حضارة تبحر في ذاكرة الإعلامي وليد الزبيدي وتفتح خزينة أرشيفه

26 يوليو, 2021

بدماثة خلق يشهد له بها كل من التقاه حدثنا الأستاذ وليد الزبيدي، بهدوء الخبير العارف بتفاصيل الأحداث، عن العراق مشهدًا سياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا منذ بدء الاحتلال وحتى يومنا هذا، التقته حضارة على الرغم من انشغالاته وطرحت بين يديه أسئلة جوهرية تخص البدايات، وتتناول طريقة التوثيقات لمرحلة كان من الصعب جدًا أن تفك اشتباكاتها.

في حديث صريح جدًا تحدث الزبيدي عن تأصيلات قانونية للوضع القائم في العراق بدءًا من انطلاق المقاومة العراقية وتتبع فعلها من خلال ما تنشره مواقع الجيش الأمريكي ومرورًا بالربيع العراقي ومنطلقاته مع وصف مفصل للمشهد السياسي العراقي، واجه أسئلة حضارة بإجابات حاضرة تفتح أمام القارئ الكريم مغاليق الساحة العراقية، وترك للقارئ التكهن بآلية الحل المرتقب فالساحة اليوم مهيأة لاستقبال الاحتمالات من خلال استقراء لحالة السخط والغضب التي يجتمع كل العراقيين في ساحتها.

الأستاذ (وليد محمد حسن الزبيدي) الكاتب والصحفي العراقي المعروف، حاصل على بكالوريوس لغة إنجليزية من كلية اللغات بجامعة بغداد، وله العديد من المؤلفات منها:

  1. حائط - قصص قصيرة.
  2. غبار – شعر.
  3. الابن الثالث – رواية.
  4. نيران على ضفاف الأنهر- حرب المياه.
  5. حجم التأثير اليهودي في القرار السياسي التركي.
  6. يهود العراق.
  7. جدار بغداد يوميات شاهد على غزو العراق.
  8. المقاومة العراقية وأميركا.
  9. البركان قصة انطلاق المقاومة العراقية.

وهو كاتب مقال في صحيفة الوطن العمانية، وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية والعربية حول غزو العراق واحتلاله.

البدايات

مجلة حضارة: أستاذ وليد الزبيدي حدثنا عن البدايات وكيف دخلت ميدان الإعلام؟

الزبيدي: شكرا لكم ولمجلتكم بدايةً على هذا اللقاء وأتمنى لكم التوفيق والنجاح.

هذا السؤال يعود بنا إلى مرحلة الصبا، والنشأة، والبدايات، عندما يخطط المرء لنفسه وهو شاب، أو ما ترغب أو تريد له عائلته أن يكون، فقد كنت متفوقًا في مدرسة القرية التي نشأت بها، وهي إحدى قرى ناحية يثرب في محافظة صلاح الدين. وقد أراد لي والدي أن أكون طبيبًا، وقد كان والدي فلاحًا رحمه الله، لا يقرأ ولا يكتب، واهتم بنشأتي علميًا، وحثني على الدراسة، وما أن أكملت مرحلة المتوسطة وكنت متفوقًا في المحافظة، شجعني على الانتقال إلى العاصمة بغداد لإكمال الدراسة الإعدادية بأرقى وأحسن الإعداديات فيها وهي (الإعدادية المركزية) المتميزة بتدريسها، ومدرسيها، وخريجيها، وقد درست في الفرع العلمي تلبية لرغبة الوالد ـرحمه الله ـ

البداية الأدبية

كنت أكتب إنشاءًا متميزًا منذ المرحلة الابتدائية، وعند مجيئي لبغداد زادت اهتماماتي الأدبية، ووسعت من قراءاتي من الكتب، والمجلات، والإصدارات، فكانت مجلة الطليعة الأدبية، ومجلة الأقلام، والآداب البيروتية، ومنشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية آنذاك معينًا ثرًّا لي... وقد كنت أوفر من مصروفي لشراء تلك المطبوعات.

وفي مرحلة الخامس العلمي بدأت اكتب النثر، والقصة القصيرة، وكانت أول قصة قصيرة نشرتها في (صحيفة العراق)، وعند نشرها أحدثت عاصفة في وجداني غيرّت مجرى حياتي، مما شجعني على التواصل مع مجلة (ألف باء العراقية) وأعطيتهم قصة نشرت في أحد أعدادها، ودفعني إلى النشر الاستاذ الناقد والاديب والتشكيلي (عادل كامل أطال الله عمره) لنشر قصتي، التقيته في مقهى (البلدية) في منطقة (الميدان البغدادية) وكتبت القصة وأنا جالس في المقهى وأسميتها (ليل أطول من العمر) وسلمتها إياه، ثم غبت عن ناظريه لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع، خشية انتقاده لي على القصة، ولكن بعد ذلك وجدت القصة منشورة، على صفحتين من المجلة في زاوية (قصة العدد)، وكانت مجلة (ألف باء) في قمة زهوها، كان يرأس تحريرها الأستاذ حسن العلوي ورئيس القسم الثقافي القاص الراحل موفق خضر وتضم مجموعة متميزة من المثقفين والأدباء، ثم مررت على المقهى ووجدت الأستاذ (عادل كامل)، فهنأني على القصة وأخبرني أن لدي (15 خمسة عشر دينارا) في حسابات المجلة على نشر القصة فيها.

وهذه كانت انعطافة كبيرة في حياتي اذ بدأت أقرأ بنهم، وذلك غيّر مسير اهتماماتي، إلى الأدب والصحافة بعيدًا عن المجال العلمي الطبي، الذي أراده والدي رحمه الله. وفي تلك الفترة كتبت دراسة نقدية مطولة عن رواية (النهايات) للراحل المبدع عبد الرحمن منيف، وأاعجب بها الناقد والمترجم والروائي الراحل (غالب هلسا) ونشرها في مجلة الأقلام.

وكتبت مقالات في النقد الأدبي والروائي، والقصة القصيرة، وأنا ما زلت في المرحلة الإعدادية وبعد ذلك أصبحت الصحافة مهنة وهواية جميلة ولذيذة، ونشر لي في مجلات وصحف لم تكن تنشر إلا للأقلام المتميزة، وبعد الدراسة الإعدادية سافرت إلى سويسرا لفترة ثم إلى انكلترا... ومن هناك راسلت مجلات اليمامة السعودية، والطليعة العربية في باريس، والدستور اللندنية، وألف باء العراقية، وصحيفة الجمهورية العراقية التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت الأستاذ سامي مهدي..

قصتي مع أستاذ اللغة العربية

من الطرائف في مرحلة الثانوية (الإعدادية المركزية) أن مدرس اللغة العربية أعطاني صفرًا في مادة الإنشاء الذي كنت متميزًا به، ظانًا بي أنني نقلته من إحدى المقالات، لأسلوبه المتميز، وقد أراد أحد زملائي أن أعترض على ذلك فرفضت، وكان زميلي يعلم بما أكتب وبأسلوب كتابتي.

هذا الأستاذ الفاضل الكريم كان يحدثنا عن كتاب له في اللغة العربية سيصدر ضمن (الموسوعة الصغيرة) التي تصدرها وزارة الثقافة والاعلام في تلك الحقبة.

وعندما صدر الكتاب، كتبت عنه في ملحق (الجمهورية)عرضا سنة 1979، باسم:( وليد محمد حسن) أتى المدرس بالجريدة وقال: انظروا إلى هذا (الأستاذ الفاضل الكبير) الذي تحدث عن كتابي وكان زميلي يعلم بذلك، فأراد أن أحدثه بذلك، فرفضت، وأخذ يقرأ علينا ما كتبته ويثني على كاتب المقال.

رجوعي إلى العراق

بعد فترة قضيتها في سويسرا، وانكلترا، عدت إلى بغداد سنة1984م، وعملت في مجلة ألف باء لمدة سنتين، وكنت أراسل صحف: الوطن الكويتية، واليمامة السعودية، والدستور اللندنية، وتوجهت للعمل في الصحافة والمجلات العربية، وانقطعت عن العمل في الصحف والمجلات العراقية.

وبعد الحصار على العراق وانقطاعه عن محيطه العربي، توقف عملي مع الصحف والمجلات العربية.

وفي سنة 1998 عاودت الاتصال بمجموعة من الصحف والمجلات العربية، وأسست مكتبًا في بغداد يعمل فيه ما يقارب من 18 شخصًا من سكرتارية، ومصورين، وصحفيين، ومندوبين، ومصوِّب لغوي، كانت مؤسسة متكاملة، وكان المكتب يزود الصحف بالمقالات، والمقابلات، والتحقيقات، ويعكس صورة العراق في مختلف المجالات الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، وكانت مرحلة مهمة في حياتي، استمر العمل مع هذه الصحف والمجلات إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003.

بعد الاحتلال بأشهر بدأت غالبية تلك المؤسسات مطالبتي بأن أخفف لهجتي عن الاحتلال وتبعاته، ومخلفاته، خلال استضافاتي الكثيرة في الفضائيات، وكنت أرفض تلك الضغوط، ثم أبلغني البعض في تلك المؤسسات أن هناك ضغوطًا أمريكية لتخفيف لهجتي وطروحاتي، ثم تبعه التلويح بقطع العلاقة معي وهذا ما حصل في وقت مبكر من عمر الاحتلال أي قبل أن يكمل الاحتلال عامه الأول، وكانت هناك دعوات لي للدخول في العملية السياسية ورفضت بشدة، واستمر خروجي على الفضائيات مبينًا واقع الاحتلال ونتائجه، والمقاومة وأثرها.

بين الإعلامي والسياسي

مجلة حضارة: ما الفرق برأيك بين الإعلامي والسياسي وكيف يكون الإنسان فاعلا في ميدانه؟

الزبيدي: الإعلام مهنة متميزة وجميلة في حال تمسك المرء بثوابتها وأخلاقياتها وفي الأعم قد تتنافر مع السياسي في الأوضاع غير المستقرة، لكن ثمة من يلبس عباءة الإعلام ويصبح أداة سلبية في يد السياسي، وهذا سرعان ما ينكشف أمره وتظهر حقيقته لأنه سرعان ما يدخل بمتناقضات صارخة ومفضوحة.

وبصفتي إعلامي، لم يكن لي انتماء سياسي لا قبل الاحتلال ولا بعده، لذا مارست دوري كإعلامي مهني وفي العمل السياسي أعمل ضمن رؤيتي الشخصية وقناعاتي الراسخة والثابتة ضمن منهاج بناء الدولة المدنية الحديثة وعمادها الإنسان وركيزتها الكفاءات المخلصة للبلد.

لقد تبلور ما أعتقد أنه مشروع سياسي أنتمي إليه واشترك فيه مع الشخصيات والعناوين الوطنية التي رفضت الاحتلال وما أفرزه من عملية سياسية سيئة وحكومات تسببت بكل هذه السرقات والخراب والدماء التي سالت على أرض العراق.

‏         ما حصل في العراق بعد الغزو والاحتلال تجربة تحتاج إلى وقفات ودراسات معمقة بعيدًا عن العواطف وردود الأفعال، والوقوف عند الهنات الكبيرة التي تسببت بشروخ مجتمعية وبنيوية خطيرة، والتعرف على دوافع البعض الذين أسموا الاحتلال تحريرًا وباركوا جرائم الغزاة، والذين ركضوا لاهثين وراء سراب المحتلين طامعين بمغانم ومناصب ووضعوا البلاد خلف أستار قاتمة.

المقاومة العراقية

مجلة حضارة: من متابعتنا لكتاباتك ومنشوراتك يبدو أنك اعتنيت كثيرًا في توثيق الانطلاقات الأولى للمقاومة العراقية، حدثنا عن هذا الموضوع.

الزبيدي: انطلقت المقاومة في العراق بعد 24 ساعة من بداية تاريخ الاحتلال أي في 10‏/4‏/2003 حين قتل اثنان من الأمريكان في بغداد، وفي ذلك الوقت كان من الصعب التوثيق، لأن أخبار المقاومة لا تنشرها وسائل الإعلام، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم توجد فصائل في ذلك الوقت على شكل مؤسسة متبلورة، وأنا شخصيًا لم أكن أتوقع أن تنتشر المقاومة بهذا الشكل في ذلك الوقت وبهذا الحجم.

‏         وبعد ذلك أصبحت هناك فصائل المقاومة، وأصدرت بيانات وتصريحات بعد أسابيع من الاحتلال، ثم بعد ثلاث سنوات أصبحت هناك جبهات تضم هذه الفصائل. ولغالبية الفصائل مواقع في شبكة الإنترنت وتبث فيها بياناتها وعملياتها المصورة ضد قوات الاحتلال الأميركية.

‏وبعد ازدياد خسائر القوات الأميركية في العراق خلافًا لكل التوقعات بدأت عمليات الاهتمام بالخسائر التي توثق في حقيقتها نشاط المقاومين المعادين للقوات المحتلة.

‏         فقد أسس أحد مهندسي الحاسوب الأمريكان واسمه (مايكل نايت) موقعًا خاصًا بقتلى القوات الأمريكية ينشر فيه خسائر قواتهم ويوثقها يوميًا، حتى أصبح موقعه مشهورًا جدًا بسبب كثرة زيارات عوائل الجنود والمجندات الأميركيين الذين يتابعون أخبار القتل اليومية التي تمارسها المقاومة العراقية ضدهم، كما خصصت صحيفة (الواشنطن بوست) صفحة في موقعها الإلكتروني لنشر خسائر القوات الأمريكية، كذلك صحيفة (يو أس تودي) وبعض وكالات الأنباء مثل (رويترز) و(الفرنسية) و(الاسيوشيتدبريس)، وعملت على متابعة الكثير من المعلومات وترجمتها ووثقتها في كتابي ( البركان.. قصة انطلاق المقاومة العراقية) الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت وحظي بدعم كبير من قبل رئيس المركز الأستاذ الفاضل الدكتور خيري الدين حسيب.

حرصت على تقديم دراسة نظرية للمقاومة العراقية مقارنة مع أربع مقاومات في العالم وهي (المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية والمقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي على مدار ‏130 عامًا والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفيتنامية ضد الأمريكان)، ومقارنة المقاومة العراقية مع هذه المقاومات بجوانب أربعة:

١-سرعة الانطلاق

٢-الدعم الدولي

٣-الإعلام

٤-التضاريس

‏         فإذا أخذنا الدعم الدولي للمقاومة العراقية نجد أنها لم تحصل على أي دعم بل على العكس تمت مطاردتها وتضييق الخناق عليها من الدول العربية وجيران العراق.

وإذا أخذنا تضاريس الأرض العراقية نجدها منبسطة وهذا ضد حرب العصابات وعمل المقاومة، وهو ما تؤكده دراسة تجارب المقاومة عبر التأريخ في العالم.

وإذا أخذنا الإعلام العراقي والعربي والدولي والإسلامي، فقد كان كل الإعلام ضد المقاومة العراقية ما عدا استثناءات قليلة جدًا، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفضائية الوحيدة التي كانت تبث لقطات قصيرة من بعض عمليات المقاومة هي قناة الجزيرة فقط.

أما سرعة الانطلاق فنجد أنها أول وأسرع مقاومة في التأريخ.

‏         وبعد هذه الدراسة المقارنة من هذه الجوانب أخذت 80 يومًا من بداية المقاومة من 10‏/4‏/2003 إلى 30‏/7‏/2003. وثقت فيها القتلى الذين سقطوا برصاص المقاومين في العراق وقد اعترفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بذلك ، وتوصلت إلى أسماء هؤلاء وتواريخ قتلهم وماذا قالت بعض عوائلهم بعد تلقي الأخبار السيئة، أملا أن يبادر باحثون وكتاب لدراسة ظاهرة المقاومة العراقية المتفردة والمتميزة.

كتاب جدار بغداد

مجلة حضارة: ‏كتبت كتابًا أسميته (جدار بغداد) وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية ما موضوع هذا الكتاب وماهي تفاصيله؟

الزبيدي: بعد سنة من الاحتلال تقريبًا بدأت تظهر كتب في الغرب بعضها مذكرات وأخرى كتب، وكذلك ظهرت كتب في الوطن العربي، ولكن لم نجد كتبًا تتحدث من وجهة نظر عراقية صافية وموضوعية عن الحرب ويومياتها، ووجدت الحاجة للكتابة عن مرحلة ما قبل الحرب وكيفية إدارة الحكومة العراقية السابقة للأزمة مع الغرب والمجتمع الغربي والدولي، وهذا ما تضمنه القسم الأول من الكتاب، أما القسم الثاني منه فكان ‏عن يوميات الحرب وكانت هناك أسئلة تبحث عن إجابات، مثل:

هل أدار صدام حسين الحرب بشكل صحيح؟

هل كان العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل؟

كان هناك سؤال حرصت أن أجيب عليه للتأريخ وهو يخص رمزية الجيش العراقي، حيث تردد كثيرًا أن الجيش العراقي لم يقاتل الأمريكان، وأنه حصلت خيانات في قيادات الجيش العليا، فقررت التصدي لهذه الموضوعات في كتاب (جدار بغداد) الذي صدر في العام 2006 من مكتبة مدبولي بمصر، فاستقرأت واستقصيت والتقيت بضباط كبار ‏ومسؤولين سابقين واستعنت بمعلومات موثقة، وليس إنشاءًا، وأكدت في الكتاب أن الجيش قاتل بما يستطيع أن يقاتل مع عدم التكافؤ في القوة، بين القوات الغازية أميركية وبريطانية، ورغم ذلك قاتل الجيش العراقي ببسالة وشجاعة، كما فندت في الكتاب جميع الإشاعات التي روجت عن وجود خيانات سواءًا في الحلقة المحيطة بالرئيس الراحل صدام حسين أو قيادات الحرس الجمهور أو الجيش وغيرها من الأجهزة الأمنية.

‏         ثم أتيت على أيام الحرب فوثقت ما حصل بالمعلومات والتفاصيل من يوم ‏19-3 -2003 ليلة العدوان إلى 9/ 4 يوم الانتشار في ‏بغداد وإسقاط تمثال الرئيس الراحل (صدام حسين) في بغداد.

أما موضوع أسلحة الدمار الشامل فقد أجابت على ذلك اللجان التي حققت في هذا الموضوع بعد الاحتلال وقد التقت تلك اللجان جميع المسؤولين، وأعلنت صراحة بعدم وجود أسلحة دمار شامل وأنها كانت ذريعة للغزو والاحتلال والعدوان على العراق.

أهداف المقاومة العراقية

مجلة حضارة: ‏هل ترى أن المقاومة العراقية حققت أهدافها؟

الزبيدي: المقاومة العراقية حققت ما لم تحققه أي مقاومة في الظرف الذي مرت به، وهي تواجه أكبر قوة في العالم، وكل الدول العربية ودول الجوار ضدها كذلك، ووقفت ضد أمريكا وقوتها العسكرية الهائلة الضخمة واقتصادييها ووسائل إعلامها حتى نجحت في إخراج القوات المحتلة نهاية العام 2011.

ومعروفة الظروف والمؤامرات التي حيكت ضد المقاومة العراقية اليتيمة، رغم ذلك لو يطلع العالم على منجزها الميداني وتجد فرصة لبث ونشر جميع عملياتها لأصيب العالم بالذهول.

سرعة المقاومة العراقية

مجلة حضارة: ‏من خلال دراسة تجارب المقاومة نجد أن بعض المقاومات أخذت زمنا طويلاً لتتخذ مسارها ففي الجزائر استمرت 130 عامًا (قرن وثلث تقريبًا) هل كانت 130 عامًا على نسق واحد من القوة والاندفاع؟ أو هناك فترات تختفي فيها المقاومة؟ هناك أجيال من المقاومة ‏تنشأ وتأخذ صداها، هل ممكن إضفاء هذه الرؤية على ما يحدث في العراق؟

الزبيدي: ‏في التجارب العالمية تأخر ظهور المقاومة لفترات متفاوتة، فالمقاومة الفرنسية ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية تأخر ظهورها مع أن فرنسا كانت إمبراطورية لها إسطولها وقواتها ومستعمراتها، وقد تأخر ظهورها بهجمات على الأرض سنة ونصف تقريبًا، ثم ظهرت المقاومة وقاومت وانتصرت، وهنا لا بد من التذكير أنه إذا كان العراق قد احتل في ثلاثة أسابيع، ففرنسا احتلت من قبل الألمان في أسبوعين سنة ‏1940، ولكن المقاومة ‏الفرنسية انطلقت بعد سنة ونصف رغم كل الدعم الغربي لها وكانت متواضعة في السنة والنصف الأولى.

‏         المقاومة الفلسطينية تأخرت 16 عامًا حتى انطلقت بصورة فاعلة ومنظمة، فالاحتلال الإسرائيلي وقع سنة ‏1948 إلى سنة 1964 حيث انطلقت المقاومة الفلسطينية بعد الإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفسطينية.

‏         وفي حال ترسخت القناعات لدى المقاومين أن البلد والشعب بحاجة حقيقية لهم ولدورهم فلن يترددوا في خوض المهام والتصدي للمسؤوليات التأريخية.

المشهد العراقي

مجلة حضارة: ‏كيف تقيم المشهد العراقي وكيف تنظر إلى تقسيماته؟

الزبيدي: يمكن اختزال المشهد العراقي الحالي بمفردات تعبر عن المساحة التي تظهر في الصورة، وتشكل اللوحة العراقية شديدة القتامة، دماء ودمار واعتقالات وقتل وتهجير وسرقات بمئات المليارات وسيطرة أصحاب الولاءات وإبعاد الكفاءات، فالأرقام تتحدث عن كوارث اجتماعية والسجون تتوزع في كل مكان، وللأسف الشديد ثمة من يعتقد أن هذه العملية السياسية السيئة والتي تنطوي على كل الموبقات ورموزها قد تحمل بعضًا من ضوء وأمل في حين تؤكد جميع الوقائع الدامغة والأحداث خلاف ذلك.

وعي الشعب

مجلة حضارة: ‏أي أنك ترى أن وعي الشعب اتجاه من يحكم هو المقياس؟

الزبيدي: للأسف الناس يقعون تحت تأثير أكثر من قوة محلية وإقليمية ودولية، في كل مرة يندبون حظوظهم ويندمون على مشاركاتهم في لعبة الانتخابات، لكن سرعان ما يتناسون أفعال السياسيين والحكوميين ويتلاعب بهم أصحاب المصالح لتجييشهم لصالح عملية سياسية تنهش بأجسادهم وتحرم أولادهم من التعليم ولا يحصل الكبار على الدواء وتمارس أبشع الانتهاكات بحق الناس، وفي هذه الحالة نحتاج إعادة تقييم لمسألة الوعي، لأن مساحة الوعي يفترض أن تزداد عند اكتشاف حقيقة السياسيين والقبض عليهم بالجرم المشهود ولسنوات عجاف.

الاحتلال وتوصيفاته

مجلة حضارة: في ندوة عقدت قدمت بحثًا عن الاحتلال وتوصيفاته وموقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي منه وكان لك رأي خاص في توصيف ما حدث نرجو إيضاحه وبيانه؟

الزبيدي: ‏نقول ما هو التوصيف بما يجري في العراق ؟هل هو احتلال أو غير احتلال ؟

نعود أولاً إلى مواثيق الأمم المتحدة والتفاقيات الدولية، هناك اتفاقيات دولية منها اتفاقية لاهاي 1897 و ‏1907 ‏واتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 وملحق 1977، هذه الاتفاقيات الدولية زيادة على ميثاق الأمم المتحدة، تتحدث بأمور دقيقة وتتضمن بنودًا كثيرة، لكن ما يخص الاحتلال، فإن الأمم المتحدة قد تجيز لدولة أو مجموعة الدول ‏أن تفرض سيطرتها العسكرية على دولة ما، وهذا ما لم يحصل في القضية العراقية، وشنت كل من أميركا وبريطانيا عدوانًا صريحًا وفاضحًا على العراق في آذار/ مارس 2003 ونتج عنه احتلال البلاد.

‏         ومن الشروط الهامة في المعاهدات الدولية وحتى تكون الدولة الغازية سلطة احتلال أن تتمكن من بسط سلطتها وأمنها على كامل الأرض، في حين لو جئنا إلى الواقع (الولايات المتحدة وبريطانيا) لم تستطع أن تحمي مقراتها، وعندما يعترف الأمريكان رسميا أنه قتل لهم (‏4500) فردًا ( الأرقام الحقيقية أكبر بكثير من هذه) وأنهم ‏طيلة هذه السنوات يتعرضون لهجمات فهذا اعتراف بالمقاومة، أي أنهم لم يتمكنوا من توفير أحد أهم شروط الدولة المحتلة.

المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تُجيز للشعب الذي يتعرض للعدوان أن يقاومه أفرادًا وجماعات وهذا اعتراف بالمقاومة العراقية ضد الغزاة.

الأمر الثالث وهو مهم: أن (بول بريمر) كان يتحدث ويقول أن أقرب تجربتين لنا هي ‏(ألمانيا واليابان) في الحرب العالمية الثانية العام 1945، وكلتا الدولتين وقعتا وثيقة استسلام بعد انتهاء الحرب، أما العراق فلم يوقع وثيقة استسلام على الإطلاق؛ لهذا، فالوصف الحقيقي والقانوني الدقيق أن العدوان بدأ 19- 20‏/3‏/2003 ووقفت ضده المؤسسات الحكومية العراقية الرسمية (الأمنية والعسكرية ) إلى يوم ‏9‏/4‏/2003. في ذلك التأريخ انهارت الدولة العراقية وفي 10‏/4‏/2003 ظهرت قوة جديدة تجيزها القوانين الدولية، أي تجيز مقاومة المعتدين( وهذا ينطبق على المقاومة العراقية) فالتوصيف إذن هو أن هناك دولة إجرامية غزت البلد واعتدت عليه ساندها من ساندها من السياسيين وغيرهم داخل العراق المحتل، وهذه كلها توصف بقوة داعمة مجرمة اعتدت على الطرف الآخر.

‏         وفي الطرف الآخر هناك مقاومة ظهرت ضد هذه القوة، والوصف الدقيق والموضوعي وحسب القانون الدولي ما يجري في العراق لحد آلان، هو صراع مسلح بين قوة شرعية تقاوم الغزاة وقوة دخلت البلاد خلافًا لجميع المعاهدات والأنظمة والمواثيق الدولية، وهذا يقودنا إلى التاكيد على أن كل ما أنشأته قوة الاحتلال الإجرامية منذ العام 2003 غير شرعي ولا يستند إلى أي سند قانوني وهذا ما تثبته القوانين والأعراف الدولية.

المجتمع الدولي

مجلة حضارة: ‏كيف تقيم تعامل المجتمع الدولي مع القضية العراقية؟

الزبيدي: ‏العراق تعرض إلى انتكاسة كبرى في عام 1991 في الحرب الأمريكية الدولية عليه، وقد صادف ذلك مع انهيار الاتحاد السوفيتي القوة المعادلة للولايات المتحدة الأمريكية، وعندما حصل العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 كان المجتمع الدولي بعضه صامتًا والآخر له اعتراض خجول، ‏ولكن المجتمع العربي كان موقفه سلبيًا جدًا، وفي مقدمة ذلك جامعة الدول العربية، وهذا مخالف لقوانين جامعة الدول العربية ومنها ميثاق الدفاع العربي المشترك، فالعراق الذي تعرض لعدوان يفترض وفق الميثاق أن تدافع الدول العربية عن الشعب العراقي، ‏وهذا لم يحصل، على العكس كل الدول العربية دعمت الحكومات التي عينها الاحتلال بدون استثناء وبدرجات مختلفة.

المجتمع الدولي دعم كل الحكومات بعد الاحتلال ودعموا توسيع وتعاظم خارطة المصائب والدمار والخراب ‏التي ألمّت بالمجتمع العراقي، لذا فإن المجتمع الدولي والدول العربية مشتركون في دمار العراق وخرابه.

الربيع العربي

مجلة حضارة: ‏ما تقييمك للربيع العربي وهل يشمل العراق هذا الربيع؟

الزبيدي: سمة الربيع في الوطن العربي كانت في المظاهرات والاحتجاجات، فإذا كانت المظاهرات سمة هذا الربيع، فقد كان العراق سباقًا في هذا المضمار، كيف؟ في العراق خرجت المظاهرات الاحتجاجية الواسعة قبل أن تكون تونس رائدة ما سمي بالربيع العربي، في يوم 19‏/6‏/2010 خرجت مظاهرات الكهرباء في الناصرية والبصرة وقتلت الأجهزة ‏الأمنية 23 شخصا في تلك المظاهرات، وتعرضت لقمع شديد جدًا، وكانت هذه المظاهرات قبل مظاهرات الربيع العربي الأخرى بخمسة أشهر على الأقل.

‏         وإذا كانت قوة المظاهرات في انتشارها، فالمظاهرات التي شهدها العراق في 25 شباط 2011 قد شملت أكثر من تسعين في المئة من مدن العراق وقصباته، وهذا ما لم تشهده أي من الدول العربية الأخرى، والعراق البلد الوحيد الذي خرجت فيه المظاهرات في 52 مدينة من محافظاته وأقضيته، وبعض هذه المظاهرات سيطرت على دوائر حكومية بالكامل، وعمت المظاهرات جميع مدنه من البصرة إلى شماله في كل أقضيته ونواحيه ما عدا مدينة دهوك، ولكن الدعم الأمريكي المطلق لقمع المتظاهرين في ذلك اليوم في بغداد سواءً بالطائرات أو الأجهزة الأمنية قد تسبب بإحباط تلك المظاهرات التي اقتربت من وصف الثورة الشعبية العارمة.

‏وكانت مظاهرات واحتجاجات العراق أقوى مما حصل في مصر وليبيا واليمن وسوريا، وهذا يدل على أن أكثر شعب وقع عليه ظلم هو الشعب العراقي، وما يزال العراق مرشحًا أن يكون في قمة دول الربيع العربي إذا كان معنى الربيع هو رفض الظلم والاستبداد ورفض تسلط الحكام الذين يخربون البلاد بدلا من بنائها.

ساحات الاعتصام

مجلة حضارة: ‏ما نظرتكم إلى ساحات الاعتصام؟ وما نقاط قوتها وفشلها وأين ارتقت وأين انخفضت؟

الزبيدي: لقد خرج الملايين في اعتصامات عفوية صادقة رافضة للعملية السياسية وما تركه الغزو والاحتلال، وحافظت تلك الاعتصامات على سلميتها رغم الاعتداءات المسلحة من قبل أجهزة الحكومة وقتلها للمتظاهرين العزل في الفلوجة والموصل وبعد ذلك في مجزرة الحويجة وغيرها، لكن لا بد من الاعتراف أنه قد غابت أو غيبت الإدارة المحنكة لساحات الاعتصام وسيطر عليها الحس العشائري والمناطقي، وتسلل إليها بعض المنتفعين وسياسيي الصدفة، وهذا أمر تسبب بنكوص الاعتصامات وعدم تحقيقها لكامل أهدافها، في حين كان الواقع المأساوي قد أوصل الناس إلى درجة الغليان الحقيقي ضد العملية السياسية وزعاماتها وبدون استثناء.

القيادة المناسبة

مجلة حضارة: ‏لو سئلت عن الجامع المشترك الذي يؤمن به العراقيون، ما الذي ينقصهم لتحقيق مطالبهم، هل هو دور المثقف أو الدور المناسب أو القيادة المناسبة؟

 الزبيدي: أعتقد أنها ثلاثة عوامل:

العامل الأول وهو الأخطر: أن الشعب ما يزال مشوشًا حتى اللحظة ومن الصعب أن يلتمس الطريق الصحيح.

العامل الثاني الذي ساهم بقوة في عامل التشويش: أن هناك مشاريع واسعة لدول عربية وإقليمية ودولية في العراق تزيد من حالات الفوضى والإرباك والتشويش.

‏العامل الثالث: لم تظهر واجهة يمكن أن يوثق بها 70% من العراقيين بسبب التدخلات والتشويش وإبعاد الشخصيات والقوى الوطنية خارج البلد أو مطاردتهم واعتقالهم وربما شراء البعض منهم في مراحل لاحقة.

هذه العوامل تجعل من الصعب أن ينتظم العراقيون في طريق واحد في الوقت الحالي، لكن هذا لا يمنع العمل الدؤوب والمثابر لتوعية الناس ووضع الحقائق أمامهم، وقد يكون أفضل عامل مساعد لتقريب الجهود وتوحيد الرؤى حجم الظلم والتخريب والفساد والدمار الذي يخلفه السياسيون والحكام الذين يتسلطون على العراقيين.

العمق العربي

مجلة حضارة: ‏هل للعراق عمق عربي ؟وهل أدى هذا العمق ما عليه؟ أو أنه تهمة يحاسب عليه العراقيون عند رفضهم المشروع السياسي فيعدونهم مرتبطين بأجندات عربية؟ هل أدى العمق العربي دوره؟

الزبيدي: ‏العراق ضحية المشروع الأمريكي الكوني والذي يهدف بالأساس لخدمة الأمن الإسرائيلي وهو أيضًا ضحية الصراع العربي الإيراني، فا‏لعراق الأرض التي تحصل عليها الصراعات الإقليمية والدولية، وهو ضحية ثالثة لمشروع إيراني كبير، وليس هناك مشروع عربي مكافئ له، كل هذه العوامل تجعل من العراقيين ضحية، فجميع العراقيين ضحية مشروع الاحتلال وتداعياته واسقاطاته.

 المشروع البديل

مجلة حضارة: ‏الساحة العراقية تشهد حراكًا متقطعا بطرح مشاريع ويجابه المحلل السياسي مثل جنابكم الكريم. بدحض مشروع الاحتلال بسؤال ما المشروع الذي يمكن أن يكون مكافئًا لمشروع الاحتلال وما البديل للمشروع الأمريكي؟

الزبيدي: المشروع الوطني الذي نريده أن يتفق العراقيون ‏أو الخيرون من العراقيين وأن يعملوا على تصحيح كل الذي حصل، فإذا أراد البعض أن يكون هناك حل حقيقي للعراق فالأمر ليس صعبًا ولا مستحيلاً رغم العقبات الكبيرة التي تقف بالضد منه.

نحن أشرنا إلى خطورة الاحتلال ‏والنتائج تؤكد ذلك وليس المقدمات والحل بمعالجة أمراضه التي ثبتها والأدوات التي جاءت في مرحلة ما بعد الغزو.

‏         إن العراق بإسقاطاته وتداعياته وإرباكاته سيشمل دول المنطقة والدول البعيدة إذا لم يتحركوا وتتحرك ‏الأطراف بما فيها إيران وتركيا والدول العربية والمجتمع الدولي في وضع خطوات سليمة وصحيحة لإصلاح الوضع المتردي الذي قد ينتقل لتداعيات أخطر، فهم جميعًا سيقعون ويصيبهم شيء من هذا التداعي سواءً أمريكا وغيرها، والخبراء في السياسة الدولية يتحدثون منذ فترة عن خطيئة احتلال العراق وما نتج عنه، وبدون معالجة جذرية وواسعة وحقيقية لهذه الخطيئة فإن التداعيات السلبية ستزداد وتتسع وتتعمق..

في نهاية اللقاء نشكر الأستاذ وليد الزبيدي على هذا الحوار ونتمنى له دوام التوفيق.

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram