د. محمد عمارة
- 1- تحرير مضامين المصطلحات:
في بداية الحديث عن قضية " الهوية الثقافية الإسلامية " وأبعادها المختلفة، وعلاقتها بكل من الأصالة " و" المعاصرة " و"الثوابت" و"المتغيرات ".. لابد من تحديد المعنى العلمي للمصطلحات..
- · " فالهوية " في اصطلاح حضارتنا العربية الإسلامية – مأخوذة من " هُوَ.. هُوَ "، بمعنى جوهر الشيء.. وحقيقته.. وبتعبير " الشريف الجرجاني " [ 740 – 816هـ 1340 – 1413م ] فهي: " الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة ". وعند " أبو البقاء الكفوي " [1094هـ- 1683م ] هي : ( ما يتميز به الشيء عن الأغيار).([1]).. فهوية الإنسان، أو الثقافة، أو الحضارة.. هي: جوهرها وحقيقتها، وثوابتها السارية فيها، والمصاحبة لها..
ولما كان في كل شيء من الأشياء – إنسانًا أو ثقافة أو حضرة – "الثوابت" و" المتغيرات"، فإن هوية الشئ هي " ثوابته "، التي " تتجدد " ولا " تتغير ".. تتجلى وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة. إنها كالبصمة بالنسبة للإنسان، تتجدد فاعليتها، وينجلي وجهها كلما أزيلت من فوقها طوارئ الغبار وعوامل الطمس والحجب، دون أن تخلي مكانها ومكانتها لغيرها من البصمات.
- و" الثقافة " هي كل ما يسهم في عمران النفس وتهذيبها.. فالتثقيف : من معانيه التهذيب.وإذا كانت " المدينة " هي تهذيب الواقع بالأشياء، فإن " الثقافة " هي تهذيب النفس الإنسانية بالأفكار.. وكلاهما عمران.. عمران لواقع.. وعمران للنفس .. فهما شقا " الحضارة "..- التي هي " العمران " -.
وتعلق " الثقافة " واختصاصها بعمران النفس الإنسانية وتهذيبها، وهو الذي يعطي لثقافات الحضارات المتميزة تمايزًا منبعه ومنطلقه ودواعيه : تميز النفس الإنسانية، في كل حضارة من الحضارات، بتميز المكونات والمواريث والعقائد والفلسفات التي تمايز بين " البصمات الثقافية " في أمم هذه الحضارات.
- و" الأصالة " : - في عرف العربية – من " الأصل ".. وأصل كل شيء نسبه الذي إليه يرجع وله ينتسب، وجوهره وحقيقته وثوابته الباقية، والمستعصية على الفناء والزوال.. فالأصالة، في ثقافة ما، هي جذورها الأصلية، وثوابتها المستمرة، أي هويتها الممثلة " للبصمة " التي تميزها عن غيرها من ثقافات أمم الحضارات الأخرى.
- أما " المعاصرة " : فإنها المفاعلة، أي التفاعل بين الإنسان – أو الثقافة أو الحضارة – وبين العصر – أي الزمن – المعين.. فإن تمايزت الأمم في ثقافتها، لتمايز هويات هذه الثقافات، فإنها ولابد متمايزة في تفاعلها مع العصر الذي تعين فيه.. فللأمم المتمايزة في الهويات الثقافية " معاصرات " متميزة.. وليست هناك في العصر الواحد معاصرة واحدة لكل الأمم والثقافات والحضارات – كما يزعم الذين يحسبون أن المعاصرة هي استعارة الثقافة السائدة والمهيمنة في عصر ما !.
إنها أشبه ما تكون بتفاعل الإنسان وتلاؤمه مع اللحظة الراهنة من عمره، تفاعلًا يضيف به الجديد، ويتجاوز به غير الملائم من مواريثه، وفي المعايير التي هي ثوابته، وأصالته، وهويته.. إنها الهوية المتميزة، والأصالة المتميزة، تتجلى في طور جديد.. كالإنسان الذي ينمو ويتطور دون أن يفقد هويته أو يتنازل عن هويته أو يمحو " البصمة " التي تميزه عن غيره من الناس.
إذن، فلكل ثقافة أصالة متميزة، هي هويتها، وجوهرها، وحقيقتها، وثوابتها.. ولكل أصالة ثقافية متميزة معاصرتها المتميزة كذلك.
هذا عن المصطلحات، ومضامينها.. وما يمثله ضبط هذه المضامين من إسهام في وضوح الرؤية الذي نطمح إليه.. وضوح الرؤية لموضوع "" الهوية الثقافية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة ".
- إسلامية الهوية الثقافية :
فإذا ما اِنْتَقَلنا إلى صلب الموضوع، وتساءلنا عن هوية ثقافة أمتنا، التي هي جوهر هذه الثقافة، وحقيقتها، والأصالة المــميزة لها، فإننا نستطيع أن نقول إنها " الإسلام.. والعروبة ".
فمنذ أن تَدَيَّنَت أغلبية هذه الأمة بالإسلام، أصبح هذا الإسلام هو الهوية الممثلة لثقافة هذه الأمة.. فـهو الذي طَبَع ويَطبَع وصبَغَ ويَصبَغ ثقافتها بطابعه وصبغته.. فعاداتها وتقاليدها، وآدابها وفنونها، وسائر علومها الإنسانية – في السياسة والاقتصاد والاجتماع – وفلسفة علومها الطبيعية والتجريبية.. ونظرتها للكون.. وللذات.. وللآخر.. وتصوراتها لمكانة الإنسان في هذا الكون.. من أين آتي ؟.. وإلى أين ينتهي ؟.. وحكمة هذا الوجود وغايته ؟.. كل ذلك – وما ماثله – قد انْطَبَعَ بطابع الإسلام واِصطَبَغ بصبغته.. حتى لنستطيع أن نقول، ونحن مطمئنون كل الاطمئنان: إن ثقافتنا إسلامية، وإن معيار الدخول والخروج في ميدان ثقافتنا والقبول والرفض فيها، هو المعيار الإسلامي.
- ولإن الإسلام هو خاتم الرسالات التوحيدية، ولأنه انتشر في بلاد تتدين شعوبها بديانات سماوية سابقة، فإنه لم يقم قطيعه معرفية مع هذه الديانات، وإنما جاء مصدقًا لثوابتها النقية، ومضيفًا إليها.. مصدقًا ومهيمنًا، لا بمعنى قاهرًا – وإلا لم يكن مصدقًا – وإنما بمعنى مستوعبًا ومصححًا ومضيفًا.. ولقد تجلت هذه الحقيقة، التي جعلت الهوية الإسلامية مستوعبة للهويات الدينية التي سبقت ظهوره.. تجلت في عقيدة " وحدة الدين " من بدئه إلى ختامه، مع تعدد الشرائع – عبر التاريخ – في إطار وحدة الدين.. على النحو الذي يجعل الإيمان الديني أشبه ما يكون " بالسُّلَّم " الذي تمثل كل شريعة من شرائعه درجة من الدرجات فالأمم تصعد درجات هذا " السلم " حتى ختام درجاته، مضيفة الجديد، دونما قطيعة معرفية مع الثوابت والأصول.
ولقد عبر عن وضوح الرؤية لهذه الحقيقة – حقيقة استيعاب الإسلام لمواريث النبوات السابقة، واشتماله على ثوابتها وأصولها، ذلك الحوار الذي دار بين الصحابي " "حاطب بن أبي بلتعة " [ 35 ق.ه – 30هـ -586 – 650م ] وبين " المقوقس " – عظيم القبط – عندما حمل حاطب إليه رسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سنة 7هـ، سنة 628م.. ففي هذا الحوار قال حاطب للمقوقس : " إن لك دينا ً – [أي النصرانية ] – لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه. وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد. وما دعاؤنا إياك إلى القرءان إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل.. ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به"([2]).
فالإسلام – إلى جانب تقريره حرية الاعتقاد – هو الوارث والمستوعب لثوابت كل الرسالات السابقة، على النحو الذي جعله " الكافي به فقط ما سواه " " !.. وليس الذي يقيم قطيعة معرفية مع ما سواه.
- وكما استوعب الإسلام المواريث الثقافية والحضارية السابقة على ظهوره – بل وإحيائه لها وإنقاذها من الموات ! – فلقد فتح الأبواب لأهل الديانات السابقة كي يسهموا في بناء ثقافته وحضارته – غيرت ثقافتهم وحضارتهم.... وتفاعل مع ما لديهم من ثقافات فرعية، وترك بصماته عليها.. فاندمجت مواريثهم في الثقافة الإسلامية الجامعة.. وتأثرت ثقافتهم الفرعية بثقافة الإسلام.. وكما يقول المستشرق الألماني " شاخت " [ 1902-1969م ] : " فإن التشريع الإسلامي قد أثر تأثيرًا عميقًا في جميع فروع القانون عند أهل الديانات الأخرى، من اليهود والنصارى الذين شملهم تسامح الإسلام وعاشوا في الدولة الإسلامية.. فموسى بن ميمون [ 601هـ - 1204م ] قد تأثر ببعض ملامح المؤلفات الإسلامية في تنظيمه للمادة القانونية في مدونته " مشنة توراة " وهو عمل لم يسبقه إليه أحد من اليهود.. وبالنسبة للجانب المسيحي، فليس هناك شك في أن اليعاقبة والمونوفيزية - [ أصحاب الطبيعة الواحدة ] – والنسطورين لم يترددوا في الاقتباس بحرية من قواعد التشريع الإسلامي"([3]).
هكذا نضج المزيج الثقافي الإسلامي الجديد، مستوعبًا مواريث الثقافات والحضارات والديانات السابقة، ومشركًا الطوائف والأقوام الشرقيين في بناء هذا المزيج الثقافي الجديد، ومؤثرًا في الثقافات الفرعية التي فتح أمامها أبواب الازدهار.
- وكما أن في الإسلام عقائد وعبارات، هي خاصة بالأغلبية التي آمنت به ودخلت فيه، فإن فيه – أيضًا – شرائع وفقه معاملات – قوانين – عُدت سمات جامعة وقسمات شاملة لكل الذين عاشوا في ديار الإسلام على اختلاف عقائدهم ولغاتهم ولهجاتهم.. وكذلك الحال مع منظومة القيم والأخلاق ـ التي جاء الإسلام متممًا لها – وليس ناسخًا لما سبقته بها الرسالات السماوية السابقة... أصبحت هذه المنظومة من القيم والأخلاق جُزءا من الهوية الثقافية الإسلامية الجامعة لكل الذين استظلوا براية الإسلام.
هكذا أصبحت هوية الأمة إسلامية.. وغدت " الإسلامية " ثابتًا وجامعًا في هذه الهوية الحضارية.
- 3- عروبة الهوية الثقافية :
- أما قسمة العروبة، فإنها معيار لغوي وثقافي، وليست عرقًا ولا دمًا.. فحيثما امتدت العربية وثقافتها، عُدت هوية للذين اتخذوها لغة لهم، ومنحوها ولاءهم.. بصرف النظر عن أصولهم الجنسية والقومية..
- ولأن العربية هي لغة القرآن الكريم – النص المؤسس والمركزي الذي أَنْدَاحت من حوله دوائر الثقافة والمدنية والحضارة – فلقد عثرت هي الأخرى مكونًا رئيسيًا في الهوية الثقافية – والحضارية لكل الذين استظلوا براية الحضارة الإسلامية.. ولقد كان موقفها من اللغات واللهجات القومية في البلاد التي انتشر فيها الإسلام مماثلًا لموقف الإسلام من المواريث الدينية التي سبقت ظهوره.. فهي لم تقهر اللغات واللهجات التي استمسك بها أقوامها، وإنما تبوأت موقع اللغة الأم، والرباط الجامع، مع بقاء اللغات واللهجات القومية الأخرى – مثل الفارسية والكردية – والأردية والتركية الأمازيغية – لغات أو لهجات فرعية خاصة بأقوامها.. فالإسلام هو المكون الأول لهوية الأمة، مع بقاء العقائد السماوية الأخرى واللهجات القومية الأخرى دوائر في الثقافات الفرعية لأقوامها.. وهكذا أصبحت الهوية الإسلامية العربية أشبه ما تكون " بالمحيط " الذي يحتضن " جزرًا " من العقائد واللغات واللهجات، دونما تناقض بين الهوية الأم والأساسية وبين الثقافات الفرعية ولغاتها ولهجاتها.. فالتعددية – حتى في العقائد – سنة من سنن الله في الاجتماع الديني.. والاختلاف في الألسنة – اللغات – آية من آيات الله !.. إنها الوحدة في الهوية الثقافية الإسلامية التي صاغها الإسلام، والتنوع في الثقافات الفرعية التي استظلت بشريعة الإسلام ولغة القرآن الكريم.
- شهادات مؤيدة وداعمة :
- وإذا كانت تيارات الأصالة الفكرية في واقعنا المعاصر إنما تمثل – أساسًا – بل وتكاد تنحصر في :
- تيار إسلامي.. تنتمي إلى فصائله المتعددة أغلبية الأمة..
- وتيار قومي، هو في أغلب فصائله امتداد لأصالة الأمة اللغوية والتاريخية.. وإذا كان الإيمان بأن الإسلام هو ثقافة أمتنا وأصالتها ومعيار تميز هويتها – ومن ثم معاصرتها – عن أمثالهم في ثقافات أمم الحضارات الأخرى.. إذا كان ذلك مسلّمة من المسلمات الفكرية لدى المسلمين والإسلاميين من أبناء أمتنا.. فإنه، أيضًا، من المسلمات التي يدعو إليها العديد من الرموز في الدوائر غير المسلمة وغير الإسلامية في واقعنا الوطني والعربي والإسلامي المعاصر.. وعلى سبيل المثال:
- مكرم عبيد باشا : [ 1889-1961م ] يعلن عن عروبة مصر والمصريين في اللغة والثقافة.. وعن إسلامية حضارتهم – بمن فيهم النصارى الأقباط – أي أن هوية الأمة بدياناتها المختلفة – هي العروبة والإسلام.. يعلن عن ذلك، فيقول " المصريين عرب: وتاريخ العرب سلسلة متصلة الحلقات لا بل هو شبكة محكمة العقد.. ورابطة اللغة، والثقافة العربية، والتسامح الديني، هي الوشائج التي لم تفصمها الحدود الجغرافية، ولم تنل منها الأطماع السياسية منالًا على الرغم من وسائلها التي تتذرع بها إلى قطع العلاقات بين الأقطار العربية وإضطهاد العاملين لتحقيق الوحدة العربية التي لاريب في أنها أعظم الأركان التي يجب أن تقوم عليها النهضة الحديثة في الشرق العربي.وأبناء العروبة في حاجة إلى أن يؤمنوا بعروبتهم وبما فيها من عناصر قوية استطاعت أن تبني حضارة زاهرة.
نحن عرب، ويجب أن نذكر في هذا العصر دائمًا أننا عرب وحدت بيننا الآلام والآمال، ووثقت روابطنا الكوارث والأشجان، وصهرتنا المظالم وخطوب الزمان. نحن عرب من هذه الناحية ومن ناحية تاريخ الحضارة العربية في مصر وامتداد أصلنا السامي القديم إلى الأصل السامي الذي هاجر إلى بلادنا من الجزيرة العربية فالوحدة العربية حقيقة قائمة موجودة لكنها في حاجة إلى تنظيم، فتصير كتلة واحدة وتصير أوطاننا جمع وطنية واحدة "([4])
- ومن رجال الكهنوت الأرثوذكس، تحدث الأنبا موسى أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية، وعضو المجمع المقدس – عن عروبة الهوية الثقافة والحضارة وإسلاميتها، فقال: " من جهة الهوية العربية: نحن مصريون عرقًا، لكن الثقافة الإسلامية هي السائدة الآن. كانت الثقافة القبطية هي السائدة قبل الإسلام. وأي قبطي يحمل في الكثير من حديثه تعبيرات إسلامية، يتحدث بها ببساطة ودون شعور بأنها دخيلة بل هي جزء من مكوناته، نحن نحيا العربية لأنها هويتنا الثقافية، ومقتنعون بأن فكرة العروبة فكرة سياسية واقتصادية وثقافية، بالإضافة لوحدة المصير المشترك.. والعلاقة بين البذور والعروبة علاقة تناصرية.. هذه دوائر متداخلة.. ومصر دائمًا دولة مسلمة، ومتدينة، ولكن بدون تطرف، ولو عشنا كمسلمين وأقباط، وفي إطار الصحوة الدينية المصحوبة بصحوة وطنية سيكون المستقبل أكثر من مشرق " ([5])
- ومن رجال الكهنوت الكاثوليك، تحدث الأنبا يوحنا قلتة – نائب البطرك الكاثوليكي، فقال: " أوافق تمامًا على أن أكون مصريًا.. مسيحيًا، تحت حضارة إسلامية.. أنا مسلم ثقافة مائة في المائة.. أنا عضو في الحضارة الإسلامية كما تعلمتها في الجامعة المصرية.. تعلمت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سمح لمسيحي اليمن أن يصلوا صلاة الفصح في مسجد المدينة.. فإذا كانت الحضارة الإسلامية بهذه الصورة.. التي تجعل الدولة الإسلامية تحارب لتحرير الأسير المسيحي والتي تعلي من قيمة الإنسان كخليفة عن الله في الأرض.. فكلنا مسلمون حضارة وثقافة.. و إنه ليشرفني، وأفخر أني مسيحي عربي أعيش في حضارة إسلامية.. وفي بلد إسلامي، وأساهم وأبني مع جميع المواطنين هذه الحضارة الرائعة "([6])
- ونفس الموقف، يعلنه الدكتور أنور عبدالملك [ 1924-2012م ] الذي كتب يقول: " إن أي إنسان عاقل يدرك أن مصر هي أقدم أمة وحضارة في التاريخ قاطبة. ومنذ الفتح العربي الإسلامي دخلنا بالتدريج في إطار دائرة أسميناها – منذ خمسين عامًا – الدائرة العربية ولكنها في الحقيقة هي دائرة الحضارة الإسلامية، التي تتركز حول مبدأ واحد هو " التوحيد " الذي يتفق بشكل مطلق مع خصوصية مصر. فالحياة العامة في مصر بها قبول بالسليقة للتوحيد، ناتج من وحدة الأمة المصرية منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، وبالتالي فالإطار الحضاري للإسلام يشمل المرحلة القبطية " أي المسيحية المصرية "، كما أن لغتنا هي العربية، لغة القرآن "([7])
- وعن وحدة المرجعية والهوية الإسلامية لكل الأمة، تحدث المفكر الحضاري د.رؤوف نظمي "محجوب عمر" – [1932 – 2012م ] فقال: " الأمة مرجعيتها واحدة، وهي الإسلام، بما له من تراث وعقائد وأصول : والأساس هو أن يقول للأمة مرجعية واحدة، فإذا كانت الأمة إسلامية فمرجعيتها الإسلام، وإذا كانت كونفوشيوسية، فمرجعيتها الكونفوشيوسية.. إن أغلبية الأمة مسلمون، والمطلوب هو توجيه الجهود للعمل مع الأغلبية التي لا تزال على مرجعيتها التاريخية، على تراثها الحضاري وعلى عقيدتها.. نحن لدينا دستور يقول: إن دين الدولة هو الإسلام، وكافة مواد القانون تكون في حدود الشريعة والمطلوب فقط ترويج هذا الفهم لإطلاق طاقات الإبداع الحضاري إذا كانت المرجعية الإسلامية هي مرجعية الجميع، تنتهي المشكلة فالمطلوب أن يكون مشروعنا حضاريًا من حضارتنا وحضارتنا إسلامية، فالمطلوب أن يكون الإسلام هو المرجعية العامة للجميع " " ([8]).
- وعلى ذات الدرب سار الكاتب المسيحي صادق عزيز.. الذي كتب يقول : " إن مصر دولة إسلامية منذ دخلها الإسلام، ويومها كان المسلمون هم الأقلية، وكان الأقباط هم الأغلبية، ومع ذلك كانت إسلامية.. بل إن مصر في تاريخها لم تكن دولة " قبطية " حتى من قبل الإسلام، فهي تقع دائمًا تحت الحكم الروماني أو البيزنطي أو المقدوني، أما الحكم القبطي فلم نسمع عنه أبدًا.. وفيما عدا الأحوال الشخصية فإن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتعارض إطلاقًا مع المسيحية، وذلك لعدة أسباب أهمها :
- أنه إذا كانت الدولة إسلامية، فالقوانين الوضعية يجب أن تكون إسلامية، وعلينا قبول ذلك، بل والترحيب عملًا بقول المسيح : " أعطوا ما لقيصر لقيصر ومالله لله".
- أن أحكام الشريعة الإسلامية تتطبق في كثير جدًا من الأحوال مع شريعة العهد القديم، وهي ما جاء المسيح لا لينقضها.. بل ليكملها.
- أن المسيحية لم تأت بأحكام وقوانين وضعية، عملًا بقوله –]المسيح[- : " مملكتي ليست في هذا العالم "، ومن ثم ترك للحكام أو لقيصر وضع الأحكام الأرضية، وأمرنا بأن نعطي ما للحكام للحكام.. " ([9]).
وهكذا ارتفعت أصوات الزعماء والقادة والمفكرين غير المسلمين؛ لتشهد على أن الهوية الثقافية والحضارية للأمة هي العروبة والإسلام.
- ومواقف رافضة :
- لكن هناك أَصْواتا أخرى – قومية.. وطائفية – قد ارتفعت – بعد تراجع الصيغة الإسلامية الجامعة – وبعد تكريس التشرذم القطري – الذي أسست له اتفاقية " سايكس – بيكو " سنة 1916م.. وتصاعد الغلو القومي والطائفي الذي أنعشه نجاح الإمبريالية والصهيونية في إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين سنة 1948م – وهو الكيان الذي لا يتحقق أمنه واستقراره، ولا تتحقق هيمنته إلا بتفتيت المفتت وتجزئة المُجزأ في المحيط العربي الإسلامي.. وذلك على حد تعبير " إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات " التي قالت : " إنه لا يمكن بقاء إسرائيل إلا بتفكيك الكيانات وبعثرة السكان، وهذا دافع إستراتيجي، وإذا لم يحدث ذلك فليس باستطاعتنا البقاء مهما كانت الحدود "([10]).. ووفق توصيات ندوة " الموقف الإسرائيلي من الجماعات الإثنية والطائفية في منطقة الشرق الأوسط " – التي عقدها " مركز بارايلان للأبحاث الإستراتيجية " – بإسرائيل في 20 مايو سنة 1992م – التي قررت : " أن هذه الأقليات هي شريكة لإسرائيل في المصير ولابد من أن تقف مع إسرائيل في مواجهة ضغط الإسلام والقومية العربية"!([11]).
إن أَصْواتا قومية وطائفية – في هذا المناخ وتلك الملابسات التي صاحبت قيام الكيان الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية – قد ارتفعت بالدعوة إلي إقامة كانتونات طائفية وقومية، بدلًا من الصيغة الجامعة المؤسسة على الهوية العربية الإسلامية.. وفي هذا الفضاء :
- خاضت المارونية السياسية – بالتحالف مع إسرائيل – حربًا أهلية دامت خمسة عشر عامًا]1975-1989م[.
- ولم تقف النزعة القومية الكردية التي أعانها الأمريكان على حكم شمال العراق، عند الإحياء اللغوي والثقافي للقومية الكردية، وإنما أحلت هذه الثقافة الفرعية محل الهوية العربية الإسلامية الجامعة.. فمدارس هذا الإقليم وجامعاته تخرج عشرات الألوف الذين لم يدرسوا حرفًا واحدًا من لغة القرآن – اللغة التي خدم الأكراد تراثها الأدبي والشرعي على امتداد تاريخ الإسلام... فبدلًا من أن يكون مستقبل الكرد جماعة قومية مفتحة أمامها أبواب الجامعة الإسلامية والأمة الإسلامية، تتجه البوصلة إلي إقامة " كانتون " خاص بالأكراد !.. ولقد احتجت هذه النزعة بتفتيت الجماعة الكردية بين أربع دول وغفلت عن أن الجماعة العربية قد تم تفتيتها بين أكثر من عشرين دولة !.. ومن ثم فإن الحل هو الاتجاه والنضال من أجل إقامة الصيغة الجامعة للأقوام في إطار الجامعة الإسلامية، وليس النكوص على الأعقاب لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ في وطن العروبة وعالم الإسلام !.
- وعلى ذات الدرب يسير أنصار الأمازيغية السياسية في بلاد المغرب العربي، متنكرين للآباء والأجداد الذين نشروا الإسلام والعروبة في بلاد المغرب العربي الكبير !.
- وفي الإطار القبطي – المصري – ارتفعت أصوات تريد إحلال هوية قبطية محل الهوية العربية الإسلامية الجامعة.. ومن هذه الأصوات :
- سلامة موسى]1888-1958م[الذي جاهر – مفتخرًا – بأن نابليون ]1769-1821م[قد قاد الحملة الفرنسية " وليزيل عنا كابوس الشرق، وليغرس فينا الحضارة الأوروبية " ! – والذي قال : " أنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب.. وإذا كانت الرابطة الشرقية سخافة، فإن الرابطة الدينية وقاحة ! .. ونحن نريد العامية، لغة الهكسوس، لا العربية الفصحى، لغة التقاليد العربية والقرآن"!([12])
- وتلميذ سلامة موسى : د. لويس عوض]1915-1989م[الذي وصف اللغة العربية " بأنها لغة ميتة – ولغة دخيلة.. وأنها الأغلال التي يجب تحطيمها"!([13]).
- و" جماعة الأمة القبطية " – التي أعلنت عن نفسها أول شهر " توت " – رأس السنة الفرعونية – سنة 669 قبطية – سبتمبر سنة 1952م – قد جاء في ميثاقها : " إن الأقباط يشكلون أمة ويطلبون حذف النص الدستوري الذي يقول: إن الإسلام دين الدولة وإن اللغة العربية هي لغتها !... : وذلك ليكون الدستور مصريًا.. وليس عربيًا ولا إسلاميًا.. وإن مصر كلها أرضنا التي سلبت منا بواسطة العرب المسلمين منذ 14 قرنًا.. وإننا سلالة الفراعنة.. وديانتنا هي المسيحية.. وسيكون دستورنا هو الإنجيل.. وتكون لغتنا الرسمية هي اللغة القبطية " !
ولقد كان لهذه الجماعة علمها وزيها الخاصان بها.. وكان العلم يمثل صليبًا منصوبًا في الإنجيل.. كما كان لها نشيد خاص تنشده في جميع الاحتفالات والاجتماعات.. كما افتتحت في المحافظات مدارس لتعليم اللغة القبطية بالمجان "!([14])
- والأنبا غريغوريوس ]1919-2002م[ الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية.. وأسقف التعليم والبحث العلمي والدراسات العليا – يكتب فيقول : " إن اللغة القبطية هي لغتنا.. وهي تراث الماضي، ورباط الحاضر، وهي من أعظم الدعائم التي يستند عليها كيان الشعب المسيحي.. وهي السور الذي يحمينا من المستعمر الدخيل "!([15])
- وعميد معهد الدراسات القبطية الدكتور رسمي عبد الملك، يدعو إلي " أن يكون محو أمية الشعب المصري باللغة القبطية لا العربية !.
- وأستاذ اللغة القبطية بهذا المعهد الدكتور كمال فريد إسحاق – يدعو " إلى أن تكون اللغة القبطية هي اللغة القومية لمصر وليست العربية!([16]).
- والأنبا توماس – أسقف القوصية وعضو سكرتارية المجمع المقدس بالكنيسة الأرثوذكسية – يعلن – في محاضرته بمعهد " هدسون " الأمريكي، بواشنطن في 18 يوليو سنة 2008م عن المشروع الطائفي للكنيسة فيكون : " إن الشخص القبطي يشعر بالإهانة إذا قلت له أنك عربي !.. وإن اللغة القبطية هي اللغة الأـم لمصر !.. وإن الأقباط يعانون ويحاربون خطري التعريب والأسلمة !.. وأنهم قد وجدوا ثقافتهم تموت، ووجدوا أنفسهم مسئولين عن حمل ثقافتهم والمحاربة من أجلها حتى يأتي الوقت الذي يحدث فيه انفتاح وتعود دولتنا لجذورها القبطية..وحتى يأتي هذا الوقت، فإن الكنيسة تقوم بدور الحاضنة للحفاظ على هذا التراث القومي المختلف.. وإن المسلمين قد خانوا الأقباط منذ الاحتلال العربي لمصر " !([17]).
- وبعد أن أجري " المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية " سنة 1985م استطلاع للرأي العام حول تطبيق الشريعة الإسلامية - بما فيها الحدود – وإنجاز في هذا الاستطلاع 63% من المسيحين المصريين لتطبيق هذه الشريعة بالمنظومة القانونية المصرية([18]).. وأيد ذلك البابا شنودة الثالث ]1923-2012م[وقال : " إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية، يكونون أسعد حالًا وأكثر أمنًا. ولقد كانوا كذلك في الماضي حينما كان حكم الشريعة هو السائد.. نحن نتوق إلي أن نعين في ظل " لهم مالنا وعليهم ما علينا ".. إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا.. ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين مفصلة، فكيف نرضي بالقوانين المجلوبة، ولا نرضي بقوانين الإسلام "؟!([19]).
وبعد أن أعلن البابا شنودة تأييده لمبدأ" عمومية القانون الإسلامي " على كل أبناء الوطن، فقال – بمناسبة تشريع " قانون الخلع " - : " إن الخلع مبدأ موجود منذ القدم في الشريعة الإسلامية، ولم يكن عديد من الناس على معرفة به.. وبمقتضي مبدأ الخلع من حق المرآة أن تطلب الانفصال عن زوجها لأسباب تبينها للمحكمة، منها استحالة الحياة الزوجية بينهما وإذا كان قانون الخلع يسمح للمرأة المسلمة بأن تستفيد من هذا الوضع، فما المانع من أن تستفيد منه المرآة المسيحية.. فالمعروف في القانون هو عمومية القانون، فلا نطبقه في حالة معينة لفائدة البعض ونرفضه في حالة أخرى لفائدة البعض الآخر.
إذن، الخلع يسمح للمرآة – مسيحية كانت أو مسلمة – أن تتخلص من الزوج " المتعب " وبخاصة لو كانت هناك أسباب تجعل استمرار الحياة بينهما مستحيلًا"([20]).
- بعد هذه المواقف الكنيسة الداعمة للاحتكام إلى الشريعة الإسلامية – التي هي قسمة من قسمات الهوية الثقافية والحضارية للأمة – والتي لا تمثل بديلًا لشريعة مسيحية – إذ إن كلمة " الشريعة " لم ترد ولو مرة واحدة في الأناجيل الأربعة – وإنما هي الشريعة الإسلامية – بديل للقوانين الأجنبية المجلوبة من الخارج – على حد تعبير البابا شنودة -.. كما أن هذه الشريعة – بالنسبة للمسيحي - هي قوانين وضعية، من اختصاص " القيصر " الذي لا دخل للإنجيل في تشريعاته.
بعد هذا الموقف الحاسم، والمنحاز للهوية الإسلامية للدولة والمجتمع، وجدنا البابا تواضروس الثاني – في أول تصريح له بعد انتخابه، يقول كلامًا مضادًا – وغير مسبوق – وذلك عندما يسأله مندوب " الأهرام " " أشرف صادق " :
- " هل الكنيسة مع الشريعة الإسلامية أم ضدها " ؟
- فيقول: " في الأمور الدينية تطبيق الشريعة يخص المسلمين، لأنها أمر ديني. وفي الأمور الوطنية وفي الأمور الاجتماعية ليس مناسبًا أن تطبق على غير المسلمين " !([21]).
أي أنه – ولأول مرة في تاريخ الباباوات – يرفض أن تكون الشريعة الإسلامية، في جوانبها الوطنية الاجتماعية، شريعة المجتمع المعبرة عن هويته القانونية !.
وإذا كانت الهوية العربية الإسلامية هي السمات والقسمات الثوابت التي تمثل الأرض المشتركة للأمة.. وإذا كان القانون – وفقه المعاملات – هو الضابط لحركة المجتمع.. فلقد ظلت هذه الهوية الإسلامية هي الروح السارية والمرجعية الحاكمة للقانون في بلادنا على امتداد تاريخ الإسلام.
وقديمًا، وقبل مزاحمة المرجعية الفكرية الغربية – الوضعية العلمانية – للهوية الإسلامية ولمرجعية الشريعة في القوانين، لم تكن هناك حاجة للنص في القوانين على إسلاميتها، لأنه لم يكن هناك بديل يزاحم هذه الإسلامية.. فالفقه والقانون في بلادنا لم يكن يوصف تاريخيًا – بوصف الإسلامي، أما بعد تسلل القانون الوضعي الغربي – في ركاب النفوذ والغزو والاستعمار – إلى العالم الإسلامي – في القرن التاسع عشر – فلقد برزت الحاجة إلي الإعلان عن ضرورة إسلامية المرجعية القانونية عندنا، كموقف منحاز للهوية الإسلامية التي تميزت قوانينها عن القوانين الوضعية الغربية.
لقد قال المستشرق الإيطالي " دافيد ديسانتيلانا " ]1845-1971م[ - وهو أستاذ الشريعة الإسلامية والقانون الروماني – قال عن تميز القانون الإسلامي عن نظيره الغربي – ومن ثم تميز الهوية القانونية الإسلامية عن نظيرتها الغربية - : ".. عبثًا نحاول أن نجد أصولًا واحدة تلتقي فيها الشريعتان الشرقية والغربية - ]الإسلامية والرومانية[ - كما استقر الرأي على ذلك – إن الشريعة الإسلامية ذات الحدود المرسومة والمبادئ الثابتة لا يمكن إرجاعها أو نسبتها إلي شرائعنا وقوانيننا -]الغربية[ - لأنها شريعة دينية تغاير أفكارنا أصلًا.. إن معنى الفقه والقانون بالنسبة إلينا وإلى أسلافنا : هو مجموعة من القواعد السائدة التي أقرها الشعب، إما رأسًا وإما عن طريق ممثليه، وسلطانه فستمد من الإرادة والإدراك وأخلاق البشر وعاداتهم.
إلا أن التغيير الإسلامي للقانون هو خلاف ذلك.. فالخضوع لهذا القانون هو واجب اجتماعي وفرض ديني في الوقت نفسه، ومن ينتهك حرمته أو يشق عصا الطاعة عليه لا يأثم تجاه النظام الاجتماعي فقط، بل ويقترف خطيئة دينية أيضًا.. إن هذا القانون – الذي يوزع العدالة بالقسطاس على الجميع بلا تفضيل، إنما يستند إلي الإيمان القويم أساسًا.. ومع ذلك، فإن هذه الشريعة الإسلامية تفسح أوسع المجال لتحكيم الإرادة البشرية، وتعلق أعظم الأهمية على القصد القانوني، لا على نص القانون الحرفي... وهكذا ترسم الأخلاق والآداب في كل مسألة حدود القانون.. والشريعة الإسلامية شريعة تطورية، غير جامدة.. " وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن "..لذلك فإننا نجرؤ على وضعها في أرفع مكان، وتقليدها أعظم مديح علماء القانون "([22]).
- ولهذا التميز – في الفقه والقانون والشريعة – ومن ثم الهوية – كان موقف رفاعة الطهطاوي ]1216-1290هـ-1801-1873م[ الرافض لتسلل القانون الوضعي الأوروبي إلي محاكم المواني التجارية – على عهد الخديوي سعيد ]1237-1279هـ-1822-1867م[ - في إبريل سنة 1855.. ودفاعه عن الفقه والقانون الإسلامي والشريعة التي تمثل هوية الأمة.. وفي هذا قال الطهطاوي : " إن المعاملات الفقهية لو انتظمت جري عليها العمل لما أخلت بالحقوق، بتوفيقها على الوقت والحالة.. ومن أَمْعَن النظر في كتب الفقه الإسلامية ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من المنافع العمومية، حيث بوبوا للمعاملات الشرعية أبوابًا مستوعبة للأحكام التجارية.. وإن بحر الشريعة الغراء، على تفرع مشارعة لم يغادر من أمات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها بالسقي والرأي ولم تخرج الأحكام السياسية عن المذاهب الشرعية، لأنها أصل، وجميع مذاهب السياسات عنها بمنزلة الفرع "([23]).
- ومنذ الطهطاوي، أصبح الدفاع عن الهوية الإسلامية للأمة.. وعن المدنية الإسلامية – المتميزة عن المدنية الغربية – وعن الشريعة الإسلامية – التي تتجلي في التشريعات والقوانين – أصبح موقفًا ثابتًا لمفكري الأمة الشرعيين والدستوريين والقوانيين.. وكنموذج لهؤلاء كتب الدكتور عبد الرازق السنهوري [ 1313_1391هـ -1895_ 1971م ] أبو القانون المدني، وواضعه وشارحه – وواضع المقومات الدستورية والقانونية لكثير من البلاد العربية – مصر والعراق وسوريا والكويت والإمارات وليبيا والسودان.. كتب فقال:
- الإسلام: دين ودولة.. ذلك إلى جانب العقيدة، وقانون إلى جانب الشعائر.. والنبي – صلى الله عليه وسلم – هو مؤسس الحكومة الإسلامية، كما أنه نبي المسلمين، أقام الوحدة الدينية للأمة العربية، والوحدة السياسية للجزيرة العربية.. ووضع قواعد الحياة الاجتماعية والحياة السياسية.. فالإسلام دين الأرض كما هو دين السماء.
- والإسلام دين ومدنية.. والمدنية الإسلامية أكثر تهذبًا من المدنية الأوروبية.. والرابطة المدنية هي المدنية الإسلامية، وأساسها الشريعة الإسلامية.. وأمتنا ذات مدنية أصيلة، وليست الأمة الطفيلية التي ترقعّ لدنيتها ثوبًا من فضلات الأقمشة التي يلقيها الخياطون !.
- ولقد أعطى الإسلام للعالم شريعة هي أرسخ الشرائع ثباتًا، وهي تفوق الشرائع الأوروبية. وإن استـقاء تشريعنا المعاصر من الشريعة الإسلامية هو المتُّسق مع تقاليدنا القانونية. إنها تراثنا التشريعي العظيم، وبها يتحقق استقلالنا في الفقه والقضاء والتشريع.. إنها النور الذي نستطيع أن نضئ به جوانب الثقافة العالمية في القانون.. لقد أعترف الغرب بفضلها، فلماذا ننكره نحن ؟! وما بالنا نترك كنوز هذه الشريعة مغمورة في بطون الكتب الصفراء، ونتطفل على موائد الغير، نتسقَط فضلات الطعام ؟!. "
كما تحدث السنهوري عن الشريعة الإسلامية باعتبارها شريعة للدولة والمجتمع – شريعة إقليمية – وليست شريعة طائفية للمؤمنين بعقائد الإسلام دون غيرهم.. فقال:
- لقد أخطأ بعض الباحثين عندما اعتقدوا أن الإسلام ليس إلا دينًا منزلًا.. ودفعهم إلى هذا الخطأ تقريب خاطئ ما بين الإسلام والمسيحية، فالمسيحية أعطت ما لله لله، وما لقيصر لقيصر.. ولكن الإسلام يختلف عن المسيحية اختلافًا جوهريًا، فقد جمع ما لله وما لقيصر، وخص المسلمين بما لله، وجعل ما لقيصر عامًا واجب التطبيق على الكافة، مسلمين وغير مسلمين.. والأصل في أحكام الشريعة أنها خطأ. لجميع الناس – مسلمين وغير مسلمين – فهي إذن أحكام إقليمية، إذ هي واجبة التطبيق في دار الإسلام على جميع المقيمين فيها من مسلمين وغيرهم بل إن أعظم المذاهب الإسلامية شأنًا وأوسعها انتشارا – هو مذهب الحنيفة – يطبق أحكام الشريعة الإسلامية في دار الإسلام حتى على المستأمنين.
والواجب التطبيق من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المقيمين في دار الإسلام هي كل أحكام المعاملات، لا فرق في ذلك بين أحوال عينية وأحوال شخصية، فإن هذا التفريق لا يعرفه الفقه الإسلامي، وهو دخيل عليه استحدثه الكتاب في هذا العصر متأثرين في ذلك بالنظم الأوربية التي دخلت مصر حديثًا. فأحكام المعاملات جميعًا، سواء ما تعلق منها بالمال والعقود، وما تعلق بالمواريث والوصايا، وما تعلق بالأهلية والحجر، وما تعلق بالأنكحة والنفقات، يجب تطبيقها على كل المقيمين في دار الإسلام، مسلمين وغير مسلمين.. والمستثنى من ذلك مسائل قليلة، هي الزواج ونفي المهر وتقديم الخمر والخنزير، لاتصالها بالعقيدة والدين، فيتركون فيها وما يدينون.. وحتى في هذه المسائل، فإنهم يترافعون فيها إلى القضاء الإسلامي فيحكم بينهم بأحكام دينهم، إلا إذا تراضوا جميعًا على التحاكم إلى أهل ملتهم، وهذا تحكيم مباح للمسلمين وغير المسلمين.. على هذا أجمعت مذاهب الحنيفة والشافعية والحنابلة: غير المسلمين مخاطبون بأحكام الإسلام في غير العقائد والعبادات.. لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف "([24]).
هكذا اجتمع الفكر والتطبيق – في الثقافة والحضارة والتاريخ – على إسلامية الهوية.. هوية الدولة.. والمدنية.. والقانون.. وعبر عن هذه الحقيقة – بحسم ووضوح – أبو القانون المدني، وفقيه الشريعة الإسلامية، القاضي العادل الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا.
- الهوية الإسلامية والوطن والوطنية :
- وهنا.. وعند هذا الموقف الذي تقررت فيه " إسلامية " الهوية و" عروبتها ".. يرد السؤال عن علاقة هذه الإسلامية بدائرة الانتماء إلى الوطن والولاء للوطنية.
- هل تهمش إسلامية الهوية الانتماءات الوطنية ؟
- وهل تذوب الأوطان والوطنيات – في ظل الهوية العربية الإسلامية – في الدائرة الأوسع، عربية أو إسلامية ؟! إن هذا التساؤل المشروع، قد تحول – عند البعض – إلى شبهة – بل إلى اتهام – موجه إلى الهوية الإسلامية، وإلى إطار الجامعة الإسلامية – بل وإلى إطار القومية العربية -.. اتهام بإذابة الأوطان والوطنيات وتهميشها..
وفي جلاء الموقف الإسلامي من هذه القضية علينا أن نعيد التذكير بأن الإسلام ودولته الجامعة، وتجربته التاريخية، قد أكدت على تعدد وتكامل دوائر الانتماء والولاء.. فللإنسان انتماء وولاء لأهله وعشيرته، يليه انتماء وولاء لشعبه ووطنه، يليه انتماء وولاء لقومه وقوميته، يليه انتماء وولاء لأمته وحضارته.. ثم هناك الولاء والانتماء للإنسانية التي تتنوع هي الأخرى إلى أمم وحضارات وشعوب وقبائل..
- إن الوطن – في اصطلاح العربية – كما في [ لسان العرب ] لابن منظور
[630- 711هـ --1232-1311م ] و[ أساس البلاغة ] للزمخشري [ 467-538هـ...1075-1144م ] هو: " المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحل إقامته، وفيه يكون المولد والمنشأ. وهو الديار التي ينتسب إليها الإنسان، ولها يكون الحنين والولاء والانتماء ".
- وفي القرآن الكريم – كتاب الرسالة العالمية ومنبع الهوية الإسلامية آيات تقرر أن حب الإنسان لوطنه وهو معادل الحياة هذا الإنسان..ولقد تحدثت هذه الآيات القرآنية – لذلك – عن أن الإخراج من الديار معادل للقتل والإخراج من الحياة، فالتوطن حياة، والحرمان من الوطن موت وموات ! : [ ولو انا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلًا منهم ] – النساء: 66- [ وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ] – البقرة: 84-.
كما ساوى القرآن الكريم بين الإخراج من الديار والحرمان من الوطن وبين الفتنة في الدين "فجعلهما وحدها المبرر للقتال – القتال لتحرير الوطن ومقدراته ولحرية الضمير وتحريره كي يتدين دون إكراه، في إشارة إلى أن الوطن الحر هو الوعاء الذي بدونه لا يأتي قيام كامل الدين، وكامل الحرية في التدين بالدين: [ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ] – الممتحنة: 8 -.
- ولقد كان موقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من وطنه مكة، عندما ظلمته وعذبته هو وصحابته الكرام، وعندما تعصبت للشرك والوثنية ضد التوحيد، وعندما أخرجت الرسول والذين آمنوا معه من وطنهم.. كان موقف الرسول من هذه البلدة الظالمة مصداقًا لهذه الفطرة السوية – فطرة الحب والولاء والانتماء للوطن – فناجى مكة – لحظة فراقه لها – قائلًا: " والله إني أعلم أنك أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى نفسي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت "
ولقد ظل حنينه إليها جارفًا، حتى لقد كان يدعو ربه – وهو بالمدينة – أن يحبب إليه المدينة حبه لمكة !. وظل هذا الحب للوطن يملأ القلب حتى عاد إلى مكة فاتحًا، وحانيًا على مواطنيه الذين عذبوه وجاروا عليه وظلموه !
- ولأن هذه هي مكانة الوطن في الرؤية الإسلامية : النسب الذي ينقذ الإنسان من الضياع، والقبلة التي تتجه إليها الأفئدة بالشوق والولاء والانتماء، قال الإمام الشيخ محمد عبده [ 1266 -1323هـ 1849-1905م ]- وهو يفسر قول الله سبحانه وتعالى - : [ ألم ترَ إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ] – البقرة : -.. قال: " إن الخروج من الوطن، بمعنى التفريط في استقلاله، موت، بينما الحفاظ على استقلال الوطن حياة وإحياء " ! ([25]).
- ولهذه الحقيقة، حقيقة الارتفاع بمكانة الوطن ومحبته والولاء له والانتماء إليه، كان للوطن – والوطن المصري تحديدًا وعلى وجه الخصوص – عند رواد اليقظة الإسلامية الحديثة – الذين رفعوا شعار الجامعة الإسلامية، وأكدوا على الهوية الإسلامية – كان لهذا الوطن – عند هؤلاء الرواد – المكانة المتميزة والممتازة..
فرائد هذه اليقظة الإسلامية جمال الدين الأفغاني [ 1254-1314هـ 1838-1897م ] – الذي رفع شعار " الجامعة الإسلامية " هو الذي رفع شعار " مصر للمصريين ".. وهو أول من أنشأ – بمصر- " الحزب الوطني الحر ".. ولقد عبر عن مكانة الوطن المصري، في عقله ووجدانه، وفي جهاده، فقال: " مصر أحب بلاد الله إليّ " وهي أهم مواقع الشرق، وهي عند المسلمين من الأراضي المقدسة، ولها في قلوبهم منزلة لا يحتلها سواها، نظرًا لموقعها من الممالك الإسلامية، ولأنها باب الحرمين الشريفين، فإن كان هذا الباب آمنًا كانت خواطر المسلمين مطمئنة على تلك البقاع وعلى سلامة ركن عظيم من أركان الديانة الإسلامية "
وعندما نظر الأفغاني إلى المستقبل، علق الآمال على قيادة الوطن المصري للبعث الإسلامي والنهضة الشرقية، فقال: " وربما لا يكون بعيدًا من الواقع أن تصير عاصمة مصر كرسي مدينة لأعظم الممالك الشرقية. بل لقد كان ذلك أمرًا مقررًا في أنفس جيرانها من سكان البلاد المتاخمة لها، وهو أملهم الفرد كلما ألم بهم خطب أو عرض لهم خطر "([26]).
- ومصطفى كامل [ 1291-1326هـ 1874-1908م ] الذي جاهد تحت رايات الجامعة الإسلامية، هو " شاعر الوطنية المصرية " الذي حمله شعار " لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا " !
- وحسن البنا [1324-1368هـ 1906-1949م ] هو الذي تحدث – بعمق –عن تكامل دوائر الانتماء، التي تبدأ بالانتماء الوطني، فقال " إن مصر هي قطعة من أرض الإسلام، وزعيمة أممه، وفي المقدمة من دول الإسلام وشعوبه. ونحن نرجو أن تقوم في مصر دولة إسلامية، تحتضن الإسلام، وتجمع كلمة العرب، وتحمي المسلمين في أكناف الأرض من عدوان كل ذي عدوان، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته. إننا نحب وطننا مصر، ونحرص على وحدته، ولا نجد غضاضة على أي إنسان أن يخلص لبلده، وأن يفني في سبيل قومه، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وفخار، وأن يقدمه في العمل على ما سواه. وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحمًا وجوارًا. إننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد، فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام. فالدائرة الوطنية، في دعوتنا، هي الأساس الأول للنهوض، والوحدة العربية هي الحلقة الثانية في النهوض. أما الجامعة الإسلامية فهي السياج الكامل للوطن الإسلامي العام، ولا تعارض بين هذه الحلقات الثلاث، لأن كلًا منها تشد أزر الأخرى، وتحقق الغاية منها "([27]).
هكذا تبلورت الهوية العربية الإسلامية في مسيرتنا التاريخية، وفي تراثنا الحضاري.. ولدت من رحم القرآن الكريم، وأقامت بناءها شعوب الأمة الإسلامية، على اختلاف أقوامها وتعدد دياناتها ومذاهبها.. وهكذا أفصحت عن تميزها بلسان عربي مبين، وهو لسان القرآن الكريم.. ولخلود هذا القرآن ومركزيته، ولخلود للغة التي نزل بها، استعصت هذه الهوية العربية الإسلامية على كل التحديات.. تحديات التتريك.. وتحديات الفرنسة والجلنزة والروسنة – ورغم شراسة هذه التحديات..
وإذا كانت أمم الحضارات المختلفة تسعى نحو التكامل والتساند، رغم ما بينها من تناقضات، فإن أوطان عالم الإسلام، في حاجة إلى أن تتقارب لتلك الوطنيات في الأطر القومية، ولتسلك القوميات في إطار الجامعة الإسلامية، وذلك لمواجهة تحديات الهيمنة الخارجية، والتي تريد لعالم الإسلام المزيد من التجزئة والتشرذم والتفتيت.
- إن أمة يزيد تعدادها على المليار وسبعمائة مليون نسمة..
- وتمتلك وطنًا مساحته 35,000,000 كيلو مترًا مربعًا – أي أربعة أضعاف الصين -.
- ولديها من الثروات ما يجعلها العالم الأول في كثير من الميادين الاقتصادية..
- ولديها من المواريث الفكرية والثقافية والحضارية مالا نظير له عند الآخرين..
- وفي تاريخها تجربة حضارية جعلتها العالم الأول على ظهر هذه الأرض لأكثر من عشرة قرون..
- ولها في الهوية الثقافية هذه الثروة وهذه الآفاق التي تفتح الأبواب أمام شعوبها وأقطارها وأقوامها وأديانها لتعيد إحياء تجربتها التاريخية في " التنوع بإطار الوحدة "..
- إن أمة تمتلك هذا التراث.. وهذا الثراء.. وهذا التاريخ لجديرة بأن تعي هذا التاريخ، لتستأنف صناعة التاريخ.
- الهوية والدستور:
- ولأن هذه هي مكانة الهوية العربية الإسلامية في تاريخنا الحضاري.. ولأن هذه الهوية قد صبغت كل مناحي الحياة في واقع أمتنا ومنها ميادين التشريع والقانون.. كان طبيعيًا أن تجد هذه الهوية مكانها ومكانتها في الدساتير، منذ أن بدأت بلادنا وضع الدساتير في عصرنا الحديث..
- ففي الدستور المصري سنة 1923م جاء النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.. وأن العربية هي لغتها.
- ولقد أضيف إلى ذلك – في دستور سنة 1971م.. المعدل في سنة 1980م – النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع – وكان قد تم – في مجلس الشعب – تقنين الشريعة الإسلامية، لتكون جاهزة للتطبيق – في أكبر مشروع لتقنين الشريعة في العصر الحديث.
- أفاد الدستور سنة 1954م – الذي وضع بعد ثورة يوليو 1952م – والذي لم يطبق.. فلقد كانت الهوية الإسلامية حاضرة في صياغته – فالسنهوري باشا كان رئيس لجنة وضع هذا الدستور.. وفي مداولات " لجنة الحرية والحقوق والواجبات العامة " بالجلسة السابعة - سنة 1953م – تحدث الدكتور [ طه حسين [ 1306-1393هـ.... 1889-1973م ] عن حاكمية القرآن والإسلام على الدستور، فقال: " إنه من المقطوع به أن الأغلبية لن تقبل أن تخرج، عند وضع الدستور، على ما أمر به الإسلام، وأنه ليس هناك معترض يسمح لنا بأن نعدل عن نص القرآن، وإنه إذا وجد نص ديني صريح فالحكمة والواجب يقتضياننا ألا نعارض النص، وأن نكون من الحكمة ومن الاحتياط بحيث لا ننفر الناس في شعورهم، ولا في ضمائرهم، ولا في دينهم وإذا احترمت الدولة الإسلام فلابد أن تحترمه جملة وتفصيلًا.. ولا يكون الإيمان إيمانًا ببعض الكتاب وكفرًا ببعضه الآخر"([28]).
- أما دستور سنة 2012م فلقد تميز بنصوص جديدة وعديدة أكدت على هذه الهوية العربية الإسلامية للدولة والأمة والمجتمع.. هذا إلى جانب ما شاع في مواد الدستور من نصوص تنتصر للقيم الإسلامية التي تؤكد على الكرامة الإنسانية وتحقيق أعلى مستويات الضمانات للحريات والسعي للإقامة التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية. الأمر الذي جعل من هذا الدستور سنة 2012م – التجسيد الأول والأعلى للهوية العربية الإسلامية.
([1])الجرجاني (التعريفات) طبعة القاهرة سنة 1938، وأبو البقاء الكفوى (الكليات)، تحقيق: د. عدنان درويش، محمد المصري، طبعة دمشق، 1982 م.
([2])ابن عبد الحكم (فتوح مصر وأخبارها) ص 46، طبعة ليون سنة 1920 م، و (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة) ص 72، 73، تحقيق : د. محمد حميد الله، طبعة القاهرة سنة 1956.
([3])شاخت (الشريعة الإسلامية) ـ كتاب (تراث الإسلام)، القسم الثالث، ص 27 – 29 طبعة عالم المعرفة ـ الكويت ـ 1978م.
([4])مكرم عبيد، مجلة (الهلال) عدد إبريل 1939م.
([5]) الأنبا موسى ـ في : د. سعد الدين إبراهيم (الملل والنحل والأعراق) ص 529 – 534، طبعة القاهرة، 1990م.
([6]) الأنبا يوحنا قلته. من حوار دار عقب محاضرة لى ـ في جمهور من النخبة المسيحية، الممثلة لمختلف الطوائف، دعت إليه "اللجنة المصرية للعدالة والسلام" بفندق الحرية ـ بمصر الجديدة ـ بتاريخ 9 نوفمبر0
([7])د. أنور عبد الملك، صحيفة (أخبار الأدب)، عدد 30-4-2000 م.
([8])د. محجوب عمر، رؤوف نظمي، مجلة (منبر الحوار) عدد خريف 1989، ص 41، 42، بيروت.
([9])جمال بدوي (الفتنة الطائفية : جذورها وأسبابها، دراسة تاريخية ورؤية تحليلية) ص 137 – 141، طبعة القاهرة، 1992م.
([10])محمد السماك (الأقليات بين العروبة والإسلام) ص 144، طبعة بيروت، 1990 م.
([11])(ندوة الموقف الإسرائيلي من الجماعات الإثنية والطائفية في العالم العربيى) ص 6، ترجمة الدار العربية للدراسات والنشر، ط القاهرة، 1992م.
([12]) سلامة موسى (اليوم والغد) ص 200، 201، طبعة القاهرة، 1928 م.
([13])د. لويس عوض (تاريخ الفكر المصري الحديث) جـ1 ص 209، طبعة دار الهلال، القاهرة، 1969م.
([14])د. سليم نجيب (الأقباط عبر التاريخ)، ص 184 ، 185، طبعة القاهرة، دار الخيال، 2001م.
([15])صحيفة "وطني" مقال : (اللغة القبطية والألحان القبطية" عدد 30 – 7 – 2200).
([16])صحف "الدستور" عدد 2-7-2008م.
([17])صحف "الدستور" و "المصري اليوم" و "البديل" في 20-7-2008م ، والنص الكامل للمحاضرة منشور بصحيفة "الدستور" في 13-8-2008م. وعلى موقع "مصريون ضد التمييز الديني" بترجمة محمود الفرعوني.
([18])أنظر : (استطلاع الرأي العام في مصر حول تطبيق، أحكام الشريعة الإسلامية على جرائم الحدود)، طبعة القاهرة 1985.
([19])البابا شنودة (الأهرام) عدد 6-3-1985م.
([20])البابا شنودة (الأهرام) في 26/3/2002.
([21])البابا تواضروس الثاني، الأهرام، العدد 5- 1 – 2013 م.
([22])سانتيلانا (القانون والمجتمع) ـ كتاب (تراث الإسلام) ص 431 – 435، 438 – 439، ترجمة جرجيس فتح الله، طبعة بيروت 1972م.
([23])الطهطاوي (الأعمال الكاملة) جـ1، ص 544، 369، 370، دراسة وتحقيق : د. محمد عمارة ـ طبعة بيروت سنة 1973 م، وطبعة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2010 م.
([24])د. عبد الرزاق السنهوري (إسلاميات السنهوري باشا) جـ 1 ص 133، 145، 160 و جـ 2، ص 704 – 707، دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة طبعة دار السلام، القاهرة، 1431هـ، 2010م.
([25])الإمام محمد عبده (الأعمال الكاملة) جـ 4 ص 695، دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة، طبعة بيروت سنة 1972م، وطبعة دار الشروق، القاهرة، 1993م
([26])جمال الدين الأفغاني (الأعمال الكاملة) ص 479، 486، 467، دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة، طبعة القاهرة 1968م.
([27])حسن البنا (مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا)، رسالة "المؤتمر الخامس" ورسالة "دعوتنا" ص 176، 178، 19، طبعة دار الشباب، القاهرة، بدون تاريخ.
([28])لجنة مشروع الدستور ـ محضر لجنة الحريات والحقوق والواجبات العامة، الجلسة السابعة ص 81 – 121 طبعة وزارة الإرشاد القومي، القاهرة، بدون تاريخ.