حوار مع الشيخ سامي الساعدي الليبي عضو الأمانة العامة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم

من بين عشرات الشخصيات المرشحة لعمل حوار معها في عدد مجلة حضارة برز جليًا اسم الشيخ سامي مصطفى خليفة الساعدي الليبي، العالم العامل الذي أهَّلته خبرته المتراكمة من مواصلة الدرس والتطبيق في الوظائف التي تقلدها فما كان منا في مجلة حضارة إلا أن نعدَّ العدَّة تتبعا وتحضيرًا وصياغة أسئلة تناسب المقام الذي ننشده لنستشف منه الحكمة والرؤية ونطرحها بين يدي القارئ الكريم فتكون ثمرة اللقاء نورًا نستضيء به في عتمة الطريق وإرشادات حصيفة نتتبع من خلالها المنعطفات ونتجاوز المطبات الفكرية والتربوية في مسيرة الأمة نحو منصة انطلاقتها.

شخصية العدد عمل أستاذاً في علوم اللغة العربية بكافة فروعها ومستوياتها في جامعة الدراسات كراتشي – باكستان واشتغل على مدى سبعة وعشرين عاما بتدريس العلوم الإسلامية المختلفة في عدة بلدان، وهو باحث وكاتب في الشؤون الإسلامية.

السيرة الذاتية للضيف:

الاسم: سامي مصطفى خليفة الساعدي

مكان وتاريخ الميلاد: طرابلس– 1966م.

الحالة الاجتماعية: متزوج وأب لأربعة أولاد.

ويمكن تلخيص مهام عمله الحالي، أنه خطيب وداعية ومدرس متعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وعضو مجلس الأمناء في هيئة علماء ليبيا. ورئيس مجلس حكماء وأعيان طرابلس المركز. ومدير مكتب التوجيه الدعوي التابع لدار الإفتاء الليبية. وأمين عام مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء.

نص الحوار:

السؤال الأول: ما دور الحركة العلمائية في البلدان الإسلامية، وما هي معالمها في ليبيا.

-الواجب هو أن تكون الحركة العلمائية هي الرائدة والموجهة لمجتمعاتنا باعتبارها مجتمعات إسلامية، ‏فأهل العلم هم أولو الأمر على الحقيقة، ‏وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

‏هذا هو الواجب وأما الواقع فشيءٌ آخر ‏للأسف الشديد ودور العلماء والمصلحين ‏اليوم هو ردم هذه الفجوة بين الواجب والواقع؛ ‏وذلك بزيادة بدل الجهود الدعوية والتوعوية لمجتمعاتنا. إبعاد العلماء عن مكان التوجيه ‏مشروع قديمًا ‏بوسائل كثيرة منها التنكيل بالسجن والتعذيب والقتل والنفي ‏وبالتشويه وإسقاط الهيبة وبالاستمالة وشراء الذمم ‏وغيرها من وسائل الترغيب والترهيب.

وهذا الكلام ينطبق على كثير من مجتمعاتنا الإسلامية للأسف الشديد وليبيا ليست خارجة عن هذا التوصيف.

السؤال الثاني: أين تضع العلماء والتجمعات السائدة في ليبيا في خارطة الفعل وصناعة الرأي المطلوب؟

‏-كما سبق فإن ليبيا ليست استثناء، مع شيء من الاختلاف، ليبيا مجتمع محافظ نسبيًا، وهناك احترام وتوقير للعلماء في الجملة، لكن  كان الإعلام المعادي يعمل - سواء في عهد القذافي أو بعده - على تشويه كل من يشتهر ويكون له نوع استقلالية عن النظام القائم، سأضرب مثالًا بشخصية علمية وازنة، وهو الشيخ الطاهر الزاوي، -رحمه الله- (توفي سنة 1986م) الفقيه المجاهد المؤرخ اللغوي صاحب المؤلفات والتحقيقات العديدة مثل "جهاد الليبين"، "جهاد الأبطال في طرابلس الغرب"، و"ولاة طرابلس الغرب منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية العهد التركي" وتحقيق "مختصر خليل" في الفقه و"التذكار" في تاريخ طرابلس لابن غلبون، وترتيب القاموس المحيط في اللغة، وغيرها كما كان للشيخ مشاركات في معارك الجهاد، فقد شارك في معركة الهاني الشهيرة في طرابلس ضد الاحتلال الإيطالي.

