يكون بين هذه العوائل التي تعتبر متنفذة ولديها وجود قوي داخل الحزب :.

         العائلة الأولى (عائلة إبراهيم أحمد): والد عقيلة الطالباني والتي ترى أنها الأقدر على تمثيل الحزب لأن "إبراهيم احمد" هو أول من عمل على الانشقاق عن عائلة البارزاني في الستينات، ويتجسد هذه العائلة في هيرو إبراهيم، وشاناز إبراهيم، وهلو إبراهيم اللذين يمتلكون قاعدة جماهيرية قوية بسبب كثرة انتقاداتهم للحزب الديمقراطي الكردستاني.

         العائلة الثانية هي عائلة الطالباني نفسه، ويمثل هذه العائلة نجلال الطالباني (قباد وبافيل)، والتي تحاول أن تكون المرجع الأول والأخير للقرار داخل الحزب ومنع تشرذم الحزب، ولكن بسبب مشاركة (قباد طالباني) في الحكومة وتوليه منصب نائب رئيس الحكومة؛ فإن هناك انتقادات يتعرض لها هذه العائلة داخل أنصار الحزب، ولاسيما في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها الإقليم بسبب السياسات الخاطئة للحكومة.

         العائلة الثالثة : هي عائلة جنكي طالباني والتي لديها رابط العمومة مع عائلة جلال الطالباني، وتتميز هذه العائلة بحدة خطابها ضد الديمقراطي الكردستاني، والميل نحو حركة التغيير وهذا ما جعل العائلة تكسب تعاطفا من المواطنين في محافظة السليمانية معقل حركة التغيير، ويمثل هذه العائلة القيادي الأمني لاهور شيخ جنكي.

         هذه الخلافات الداخلية في الحزب تبقى معلقة حتى موعد انعقاد المؤتمر الرابع للحزب الذي من المحتمل أن يكون في الشهور الأولى لعام 2018، والذي سيحدد موازين القوى داخل الحزب ويرسم رؤية الحزب الداخلية وطريقة التحالفات الخارجية بين الحزب وباقي الأحزاب في إقليم كردستان العراق، وأيضًا يكون امتحانًا صعبًا أمام الحزب على بقائه بقوة على الساحة السياسية الكردية في العراق، وخاصة أن الحزب لازال يمتلك قوة عسكرية قوية ونفوذًا كاملاً على منطقة السليمانية.

حركة التغيير :.

حركة التغيير الكردية تأسست على يد القيادي الكردي الراحل نوشيوان مصطفى بعد انشقاقه عن الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2009، وشاركت في نفس العام في الانتخابات البرلمانية وحصلت على 24 مقعد، ورغم النتيجة الكبيرة التي حصلت عليها، إلا أنها رفضت الدخول في الحكومة، وقررت أن تكون حركة معارضة سياسية تسعى لتوعية المواطنين بحقوقهم وحرياتهم، وفي انتخابات عام 2013 نجحت الحركة في الحفاظ على 24 مقعد في البرلمان، وبالتالي أصبحت الحزب الثاني في الإقليم وقررت الدخول في الحكومة وفق اتفاق سياسي مع الديمقراطي الكردستاني كان من ضمنها حصول الحركة على منصب رئاسة البرلمان مع أربعة وزراء.

         هذا الاتفاق السياسي بين الطرفين لم يدم طويلا، فالتغيير حاولت قيادة حملة لإجراء تعديلات على قانون رئاسة إقليم كردستان في أواسط 2015 عن طريق البرلمان ولكن الديمقراطي الكردستاني رفض هذه الخطوة وقام بمنع رئيس البرلمان من دخول البرلمان في أربيل وتم طرد وزراء الحركة في حكومة الإقليم.

         بعد وفاة زعيم الحركة نوشيروان مصطفى في 19/5/2017 تم اختيار عمر سيد علي زعيما جديدا للحزب في 25/7/2017 مع اختيار الهيئة القيادية العليا، والملفت عدم وجود تمثيل شبابي، أو نسائي داخل هذه الهيئة القيادية التي سوف تقود الحركة، وكانت هناك ردة فعل من قبل أنصار الحركة، لأن العنصر الشبابي كان العنصر الرئيسي الذي يمثل قوة الحركة وكان مؤسس الحركة نوشيروان مصطفى يطالب بتقديم الشباب إلى الواجهة ويكونوا في مراكز صنع القرار.

         بعد تحديد يوم الاستفتاء كان أنصار الحركة ينتظرون موقفا واضحا من الحركة إزاء المشاركة في الاستفتاء، ولكن التردد في اتخاذ المواقف داخل قيادة الحركة جعلت الحركة وفي مساء 24 سبتمبر تخير أنصارها بين المشاركة بنعم أو لا في الاستفتاء، وهذا الامر كان يجسد صراع الأذرع الموجودة داخل الحركة.

         حركة التغيير نجحت في استغلال غضب الشارع والمعارضة الكبيرة التي كانت موجودة وطاقات الشباب التي عملت للحركة بشكل تطوعي، ولكن في الفترة القادمة وفي ظل نشوء العديد من الكيانات والتحالفات الجديدة التي تعتمد على الشباب بشكل رئيسي، وهذا يعني تراجع تدريجي للحركة التي أصبح يحتكر قرارها السياسي مجموعة من القيادات العليا في الحزب فقط، والتي تهتم أكثر بمصالحها الشخصية دون النظر إلى مطالب الشباب ومناصري الحزب، وهذا أحدث انقساما داخل الحركة حيث يؤيد قيادة الحزب المشاركة في الحكم، ولديهم مناصب داخل الحكومة بينما فئة الشباب ومناصري الحزب يؤيدون الخروج والتحول للمعارضة وهذا أحدث شرخا داخل الحركة.

         حركة التغيير كسرت حالة الجمود السياسي في الإقليم وانتجت جيلا جديدا من الشباب لا يخشى من توجيه الانتقاد والتمرد على الوضع السائد، وقامت بتحديث أساليب المعارضة وإخراجها من النمط التقليدي الذي كان سائدا في الإقليم، ولكن بغياب مؤسس الحركة نوشيروان مصطفى والذي كان كاريزما الحركة شهدت الحركة تراجعا كبيرا على مستوى الأنصار، والآن في ظل القيادة الحالية فإنها سوف تشهد تراجعا أكبر إذا لم يحدث تغيير جوهري في قيادة الحزب ولم يعودوا لخطابهم السابق في رفض الفساد والمطالبة بالعدالة وتحقيق الديمقراطية الحقيقية في الإقليم.

التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة

         في 16/9/2017 قام السياسي الدكتور برهم صالح بتسجيل قائمة جديدة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة باسم (التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة ) الذي يدعو لترسيخ مبادئ الديمقراطية والعدالة في إقليم كردستان وإنهاء الفساد الإداري والمالي والسياسي واحتكار السلطة وإعادة الأمل للشباب وإشراكهم في العملية السياسية وإدارة الحياة العامة.

         الدكتور برهم صالح ترأس حكومة الإقليم بين عامي 2001-2004، وعمل وزيرا للتخطيط في الحكومة العراقية الانتقالية عام 2005، ثم تولى منصب نائب رئيس الوزراء العراقي عام 2006، ثم ترأس حكومة الإقليم مرة ثانية في عام 2009 إلى عام 2011، وقد أسس صالح الجامعة الأمريكية في السليمانية.

         المعروف بالنشاطات السياسية والثقافية وعمل على إنشاء روابط قوية بينه وبين قطاع الشباب في الحزب، ويتميز برهم صالح بأنه يمتلك علاقات سياسية محلية ودولية واسعة، وقدرة كبيرة على التعامل مع كافة الأطراف الداخلية والخارجية مما يزيد من فرص نجاح التحالف الذي أعلنه في كسب الجمهور الداخلي والتأييد الخارجي.

         من المحتمل أن "التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة" سوف تنجح في الدخول إلى الساحة السياسية الكردية بقوة، بسبب ركود الأوضاع السياسية، وعجز الأحزاب الحالية عن تقديم حلول مناسبة للمشاكل التي يعاني منها الإقليم وتكرار الخطابات الحزبية التي إعتاد المواطن على سماعها منذ عشرات السنين دون تغيير حقيقي على أرض الواقع، وأيضا معروف عن الدكتور برهم رئيس التحالف حرصه على التغيير والإصلاح السياسي وهذا الأمر تجسد خلال فترة رئاسته للوزراء، والذي شهد تقدما ملحوظا في الإقليم ولكن بسبب العراقيل التي واجهها خلال فترة حكمه لم ينجح في تحقيق الوعود التي قطعها أمام المواطنين ولكن الخلافات بين التذرع داخل الحزب ووجود تيار قوي يحمي الفساد كان وراء محاولات إفشاله في عمليات الإصلاح.

         لدى الدكتور برهم صالح قاعدة جماهيرية جيدة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني عمل على إنشاءها خلال فترة عمله داخل الحزب، وخاصة بين فئة الشباب، وعلاوة عن ذلك فإن عددا من قيادات الحزب ونواب حاليون وسابقون داخل الحزب يؤيدون التحالف الذي أعلنه برهم صالح ومن المحتمل أن ينضموا إلى هذا المشروع في المستقبل، إضافة إلى كسب أصوات الإسلاميين بسبب مشاركة قيادات إسلامية من الاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية وأبرز هذه القيادات (محمد رؤوف) وزير التجارة الأسبق في حكومة الإقليم والقيادي المعروف داخل الاتحاد الإسلامي الكردستاني.

الاتحاد الإسلامي الكردستاني

         تم الإعلان عن تأسيس الحزب في 6 فبراير/ شباط 1994 على يد مجموعة من القيادات الإسلامية الموجودة في كردستان العراق بقيادة صلاح الدين محمد بهاء الدين، والذي يترأس الحزب حتى اليوم، ويعتبر التنظيم رابع حزب على مستوى الإقليم بعد الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وحركة التغيير، ويعتبر الاتحاد الإسلامي أكبر حزب إسلامي حيث يمتلك 10 مقاعد في برلمان إقليم كردستان.

         وبالتزامن مع النشاط السياسي للحزب وانخراطها في الحكومة والبرلمان، إلا أن لدى الحزب نشاطات دعوية وثقافية وخيرية وخاصة في مجال بناء المساجد، والمستشفيات، والمنازل، وكفالة الأيتام، وتوزيع المساعدات على المحتاجين داخل كردستان، وكان لديهم تأثير كبير في التسعينات عن طريق جلب المساعدات من دول الخليج وتوزيعها على المحتاجين والفقراء داخل الإقليم.

         قرر قيادة الاتحاد الإسلامي الكردستاني الوقوف مع خطوة البارزاني لإجراء الاستفتاء، وشارك الحزب في الترويج للاستفتاء إعلامياً وطالب مناصريه بالمشاركة بقوة في الحملة الترويجية والتصويت بـ(نعم) في الاستفتاء، ولكن كانت هناك أطياف معارضة داخل الحزب ليست مع الاستفتاء، وولاسيما المعارضين لسياسات الحكومة والقيادة الكردية، وبعد فشل الاستفتاء في تحقيق أهدافه، والتداعيات السلبية التي تسبب بها الاستفتاء على الداخل الكردي. تراجع تأثير الحزب داخل الإقليم وتعرض لانتقادات شديدة من قبل المثقفين الأكراد، الذين حملوا الحزب مسؤولية الاحداث التي جرت بسبب وقوفها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في جميع خطواته منذ احداث رفع علم كركوك فوق المحافظة، وحتى إجراء الاستفتاء والتسبب بخسارة المناطق المتنازع عليها، ونزوح الآلاف من المواطنين الاكراد من مناطقهم، وارتكاب الانتهاكات بحقهم من قبل الحشد الشعبي.

         كان الحزب ومنذ تأسيسه في التسعينات يتبنى سياسة التوسط بين الجهات السياسية لنبذ العنف، والوصول إلى اتفاقات مشتركة بين الأطراف السياسية وكانت تلعب دورا ناجحا ومؤثرا في هذه الوساطة| لأنها كانت تقف على مسافة واحدة من الجميع وبالتالي زاد جمهور الحزب داخل الشارع الكردي بشكل محدود، ولكن في الفترة السابقة وبسبب السياسات المتذبذبة للحزب كان هناك مواقف يستوجب مشاركة تامة للحزب في اتخاذ بعض المواقف ولكن الحزب اختار السياسة القديمة، وفَضَلَ اتخاذ دور الوسيط المحايد بدل المشاركة في رسم السياسات والمواقف بشكل مباشر، وهذا الأمر أدى إلى تراجع ملحوظ للحزب ومن المتوقع أن يحافظ الحزب على ثقله الحالي أو ينخفض قليلا وخاصة بسبب المواقف الأخيرة التي لم تتوافق مع نهج الحزب وشعاراته التي إعتاد مناصروه عليها سابقا.

الجماعة الإسلامية

         تأسست على يد الملا علي بابير في عام 2001 بعد انشقاقه عن الحركة الإسلامية بسبب تفاقم الخلافات داخل الحركة بينه وبين مرشد الحركة الإسلامية الملا عبدالعزيز الذي تسلم الحركة بعد وفاة شقيقه عثمان عبدالعزيز، ويأتي الحزب في المركز الخامس تمثيلا في برلمان إقليم كردستان العراق.

         رفضت الجماعة الإسلامية المشاركة في الاجتماع الذي تم فيه الاتفاق على موعد الاستفتاء برئاسة مسعود البارزاني، وكانت الجماعة الإسلامية تدعوا لتأجيل الاستفتاء، وترى أن الأزمات والمشاكل التي يواجهها إقليم كردستان أكبر بكثير من معالجتها بالتصويت عبر الاستفتاء، بل الأفضل محاولة العمل للوصول إلى تفاهم سياسي، ووحدة الصف الداخلي وإعادة الثقة بين المواطنين والسلطة من خلال تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وعن طريق حمل هذا الخطاب نجحت الجماعة الإسلامية في إرضاء قطاع كبير من المواطنين ولاسيما الساخطين على الحكومة داخل الإسلاميين ولعبت دور المعارضة للقيادة السياسية في الإقليم مقارنة بالاتحاد الإسلامي الذي وقف مع قيادة الإقليم في كل خطواتها نحو الاستفتاء.

         مواقف الجماعة الإسلامية من الظروف السياسية كانت محل إجماع وتأييد مناصري الحزب دائما، وبالتالي يستطيع الجماعة أن يحافظ على ثقله السياسي ويزيدها بعض الشيء في حال قدرة الجماعة على الاستمرار في تبني نفس المواقف التي تلامس رغبات مناصري الجماعة، بالرغم من انشقاق بعض الشخصيات من الجماعة وانضمامهم للتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، بسبب وجود انتقادات من قبل هؤلاء القيادات على أداء الحزب، ولكن قد تبقى تأثير هذه الانشقاقات محدودة في حال قدرة الجماعة على إجراء إصلاحات داخلية.

الجيل الجديد

         في 1 تشرين الأول 2017 أعلن رجل الأعمال الكردي (شاسوار عبد الواحد) عن تشكيل قائمة إنتخابية جديدة تحت إسم (الجيل الجديد) للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

         ظهر (شاسوار عبد الواحد) كرجل أعمال، ومستثمر على الساحة الكردية ولكن كان من الواضح أنه يمتلك مشروع سياسي بسبب الندوات السياسية التي كان يعقدها مع الشباب، والزيارات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، واجتماعه بالمسؤولين الكبار في الإدارة الامريكية، ويكرر شاسوار على ضرورة عودة الحزبين الحاكمين في الإقليم إلى العملية الديمقراطية ؛ وإلا سيقوم المجتمع الدولي بإزاحتهما من السلطة، وهو يرى أن زمن الأحزاب إنتهى في الإقليم بسبب عجز الأحزاب عن تطوير وتنمية حياة المواطنين.

         رغم أن الجيل الجديد حركة جديدة على الساحة السياسية الكردية، ويتكون من شخصيات إعلامية وأكاديمية وسياسية انضمت بشكل تطوعي لهذه الحركة؛ إلا أنه من الممكن أن تتوسع وتنتشر في الإقليم في حال نجاحها في التصدي للضغوطات التي يتعرض عليها من قبل السلطة الحاكمة، وما يزيد من فرص انتشار هذه الحركات في الوقت الحالي أن هناك جيل جديد صاعد يريد التغيير، ويشعر باليأس من الأحزاب الحالية الموجودة التي تتغنى بأمجاد الماضي وهذا الجيل لا يتذكر الماضي بل يحاول المشاركة في بناء مستقبل جديد وإنهاء الجمود السياسي واحتكار السلطة في الإقليم.

         شاسوار عبدالواحد كان أول شخص يعارض إجراء الاستفتاء ويفتح قناة فضائية للمطالبة بالمشاركة بـ (لا) في الاستفتاء، ونجح في استقطاب الأصوات المعارضة للديمقراطي الكردستاني وخاصة في منطقة السليمانية، وبالتالي استفاد من عملية الاستفتاء كحدث مفصلي لظهور كيانه الجديد والترويج لأفكاره والعمل على تكوين الأصوات الكافية لدخول الانتخابات القادمة بشكل قوي.

في الانتخابات البرلمانية العراقية نجحت حركة "شاسوار عبدالواحد" في الحصول على 4 مقاعد برلمانية وأن يحتل المرتبة الرابعة بعد التغيير والديمقراطي والاتحاد الوطني، ويعتبر الجيل الجديد مفاجئة الانتخابات بسبب حصوله على هذه النسبة من أول انطلاقة ومن المتوقع أن يحصل على نفس النسبة في انتخابات 30 سبتمبر لبرلمان إقليم كردستان.

مفاجئة الانتخابات العراقية

بالرغم من المشاكل والأزمات التي يمر بها إقليم كردستان العراق نتيجة للسياسات الخاطئة للحزبين الحاكمين وطريقة الاتفاق مع بغداد وضياع المكاسب في فترة وجيزة، كانت هناك توقعات كبيرة بخسارة الحزبين الحاكمين لعدد من المقاعد لحساب الأحزاب المعارضة والحركات الجديدة داخل الساحة السياسية الكردية، ولكن المفاجأة أن الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني نجحا في الحفاظ على نسبة مقاعدهم في البرلمان العراقي مقابل تراجع كبير لحركة التغيير المعارضة والأحزاب الإسلامية، إضافة إلى ظهور قوة "حراك الجيل الجديد" الذي نجح في الحصول على (4) مقاعد رغم أن رئيس الحراك رجل أعمال ولا يمتلك الخبرة السياسية مثل قيادات الأحزاب السياسية المعارضة.

وبغض النظر عن اتهامات الأحزاب المعارضة الكردية للاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني بالقيام بعمليات تزوير وتلاعب بالنتائج إلا أن النتائج تشير إلى أن الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة هي التي تستمر في الحكم والسلطة والنفوذ في الإقليم، وفي حال خسارة بعض المقاعد في البرلمان سيبقى هذان الحزبان يمتلكان أدوات القوة والسلطة وبالتالي يستحيل اتخاذ القرارات بدون الرجوع إليهم، كما قال القيادي في الاتحاد الوطني الملا بختيار قبل الانتخابات بأشهر: "حتى لو حصلنا على مقعد واحد فنحن نبقى أقوياء لأننا نمتلك السلاح ولا يمكن تمرير قرار واحد بدوننا"، وهذا الأمر يُضر بالتجربة الديمقراطية في الإقليم على حساب حكم القوة والسلاح.

تجربة الاستفتاء والتداعيات السلبية لم تدفع المواطنين للمشاركة في الانتخابات وتغيير الأحزاب الحاكمة في الإقليم بل دفعت المواطنين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات أسوة بباقي محافظات العراق والتي شهدت عزوفًا عن المشاركة في التصويت، وهذا العزوف ساهم في تراجع الأحزاب المعارضة والحركات الجديدة، بينما الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني دفعا أنصارهم للمشاركة بقوة واعتبارها انتخابات مصيرية واستغلوا هذا العزوف لصالحهم.

الخاتمة

بعد خطوة الاستفتاء ظهرت قوى جديدة على الساحة السياسية الكردية تسعى لتغيير الواقع السياسي وتحقيق الإصلاح ومنافسة القوى التقليدية التي تحكم الإقليم منذ (1991)، وبالرغم من تحقيق هذه القوى صعودًا خفيفًا في الانتخابات العراقية وفشلها في استغلال فشل الاستفتاء لصالحها في الانتخابات العراقية، إلا أنها تركز على الانتخابات البرلمانية القادمة في الإقليم 30 سبتمبر 2018 في سبيل المشاركة كتحالف معارض في مواجهة الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وإنهاء الاحتكار الموجود منذ التسعينات.


([1])موقع برلمان كردستان.

([2])مقال بعنوان: الحرب الأهلية في كردستان/موقع المرسال.

([3])http://carnegie-mec.org/2015/08/18/ar-pub-61024

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram