عبد القادر كردي سليمان الضاري([1]) د. حاتم حميدي الضاري([2]) توطئة: شهدت مراحل احتلال العراق في الحرب العالمية الأولى معارك كبيرة سقطت على إثرها عدة مدن عراقية مهمة، وبما ساعد البريطانيين على تحقيق تقدمهم في الحرب؛ فعلى مدى السنوات الأربع التي استغرقتها عملية احتلال العراق؛ احتلت البصرة ثم الكوت ثم بغداد صعودًا مع نهر دجلة حتى احتلال الموصل سنة (1918م). أما خط الفرات فقد شهد احتلال الفلوجة في (1917م) ثم الرمادي صعودًا إلى حديثة. وكل موقعة من هذه المواقع كان لها وضعها الخاص وتأثيرها في مجريات الحرب فيما بعد. ونحاول في بحثنا هذا الوقوف على موضوع مشاركة عشائر مدينة الفلوجة في مقاومة الاحتلال البريطاني قبل ثورة العشرين (1920م) وأثناء الثورة وبعدها؛ حيث شاركت عشائر مدينة الفلوجة والمناطق المحيطة بها والمرتبطة بها إداريًا؛ في مقاومة الاحتلال في هذه المراحل الثلاث، ولم تقتصر مشاركتها على ثورة العشرين فحسب. وتنبع أهمية هذا الموضوع من صلته بوقائع الحرب العالمية الأولى في المنطقة الغربية من العراق، واحتلال مدينة (الرمادي) مركز لواء (الدليم)، التي أنهت نيات وخطط القوات العثمانية والثوار الداعمين لها في العودة لتحرير بغداد، وحولت الكفة لصالح القوات البريطانية المحتلة، التي حققت بسقوط (الرمادي) نصرًا مهمًا، احتفل به قادتهم وأبرقوا إلى ملك إنكلترا مهنئين، فيما كانت بالنسبة للعثمانيين والعراقيين حلقة جديدة في سلسلة الألم؛ وفقدان الأمل الأخير؛ لإعادة التوازن في الحرب وتحرير بغداد. وسنتناول هذا الموضوع عن طريق ثلاثة مطالب، وتمهيد، وكما يأتي: تمهيد: نبذة عن مدينة الفلوجة وعشائرها. المطلب الأول: مقاومة عشائر الفلوجة للاحتلال البريطاني قبل ثورة العشرين. المطلب الثاني: مقاومة عشائر الفلوجة للاحتلال البريطاني في ثورة العشرين. المطلب الثالث: دور عشائر الفلوجة بعد انتهاء ثورة العشرين. تمهيد نبذة عن مدينة الفلوجة وعشائرها مدينة (الفلوجة) من (أقضية) محافظة الأنبار، وتقع وسط العراق وشمال غرب العاصمة بغداد بما يقرب من (60) كيلو مترًا. وتاريخ الاستيطان في منطقة الفلوجة قديم جدًا يعود إلى زمن البابليين، أما شكلها الاستيطاني الحديث فعمره عدة قرون([3]). وهناك عدة وجهات نظر في منشأ تسمية المدينة؛ حيث ترجع إحداها أصول تسميتها إلى الكلمة الأكادية (بلوكاتو) أو (فلوقات)، وترى وجهة نظر أخرى، أن اسمها يعني: الأرض الصالحة للزراعة حيث تتفلج تربتها بنزول المطر([4]). بنيت مدينة الفلوجة قرب مدينة الأنبار التأريخية، التي فتحها خالد بن الوليد (رضي الله عنه) سنة (12ه) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، واتخذ العباسيون مدينة (الهاشمية) قريبًا منها عاصمة لهم مدة، وكانت في زمن العثمانيين محطة استراحة مهمة في الطريق الصحراوي المؤدي إلى بغداد، والطريق النهري كذلك عبر الفرات ومن ثم دجلة من خلال القنوات الواصلة بين النهرين([5])، ثم ازدادت أهميتها مع السنوات، ولاسيما بعد فتح الطرق التي تمر بها نحو الحدود مع سوريا والأردن. شاركت المدينة وعشائرها في عام (1920م) بقوة في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، وفي عام )1941م) شهدت الفلوجة معارك مهمة بين الجيش العراقي الثائر وقوات الاحتلال البريطاني أثناء ثورة مايس. ويغلب على سكان المدينة ونواحيها الطابع العشائري؛ حيث تشكل البنية العشائرية الغالبية العظمي لسكان القضاء([6]). أما العشائر التي تقطن الفلوجة وما حولها، فهي: عشائر الجميلة والدليم وزوبع، والبو عيسى، والجنابيين، وقسم من بني تميم، وغيرها. فضلًا عن العائلات الحضرية التي استوطنتها من مدن محافظة الأنبار المختلفة: هيت وكبيسة وعَنَه وراوة وحديثة والقائم وآلوس وجبة، وغيرها. وبحكم هذا الطابع القبلي الغالب على التركيبة السكانية للفلوجة؛ كانت مشاركة عشائرها في مقاومة البريطانيين قبل ثورة العشرين وأثناءها وبعدها؛ بارزة ومشهودة. المطلب الأول مقاومة عشائر الفلوجة للاحتلال البريطاني قبل ثورة العشرين أولًا: مشاركة الفلوجة في التصدي للاحتلال البريطاني قبل احتلال بغداد يرى بعض مؤرخي العراق في القرن العشرين أن "الدولة العثمانية أهملت أمر إدارة العراق من الناحية العسكرية، فلم تترك قوة كافية تستطيع الوقوف في وجه الإنكليز لصد هجومهم، وإيقافهم عند حدهم. ولا شك أن ذلك نتيجة لازمة لسقوط البصرة... والوقائع الأخرى التي تلت هذه الحادثة مؤلمة أكثر. فإن الإنكليز اتخذوا كل تدبير للوصول إلى الغرض بالقضاء على الجيش العثماني..." و"اتخذوا تدابير تجاه ما ستتخذه الدولة العثمانية من إعلان الجهاد، وإبداء لزوم ما يقوم به كل فرد بالنظر لما يستطيع من قدرة. فلم يدعوا وسيلة إلا توسلوا بها"([7]). ومن ذلك: الإعلانات الموجهة للعشائر لتحريضها على الدولة العثمانية، وتبرير غزوهم للعراق، وإطلاق الوعود المغرية وغير ذلك([8]). وقد "كان لنجاح البريطانيين في احتلال بغداد وقع أليم في الإمبراطورية العثمانية؛ ولذا قررت القيادة العامة التركية القيام بجهود كبرى لاسترجاع بغداد، وقررت إناطة هذا الواجب بقيادة جحفل جيوش الصاعقة (يلدرم) على أن يؤلف جحفل الجيوش هذا من الجيشين السادس (في العراق) والسابع في (سورية) ويعززان بفرق تركية إضافية وبقطعات ألمانية خاصة (رتل آسیا)، وأنيطت قيادة جحفل الجيوش بالجنرال (فالکنهاين) الألماني. وكان أنور باشا شديد التحمس لهذه الفكرة وأيدته القيادة العامة الألمانية في اندفاعه هذا"([9]). وبعد دراسة الوضع قرر الجنرال الألماني (فالكنهاين) الذي أنيطت به مهمة قيادة جحفل الجيوش التركية؛ المضي في خطة تحرير بغداد، التي كانت معالمها الرئيسة تنص على "التعرض نحو بغداد من ثلاثة: محاور ديالى ودجلة والفرات على أن يكون محور الفرات خط الحركة الرئيس وقرر حشد الجيش السابع الموجود في منطقة حلب في مدينة الرمادي تمهيدًا لذلك"([10]). وفي الجانب المقابل كان البريطانيون يتحسبون كثيرًا لهذه الخطوة المتوقعة من القوات التركية؛ فعملوا على المسارعة لإحباطها. ثم صرف القيادة التركية بعد ذلك النظر عن الخطة؛ بل عن الموضوع برمته، بعد تطورات الأحداث في جبهة فلسطين وغيرها، وبما أقنع القيادة التركية بعد القدرة على المضي فيها([11]). وهكذا صار الخيار هو الدفاع عن الرمادي والتحصن فيها. وقد أتاح هذا القرار للقوات البريطانية المبادرة بالهجوم؛ حيث تقدمت "نحو الفلوجة ومن ثم الرمادي، في منطقة شديدة العداء لها، وكانت تحسب حسابا كبيرًا له، وهو حساب ظهرت مصداقيته لاحقا بمشاركة عشائر المنطقة في المقاومة في الفلوجة ومن ثم الرمادي. يقول باحث من أهل الفلوجة: "كان أغلب الشيوخ متعاضدين مع العثمانيين ووقفوا يقاومون بشراسة الغزو البريطاني للعراق. وعلى رأسهم رئيس عشائر الدليم وقتها الشيخ (حردان العبد الحميد العيثة)، الذي نفته بريطانيا لاحقًا بعد اكتمال احتلالها للعراق واستقرار الأمر لها إلى الهند حتى عام (1928م)"([12])؛ بسبب مقاومته لهم واشتراكه في معركتي الدفاع عن مدينة (الرمادي) مع القوات العثمانية سنة (2017م). وفي الجناح الشرقي للواء (الدليم) وتحديدًا في منطقة (أبو غريب) غرب العاصمة بغداد؛ كان أوار معركة حاسمة على وشك الانفجار بين الاحتلال وقبيلة زوبع التي كان الاحتلال يعدها عدوًا له، حتى قبل انطلاق الثورة وينظر إليها شزرا ويحسب لها الحساب على خلفية عدائها لهم ومشاركتها في معارك (الكوت) و(سلمان باك) و(اسطبلات) أثناء حرب احتلال العراق في العامين (1915_1916م). يقول الشيخ (صلال الموح) من شيوخ قبيلة (شمر) في جنوب العراق، وأحد قادة ثورة العشرين عن مشاركته وعشيرته في معارك التصدي للاحتلال البريطاني في البصرة: "انسحبنا بعدها إلى جهة العمارة، فوافتنا رسالة من شيخ عشيرة الرفيع يدعونا للمساعدة في حصار الإنكليز في الكوت، فذهبت عشائر عفك والأقرع... وعندما وصلنا النعمانية وجدنا الجنود الأتراك ومعهم عشيرة البعيج من عنزة، والعبيد، والدليم، وزوبع برئاسة ضاري المحمود، وتوجهنا جميعًا إلى الكوت، ثم التقينا بفرقة من ربيعة... فوجدنا العدو قد احتل جانبي الكوت، فقررنا الهجوم على الجانب الصغير، فلم تصمد القوات البريطانية وانسحبت إلى الضفة الأخرى... وخرج القائد الإنكليزي لجمن بثلاثة آلاف مقاتل يريد فك الحصار، فتمكن من ذلك بعد قتال عنيف، وتوجه إلى علي الغربي حيث تحصن هناك، فتبعته العشائر كالأگرع وگريط وغيرها، فجرت معركة كبيرة بين الطرفين..."([13]). وهذا نص مهم يوثق مشاركة قبيلتي: (الدليم) و(زوبع) في معارك الكوت، بلسان أحد رؤساء العشائر في الجنوب. وفي هذا السياق أيضًا يمكن فهم كلام (المس بيل) وهي تقول: "أما في منطقة الفرات الكائنة في غرب بغداد؛ فإن قبيلة زوبع المقلقة كانت تحتاج لأكثر من درس تأديبي، ولم يقدم رؤساؤها البارزون خضوعهم التام إلا بعد سقوط الرمادي في (أيلول 1917م)"([14]). ويفهم في السياق نفسه قول (اي. تي ولسن) عن زوبع وقتها: "وظلت زوبع برئاسة ضاري كثيرة الحرون([15]) لكنها في دور غیر فعال"، وقول الفريق (إِلمر هولدین): "وثارت عشيرة زوبع في الرابع عشر من آب... إنها عشيرة تسكن الفرات شمالا وأفرادها كانوا يتململون وكأنهم على أبواب ثورة"([16]). ولم يكن هذا التململ عند (زوبع) وليد اللحظة المرهونة بثورة العشرين؛ فقد كانت هناك حوادث عدة في المدة المحصورة بين احتلال الرمادي ومقتل لجمن، ومن شواهدها المسجلة ما نقله (عبد الجبار العمر) عن الشيخ خميس الضاري -رحمه الله-، قائلًا: "ولم يقف الأمر بين الجيش البريطاني وزوبع عند حد العداء البارد فقد اصطدموا اصطدامًا ساخنًا مرتين مع الاحتلال.. مرة مع السعدان (فخذ من زوبع) وكان رئيسهم يومها يوسف العرسان لمح رجال السعدان رتلًا بريطانيا يتقدم إلى نزلهم فانسحبوا إلى الأنهار القديمة والأحراش المحيطة بالنزل انتظارًا لما يحدث، وعندما اقترب الرتل من النزل أخذت كلاب الحي تنبحهم نبحًا شديدًا فما كان من الجنود إلا أن فتحوا النار عليها مما أثار ثائرة النسوة اللواتي تخلفن في الحي، فالتف الرجال حول الرتل واصطدموا به فأوقعوا به قريبًا من مائة إصابة بين قتيل وجريح.. أما السعدان فقد خسروا أحد عشر قتيلًا. والاصطدام الثاني كان مع الكروشيين (وهم فخذ من زوبع أيضًا) فقد داهمتهم مفرزة بريطانية لنهب ماشيتهم فعبر بها بعض رجالهم نهر (أبو غريب) إلى صوب (الحمّام) رهط ضاري بينما أخذ البعض الآخر یشاغل القوة المداهمة وأدى إلى قتل اثنين من رؤساء الكروشيين... هما غنام الشحاذة ومحمد الفارس"([17]). وقد شارك أهالي الفلوجة قبل ذلك في معارك التصدي للاحتلال البريطاني "على الرغم من قلة نفوس مدينة (الفلوجة) في ذلك الوقت (1914م)؛ حيث كانوا لا يتجاوزون الـ (600) نسمة؛ فقد لبّى نداء الجهاد من الفلوجة ثلاثة عشر رجلًا، واشتركوا في القتال إلى جانب العثمانيين في معركة الشعيبة في (12ــ14/4/1915م)"([18]). أي بمعدل أكثر بقليل من (2%) من مجموع سكانها. وكان من بين هؤلاء -بحسب التاريخ الشفوي الموثق-: "سعود بن شبيب العجراوي، ومحمود الخضير الجميلي، وشتران الحافظ الجميلي... واستشهد في هذه المعركة: المرحوم سعود بن شبيب العجراوي، ودفن في مقبرة الشهداء في (الزبير) عند مرقد الرجل الصالح الحسن البصري -رحمه الله تعالى- فكان أول شهيد تقدمه الفلوجة في التصدي للطامعين بأرض العراق"([19]). وبعد احتلال الكوت وتقدم القوات البريطانية صوب بغداد، بادر الشيخ ضاري المحمود بالاتصال بالقائد العام للقوات العثمانية في العراق (نور الدين باشا)([20])، والتقاه في خيمته جنوب بغداد، وبحث معه خطة الدفاع عن بغداد، ثم توجه إلى الرمادي لإعداد العدة لمنع البريطانيين من التوغل في لواء الدليم، إذ كان على تنسيق وتواصل مع القائد التركي (أحمد بك أوراق)([21])، ومع الشيخ (حردان عبد الحميد العيثة) شيخ عشيرة (البو ذياب) ورئيس قبيلة الدليم، المعروف هو الآخر ببغضه للبريطانيين. ثانيًا: مشاركة الفلوجة في التصدي للاحتلال البريطاني بعد احتلال بغداد تقدمت القوات البريطانية غربًا بعد احتلالها بغداد في (11/آذار/1917م)، ووصلت الفلوجة بعد عشرة أيام واشتبكت بالقوات العثمانية فيها، التي لم تستطع المقاومة طويلًا واختارت الدفاع عن الرمادي. فاحتلت القوات البريطانية مدينة (الفلوجة) في (22/3/1917م)، ولم تنفع مقاومة الشيخ الضاري وعشائر المنطقة والقوات العثمانية من إيقاف التقدم نحو الفلوجة، التي احتلوها في الثاني والعشرين من شهر (آذار 1917م)، واضطرّ القائد التركي أحمد بك أوراق لإخلائها، بعد أن أحرق جسرها الخشبي ليعيق ملاحقة المعتدين لقواته([22]). وقد قامت قوات الاحتلال البريطاني بعدد من الإجراءات التأديبية والاحترازية في المدينة، ومنها: نفي رئيس بلدية المدينة السيد (عبد الحميد كنه) إلى (هيت)، وفرض الإقامة الجبرية عليه، وتعيين الكابتن (سلفن) حاكمًا سياسيًا في الفلوجة، ونشر نقاط حراسة مختلفة في أماكن عدة من المدينة، والسيطرة على النقاط المهمة القريبة من المدينة، وأهمها سدة (السرية)([23]) الإستراتيجية شمال الفلوجة، التي دمرتها القوات العثمانية عند انسحابها لإغراق المنطقة بالمياه، وإعاقة تقدم القوات الغازية إلى الرمادي، ومد سكة حديد من بغداد إلى الفلوجة لتأمين الإمدادات العسكرية، وإقامة مهبط للطائرات([24]). أمَّا المدافعون من العشائر فقد عبروا نهر الفرات بـ(الشخاتير)([25]) إلى الجانب الغربي من الفرات (شامية الرمادي)؛ لمواجهة المحتلين الذين واجهوا مقاومة عنيفة، وتكبّدوا خسائر فادحة([26])، ولكنهم بالرغم من ذلك تمكنوا من تحقيق نصر على القوات المدافعة بعد تمكنهم من احتلال قاعدة الرمادي على حين غرّة([27]). ولأهمية هذا النصر وتأثيره في سير الحرب وقتها؛ أبرق القائد الميداني البريطاني في قاطع الرمادي إلى الملك البريطاني جورج الخامس، والجنرال مود في بغداد في (5/10/1917م)، يهنئهم فيها بالنصر، قائلًا: "أبعثُ بأحسن التهاني إليكم، وإلى جميع الجنود الذين اشتركوا في الاستيلاء على الرمادي وأسروا جميع قوات الترك هناك". ثالثًا: مشاركة الفلوجة في التصدي للاحتلال البريطاني بعد احتلال بغداد وعقد في وقتها اجتماع تفاوضي بين الشيخ (حــــــردان العبد الحميد العيثة)، والشيخ ضــــــاري المحمود، والحاكم العسكري (كروفر)؛ لبحث موضوع حملات الحصار والتهجير التي تعرضت لها المناطق الثائرة التي قاتلت مع العثمانيين ضد البريطانيين بقيادة الشيخين حردان وضاري. وبعد هذا اللقاء اعتقل الشيخ حردان في معركة العزيزية ونفي إلى جزيرة (هنجام)([28])، في الخليج العربي قريبًا من مضيق هرمز. وقد وثقت بعض الكتب البريطانية المؤرخة لحرب غزو العراق؛ مشاركة العشائر في معركتي الرمادي الأولى والثانية في العام (1917م)، ومنها عشائر الفلوجة، ولاسيما قبيلة (زوبع) بقيادة الشيخ ضاري، فمن ذلك ما يقوله المراسل الحربي (إدموند كاندلر) الذي كان مرافقًا للجيش البريطاني وقتها: "بدون شك؛ كان تقدمنا غير مجدً إلى الرمادي في شهر تموز عندما هربنا من حرارة الجو، مما قلل من اعتبارنا. وأصبحت عشائر الدليم والعشائر الأخرى شمال الفلوجة معادية لنا علنًا"([29]). وقال في موضع آخر عند حديثه عن معركة الرمادي الأولى التي هزم فيها البريطانيون: أن قوة الدفاع في المدينة كانت تضم إلى جانب القوات التركية (قوات عربية غير نظامية)، ويقصد بها عشائر المنطقة([30]). وقد ذكرت هذا الأمر بعض المصادر العربية ولا سيما العراقية منها التي اعتنت بتاريخ سير المعارك في العراق واحتلاله تحت عنوان (حرب العراق) أثناء ذكر موجود القوات العثمانية والقوات المتحالفة معها في معركتي الرمادي؛ حيث "كان جحفل الفرات التركي، بقيادة العقيد (أحمد بك أوراق) مؤلفا من سرية خيالة... ومن بطارية صحراء ومن ثلاثة أفواج... ومن فصيل مدفعية بحرية... ومن متطوعي العشائر، جمعًا يكون نحو (20) ضابط ونحو (1100) بندقية وسيف"([31]). وقد ذكرت هذه المصادر شيئًا ليس بالكثير -للأسف- عن اصطدام هذه القوات العشائرية بالقوات البريطانية، ومن ذلك: مهاجمة المجاهدين والعشائر رتلًا بريطانيا منسحبًا من معركة الرمادي الأولى، وتكبيده خسائر، حتى وصوله منطقة (سن الذبان) واحتمائه بها، قبل مواصلة انسحابه إلى الفلوجة([32]). وكذلك وما وقع يوم (9/9/2017م)؛ حيث "تقدمت بضعة مدرعات إنكليزية مع دورية خيالة باتجاه الرمادي من ضفة الفرات اليسرى، فاصطدمت بخيالة الأتراك المعززة ببعض العشائر والمجاهدين، ثم انسحبت إلى الفلوجة بعد أن تكبدت بعض الخسائر"([33]). وما حصل أيضًا ليلة (21/22 أيلول)؛ إذ "قامت بعض القطعات والمجاهدون من جحفل الفرات التركي بهجوم مباغت على ستارات القوة الإنكليزية المرابطة قرب (جرف الأحمر) في ضفة الفرات اليسرى فكبدوها بعض الخسائر وأسروا منها (10) جنود وغنموا منها بعض الأسلحة والتجهيزات"([34]). وبعد ذلك بأيام حدثت "بعض المصادمات الطفيفة بين خيالة جحفل الفرات التركي والمجاهدين وبين قطعات الستر الإنكليزية، خلال المدة التي مضت بين (۲۲و۲۸ أيلول سنة 1917م)"([35]). وقد أغفلت مصادر أخرى -تمامًا- ذكر مشاركة قوات عشائرية من أبناء الرمادي والفلوجة و(أبو غريب) وغيرها من مناطق (لواء الدليم) في معارك الدفاع عن الفلوجة ومن ثم الرمادي والبغدادي([36]). المطلب الثاني مقاومة عشائر الفلوجة للاحتلال البريطاني في ثورة العشرين تذكر المصادر البريطانية أن لقاءات عشائر لواء الدليم للتحضير للثورة كانت قائمة، ومن ذلك ما تضمنته برقية مرسلة من لجمن (الحاكم السياسي) في لواء الدليم إلى قيادته، عن الأوضاع في المنطقة الغربية، بتأريخ (3 تموز 1920م)، أي قبل أكثر من شهر من مقتله؛ يذكر فيها خبر عقد اجتماع لعشائر المنطقة -يقصد عشائر المنطقة الممتدة بين مدينتي بغداد والفلوجة- في مضيف الشيخ ضاري المحمود بحضور الشيخ (حسن السهيل) شيخ بني تميم([37])؛ ولذلك بادر لجمن لعقد لقاء ضم شيوخ قبائل مناطق (لواء الدليم)، وهو ما عرف لاحقًا بمؤتمر الرمادي، الذي حاول (لجمن) فيه الحيلولة دون إعلان عشائر اللواء للثورة. وهو لقاء انتهى بفشل لجمن، وتعمق علاقة العداء بينه وبين الشيخ ضاري الذي خيب مسعاه. يقول الشيخ حارث الضاري -رحمه الله- عن هذا المؤتمر: "وكان مما قام به -يقصد لجمن- من هذا القبيل هو عقد مؤتمر لرؤساء قبائل منطقة غرب بغداد في (الرمادي) حضره كبار رؤساء القبائل في المنطقة، ومنهم (الشيخ ضاري) رئيس قبيلة (زوبع)، التي كانت يومذاك تابعة للواء الدليم (الأنبار)؛ حيث تحدث لهم فيه عن محاسن الاحتلال وما تنوي حكومة بريطانيا عمله من إصلاحات، وما ستقدمه لشيوخ القبائل من امتيازات، ثم تساءل في آخر حديثه، قائلًا ما معناه: العراقيون يطالبوننا بحكم وطني، فلمن يا ترى نعطي الحكم؟ للسنة أم للشيعة؟ وكان (لجمن) يتوقع بسؤاله هذا أن أحد الحاضرين سيؤيد كلامه ويشكره على ما وعد به من امتيازات فيقطع الطريق بكلامه على الآخرين؛ غير أن المتحدث بعده مباشرة كان هو الشيخ ضاري أصغر الحاضرين سنًا، الذي كان واعيًا بالأمور ومجرياتها ومراد (لجمن)؛ فبادر للحديث بعد الاستئذان من الحاضرين بما يطيب به نفوسهم، فقال له: العراقيون يطالبون بالحكم الوطني، فاعطوهم الحكم وهم يعرفون لمن يسلمونه؛ فكان هذا الكلام مخيبًا لظن (لجمن) ومفسدًا لكيده؛ حيث غضب وقام تاركًا الاجتماع وانفض الاجتماع بقيامه، فقد كان غضوبًا حاد المزاج"([38]). ويقول السيد (سلمان هادي آل طعمة) في كتابه (كربلاء في ثورة العشرين) عن تفاصيل هذه اللقاء: "ولإثبات وحدة المسلمين وتكاتفهم وتآزرهم حدثت ندوة المحاورة الرائعة التي دارت بين الشيخ ضاري والقائد الإنكليزي لمنطقة الفلوجة المدعو (لجمن) الذي أراد أن يشق وحدة الصف العراقي والإسلامي بإثارة النزعة الطائفية"([39]). وذلك بعد أن طلب منهم "معرفة رأيهم بالثورة القائمة في الفرات وبغداد ويطالب بها الشيعة في إقامة حكومة مستقلة، فرد عليه الشيخ ضاري ليس في الإسلام سنة وشيعة، بل هو دين واحد وعرف واحد وكلمة واحدة فقال (لجمن) إن الحكومة البريطانية حائرة في أمركم ولا تدري هل تشكل حكومة شيعية أو سنية؟ فرد عليه الشيخ ضاري: إن العراق ليس فيه سنة أو شيعة، بل علماء أعلام نرجع إليهم بأمور ديننا، فقال الضابط الإنكليزي (لجمن) أنتم عشائر الأجدر بكم أن تكونوا مستقلين، فرد عليه الشيخ ضاري: إن علماءنا حكومتنا وقد أمرنا القرآن بإطاعة الله والرسول وأولي الأمر منا، فإذا اعتديتم عليهم سننتصر لهم ونحاربکم بجانبهم، والأولى أن تلبوا ما أرادوا"([40]). ثانيًا: مبعوث الثورة في الفرات الأوسط يزور الفلوجة ومن الحوادث المهمة في ثورة الفلوجة وما حولها؛ هو وصول مبعوث الثورة في الفرات الأوسط (جدوع أبو زيد) في أواخر شهر تموز إلى مناطق المحمودية و(أبو غريب) والفلوجة، وجولته على عدد من قبائل لواء الدليم؛ لاستنهاض هممها، ولقائه برؤساء الجنابيين في منطقة الشامية، وحديثه معهم عن ضرورة المشاركة في الثورة. وقد أجابه الشيخ الحاج عاصي رئيس الجنابيين "المعروف بحماسه الوطني وسبق له الاتصال بعض رجال الثورة في الفرات: "بأننا مع الثورة والثوار لهم ما لنا وعليهم ما علينا والآن أنا وعشيرتي تعمل بكل إخلاص وتضحية"([41])، ثم اصطحب السيد جدوع في جولته على عشائر اللواء. وهكذا "استمروا يتجولون في مختلف أرجاء اللواء ويتصلون برجاله البارزين لإيصال روح (الحِمام)([42]) العربي والإسلامي إلى نفوسهم، إلى أن وصلا إلى عشيرة زوبع فاتصلا بزعيمها الشيخ ضاري المحمود وهناك أفهمه السيد جدوع قدسية الثورة غير أنه رآه متحمسا لها بواسطة اتصاله بمجلس الثورة عن طريق الرسائل والكتب التي تسلمها من بعض زعماء الفرات وفي مقدمتهم الحاج عبد الواحد سكر"([43])، فضلًا عن المراسلات مع قيادة الثورة في بغداد ولاسيما مع الشيخ يوسف السويدي والسيد محمد الصدر-رحمهما الله-([44]). وقد قال الشيخ ضاري يومها قولته المعروفة مجيبًا على مبعوث ثوار الفرات الأوسط: "إني عربي ووطني وعراقي، وها إني أعاهد الله، وأنت عليّ من الشاهدين؛ أن أبذل كل ما لدي من نفس ونفیس في سبیل مصلحة بلادي ضد الطامعين، ولينعم العلماء وإخواني الزعماء عينًا، وها إني باسم الله سأعمل وستسمعون أعمالي وترونها، تلك الأعمال التي سوف يرضاها الله وترضونها أنتم إن شاء الله"([45]). وبعد ذلك اصطحب الشيخ ضاري السيد (جدوع أبو زيد) إلى مدينة الفلوجة، التي لقي فيها استجابة كبيرة من أهلها، الذين تعاونوا معه وأيدوا ما جاء به، وجال معه على عشائرها([46]). ثالثًا: مقتل الحاكم السياسي للواء الدليم (لجمن) كانت حادثة مقتل الحاكم السياسي للواء (الدليم) المقدم([47]) (لجمن) ضربة شديدة التأثير على القوات البريطانية في العراق؛ لما يمثله هذا الضابط من ثقل سياسي وسطوة عسكرية وعنف وشدة في التعامل مع العراقيين، فضلًا عن مشاركته في كثير من مواقع الإدارة ووقائع المعارك في العراق شمالًا وجنوبًا ووسطًا. وقد ظهر هذا التأثير في مواقف وكلمات قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين في وقتها، وأيدتها مواقف الوطنيين العراقيين، الذين عدوا هذه الحادثة مهمة ومؤثرة جدًا، ورصد عدد منهم آثارها السلبية على الاحتلال وآثارها الإيجابية على الثورة وتوسعها -كما سيظهر لنا بعد قليل-. ولعل أبلغ ما قيل من طرف الاحتلال هو ما قاله الفريق (هولدين) القائد العام لقوات الاحتلال البريطاني في العراق، الذي أبدى ألمه لمقتل لجمن قائلًا: "إن فقدان رجل كهذا، وفي مثل هذا الوقت بعينه، ضربة نزلت بكل واحد منا، فلقد كان الرجل على جانب كبير من الشجاعة والنشاط، وكان يعرف البلاد وأهلها حق المعرفة. لقد أسهم في جميع المعارك الرئيسة التي دارت رحاها في العراق: من واقعة الشعيبة (1915م) حتی تسليم الموصل من قبل الأتراك (۱۹۱۸م). ولقد استطاع أن ينجو من حصار الكوت الخانق، إذ غادرها مع الخيالة قبل ساعات قليلة من تطويقها. وأدت ثورة عشيرة زوبع إلى انقطاع السبل بين بغداد وبين قطعاتنا في (الفلوجة) و(الرمادي)"([48]). ويؤكد الشيخ محمد مهدي البصير خطورة هذه الحادثة وتأثيرها على إدارة الاحتلال، قائلًا: "نزل خبر قتله على مسامع رجال الحكومة نزول الصاعقة؛ لأنه كان من أكابر الضباط البريطانيين العارفين بأحوال القطر وتقاليده معرفة واسعة"([49]). ويبرز الشيخ محمد الخالصي (1891-1963م) -رحمه الله- في مذكراته أثر قتل لجمن في زيادة نشاط الثوار لا في (لواء الدليم) فقط وإنما في كل المناطق الثائرة، قائلًا: "واشتهر في الحرب ضد الإنكليز في ثورة العشرين بالبسالة عدد كبير من رؤساء القبائل منهم:... الشيخ ضاري رئيس قبيلة زوبع، حيث إن الكولونيل (لجمن) قُتل في أراضيه بسبب ما أجراه من الشدة هناك... وكان لهذا الحادث في العراق أثر عظيم، ولا سيما بين القبائل حيث إنه كان يلبس لباسهم ويتخلق بأخلاقهم ويأكل مأكلهم... فلما قُتل ازداد المجاهدون من المسلمين نشاطًا"([50]). وهو صدى كان له تأثيره في المناطق التي عانت من ويلات لجمن قبل ثورة العشرين كالنجف وكردستان وغيرهما. يقول الدكتور كمال مظهر أحمد: "توترت الأوضاع أيام الثورة في بعض مناطق بادینان كذلك، فقد أشار البلاغ العسكري الصادر يوم (18 أيلول 1920م) إلى أن الأحوال غير مستقرة في عقرة، ومن الجدير بالذكر أن مقتل الكولونيل لجمن على أيدي ثوار الزوبع قد وجد له صداه بين سكان هذه المنطقة الذين عانوا في حينه الكثير منه، ومن حملاته الانتقامية وخططه العنصرية التي استهدفت تجريدهم من أرض الأجداد، حتى أنه نقل من الموصل إلى الدليم على أساس أنه كان يجيد التعامل مع العرب أكثر من الأكراد الذين دشن وجوده بينهم منذ الأيام الأولى التي أتبعت انتهاء الحرب بفضاضة تشمئز منها النفس"([51]). ويوجز رجل الاستخبارات البريطاني (جون فيلبي) المعروف بعبد الله فيلبي -في مذكراته عن عمله في العراق- أبرز ثلاثة أحداث في ثورة العشرين، ويجعل أحدها مقتل (لجمن) في خان النقطة بخان ضاري([52]). محاولة قتل لجمن قبل ثورة العشرين بعد احتلال الموصل، عين (لجمن) حاكمًا سياسيًا لها، وبقي في منصبه حتى نقل إلى (الكويت) في تشرين الأول (1919م)، ثم إلى المنطقة الغربية في مطلع آذار (1920م)؛ ليكون حاكما سياسيًا في (لواء الدليم)([53])، وهكذا ابتدأ فصل جديد من فصول إدارة لجمن العنجهية في العراق، وبدأت آثاره تظهر في تعاملاته مع سكان اللواء وعشائره؛ وهو ما أدى إلى حصول فجوة كبيرة بينه وبين كثير من شيوخ العشائر بسبب سياسته وطريقة تعامله الفظة والمتشنجة مع أهالي الواء، وهي الطريقة عينها التي كان يتبعها في الأماكن السابقة التي عمل فيها، ومنها: النجف والموصل([54]). وعندما أخذت مظاهر ثورة العشرين بالبروز، وتكثفت الاتصالات بين الثوار في لواء الدليم وقادة الثورة في بغداد، ولاسيما بين الشيخ ضاري والشيخين يوسف السويدي ومحمد الصدر؛ برزت فكرة اغتيال (لجمن) عند الشيخ ضاري، الذي كلف ابنه خميس بها، كما ينقل عبد الجبار العمر عن الشيخ خميس، قائلا: "قبل قتل لجمن بشهر أو شهرين لا أذكر بالضبط. استدعاني والدي وقال لي: لقد سمعت بأن لجمن سوف يحضر غدًا إلى ديرة الشعار (فخذ من زوبع) ليحل بعض الاختلافات الحاصلة على الأراضي هناك وعليك أن تستصحب معك خالك شلال الحريث ودفار الريحان أحد الأتباع فما أن تقع أعينكم عليه حتى تبادروه برصاصكم ويجب أن يصلني خبر قتله قبل وصولكم. لم أناقش والدي عن السبب الذي دعاه إلى اتخاذ هذا القرار، ولم أبحث معه عن خطة التنفيذ وكل ما فعلته إنني استصحبت خالي ودفار الريحان إلى أراضي الشعار مبكرين بعد أن تسلحنا تسلحًا جيدًا وبقينا ننتظر قدومه إلى مغيب الشمس دون أن يحضر ولا أعرف السبب الذي حال دون حضوره..."([55]). ويشير (العمر) إلى الحادثتين التي نجا فيهما لجمن من الموت، نقلًا عن الغلامي في كتابه (ثورتنا في شمال العراق)([56])، ويزيد بذكر حادثة ثالثة في المنطقة الغربية نقلًا عن رسالة بعثها (لجمن) لأهله في (20 تموز1920م)؛ يقول فيها: "لقد نجوت بأعجوبة.. لقد ذهبت إلى إحدى المدن في منطقتي تتوغل مسافة ستين ميلا في الصحراء هي مدينة (الرحالية) وهناك قوبلت بشكوى وجهها حاكم عربي في مدينة أخرى هي (شثاثة) التي تقع خارج المنطقة التي أشرف عليها.. ذهبت إلى هناك بسيارتي حتى بلغت باب الحصن فوجدت الأعداء يحتلونه، ولقد دهشوا مثلما دهشت أنا الأمر الذي وفر بعض الوقت للاستدارة.. لكنهم لم يفسحوا لي طريق العودة بما أطلقوه من نيران فاضطررت أن أسلك زقاقًا ضيقًا، وهنا جوبهت بحمار سد عليّ الطريق فلم أجد بدًا من أن أصدمه بسيارتي فأطرحه أرضًا وأسحق رأسه وأواصل السير"([57]). رابعًا: توسع ثورة الفلوجة بعد مقتل لجمن توسعت رقعة الثورة في الفلوجة وما حولها إثر مقتل لجمن، وقام ثوار قبيلة زوبع في (14 آب ۱۹۲۰م)، بغلق طريق بغداد-الفلوجة، ومهاجمة خط سكة الحديد المحاذية للطريق المذكور؛ فأدى ذلك إلى قطع خط الرجعة على قطار بريطاني كان على الخط. واستمر التعرض لهذا الخط؛ لغرض منع البريطانيين من إصلاحه؛ حيث تصدت القبائل القاطنة في المنطقة للمفارز البريطانية التي كانت تخرج تباعًا من بغداد لإصلاحه، وضمت فرسانًا من (زوبع) ومن (الجنابيين) بقيادة الشيخ (خضير الحاج عاصي). وقام رجال عشيرة (الجدادة) من زوبع بقيادة الشيخ (ذرب سليمان العلي) بقطع أسلاك البرق بين بغداد والفلوجة([58]). ويتحدث البلاغ البريطاني الصادر في (19/8/1920م) عن معاناة الاحتلال من انقطاع السكة وتعذر التواصل بين القيادة البريطانية في بغداد وقواتها في الفلوجة، قائلًا: "وما زالت السكة الحديدية إلى الفلوجة مقطوعة من قبل الزوبع"([59]). أما (مس بيل) فتتحدث عن مقتل لجمن وما تبعه من أحداث -وهي تكاد تتميز من الغيض- فتقول: "استفحلت الفوضى وضربت أطنابها في البلاد فلم يكن الأمن مستتبًا في خارج حدود بغداد؛ لأن القبائل خرجت تطلب السلب والنهب وتهاجم التجار الوطنيين والضباط البريطانيين من دون تفريق بينهم، ووقع الكولونيل لجمن فريسة الحقد الذي كان يحز في نفس أبرز شيوخ العشائر النازلة على طريق الفلوجة الذي كان لجمن يزوره في مخيمه؛ حيث كمن له ابن الشيخ فقتله حالما خرج من الخيمة"([60]). ويشكو القائد العام لقوات الاحتلال الفريق (هولدين) من منطقة الفلوجة وما حولها، ويعدها إحدى المناطق المتسببة بالفواجع لقواته، قائلًا "إن هذه المنطقة مسؤولة بالإضافة إلى قتل الحاكم السياسي، عن إحدى الفاجعات العديدات التي حدثت بين العاشر والخامس عشر من آب. لقد تتابعت أنباء هذه الفاجعات، وسنعرض إلى وصف بعضها في إبانه، وكانت حوادثها تتوالى ولا تتولى، فاليوم مغبّر وغد مكفهّر"([61]). وينبه الدكتور عبد الرحمن البزاز على تأثير مقتل لجمن وكيف أنه مد بساط الثورة بين الفلوجة وعَنَه، قائلًا: "ثم حدثت حوادث مهمة في قضاء الفلوجة عندما قتل الشيخ ضاري وذووه من قبيلة زوبع (الكولونيل لجمن)، واندلعت نار الثورة بين الفلوجة وعنه، واضطرت القوات البريطانية إلى الانسحاب من هيت والرمادي، وبقيت الفلوجة منقطعة عن بغداد حتى أواخر أيلول"([62]). ثم بدأ الشيخ ضاري جولاته على قبائل وعشائر المنطقة لتشجيعها على الثورة؛ وتحسبًا -كما يرى عبد الرحمن منيف- من تعرضها للانتقام البريطاني؛ "الأمر الذي دفع الجميع للتحسب والاستعداد وإلى المبادرة إلى إشغال الإنكليز ومن ثم إلى إرهاقهم، فتم الاتصال بالقبائل الأخرى والتنسيق معها، وإحياء الأحلاف القائمة بينها"([63]). وقد توجه أولًا إلى الفلوجة، والتقى فيها "بعض وجوهها في دار الوجيه الفلوجي السيد (عيسى الملا سليمان) وأخبرهم بما جرى ومقتل لجمن، وبعد ذلك اتجه إلى مضارب قبيلة (المحامدة) في الصقلاوية وأنبأهم كذلك بخبر قتله الكولونيل لجمن؛ مما أدخل الحماس الثوري لدى الشيخ (حبيب الشلال) شيخ عموم المحامدة للمدة من (1915 إلى وفاته 1926م)، والذي شجع أتباعه على الثورة، فقطعوا طريق الفلوجة-الرمادي، وتعرضوا للحامية البريطانية في الفلوجة"([64]). وبذلك فقد "أصبحت بغداد شبه محاصرة بعد أن وصل الثوار قرب المسيب وعطلوا سكة الحديد بين بغداد والحلة وهاجموا المحمودية، مما اضطر قائد بغداد العسكري إلى القيام بإنشاء الحصون والمعاقل استعدادا للدفاع عنها"([65]). ويرصد الشيخ (فريق مزهر الفرعون) -رحمه الله- جهود الشيخ (ضاري المحمود) وقبيلته في حصار القوات البريطانية في بغداد وقطع صلتها بغرب العراق، قائلًا عن الشيخ ضاري أنه: "أخذ يرسل كل يوم خمسين فارسًا يتجولون ما بين خان النقطة وبغداد لضبط الأمن... وبقي عشرة أيام وفي اليوم الأخير بينما هم على وضعهم الاعتيادي؛ إذ خرجت قوة من الإنكليز من بغداد مع معداتها الحربية، وأخذت تعمل لتحصين الطريق بين بغداد والفلوجة على الطريقة التالية: تذهب السيارات المصفحة وفيها الرشاشات، وتحلق الطيارات، وتذهب السيارات المسلحة وفيها الجنود والرشاشات، وتحفر حفرة في الأرض عمقها مترًا واحدًا وتدير على جوانبها المتارس وهي أكياس مملوءة من الرمل، وتصنع لها سورًا من الأسلاك الشائكة. ويبقي فيها خمسة عشر جنديًا، تجهزهم بصندوق من الماء مع رشاشات ومفرقعات والعتاد وتتقدم على هذه الطريقة -كما فعلت السلطة البريطانية بين بغداد والحلة-"([66]). ويذكر الشيخ (الفرعون) أيضًا بعض تفاصيل معارك تلك الأيام، فيقول: "تصدت قوة من الثوار (زوبع) لهؤلاء الذين يعملون لحماية طريق بغداد-الفلوجة وأصلتهم نارًا حامية، فحلقت فوقهم الطائرات وصارت تصليهم بالنار الحامية من رشاشاتها، وترمي عليهم القنابل، ولكنهم قابلوها بمثل ذلك من نيران بنادقهم، حتى تمكنوا من إسقاط طائرة حربية من قاذفات القنابل وأسروا الضابطين اللذين كانا فيها" وفي " (يوم ۲۳ أیلول 1920م)، وصل الجيش البريطاني على الشكل الذي وصفناه إلى قرب خان النقطة فاصطدم هناك مع الثوار (عشيرة زوبع) في معركة حامية دامية اشتركت فيها الطائرات والدبابات والمسلحات والقوة الآلية فكانت معركة عظيمة غير أنها غير متكافئة"([67]). ويقول الشيخ خميس الضاري -رحمه الله- في مذكراته التي أملاها على الأستاذ عبد الجبار العمر -رحمه الله-: "إن أسوا ما أصابنا من الطائرات الإنكليزية أنها كانت تتجاوز المقاتلين إلى القرى التي خلفوا فيها نساءهم وأولادهم فتقصفها قصفًا شديدًا وكان هذا الأسلوب في القتال يفت في عضدهم ويصرف أذهانهم إلى بيوتهم التي كانوا يرون النيران تشتعل فيها من بعيد"([68]). ويستذكر السيد (رؤوف البحراني)([69]) انتشار خبر مقتل (لجمن) في بغداد، ويسجل وقعه الكبير على سلطات الاحتلال البريطاني؛ قائلًا في مذكراته: "مر بي بعد الظهر من يوم السبت (14 آب ۱۹۲۰م) الموافق ليوم (۲۸ ذي القعدة۱۳۳۸ه) الأخ السيد جعفر حمندي، ومعه العدد الثاني من جريدة (الفرات) النجفية لسان حال الثورة في الفرات الأوسط، ثم أخبرني أن الشيخ ضاري من شيوخ قبيلة «زوبع» قد قتل أول أمس الخميس في خان النقطة الكولونيل (لجمن) الحاكم السياسي والعسكري للواء الدليم وبادية الشام، وقضى عليه في الحال، كما قتل من معه وأعلن الثورة ضد السلطة، وانضمام الدليم إلى ثوار الفرات. وأن السلطة في دوامة عنيفة من هذا الحادث وأهمية المقتول. وقد سررت مع نفسي لا تساع رقعة الثورة..."([70]). ويعود (البحراني) مرة ثانية للموضوع بعد صفحات فيقول: "كانت فجيعة الدوائر البريطانية في العراق ولندن بمصرع الكولونيل لجمن فادحة، مما حملهم على مضاعفة جهودهم القمعية، إضافة إلى ارتيابهم التام وخاصة الحكام السياسيين في المدن والنواحي من شيوخ القبائل بالذات، فقد غدوا يخشون على أنفسهم من کید هؤلاء وأمسوا في أشد الحذر منهم. ولجمن كان من أهم الضباط، والذي أشرف بنفسه على إعدام القائمين بثورة النجف، وكان يشعر باعتزاز قيامه بتنفيذ عملية الإعدام لمن يصدر الحكم عليه؛ ولذلك فسر البعض أنه نال جزاءه". ثم يبدي (البحراني) بعد ذلك ملاحظة قيمة؛ حينما يوثق تخوفات البريطانيين من تداعيات هذه الحادثة، قائلًا: "ولکن ویلسون وكيل الحاكم العام، وبولارد الحاكم العسكري لبغداد، والجنرال ساندرز آمر اللواء المسؤول عن حماية بغداد، ضاعفوا من أساليبهم للحيلولة من تسرب الثورة إلى بغداد..."([71]). والمقصود هنا هو تسرب الثورة إلى داخل مدينة بغداد ووسطها، وإلا فالثورة في أطرافها وما حولها كانت قائمة. وما يعزز هذه المخاوف هو وجود نيات فعلية لثوار العشرين لنقل الثورة إلى بغداد بكل طريقة ممكنة، باعتبارها عاصمة الثورة والمحرك الرئيس لها. رابعًا: معركة السفن في الفرات عملت القيادة العامة لقوات الاحتلال في بغداد لمواجهة الثوار في المنطقة الغربية على إرسال عددٍ من السفن الحربية سالكة مجرى نهر الفرات من الرمادي إلى الفلوجة في (الخامس عشر من آب ۱۹۲۰م)؛ لتموين حاميتهم في الفلوجة بالأرزاق والعتاد والمساعدة في تأمين الحماية لقواتهم هناك؛ ولكن هذه السفن الحربية تعرضت إلى هجمات الثوار من العشائر على طرفي نهر الفرات قبيل وصولها إلى الفلوجة؛ مما أدى إلى مقتل عدد من رجالها، وإحراق بعضها وجنوح بعضها الآخر على الساحل، فاستولى الثوار على ما فيها من ذخائر وتموينات([72]). وحاولت القوات البريطانية المحتلة الانتقام من المهاجمين، بتسيير قوة أخرى بقيادة المقدم (نورمن)؛ لإنقاذ حاميتها في الفلوجة([73])؛ إلا أنها لم تحقق نجاحًا ذا أهمية بسبب الأدغال والأحراش على ضفتي نهر الفرات التي حالت دون تحقيق أهدافها. ولنترك الفريق (هولدين) يقص لنا تفاصيل هذه المعركة المهمة؛ حيث يقول: "بصدد ما حدث في المنطقة التي قتل فيها العقيد لجمن أقول: كان العقيد (الوقتي) ویلِمز، المنتسب إلى وحدة الخيالة الخامسة، يقود رتل اللواء المشاة (51) بصورة مؤقتة، ولم يكن في الوقت نفسه راضيًا عن مقدار العلف المخصص لقطعاته؛ لذا قرر إرسال بعض البواخر من الرمادي إلى الفلوجة لإغناء مخازنه منه. وتحقيقا لذلك سارت ثلاث بواخر، وبضمنها باخرة المستشفى، من الرمادي إلى الفلوجة في الساعة السادسة من اليوم الخامس عشر فأطلقت النيران عليها على بعد خمسة أميال من المدينة الأولى، ثم اشتد إطلاق النار عليها بعد قطع خمسة أميال أخرى باتجاه الفلوجة حيث تتكاثف الأدغال على ضفتي النهر فتصبح سترًا للرماة كثيفًا". ويزيد قائلًا: "وما إن أطلقت النيران للمرة الثانية في حوالي الساعة السابعة صباحًا حتى استوت سفينتان على اليبس، وبالنظر لإصابة رباني السفينتين الأخريين بطلقات نارية فلقد جرفهما التيار واستقرتا على الطين لا تستطيعان حراكًا أو فكاكًا. واستمر إطلاق النار من السفينة الدفاعية حتى نفذ منها العتاد عند الظهر، فاحتلتها والسفن الأخرى، قوة من العرب يتراوح عدد أفرادها بین (300 و400)". ويرى (عبد الرحمن منيف) أن معركة السفن في الفرات شمال الفلوجة؛ هي من أكثر الحوادث تأثيرًا على القوات البريطانية المحتلة، بالقول: "ولعل أبلغ الخسائر وأكثرها تأثيرًا؛ سيطرة الثوار على النهر وشل الحركة فيه، مما أعاق حركة الإنكليز وجعلهم يحشدون قوات كبيرة لمعاقبة القرى وسكان ضفاف النهر. وبعد جهد وتضحيات كبيرة قدر لبريطانيا أن تحرر سفنها المأسورة وأن تنقذ أعدادا من الجنود والبحارة الذين كانوا على متونها، وبدا واضحا أن الكفة أخذت تميل لصالحها"([74]). فيما يذهب أحد الباحثين المعنيين بتاريخ الفلوجة إلى أن هذه المعركة وما جرى فيها؛ قد وفرا "ظرفًا مناسبًا أراد أن يستفيد منه الشيخ ضاري، بتوجهه مع جموع غفيرة من عشيرته وعشيرة (بني تميم) إلى جهات الفلوجة، وبالتحديد في منطقة صدر مشروع (أبو غريب) في (النعيمية)؛ حيث التقى هناك في دار الشيخ (مشوح بن علي العودة الجاسم) أحد رؤساء عشيرة (الجميلة) مع شيخ عشيرة الجميلة، ورؤساء عشيرة (البو عیسی) بالإضافة إلى رؤساء عشائر (زوبع) و(بني تميم) ووجوهها. وقد خطب الشيخ ضاري في الحاضرين محرضًا إياهم على الثورة. ومن نتائج هذا اللقاء قيام الشيخ ضاري ومن معه من العشائر في (السادس عشر من آب ۱۹۲۰م)، بمهاجمة الحامية البريطانية في الفلوجة وتكبيدها خسائر كبيرة؛ مما أدى بهم إلى الاستعانة بقوتهم الجوية لإنقاذ الحامية من المهاجمين ومهاجمة القبائل المشاركة في الهجوم"([75]). خامسًا: قطع سكة حديد بغداد الفلوجة في (أيلول ۱۹۲۰م) اعترف البريطانيون بمهاجمة الشيخ ضاري وعشيرته سكة الحديد الممتدة بين بغداد والفلوجة، واضطرت القوات البريطانية أثر هذا الهجوم إلى تحصين الطريق بين بغداد والفلوجة. ونتيجة مهاجمة الثوار لهذه التحصينات ومشاغلة القائمين بها وإيقاع الخسائر بهم؛ قام الفريق هولدین في (3/أيلول) بتخصيص قوة خاصة بإمرة العميد ساندرز؛ للتصدي لمقاومة قبيلة زوبع وإعادة فتح خط المواصلات بين بغداد والفلوجة([76]). واشتركت مع هذه القوة طائرات ودبابات وآليات مسلحة، وخاضت معركة شرسة مع ثوار زوبع ومن معهم في عدة مواقع، ولاسيما في منطقة (أبو منيصير) وسط قضاء (أبو غريب)، التي شهدت المعركة الرئيسة بين الطرفين، ومن ثم بعد تقدم هذه القوة غربًا؛ قصفت مضارب قبيلة الشيخ ضاري ومضيفه في منطقة (العبّادي) غرب (أبو غريب)، قريبًا من منطقة (الكرمة)، وأحرقت المزارع، ثم داهمت ما تبقى من البيوت وسلبت ما فيها. وقد تكبدت هذه القوة خسائر كبيرة قبل أن تستطيع تحقيق مهمتها. محاولة محاصرة بغداد وتحريرها يقول الشيخ محمد مهدي البصير: "وشرع الثوار يهاجمون المحمودية ونادى بعض عشائر اليوسفية بالثورة، بينما قبيلة الزوبع قامت بالأعمال الآنف ذكرها فلهذه الأسباب كلها أصدر القائد هولدين أمره إلى أمير اللواء ساندرسن بإنشاء الحصون حول بغداد لوقايتها من الخطر، ثم عهد إليه أيضًا بإعادة خط المواصلات بين بغداد والفلوجة ووضع تحت تصرفه قوة مختلطة كافية معها فرقة من العمال لإنجاز ذلك العمل وشرعت هذه القوة بتنفيذ خططها بتاريخ (18 ذي الحجة الموافق 3 أيلول) إلا أنها كانت تتحرك ببطء. وقد أرسلت إلى مساعدتها بتاريخ (5 محرم الموافق ۲۰ أيلول) سریتان مجهزتان بالوسائط الكافية فتسنى لها أن تتحرك إلى خان النقطة وفي اليوم التالي أطلقت نيران المدافع على قلعة الشيخ ضاري فنسفتها نسفا وقطع الماء عن مزارعه"([77]). ومما يؤكد وجود هذا التنسيق هو البرقيات المتبادلة بين قادة الثورة في بغداد والمناطق المحيطة ببغداد (حزام بغداد)؛ للتنسيق في بعض الأعمال العسكرية ولاسيما قطع خطوط سكة الحديد؛ ومنها مراسلات جرت بين قادة جمعية حرس الاستقلال في بغداد وقبيلتي (زوبع) و(تميم) قبل مقتل (لجمن) بمدة؛ لغرض قطع سكة الحديد بين بغداد والفلوجة([78])، ورسائل بين الجمعية وثوار ديالى([79]). ومن ذلك أيضًا مرور الشيخ (يوسف السويدي) بـ(أبو غريب) واطلاعه على استعدادات قبيلة زوبع للثورة، وتفقده حالة الثوار فيها([80])، وذهابه للخالص ولسامراء، فضلا عن الراشدية التي لجأ اليها بعد مداهمة منزله ببغداد لاعتقاله([81]). وينقل (كاظم المظفر) -رحمه الله- عن الشيخ (محمد جواد الجزائري)([82]) -رحمه الله- أن الشيخ (ضاري المحمود) كان حاضرًا في حصار ثوار العشرين لمدينة (الحلة)، وأنه عرض على الثوار خطة لتحرير بغداد بقوة خاصة من العشائر، وينقل عنه قوله: "وقلت أيام النهضة العراقية(1338-1339هـ/1920م) ودفاع الشعب العراقي عن استقلاله مستنهضًا قبيلة كعب وما قاربها من القبائل القاطنة شرق العراق؛ لمساعدة العراقيين في حرب الإنكليز المستعمرين، وذلك حينما حلت معسكر المجاهدين على شاطئ نهر الحلة لتحقيق الفكرة التي حضر لها ضاري زعيم قبيلة زوبع، وتطبيقها على قبيلته وجماعة من قبائل الفرات الأوسط من تعبئة خمسة آلاف فارس والهجوم بهم على بغداد. وكانت الحلة إذ ذاك تضم جيشًا إنكليزيًا، وقد حاصرها المجاهدون من كل جهاتها سوى جهة خطها الحديد"([83]). وفضلًا عن الجهود الحربية المتقدمة؛ فقد شارك الشيخ ضاري وعدد من شيوخ عشائر الفلوجة في النشاط الوطني غير المسلح في الثورة، ومن ذلك مشاركتهم في التوقيع على المضبطة المهمة التي أرسلها قادة الثورة وأرسلوا منها نسخًا متعددة إلى: الملك حسين ملك الحجاز وحكومات أمریکا وفرنسا وروسيا وتركيا وألمانيا وإيران وهولندا؛ لاطلاعهم على مجريات الأحداث في العراق والأفعال المشينة لقوات الاحتلال. ومن الموقعين على هذه المضبطة من شيوخ منطقة الفلوجة: رئيس زوبع الشيخ ضاري الظاهر، ورئيس (الجنابيين) عن صوب الشامية الشيخ خضير الحاج عاصي، ورئيس (المصالحة) من بني تميم الشيخ علي المعيدي، ورئيس (الكروشيين) من زوبع الشيخ فزع الشنيتر -رحمهم الله جميعًا-([84]). سادسًا: نهاية ثورة الفلوجة ينقل عبد الرزاق الحسني أخبار ثورة عشائر الفلوجة، وتدبيرات قيادة قوات الاحتلال في بغداد للتصدي لها، قائلًا: "لقد وقعت هذه الأنباء وقوع الصاعقة على الحكومة المحتلة في بغداد، فبعث الكولونيل ولیم (williams) قوة كبيرة من الرمادي، لإعادة النظام حول الفلوجة، وفي يوم (۳ أيلول) أصدر الجنرال هولدين أوامره العسكرية بوجوب إعادة خطوط المواصلات بين بغداد و(خان النقطة) و(الفلوجة)، وخصص قوة ومختلطة، لهذا الغرض، فسارت هذه القوة إلى الخان المذكور في هذا اليوم، ولقيت في الطريق مقاومة شديدة، وما لبثت أن هدمت قلعة الشيخ ضاري، وقطعت المياه عن مزارعه فماتت عطشا. وفي الوقت نفسه فإن الثوار احتلوا قرية حديثة على نهر الفرات، وأحرقوا (سراي عانه)، إذ يقول البلاغ البريطاني المؤرخ (۲ أيلول)"([85]). وبعد هذه الإجراءات الانتقامية من قوات الاحتلال ونتيجة لطول أمد المعركة؛ أجهز على مقاومة عشائر الفلوجة والشيخ ضاري وقبيلته؛ فاضطر الشيخ ضاري إلى مغادرة منطقة (أبو غريب) إلى منطقة (النعيمية) جنوب شرق الفلوجة، ثم توجه بعد ذلك إلى منطقة (الوند)، بين (کربلاء) و(المسيب)؛ واستقر في (خان العطيشي)؛ حيث اتخذه مرکزًا له ولمن رافقه من ثوار قبيلة زوبع. وتظهر بلاغات قوات الاحتلال وقتها؛ أنها كانت تتابع حركة الشيخ ضاري وتنقلاته بدقة؛ فقد أفاد بلاغ صادر في (14/10/1920م)؛ بمتابعة الشيخ ضاري واستهدافه، وجاء فيه: "ألقت طياراتنا قنابلها في (12) من الشهر الحالي على معسكرات الثوار على ضفة الفرات اليمنى على بعد (9) أميال من المحمودية؛ حيث وافت الأنباء أن الشيخ ضاري مرابط فيها"([86]). ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة (كربلاء)، ونزل -حسب ما يذكر الشيخ خميس الضاري- في دار السيد (حسين الددة) الذي " أكرمه إكرامًا لا مزيد عليه"([87]) و"حضر تنصيب الشيخ (محسن أبو طبيخ) متصرفًا للمدينة([88])، وبقي فيها مدة قصيرة حتى بدت بوادر انتهاء الثورة([89])، وعندها اضطر للرحيل برفقة أولاده وعدد من أقاربه ومقاتليه، واتجه شمالًا ودخل الأراضي السورية "عن طريق البو كمال؛ حيث حل ضيفًا على الشيخ مشرف الدندل. ثم انتقل إلى دير الزور والتقى الشيخ محمد سعيد العرفي وعددًا من الوطنيين..."([90]). وقد أبرق الشيخ (محمد رضا الشبيبي (أثناء رحلة الشيخ ضاري من العراق؛ إلى الثوار اللاجئين في (مكة المكرمة) بعد انتهاء الثورة في الفرات الأوسط؛ يطلعهم على بعض التطورات في العراق، ومنها ما يتعلق بمتابعة القوات البريطانية للشيخ ضاري، قائلًا: "جهز الإنكليز جيشًا خاصًا لأخذ ضاري المحمود... المقيم الآن في جزيرة الموصل. وقد فشل هذا الجيش في مهمته فشلًا تامًا، وتضافرت الأخبار بأن الإنكليز خسروا خسارة كبيرة"([91]). وبقي الشيخ ومن معه في منطقة الجزيرة السورية مدة من الزمن في رحاب العشائر والقبائل العربية هناك، ولاسيما قبيلتا شمر والجبور، ثم قرر أخيرًا الصعود شمالًا إلى الأراضي التركية، بعد تغير الأوضاع في سوريا، وصدور قرارات مؤتمر القاهرة في (آذار 1921م)([92])، التي استثنته وابنه (سليمان) وعدد من أقاربه من قرار العفو العام([93]). واستقر به المقام أخيرًا في منطقة الجزيرة جنوب تركيا، وتحديدًا في قرية (كفرتوت) بمدينة (ماردين)، بعد رحلة ومعاناة طويلة في طريقه من العراق إلى سوريا ومن ثم تركيا([94]). وبعد سنوات من استقرار الشيخ ضاري وأقاربه في ماردين، سافر الشيخ ضاري وحيدًا إلى حلب لغرض العلاج؛ وفي أثناء طريقه إليها تعرف عليه سائق أرمني يدعى (ميكائيل کریم) فاستدرجه إلى داخل الأراضي العراقية، وأوصله إلى مركز شرطة (سنجار) في الموصل في (3/11/1927م)؛ حيث اعتقل ثم أرسل مخفورًا إلى (بغداد)([95]). ثم حول إلى (الفلوجة)؛ لغرض عرضه على قاضي التحقيق، وطيف به في شوارع المدينة، وهو مقيد بالسلاسل، وقد أبكى هذا المنظر أهالي الفلوجة تأسفًا عيه([96]). ثم نقل الشيخ ضاري بعد ذلك إلى الرمادي؛ لغرض إحالته من المحكمة في لواء (الدليم) إلى بغداد؛ حيث مثل أمام الحاكم (عبد المجيد جميل). وقام عددٌ من أهالي الفلوجة بمرافقة الشيخ ضاري، عند نقله إلى الرمادي؛ حيث تجمهروا مع أهالي الرمادي أمام بناية المحكمة أثناء استجواب الشيخ([97]). وقرر حاكم الإحالة بدوره إحالة الدعوى إلى محكمة الجزاء الكبرى ببغداد([98])، التي حكمت على الشيخ ضاري بالإعدام شنقًا حتى الموت في الثلاثين من كانون الثاني (۱۹۲۸م)، إلا أن الحكم خفف باتفاق أكثرية الحكام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة؛ لكبر سن الشيخ ومرضه ولتشرده ثماني سنوات بعيدًا عن أهله([99]). وكان قد توكل للدفاع عن الشيخ أربعون محاميًا، منهم ثلاثة محامين جاؤوا متطوعين من سوريا، وأناب الجميع عنهم المغفور له الشيخ (أمجد الزهاوي) -رحمه الله- لإلقاء مرافعة الدفاع([100])؛ إلا أن صحة الشيخ ازدادت تدهورًا، فتوفى بعد يومين في السجن، في (الأول من شباط عام ۱۹۲۸م)، وجرى له تشييع مهيب في بغداد حيث وارى الثرى جثمانه في مقبرة الشيخ معروف في جانب الكرخ ببغداد. وقد احتجبت الصحف وقتها، ومنها جريدة (الاستقلال)؛ يوم تشييع الشيخ ضاري حدادًا عليه ومشاركة للعراقيين في مصابهم، أما الصحافة العربية فقد غطت الخبر بعد وصوله إليها، ونأخذ مثالًا منها من جريدة (الشرق الأدنى) الصادرة في القاهرة لصاحبها المؤرخ السوري المعروف (أمين سعيد)؛ حيث نشرت خبرًا مطولّا معززًا بصور من تشييع الجنازة؛ قالت فيه: "ريعت بغداد صباح الأربعاء أول شهر شباط بنعي الشيخ ضاري المحمود قاتل الكولونيل لجمن فأخذ الناس يتوافدون زرافات ووحدانا إلى السجن الذي مات فيه الفقيد فيه طالبين تسليم جثته إلى زوجته التي تعهدت بالقيام بواجباته. ولما حملت الجثة الى المستشفى لإجراء الكشف عليها تبعها الناس ثم جاء محامو الفقيد وطالبوا بتسليمها فصدر الأمر أخيرًا بأن تنقل بسيارة خاصة إلى مرقد الشيخ معروف؛ حيث تقرر أن تدفن خوفًا من وقوع ما يكدر الأمن. وبينما رجال الشرطة يضعون الجثة في السيارة لنقلها هجم عليهم الشعب واختطف الجثة ومشى بها في الأزقة بين التهليل والتكبير والهوسات الوطنية والحداء العربي. ثم ظهر النعش محمولًا على الأيدي يتهادى بين تلك الجموع الزاخرة كما تتهادى السفينة في البحر الزاخر. وقد كان الموكب مؤلفًا من أكثر من مئة ألف نسمة وكان كلما سار إلى الأمام انظمت إليه جماعات أخرى... وكانت مناحة عامة على الفقيد تشارك فيها النساء والرجال والشيب والشبان والمتعلمون والأميون. وأدخلت الجثة إلى مسجد الشيخ وبعد غسلها وتكفينها، أُخرج النعش للصلاة عليه صلاة الجنازة فصُليّ عليه مرتين. وبعد الصلاة أحاط طلاب المدارس بالنعش وأصروا على أن يحملوه دون غيرهم إلى مقره الأخير وتم لهم ما أرادوه. وفي الحادية عشرة عربية وسد في ضريحه..."([101]). المطلب الثالث دور عشائر الفلوجة بعد ثورة العشرين لم تنقطع جهود الشيخ ضاري عن مواصلة التصدي للاحتلال البريطاني حتى وهو في المنفى؛ حيث تظهر الوثائق المنشورة لاحقًا تواصله مع عدد من ثوار العشرين وغيرهم الذين كانوا وقتها لاجئين في جنوب تركيا، وتباحثوا في الخطط اللازمة لإعادة جذوة الثورة من جديد، وتواصلوا مع بعض القادة الترك في ذلك. وكانت الفكرة هي محاولة تحرير الموصل ومن ثم العراق. وكان مع الشيخ ضاري في هذا المسعى -كما يروي الشيخ خميس الضاري- الشيخ (عجمي السعدون) شيخ عشائر (المنتفق)، والشيخ (حميدي فرحان الجربا)([102]). وكان معهم عدد من الوطنيين العراقيين، ومنهم الشخصية الوطنية الموصلية المعروفة (سعيد الحاج ثابت)، وضباط من الموصل وسامراء وتكريت وعانة ودير الزور والرقة، ممن شاركوا في ثورة العشرين أو خرجوا من سوريا بعد سيطرة الفرنسيين عليها. ومن هؤلاء: محمد النقيب وعبد الرزاق منير وفائق منير ويوسف العزاوي"([103]). ويذكر أن الشريف أحمد السنوسي (ت 1933م)([104])، الذي كان مقيمًا وقتها في تركيا بعيدًا عن بلده (ليبيا)؛ كان على علاقة بهذا الأمر ودعمه بما يستطيع. وقد أشار شكيب أرسلان([105]) -رحمه الله- إلى نية السنوسي هذه وسعيه الجاد في هذا السبيل قائلا أثناء ترجمته للسنوسي: "لما دخل الحلفاء الآستانة أقام في (بروسة) ثم لما احتلتها اليونان تحول منها إلى (قونية)، ثم ذهب إلى حدود العراق العربي داعيًا إلى الوحدة الإسلامية"([106]). وقد أرسل (السنوسي) رسالة معروفة إلى العراقيين في بداية الثورة، مخاطبًا فيها ثوار العشرين الذين حرروا مدينة (تلعفر) من الاحتلال البريطاني في فاتحة الأعمال العسكرية للثورة مطلع شهر حزيران؛ يدعوهم فيها إلى التعاون من أجل طرد المحتلين جميعًا من أرض الإسلام، ومنوهًا فيها بجهودهم، ومؤكدًا على ضرورة الجهاد لطرد الاحتلال([107]). ومما جاء في هذه الرسالة المؤرخة في (15 رمضان 1339ه) قول السنوسي: "ثقتي بكم أيها المسلمون أن لا تغرنكم مواعيدكم وتخشون وعيدها؛ لأنكم أنجال أولئك الأبطال الذين نشروا الدين ووصلوا بجهادهم لأسوار الصين وأملى وطيد بحضرات العلماء والسادات والوطنيين الكرام أن يرشدوا بمواعظهم المؤثرة الشرذمة التي انخدعت بأكاذيب الكفرة فتعيدون الكرة التي ستكون بحول الله وقوته أشد من الغرة؛ فإن الله عز وجل يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنیان مرصوص وثقوا بالله جل وعلا أنه سيؤیدکم بنصره؛ حيث قال: (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين)؛ فثابروا على جهادكم حتى تتوفقون لفتح طريق يوصلني إليكم ويجعلني لأكون بين صفوف المجاهدين لأني مطمئن من غيرتكم الإسلامية وحميتكم"([108]). وختمت الرسالة بقول السنوسي: "وأعلموا إخواني أن أملي فيكم كبير في هذا المقصد العظيم فلا يمنعكم من عدوكم كثرة العدّة والعدد فإنكم اذا تمسكتم بالتقوى والإيمان توفقتم لمحو كل قوة ومدد، وإذا قمتم بهذه الفريضة فأبشروا بنصر من قريب وإني ساعٍ بكل جهدي لمساعدتكم ومعاونتكم بما أتمكن عليه فالمثابرة المثابرة أيها المسلمون والثبات الثبات أيها المجاهدون النجاح والظفر والفلاح والله لكم ناصر ومعين وهو حسبنا و نعم الوكيل وأسأل الله العظيم وأتوسل إليه برسوله الكريم أن يسمعني عنكم قريبا ما يسرني ويسر المسلمين ويحفظكم من كيد الخائنين وبالختام أرجو إبلاغ السلام لعموم إخواني الغزاة والمجاهدين والمرابطين الكرام وعلى أنفسكم الكريمة تحية من عند الله مباركة طيبة"([109]). وأكدت هذا السعي من ثوار العشرين المصادر البريطانية نفسها التي كانت ترصد هذه التحركات؛ حيث تكشف المراسلات بين سلطات الاحتلال في العراق ووزارة الخارجية لشؤون المستعمرات، عن ورود برقية برقم (152) مرسلة من المندوب السامي في بغداد إلى وزير الخارجية لشؤون المستعمرات في (1 حزيران 1921م)، بورود معلومات عن لقاء بين الشيخ عجمي السعدون والشريف السنوسي وضابط عثماني كبير في ديار بكر([110]). ولم يكتمل هذا المشروع الوطني المهم؛ بسبب انشغال الأتراك وتخليهم عنه. يقول الشيخ خميس الضاري -رحمه الله-: إن الثوار العراقيين في تركيا كانوا على اتصال بوالي ديار بكر (نهاد باشا) واتفقوا معه على القيام بحركات ضد الإنكليز في العراق، إلا أن ضعف القوات التركية واهتمامها بصد الجيوش الأجنبية التي داهمت الأناضول؛ جعلتهم يصرفون النظر عن هذا الموضوع([111]). ملحق الصور صورة تجمع الشيخ المجاهد حــــــردان العبد الحميد العيثة زعيم قبيلة الدليـــــــم، والشيخ ضــــــاري المحمود زعيم قبيلة زوبـــــــع، وفي الوسط الحاكم العسكري (كروفر)، والواقفان خلفهم هم: إلى اليمين الشيخ مشحن الحردان العبد الحميد، وإلى اليسار أحد شيوخ الدليم وفرسانها، وقد التقطت هذه الصورة أثناء المفاوضات مع الحاكم الانكليزي بسبب الحصار والتهجير الذي تعرض له لواء (الدليم) عقب الاحتلال. خارطة معركة (الرمادي) المصدر: كتاب حرب العراق (1914_1918م)، العميد الركن شكري محمود نديم خارطة معركة (البغدادي) المصدر: كتاب حرب العراق (1914_1918م)، العميد الركن شكري محمود نديم مقر القيادة العسكرية في الرمادي (1918م) (خان) في الفلوجة سنة (1914م) إحدى الرسائل المتبادلة بين ثوار العشرين، وفيها أخبار عن القتال في جبهة الفلوجة وغرب بغداد صورة رسالة الشريف أحمد السنوسي إلى ثوار العشرين في العراق المصادر والمراجع ([3]) ينظر: قرة العين في تأريخ الجزيرة والعراق والنهرين، محمد رشيد سعدي، مطبعة الرشيد، بومباي الهند، (1325ه): 29، ودليل المملكة العراقية لسنة (1935-1936م):941_942، وبلدان الخلافة الشرقية، غي لسترنج: 94،93،91. ([4]) ينظر: بلدان الخلافة الشرقية، غي لسترنج: 93_94، تعليقات المحققين: بشير فرنسيس وكوركيس عواد. ([5]) ينظر: تاريخ العراق بين احتلالين، عباس العزاوي: 7/152. ([6]) يبلغ عدد سكان المدينة (القضاء) مع نواحيها التابعة لها -حسب تقديرات عام 2011- قرابة 500 ألف نسمة. ينظر: موسوعة ويكيبيديا، تاريخ الزيارة (30/5/2021م). ([7]) تاريخ العراق بين احتلالين، عباس العزاوي: 8/310. ([8]) ينظر: تاريخ العراق بين احتلالين، العزاوي: 8/310_312. ([9]) حرب العراق (1914_1918م)، العميد الركن شكري محمود نديم: 152. ([10]) حرب العراق (1914_1918م)، العميد الركن شكري محمود نديم: 152. ([11]) حرب العراق، شكري محمود نديم: 153. ([12]) ينظر: الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([13]) مذكرات الحاج شلال الفاضل الموح؛ من أبطال الثورة العراقية (1920م): 85_86. ([14]) فصول من تاريخ العراق القريب، مس بيل، ترجمة: جعفر الخياط، بغداد، (1971م): 112. ([15]) أي غير منقادة وغير متعاونة. ([16]) فصول من تاريخ العراق القريب، مس بيل: 112. ([17]) مصرع الكولونيل لجمن، عبد الجبار العمر: 90. ([18]) الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([19]) الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([20]) هو: ابن المشير إبراهيم باشا والي طرابلس الغرب، ولد في (بروسة) سنة (1873م)، ودخل المدرسة الحربية، وفي سنة (1895م)، وأصبح مرافقًا للسلطان، ثم تولى مناصب إدارية وعسكرية أخرى مختلفة إلى أن اختير واليًا لبغداد وقائدًا للقوات العثمانية في العراق سنة (1915م). ينظر: تاريخ العراق بين احتلالين، عباس العزاوي: 8/329_330. ([21]) الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل (لجمن)، عبد الحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: 49-50. ([22]) ينظر: عبد الجبار عباس الجسام، 30 سنة في الوظيفة: 3. ([23]) هي سدة نهر (السرية) التي أنشأها والي بغداد (محمد رشيد باشا) الذي تولى ولاية بغداد سنة (1852م)، وسميت بالسرية نسبة لحاكم الفلوجة وقتها (سرّي باشا) وكان قبل ذلك اسمها الكنعانية نسبة لنهر الكنعانية الواصل بين الفرات من شمال دجلة وبغداد. ينظر: تاريخ العراق بين احتلالين، عباس العزاوي: 7/125_126. ([24]) ينظر: الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي، https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([25]) زورق خفيف مستعمل في نهر الفرات. ([26]) ينظر: عبد الجبار عباس الجسام، 30 سنة في الوظيفة: 3. ([27]) يجمل الفريق الركن محمد أمين العمري عوامل انتصار البريطانيين في الرمادي، في: تفوقها على قوة الجحفل التركي بنحو خمسة أضعاف في العدد والعُدد، والمباغتة، وسرعة الحركة لوجود قوة آلية سيارة مع سيارات فورد خفيفة للنقل وخيالة ولواء مدرعات، ووجود قوة جوية فائقة في الوقت الذي لا يوجد منها شيئا لدى الجحفل التركي وحرمها من الاستطلاع والحصول على المعلومات. ينظر: حرب تحرير العراق، محمد أمين العمري: 129. ([28]) ينظر: الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([29]) احتلال العراق، مشاهدات مراسل حربي مرافق للجيش البريطاني، إدموند كاندلر: 515. ([30]) احتلال العراق، مشاهدات مراسل حربي مرافق للجيش البريطاني، إدموند كاندلر: 515. ([31]) حرب العراق، محمد أمين العمري: 43_44. ([32]) حرب العراق، العمري: 48. ([33]) حرب العراق، العمري: 48. ([34]) حرب العراق، العمري: 50. ([35]) حرب العراق، العمري: 50_51. ([36]) ينظر: حرب العراق (1914_1918م) ، شكري محمود نديم: 152_165. ([37]) العراق في سجلات الوثائق البريطانية (1914-1966م)، أ. ي. ل. رش، وجين بريشود: 344. ([38]) ثورة العشرين؛ أسبابها ونتائجها، الشيخ حارث الضاري، مقال منشور في حساب (الشيخ ضاري) في الفيسبوك وتويتر: https://www.facebook.com/113882620407711/posts/131340155328624/ ([39]) كربلاء في ثورة العشرين، سلمان هادي آل طعمة: 27. ([40]) كربلاء في ثورة العشرين، آل طعمة: 27. ([41]) ثورة العشرين في ذكراها الخمسين؛ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقية الكبرى، محمد علي كمال الدين: 253_254. ([42]) الحِمام: هو الموت أو الآجل أو الفناء أو المصرع، وهو من ألفاظ الأضداد وتقابله معاني: الحياة والاستمرار والنجاة والدوام، ولعلها هي المرادة هنا، بدلالة سياق الكلام، بمعنى (روح) الجهاد والمقاومة. ([43]) ثورة العشرين في ذكراها الخمسين؛ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقية الكبرى، محمد علي كمال الدين: 254. وينظر أيضًا: الحقائق الناصعة، فريق الفرعون: 313. ([44]) العراق في سجلات الوثائق البريطانية: 357. ([45]) الحقائق الناصعة، فريق الفرعون: 306_307. وينظر: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل (لجمن)، عبد الحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: 53. ([46]) ثورة العشرين في ذكراها الخمسين؛ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقية الكبرى، محمد علي كمال الدين: 254. ([47]) كان (لجمن) برتبة (ليفتانت كولونيل) وهي تقابل رتبة (مقدم)؛ ولكن جرى على لسان بعض الكتاب والباحثين وصفه بالكولونيل، وهي رتبة أخرى تقابل رتبة (عقيد). ([48]) ثورة العراق (1920م)، إلمر هولدين: 272. ([49]) القضية العراقية، محمد مهدي البصير: 1/251. ([50]) في سبيل الله: سيرة ذاتية ومذكرات جهادية، محمد الخالصي: 245-246. ([51]) دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية، د. كمال مظهر أحمد: 138_139. ([52]) أيام فيلبي في العراق، فيلبي: 35. ([53]) أسرار الكفاح الوطني، عبد المنعم الغلامي: ج2/171. ([54]) ينظر: ثورتنا في شمال العراق، عبد المنعم الغلامي: 44، ودور الشعب الكردي في ثورة العشرين، د. كمال مظهر: 138_139. ([55]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 97. ([56]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 98. وينظر: ثورتنا في شمال العراق، الغلامي: 47. ([57]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 99. ([58]) الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([59]) الثورة العراقية الكبرى، عبد الرزاق الحسني: 176. ([60]) العراق في سجلات الوثائق البريطانية (1914-1966م): 453. ([61]) ثورة العراق (1920م)، إلمر هولدين: 273. ([62]) العراق من الاحتلال إلى الاستقلال، عبد الرحمن البزاز: 37. ([63]) العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة، عبد الرحمن منيف: 57. ([64]) الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927 ([65]) تأريخ العراق المعاصر (1914-1968م)، د. جعفر عباس حميدي: 34. ([66]) الحقائق الناصعة، آل فرعون: 313. ([67]) الحقائق الناصعة، آل فرعون: 314. ([68]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 136. ([69]) من وزراء المالية البارزين في العهد الملكي. ([70]) مذكرات رؤوف البحراني، رؤوف البحراني: 81_84. ([71]) مذكرات رؤوف البحراني، البحراني: 88. ([72]) ينظر: الحقائق الناصعة، آل فرعون: 312. ([73]) ثورة العراق (1920م)، هولدين: 275. ([74]) العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة، منيف: 57_58. ([75]) الفلوجة القديمة وثورة العشرين، العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([76]) ثورة العراق (1920م)، هولدين: 276. ([77]) تاريخ القضية العراقية، البصير: 1/253. ([78]) العراق في سجلات الوثائق البريطانية: 357. ([79]) العراق في سجلات الوثائق البريطانية: 356. ([80]) الحقائق الناصعة، آل فرعون: 314. ([81]) لب الألباب، محمد صالح السهروردي: 2/208_209. ([82]) عالم وشاعر من النجف، ولد سنة (1882م) وتوفيّ سنة (1959م). ([83]) ثورة العراق التحررية، كاظم المظفر، المجلد الأول، الجزء الثاني: 71 هامش رقم (1). ([84]) ينظر: الثورة العراقية الكبرى، الحسني: 128_130، ووثائق الثورة العراقية الكبرى، الجبوري: 3/304_307. ([85]) الثورة العراقية الكبرى، الحسني: 176. ([86]) وثائق الثورة العراقية الكبرى، الجبوري: 4/113. ([87]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 138 ([88]) ثورة العشرين؛ أسبابها ونتائجها، الشيخ حارث الضاري، مقال منشور في حساب الشيخ ضاري في الفيسبوك وتويتر: https://www.facebook.com/113882620407711/posts/131340155328624/ ([89]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 138، وكربلاء في ثورة العشرين، آل طعمة: 183. ([90]) الثورة المنسية، زبير سلطان قدوري، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، ط 1، (2000م): 120-121. ([91]) وثائق الثورة العراقية الكبرى، الجبوري: 5/42. ([92]) تنظر مجريات وتفاصيل هذا المؤتمر وقراراته في: العراق في سجلات الوثائق البريطانية: 471_483. ([93]) تنظر تفاصيل هذا القرار في: الثورة العراقية الكبرى، الحسني: 271_272. ([94]) يقول المفكر المصري العروف (محمد لطفي جمعة) عن موضوع استثناء الشيخ ضاري من العفو: "ومما يلاحظ في هذه المسألة أن الإنكليز تعودوا أن يتساهلوا في إسداء العفو الشامل عقيب الثورات في البلاد المحتلة أو المغتصبة، ولكنهم لا يتساهلون في توقيع القصاص على من قتلوا فعلا ضباطا أو موظفين إنكليز مهما كلفهم ذلك من استمرار الخصومة أو الاشتهار بالقسوة. وقد شاهدنا ذلك في حوادث ديروط في مصر سنة (1919م)، وفي العراق بشأن الشيخ ضاري الذي حرض على قتل (لجمن) وفي قضية جميل وحميد الدبوني المتهمين بقتل بارلو وستيوارد في تل عفر وقاسم المويلي... وغيرهم، وكلهم متهمون بقتل ضباط إنكليز وثبتت عليهم التهمة. أما الأفراد الذين كانت لهم علاقة بتهم سياسية أخرى وكانوا معتقلين أو منفيين فإن الإنكليز شملوهم بعفو عام". ينظر: حياة الشرق؛ دُوله وشعوبه وماضيه وحاضره، محمد لطفي جمعة: 294. ([95]) ينظر: مصرع الكولونيل لجمن، عبد الجبار العمر: 82. ([96]) ينظر: الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([97]) ينظر: الفلوجة القديمة وثورة العشرين، فواز مصلح العجراوي: https://de-de.facebook.com/371149730162276/posts/614209862522927/ ([98]) تنظر: بعض تفاصيل هذا التحقيق في: مصرع الكولونيل لجمن، عبد الجبار العمر: 82. ([99]) ينظر: قرار المحكمة وتفاصيله في: وثائق الثورة العراقية الكبرى، الجبوري: 5/442. ([100]) ثورة العشرين؛ أسبابها ونتائجها، حارث الضاري: https://www.facebook.com/113882620407711/posts/131340155328624/ ([101]) مجلة الشرق الأدنى القاهرية، القاهرة، العدد 19، (الأربعاء 23/شعبان 1346هـ - 15/2/1928م). ([102]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 139. ([103]) مصرع الكولونيل لجمن، العمر: 139. ([104]) أحمد بن محمد بن محمد علي السنوسي الخطابي، ولد في واحة الجغبوب، جاهد جهادًا باسلًا ضد الإيطاليين، وتولى أمر طرابلس وبرقة وقاد الجهاد فيهما مدة من الزمن، ثم هاجر إلى الآستانة، وتوفي في المدينة المنورة. ينظر: الأعلام: 135. ([105]) هو الكاتب والمفكر والأديب والوطني المشهور بأمير البيان، ولد في لبنان سنة (1869م) وتوفي في لوزان بسويسرا سنة (1946م). ([106]) ويشير شكيب أرسلان إلى نية السنوسي وسعيه الجاد في هذا السبيل قائلا عنه في أثناء ترجمته للسنوسي: "لما دخل الخلفاء الآستانة أقام في (بروسة) ثم لما احتلتها اليونان تحول منها إلى قونية ثم ذهب إلى حدود العراق العربي داعيًا إلى الوحدة الإسلامية". ينظر: تعليقات شكيب أرسلان على كتاب حاضر العالم الإسلامي: 2/144. ([107]) ينظر: ثورة تلعفر (1920م) والحركات الوطنية الأخرى في منطقة الجزيرة، قحطان التلعفري: 451. ([108]) أهمية ثورة تلعفر في ثورة العراق الكبرى عام (1920م)، محمد يونس السيد عبد الله السيد وهب: 106. ([109]) أهمية ثورة تلعفر في ثورة العراق الكبرى عام (1920م)، السيد وهب: 107. ([110]) العراق في سجلات الوثائق البريطانية (1914_1966م): 685.