وكان في فترات دراسته في مصر بالأزهر مشاركًا بقلمه متناولًا الشأن العام في ليبيا وغيرها، وكان أحد مؤسسي اللجنة الطرابلسية وأحد أهم الشخصيات العلمية والسياسية فيها.

ولذلك حاول نظام القذافي بعد انقلاب (1969 م) استمالته مستغلًا خلافه مع النظام الملكي فأعاد له الجنسية الليبية التي سحبت منه أيام المملكة، وقلده منصب المفتي العام، لكن كانت صلابة الشيخ حائلًا دون تذويبه في "خلطة" النظام، فبدأ التضييق عليه إعلاميًا حيث سدت في وجهه منابر الإعلام، ومنع من أي نشاط مؤثر، ولما رأى الشيخ أن بقاءه الصوري في منصب الإفتاء مع هذا التقييد ما هو إلا تلميع لصورة النظام؛ آثر الاستقالة من منصبه، لكنه بقي مرجعًا موثوقًا به لدى الناس، فاستهدفه النظام ببث السخرية والتنكيت من خلال اختراع شخصية وهمية تحمل الاسم نفسه، وذلك لإسقاط هيبته وتشويه صورته، وهناك غيره من العلماء الذين حاول النظام توظيف مكانتهم العلمية والنضالية لصالحه لكنه فشل في ذلك أيضًا، من أمثال الشيخ محمود صبحي -رحمه الله- وشيخنا الشيخ عبد اللطيف الشويرف مد الله في عمره.

وهناك من ضحى بحياته بسبب مواقفه من نظام القذافي من أمثال الشيخ محمد البشتي والشيخ المبروك غيث والشيخ علي يحيى معمر وغيرهم.

وأما بعد الثورة، فقد كان من أبرز العلماء الذين اشتهروا بالعلم والعمل هو المفتي العلامة الشيخ الصادق بن عبد الرحمن بن علي الغرياني -حفظه الله تعالى-، فالشيخ سليل أسرة علم وصلاح، فوالده الشيخ عبد الرحمن كان من العلماء المربين، وجده الشيخ علي الغرياني كان من العلماء المشهورين بالصلاح حتى إن العامة كانت تعظمه كثيرًا.

كان الشيخ الصادق قد درس في ‏جامع البيضاء في ليبيا ثم نال الماجستير والدكتوراه في الفقه المقارن من الأزهر كما نال الدكتوراه أيضًا من جامعة اكستر في بريطانيا ‏وقد بدأ علم الشيخ يظهر منذ تسعينيات القرن الماضي وصار مرجعًا للناس في الفتوى والتوجيه وفض النزاعات، ‏وساعد على ذلك أيضًا الانفتاح النسبي ‏ ‏في ليبيا في بداية الألفية الثالثة، ‏والذي فرضته عوامل كثيرة محلية ودولية.

‏ولما هبت رياح التغيير على ليبيا في سنة (2011م) كان للشيخ موقف عظيم ‏عندما أفتى بوجوب الخروج في المظاهرات ضد نظام القذافي الذي كانت كتائبه تبطش بالمتظاهرين المطالبين بالتغيير.

وعندما تشكل المجلس الوطني الانتقالي والذي كان المظلة التشريعية للثورة آنذاك، لم يجدوا شخصية أفضل ولا أكفأ من الشيخ الصادق، فعين مفتيًا عامًا لليبيا، والجدير بالذكر أن الشيخ في مرحلة الصبا وأيام الطلب كان قد لازم الشيخ الطاهر الزاوي الذي سبق ذكره أيام كان مفتيًا عامًا فتعلم منه صناعة الفتوى مبكرًا.

وفي خضم حشد الثورات المضادة قواها السياسية والإعلامية والعسكرية والأمنية، كان لليبيا نصيب كبير من تلك القوى الشريرة، فسخرت أبواق التزوير لدار الإفتاء وشيوخها والدعاة المساندين لها مساحة غير قليلة من ضجيجها وبرامجها التي ما فتئت تنشر الفتن والأكاذيب، وتنسب الشيخ ومن معه إلى هذه الجماعة تارة، وإلى تلك الجماعة تارة أخرى، فتارة يتهم بالإخوانية، وتارة بأنه يساند تنظيم داعش "المتطرف" ووظفوا "تنظيم" الجامية المداخلة ودعموهم ماليًا وإعلاميًا وسياسيًا، واستغلوا نفسية أتباعه وعقليتهم العدوانية مع كل من يختلف مع شيوخهم ولو فقهيًا، حتى إنهم قاموا باغتيال الشيخ نادر العمراني الأمين السابق لمجلس البحوث بدار الإفتاء -رحمه الله-، وما زال الصراع مستمرًا إلى اليوم، وهذا يردنا إلى ما سبق ذكره ويلزم التأكيد عليه من ضرورة قيام أهل العلم بواجبهم في التوعية والتربية ومدافعة قوى الشر والباطل، وعدم الانسحاب من ساحة الصراع.

وقد وفق الله سماحة مفتي عام ليبيا للقيام بجهود مثمرة في مجال رسم مسار لهذه الجهود، ومن أبرز هذه الثمار التي تبلورت في عمل مؤسسي أربع مؤسسات:

الأولى: دار الإفتاء، فالفضل بعد الله تعالى لسماحته في هيكلة دار الإفتاء وترتيبها إداريًا، بدءًا من نظامها الأساسي ومرورًا بأرشيفها الأصلي والاحتياطي وانتهاء بتعدد وسائل تواصل الناس معها كالاتصال المباشر والمراسلة على المنصات الإلكترونية، وانتهاء بتطبيق دار الإفتاء على الهواتف الذكية.

وتتعامل دار الإفتاء باستقلالية عن سائر الحكومات المتعاقبة لتتمكن من بيان الحق والواجب والباطل والممنوع سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات أهلية كانت أو رسمية.

وتتعاطى دار الإفتاء مع الشأن العام المحلي والعالمي، على خلاف الحال مع بعض المؤسسات الدينية الرسمية في عالمنا الإسلامي. فلدار الإفتاء بيانات وتصريحات ومواقف تناصر فيها قضايا المسلمين كفلسطين والعراق وأفغانستان وتركيا وغيرها، كما كان رأيها واضحًا وصارمًا من الثورات المضادة والحركات الانقلابية المدعومة من حكومات فرنسا أو الإمارات أو السعودية أو مصر.

الثانية: المعهد العالي للعلوم الشرعية، والذي تحول بفضل الله في أواخر السنة الماضية إلى الكلية الشرعية لعلوم الإفتاء والقضاء الذي جعل من رؤيته إصلاح القضاء في ليبيا، كما نجح المعهد بفضل الله تعالى أن يتحصل على صلاحية إنشاء المدارس الشرعية الإعدادية "المتوسطة" والثانوية التي تؤهل الطالب للاستمرار في الدراسات الإسلامية الجامعية والعليا. وبدأ فعلًا افتتاح هذه المدارس بعد عراقيل كثيرة وعقبات مفتعلة على المستوى القانوني النظري ثم على المستوى التنفيذي العملي.

الثالثة: مركز الشيخ علي الغرياني للكتاب:

ويعد بحق منارة علمية وثقافية وفكرية، لا في العلوم الشرعية فحسب، وإنما صار مرجعًا وبؤرة إشعاع للطلاب في سائر العلوم، ففي ظل أزمة الكهرباء التي طالت طلاب الجامعات، فوفر لهم المركز الجو الملائم المريح للدراسة والمطالعة وكتابة البحوث وعقد الندوات وورش العمل، كما يستضيف المركز شخصيات علمية وسياسية لإلقاء المحاضرات من مختلف أنحاء العالم.

إلى جانب دار الإفتاء هناك مؤسسات وجمعيات وتجمعات علمائية مثل هيئة علماء ليبيا والجمعية الليبية لعلوم الكتاب والسنة، والتجمع الوطني لعلماء ومشايخ ليبيا.

وهذا التجمع هو مظلة واسعة وجامعة لكثير من المؤسسات الأخرى، والتي يجمع بينها الموقف الإسلامي العام، والوقوف ضد مشروع الثورات المضادة الذي تقوده فرنسا والإمارات ومن معها، ومواجهة المناهج والتيارات المنحرفة المتطرفة مثل داعش، والجامية المداخلة، مع وجود الاختلاف الفقهي وتعدد المدارس من صوفية وأشاعرة وسلفية وإباضية.

الرابعة: قناة التناصح الفضائية، والتي تعبر عن خط الدعوة والثورة.

السؤال الرابع: بوصفكم أمينًا عامًا لمجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء؛ ما طبيعة العلاقة بين هيئة علماء ليبيا ودار الإفتاء الليبية؟

-سبق التعريف بشخص سماحة مفتي عام ليبيا، والذي اختير مفتيًا عامًا من قبل المجلس الوطني الانتقالي كما سبق، وقد تشكلت دار الإفتاء بقانون من المجلس الوطني الانتقالي وبقيت تتبع إداريًا السلطة التشريعية والتي آلت بعد المجلس الوطني إلى المؤتمر الوطني العام، كما بقيت تمارس مهامها في سائر المناطق الخارجة عن تسلط حفتر وميلشياته.

أما هيئة علماء ليبيا فهي مؤسسة أهلية تشكلت أثناء أحداث الثورة في (2011م) مبكرًا في بنغازي قبل تحرير العاصمة طرابلس، ويرأسها فضيلة الشيخ الدكتور غيث الفاخري أستاذ الشريعة والقانون في الجامعات الليبية منذ عقود، والذي كان من وجوه الثورة وقادتها منذ (2001م) ، والذي اختير بعد تشكيل دار الإفتاء نائبًا لسماحة المفتي، كما كان رئيس لجنة مراجعة القوانين وتعديلها بما يوافق الشريعة الإسلامية بعد أن أجرى المؤتمر الوطني العام التعديل التاسع للإعلان الدستوري سنة (2013م). هذا التعديل القاضي بأن "ليبيا دولة مسلمة، والشريعة الإسلامية مصدر كل تشريع فيها، ويقع باطلًا  كل قانون أو قرار أو تصرف يصدر بالمخالفة لمبادئها أو أحكامها" وقد أنجزت اللجنة عملها.

وقد أثرت الأحداث التي مرت بها ليبيا على حضور الهيئة، والتي كان منها اغتيال الشيخ نادر العمراني والذي كان أحد مؤسسي الهيئة والأعضاء الفاعلين فيها، كما أثر الانقسام السياسي وبالتالي الجغرافي على وجود كثير من الأعضاء وحضورهم كفاعلين في الهيئة، وتشترك الهيئة مع دار الإفتاء في موقفها من قضايا الشأن العام على المستوى المحلي الليبي وعلى مستوى الأمة الإسلامية، وإن كان لها استقلاليتها المالية والإدارية، وأسلوب خطابها.

السؤال الخامس: ماهي مهام دار الإفتاء وتأثيرها في المجتمع، التي تجعلها هدفًا للهجوم من بعض الجهات السياسية؟

-سبق ذكر الدور الذي تقوم به دار الإفتاء، ورغم الحرب التي تشن ضد دار الإفتاء بشتى مظاهرها، إلا أنها لا تزال تقوم بدورها، لا أدعي أنها تحوز على دعم الأغلبية ورضاها ولكن لها جمهورها ومتابعوها من مختلف المناطق الليبية، ومن خارج ليبيا أيضًا.

السؤال السادس: ما هو أثر العلماء في بث الوعي لتفادي فتنة الفرق والاختلاف في بلداننا عامة وفي ليبيا خاصة؟

-العلماء ورثة الأنبياء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدورهم الرئيس هو هداية الناس بنشر العلم والتزكية، وكلما زاد انتشار العلم قل الخلاف، كما قال سحنون بن سعيد وسفيان بن عيينة: (أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علمًا، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه).

وكلما زادت التزكية، قلت رعونات النفي الحاملة على التنافس على الرياسة والحرص على التصدر، والذي هو أحد أسباب التفرق والعداوة.

ولا سيما إذا وجدت القدوات من أهل العلم، فيكون لكلامهم وتوجيههم أثر في تقليل الخلاف وتأليف القلوب على هدى من العلم.

السؤال السابع: ما تقييمكم لمجريات الثورة في ليبيا خلال عقد من الزمن؟

-الثورة الليبية كغيرها من الثورات أثبتت أن كثيرًا مما كان يصنف في خانة المستحيل هو في الحقيقة ممكن، بتهيئة أسبابه وتوفير شروطه وإزاله موانعه، وربما تميزت الثورة الليبية ببعض المميزات، كبقاء السلاح الحامي للمكتسبات بيد أبناء الثورة، وكعدم تجذر كثير من التيارات الفكرية الفاسدة، بسبب البيئة المحافظة عمومًا، ورغم وجود أنوية لهذه الأفكار الفاسدة، إلا أنها لم تنجح كنجاح تيار "ديني" متشدد كالتيار الجامي المدخلي، ولكن هناك آفات مثل قلة الخبرة، وضحالة التجربة، مما مكن لكثير من المؤامرات أن تتخلل الصفوف وتجد لها مكانًا، وقد سبق ذكر شيء من ذلك عند الحديث عن الثورة المضادة وحربها على أهل العلم الثقات الذين يقفون لها ولمؤامراتها بالمرصاد..

بعض المحسوبين على تيار الثورة ما يسمى "التيار الإسلامي" وغيرهم، انزلقوا في مخططات الثورة المضادة، حيث يستفيد منهم رؤوسها في إنعاشهم والنفخ فيهم كلما سقطوا أو انهزموا ومن آخرها هزيمة ميليشيات حفتر الأخيرة على أسوار طرابلس، والتي كانت فرصة سانحة لإنهائه بالكامل سياسيًا وعسكريًا، إلا أن التخاذل والارتعاش أو الحرص على البقاء في المشهد السياسي أو الثقة بوعود الأطراف الدولية، كان ذلك كله حاضرًا.

لكن بقاء تيار من قوى الثورة سياسيًا وعسكريًا هو الأمل بعد الله تعالى في إفشال مخططات الأعداء وكشف ألاعيب وأساليب الثورة المضادة ومن وراءها من قوى الشر الإقليمية والدولية.

السؤال الثامن: كيف تنظرون إلى من يقول: إن المشهد الليبي مرتبط فعليًا بالدور الإقليمي ويتحرك تبعًا لذلك؟

-هذه هي النفسيات المحبطة والمرتعشة لدرجة أنها تستحي - ولا أقول فقط: تخاف - من مواجهة الأطراف الدولية بقناعة رافضة للإملاءات الدولية، نحن نلاحظ الوقوع في فخاخ بعض الأطراف الدولية من خلال التضحية بالحلفاء الإستراتيجيين الذين هم أهل للثقة، لصالح حلفاء تكتيكيين لا يربط بهم إلا المصالح المؤقتة، وسرعان ما ينقلبون على المخدوعين بهم من أبناء الثورة وطنيين كانوا أو إسلاميين.

ولولا هذه الخديعة الكبرى التي وجدت من يبتلعها لكان من الممكن لصف الثورة أن يكون أقوى مما هو عليه بكثير.

السؤال التاسع: القبلية والتنظيمات الفكرية قد تكون مناسبة لصنع الحاضنة المطلوبة في صناعة الرأي والقوة.. هل تجد تضاربًا بينهما -من خلال التجربة الليبية-؟

-لا أجد تضاربًا، ولكن أقول: القبلية لها إيجابياتها وسلبياتها، فمن إيجابياتها مثلًا أن بعض أعرافها قد يخدم التهدئة والمصالحة وحقن الدماء، وقد يتفق أن تدعم القبيلة شخصية مؤهلة نزيهة.

إلا أن تجربة دخولها في السياسة في ليبيا كانت سلبياتها - حسب تقييمي- فائقة على إيجابياتها. فكم حمت القبيلة من مجرم، وكم أيدت من طاغٍ، وكم تسترت على القتلة والسراق!

وقريب من ذلك: التجربة الحزبية في ليبيا، حتى إني أحيانًا أسمي بعض الأحزاب بأنها قبيلة حديثة، فكثيرًا ما نجد الهيكل حزبًا والمحرك (الموتور) قبيلة، وكم رأينا من أتباع الأحزاب من يسير في ركب رئيس الحزب أو أمينه العام ولسان حاله بل ولسان مقاله يردد:

وهل أنا إلا من غزيةَ إن غوَتْ

غويت وإن ترشدْ غزيةُ أرشدِ.

لا يمكن إلغاء القبيلة ولا الحزب، وإنما يحتاج الأمر إلى ترشيد وتحسين، بتنمية جوانب الخير والمصالح العامة، وتقليل مظاهر الخلل والفساد ومحاصرتها، إن لم يمكن إزالتها بالكلية، وعلى هذا بنيت الشريعة الإسلامية، ولا سيما في أبواب السياسات، وأزمنة الفترات.

السؤال العاشر: ما هو المطلوب لتجاوز أزمة القيادة في المشهد الليبي الآن، وكيف يتم تعويض قلة الخبرة؟

-من أسباب ضعف الأمة هو انكفاء أهل كل قطر على أنفسهم، ورضاهم بما هو موجود داخل حدود بلادهم، التي رسمها الاستعمار، الأمة فيها خير وطاقات وخبرات، فإذا تم هذا الانفتاح المدروس، امتزجت الخبرات الممتدة بالممارسة المحلية، وتمت المواءمة بين فهم واقع البلد من قبل أبنائه، والاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم، ولا بد من إعطاء الزمن حظه من إنضاج التجربة وتشذيبها، وعدم التعجل الذي قد يوقع في مطبات تزيد المشهد تعقيدًا والأزمة تشابكًا.

السؤال الحادي عشر: ما هي عوامل تقويض الخطاب الثوري في ليبيا؟

-لا أظنها تخرج مما سبق ذكره:

⁃    الثورة المضادة وأذرعها المختلفة. لا سيما الإعلام الذي يمارس التفرقة والتشويه والترغيب والترهيب.

⁃    ضعف كثير من القيادات المتصدرة.

⁃    ومن أهمه ضعف التربية العقدية والشرعية.

⁃    التدخلات الدولية السلبية، التي هي من أكبر أسباب التفرق المذموم

• بالمقارنة بين الثورة الليبية والثورة المضادة لها كيف يمكننا القول بإمكانية العودة إلى الحالة الثورية قبل التدخلات الإقليمية؟

هو صراع قدري وشرعي لا مناص من خوضه، وإن وجد أصحاب خندق الصبر والتقوى (بمعناهما الشامل) حق لهم قول الله تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا)

قدراتهم أكبر وإمكانياتهم أكثر، ولكن (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).

مقالات اخرى

Melbourne Web Design & Development
menu-circlecross-circle linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram