د. جاسم الشمري([1]) تمهيد تعد القضية الفلسطينية من القضايا المهمة والحساسة ليس فقط على مستوى العالم العربي وإنما على مستوى العالم؛ وذلك لوجود كيان غاصب يحاول طمس الهوية، وتغيير التأريخ، وقلب الحقائق، ويقتل الأبرياء ويطارد الأحرار الرافضين لمشاريعه، ويحارب كل من يقف مع الحق الفلسطيني من الفلسطينيين وغيرهم. وقد كان للدولة العراقية جهودٌ متميزةٌ وآثارٌ بارزةٌ في الوقوف مع الشعب الفلسطيني، ونصرة قضيته في مختلف عهودها منذ قيام الملكية سنة (1921م)، وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق في العام (2003م)([2]). وسنحاول في هذا البحث بيان المعالم الرئيسة لها -دون الدخول في التفاصيل أو الإسهاب فيها- من خلال تتبع شواهد ذلك في مرحلة العهد الملكي، ثم في العهود الجمهورية المتوالية. مع مراعاة الاختصار ما أمكن والاكتفاء ببيان الجهود الرئيسة والبارزة؛ تلبية لمتطلبات الندوة وابتعادًا عن الخوض في التفاصيل التي لن يتسع لها المجال. وقد رتبت البحث على وفق ما يأتي: - المطلب الأول: نشأة الدولة العراقية في العصر الحديث. - المطلب الثاني: بداية القضية الفلسطينية. - المطلب الثالث: القضية الفلسطينية في العهد الملكي 1921-1958م. - المطلب الرابع: القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري (الأول) 1958-1963م. - المطلب الخامس: القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري (الثاني) 1963–1968م. - المطلب السادس: القضية الفلسطينية في العهد (الثالث) 1968– 2003م. - الخاتمة وأهم النتائج. المطلب الأول نشأة الدولة العراقية في العصر الحديث ما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بات العراق تحت الانتداب البريطاني، وذلك بقرار من مؤتمر الحلفاء في (سان ريمو) بتأريخ: (25/ نيسان/1920م)، الذي قضى بوضع العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني. وقد سبب هذا القرار ومضامينه السياسية صدمة للعراقيين الذين كانوا يأملون بالاستقلال بعد انتهاء الحرب، ولما خاب أملهم به؛ بادروا بالدفاع عن حقوقهم المشروعة من خلال المطالبات السلمية والانتفاضات المسلحة التي عمت الكثير من مناطق العراق، وكانت خاتمتها ثورة العشرين سنة (1920م). وبسبب نتائج هذه الثورة المهمة وما كبدته للاحتلال من خسائر بشرية ومادية كبيرة؛ قامت الحكومة البريطانية، بإنهاء الحكم العسكري المباشر في العراق في تشرين الأول سنة (1920م)، وتعيين (السير برسي كوكس) كمندوب سام، وإعلانها العزم على تأسيس حكم (وطني)، تلاه تشكيل حكومة مؤقتة من بعض زعماء البلاد والتحضير لإنشاء مجلس تأسيسي، ومن ثم تم اختيار الأمير (فيصل بن الحسين) ملكًا على العراق بحسب مقررات مؤتمر القاهرة في (1921م)، وجرى تتويجه يوم 23/8/1921م([3]). وكان لسان حال الحكومة البريطانية يقول -مظهرًا ديمقراطيته الزائفة- إن: "حكومة جلالة ملك بريطانيا لن تضع عثرة في سبيل ترشيح سمو الأمير لعرش العراق، وإذا وقع عليه انتخاب الشعب سيلقى تأييد بريطانيا له"([4]). وبذلك تكون الحكومة المشكلة في العراق وقتها ذات سيادة في الظاهر؛ لكنها لم تكن كذلك في الواقع فالاستقلال كان ناقصًا نقصًا فاضحًا، وكان الحكم ثنائيًا، يتولى فيه البريطانيون مقاليده، ولهم الأمر والنهي الحقيقي في كل مفاصله، فكان بذلك الغنم للسلطة البريطانية، والغرم على الشعب العراقي!([5]). وقد تبع تنصيب فيصل ملكًا خطوتان أخريان، هما: التوقيع على معاهدة التحالف مع بريطانيا، ووضع مسودة الدستور (القانون الأساسي)([6]). المطلب الثاني بداية القضية الفلسطينية انتهى الحكم العثماني لفلسطين مع الحرب العالمية الأولى التي أدت إلى تمزيق أوصال الإمبراطورية العثمانية، تمزيقًا أقرته معاهدة سيفر في عام (1920م)، ثم مرة أخرى في معاهدة لوزان عام (1923م)، وطلبت بريطانيا (العظمى) التي كانت قد احتلت فلسطين في أثناء الحرب([7])، من عصبة الأمم في عام (1919م) أن تعهد إليها بإدارة هذه الأراضي في شكل انتداب دولي، وقد وافق مجلس عصبة الأمم في تموز (1922م) على الاقتراح البريطاني الذى جرى تعديله في عام (1920م)، وأصبح الانتداب ساري المفعول في أيلول عام (1923م)، أي بعد عقد معاهدة لوزان في (تموز 1923م) وقبل أن يبدأ تنفيذها في (آب 1924م). وقد نظمت هذه المعاهدة مستقبل الأراضي التي اقتطعت من الإمبراطورية العثمانية([8]). وكانت سياسة حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين متأثرة منذ البداية بالوعد الذي قطعته بريطانيا على نفسها لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين([9]). ثم قدمت لسكان فلسطين تأكيدات عديدة بأن حكمًا ذاتيًا سوف يقام في فلسطين؛ ولكن العرب الذين خابت آمالهم، وانزعجوا للهجرات اليهودية الكبيرة، التي وصلت في عام (1939م) إلى قرابة (400) ألف شخص. وقد رفض الفلسطينيون أن يتعاونوا مع إدارة فلسطين البريطانية بسبب هذا الأمر وبسبب سياسات الإدارة الجائرة والتمكين لليهود في فلسطين، وتصدوا مرات كثيرة للممارسات الظالمة ضدعه، وقاموا بانتفاضات وثورات عدة في الأعوام (1928، 1929، 1933، 1936، 1939م). وبالرغم من ردود الفعل العربية إلّا أن الصهاينة واصلوا جهودهم المدعومة بريطانيًا، فعززوا موقفهم الدولي بإنشاء الوكالة اليهودية (مؤتمر زيورخ 1929م) التي ضمت أيضًا ممثلين لليهود غير الصهيونيين. وقد أدانت اللجنة الدائمة للانتداب في عصبة الأمم في عام (1930م) الإدارة البريطانية؛ لفشلها في التوفيق العرب واليهود. فأحالت الإدارة البريطانية المسألة إلى الأمم المتحدة، وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعيين لجنة خاصة من عشرة أعضاء في عام (1947م)، وقدمت تقريرها إلى لجنة فلسطين في الجمعية، التي خرجت بخطة للتقسيم أقرتها الجمعية في التاسع والعشرين من تشرين الثاني (1947م)، مع تصور وجود دولتين إحداهما لليهود والأخرى للعرب، ومنطقة دولية تشمل نطاق القدس تحت إشراف الأمم المتحدة. وقبل اليهود خطة التقسيم (مشروع التقسيم) ورفضها العرب؛ لأنها مجحفة ومنحازة لليهود، وقامت القوات اليهودية باحتلال المناطق التي تحددت لها في خطة التقسيم، واندلع القتال في نطاق القدس، واضطر الفلسطينيون للدفاع عن أنفسهم، وتأثر الرأي العام العربي بذلك ودعا إلى تدخل الجيوش العربية النظامية؛ لكن ظهرت اختلافات في الرأي في الجامعة العربية وبين الحكومات العربية في كيفية التعامل مع هذه الأحداث، فضلًا عن هيمنة بريطانيا على قرار بعض هذه الجيوش فعليًا أو سياسيًا([10]). وبعد أن أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب يوم (15 أيار 1948م)، سحبت قواتها من فلسطين، وكان دافيد بن جوريون قد أعلن في اليوم السابق مولد دولة إسرائيل، في خطوة واضح فيها كل الوضوح التنسيق مع الجانب البريطاني. وتقدمت الجيوش العربية، وتعاون معها الثوار الفلسطينيون المدافعون عن مدنهم وقراهم وأراضيهم، وفرض مجلس الأمن هدنة قبلها اليهود والحكام العرب؛ ولكن جهود الأمم المتحدة للتوفيق باءت بالفشل كما هو متوقع، واستطاع الصهاينة تقرير الأمر الواقع في فلسطين بالتعاون مع سلطات الاحتلال البريطاني، وهكذا كانت النكبة الفلسطينية المستمرة حتى اليوم. المطلب الثالث القضية الفلسطينية في العهد الملكي (1921-1958م) مدخل حازت القضية الفلسطينية منذ نشوئها على اهتمام الشعب العراقي، الذي كان موقفه بمختلف أحزابه السياسية وجمعياته وصحفه ومنتدياته مساندًا لها وداعمًا لحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، وحماية مقدسات المسلمين في القدس، والوقوف بوجه المؤامرات الصهيونية لاغتصاب فلسطين. وقد سعى العراق حثيثًا للتصدي للخطر الصهيوني في فلسطين، وعمل ما يستطيع رسميًا وشعبيًا خلال العهد الملكي للقيام بواجبه تجاه القضية الفلسطينية، مع ملاحظات وهنات تسببت بها بعض الحكومات المتعاقبة خلال بعض سنوات هذا العهد؛ بسبب قرب هذه الحكومات من السياسة البريطانية وسعيها لعدم إحداث مشاكل معها؛ ولكن لم تؤثر هذه المواقف السلبية على مجمل الصورة العامة الإيجابية للدعم العراقي لفلسطين والتصدي للأخطار الصهيونية. وقد شهدت سنوات الثلاثينيات والأربعينيات الميلادية من القرن الماضي حراكًا جماهيريًا عراقيًا كبيرًا واهتمامًا على المستويين الشعبي والرسمي بتطورات الأحداث في فلسطين([11]). ويمكنننا هنا إيراد أهم الجهود السياسية وغيرها المبذولة في هذا العهد، وكما يأتي: أولًا: الجهد السياسي: 1- الجهد السياسي الحكومي: سعى الجهد السياسي الحكومي؛ للعمل من أجل منع صدور أي قرار يسعى إلى تقسيم فلسطين أو النيل من حقوقها، من خلال جهوده في الأمم المتحدة، من خلال تأثيره على الدول الأعضاء ودعمه للقرارات التي تؤيد الفلسطينيين وتمنحهم الحق في أرضهم، إلا أن الضغوط الأمريكية والبريطانية داخل هذه المنظمة أثبتت مدى انحيازهم للصهاينة ومخالفتهم للبنود التي تنص عليه مواثيق هذه المنظمة في التحرر والاستقلال وعدم التبعية، فضلًا عن زرعهم لهذا الكيان الغريب في أرضنا العربية؛ فقد كان موقف العراق واضحًا وصريحًا وقويًا تجاه القضية الفلسطينية في منظمة الأمم المتحدة([12]). وقد حاول العراق ومن خلال منظمة الأمم المتحدة الدفاع عن حقوق العرب الفلسطينيين، إذ كرس العراق سياسته الخارجية في دعم القضية الفلسطينية، حيث بين للدول الأعضاء حجم الظلم والحيف الذي وقع على الفلسطينيين في مقابل تفنيد كافة البراهين والدلائل التي قدمها اليهود من أجل تغيير هوية فلسطين، إذ إن الخطابات والكلمات التي ألقاها ممثلو العراق ومندوبيه في تلك المنظمة دحضت كافة الدلائل التي قدمها اليهود والتي كانت في أغلبها تستند إلى حقائق مزيفة لا تمت إلى الحقيقية بأي صلة. ولقد دعا العراق من خلال منظمة الأمم المتحدة توحيد الموقف العربي وإظهار العرب بمظهر القوة التي تستطيع الوقوف بوجه الأطماع والمشاريع الرامية إلى تجزئة وتقسيم الوطن العربي؛ على الرغم من ثبوت عدم قدرة هذه المنظمة على العمل بحيادية؛ إذ إن القرارات التي أصدرتها هذه المنظمة وتحديدا قرار إنشاء دولة (إسرائيل)؛ تدل على سيطرة الدول الكبرى على مقدرات وأصوات الدول الأعضاء من خلال التأثير عليهم والضغط لإصدار القرارات التي تصب في مصالح هذه الدول، فقد ضغطت الولايات المتحدة وبريطانيا على الدول الأعضاء بالترغيب والترهيب من أجل التصويت على إعلان هذا القرار([13]). وفضلًا عن ذلك فإنه بعد وفاة الملك فيصل تسنم الحكم ابنه الملك غازي (12/3/1910- 4/4/1939م)، الذي أسس إذاعة خاصة به في قصره الملكي (قصر الزهور)، وأذاع فيها برامج خاصة عن وحدة البلاد العربية وضرورة الوقوف إلى جانب فلسطين التي كانت تتعرض لهجرات واسعة من المستوطنين اليهود مِن كافة أرجاء العالم([14]). وبعد مقتل الملك غازي بحادث سيارة تسنم الحكم الملك فيصل الثاني (2 مايو 1935 – 14 يوليو 1958م) وقد قام في (11 آذار 1943م) بزيارة المسجد الأقصى في القدس([15]). 2- الجهد السياسي البرلماني: كانت القضية الفلسطينية من أهم القضايا العربية على الإطلاق التي أولاها أعضاء مجلس النواب ومجلس الأعيان اهتمامًا خاصًا في مناقشاتهم، وكانت جميع الآراء فيهما تنصب على ضرورة مناهضة الصهيونية ومكافحتها بالشكل الذي يؤمن للشعب الفلسطيني حريته والمحافظة على كيانه وأرضه، واستثمار علاقات العراق الدولية من أجل الدفاع عن فلسطين وتحقيق استقلالها وتحريرها من براثن الصهيونية. وكان أول ذكر يرد للقضية الفلسطينية في مجلس الأعيان سنة (١٩٢٩م)؛ إذ عطلت جلسة المجلس خمس دقائق بمناسبة ذكرى وعد بلفور الجائر، واقتراح عضوا المجلس: فخري الجميل وحسن الشبوط الاحتجاج على هذا الوعد، وقد أرسلت بالفعل برقية احتجاج إلى كل من: رئيس وزراء بريطانيا، وسكرتير عصبة الأمم، ولجنة التحقيق في القدس. وقد وصفت البرقية الوعد بأنه يرمي إلى إمحاء أمة في وطنها ولا يلتئم ومبادئ العدل والإنسانية([16]). وقد نبّه عدد من الأعيان إلى مخاطر الهجرة اليهودية إلى فلسطين عام (١٩٣٨م)، فقد ذكر العين رشيد عالي الكيلاني، أن عرب فلسطين يأملون من الحكومة العراقية بعد حضور وزير الخارجية (نوري السعيد) مؤتمر لندن عن القضية الفلسطينية، علاجًا حاسمًا لقضيتهم يخلصهم مما هم فيه من مخاطر الهجرة اليهودية والويلات التي يعانونها([17]). وكان الرئيس الأمريكي (روزفلت) قد عرض في (آذار ١٩٤٤م)، على لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الكونغرس الأمريكي، موضوع إقامة دولة يهودية في فلسطين مما أثار الرأي العام العربي، فانتقد عدد من أعضاء مجلس الأعيان العراقي مواقف الولايات المتحدة واعتبروها (غريبة ومتحيزة). وكان وزير الخارجية البريطاني (بيفن) قد ألقى خطابًا أشبه ما يكون ببيان في (14/11/1945م)، تطرق فيه إلى القضية الفلسطينية، وكان هذا البيان مثار تساؤل وجدل؛ دعت بسببه جامعة الدول العربية إلى اجتماع فوري لمناقشته وخرجت بمجموعة من القرارات، منها: المقاطعة العربية للبضائع الصهيونية، قرر مجلس الوزراء العراقي في (31/12/1945م)، مقاطعة البضائع الصهيونية في اجتماعه الذي خصصه لمناقشة القضية الفلسطينية فضلًا عن مطالبته باستقلال فلسطين، وأصدر بيانًا دعا فيه جامعة الدول العربية إلى تحمل مسؤوليتها إزاء هذه القضية، وتحميل الحكومتين البريطانية والأمريكية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في فلسطين، وبوجوب الإعلان في الأمم المتحدة عن استقلال فلسطين. وطالب مجلس الأعيان العرب ملوكًا ورؤساء وشعوبًا ألا تكون قضية فلسطين ثانوية وإنما القضية الأولى، ودعا عضو المجلس (إبراهيم كمال) الشعبين البريطاني والأمريكي إلى أن لا ينخدعا بأباطيل الصهيونية وغاياتها المزيفة، ويهملوا البراهين في إثبات حق شعب فلسطين، وناشد الجامعة العربية إلى اتخاذ موقف بهذا الشأن([19]). واشتدت مناقشات النواب أيضًا بعد قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة في (29/11/1947م)، وتكوين دويلتين للعرب واليهود، وأعلنت الحكومة في خطاب العرش الذي أُلقي عند افتتاح مجلس الأمة (الأعيان والنواب) في (1/12/1947م)، من أن الحكومة ستعمل على إنقاذ فلسطين والحيلولة دون ضياعها عن طريق التعاون مع الأقطار العربية. كما تقدم عدد من (الأعيان والنواب) ببيان إلى الحكومة يطالبونها فيه بالتضامن مع الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة وإرسال برقيات احتجاج إلى رؤساء الدول الكبرى على القرار الجائر الذي اتخذته الأمم المتحدة، جاء فيه: "تجتاز الأمة العربية مرحلة عصيبة تهدد حياتها وكيانها بأعظم الأخطار وعلى الأمة أن تختار أحد الأمرين لا ثالث لهما فإما أن تتنازل عن حقوقها الطبيعية في الحياة أو في تقرير مصيرها، وإما أن تثب وثبة كبرى مبادرة إلى البذل والمفاداة في سبيل حريتها وحقها في الكرامة، وإن من أخطر المآسي المذكورة التي فوجئ بها العرب هو القرار الجائر الذي اتخذته أكثرية هيئة الأمم المتحدة بالموافقة على تقسيم فلسطين..."([20]). ثالثًا: الدعم المالي الرسمي: ومن ذلك المرسوم الذي تقدمت به محمد فاضل الجمالي إلى مجلس النواب بـرقم (10) لسنة (1953م)، تقترح فيه إضافة مبلغ قدره (150) ألف دينار على الميزانية العامة لسنة (1953م) المالية، لدعم القضية الفلسطينية([21])، وعند مجيء حكومة علي جودت الأيوبي في (حزيران 1957م) إلى الحكم؛ صرح الأيوبي معلنا استعداده لوضع جميع إمكانيات العراق بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية الحليفة لحل قضية فلسطين حلًا عادلًا يحفظ لأهلها حقوقهم المشروعة([22]). رابعًا: الجهد العام: ومن شواهده: 1- التفاعل الشعبي مع قضايا فلسطين، ومتابعة العراقيين لتطورات الأحداث فيها، وبرجال الفكر والثقافة ووسائل الإعلام والجهود الكبيرة للتعريف بالقضية الفلسطينية وتسليط الأضواء على ما يجري في فلسطين من عمليات قضم للأراضي واستقدام للمهاجرين اليهود واعتداء على المقدسات الإسلامية؛ "فقد أخذ العراق يتابع باهتمام تطورات القضية الفلسطينية وكفاح شعبها العربي وتصديه للاستعمار والصهيونية"([23]). ولقد كان للصحافة أثر كبير في تنمية هذا الاهتمام، و"أسهمت في توعية الشعب بما يجري وتحشيد طاقاته لدعم الفلسطينيين؛ حيث لعبت عدد من الصحف الوطنية وعلى رأسها صحيفة (الاستقلال) لصاحبها ورئيس تحريرها عبد الغفور البدري دورًا كبيرًا في تنبيه الأذهان إلى الحركة الصهيونية وأخطارها الكبيرة على مستقبل فلسطين والأمة العربية"([24]). 2- احتضان قيادات العمل الوطني المقاوم في فلسطين في العراق؛ فقد كانت بغداد في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الماضي محط رحال عدد كبير من: القادة والمجاهدين والضباط والمفكرين والأدباء الفلسطينيين، أمثال: الحاج أمين الحسيني، والشهيد عبد القادر الحسيني، والمجاهد حسن سلامة، والقائد أبو إبراهيم الكبير، وذو الكفل عبد اللطيف، وأكرم زعيتر، ودرويش المقدادي، وإبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وغيرهم، بحيث بلغ عدد المجاهدين منهم فقط قرابة الـ (200)([25]). "وقد كان لحضور هؤلاء وتفاعلهم مع النخب والطبقات الشعبية العراقية على حد سواء بالغ الأثر في الهبة الشعبية العراقية التي ضغطت على الحكومة الملكية لإرسال المتطوعين العراقيين إلى فلسطين... في إطار قوات المتطوعين التي قادها فوزي القاوقجي"([26]). وكان الشيخ الحسيني موضع حفاوة كبيرة وثقة واسعة من كثير من لاساسة والضباط والشباب الوطني، مما مهد الطريق له ليكون موضع سر قادة ثورة مايس عام (1941م)، وأحد داعميها البارزين([27]). ويذكر هنا أن قادة ثورة مايس (1941م)، من الضباط؛ قد ربطوا مطالبهم بتغيير السياسة العراقية وعلاقتها ببريطانيا قبيل انطلاق الثورة؛ بالقضية الفلسطينية؛ حيث كان لهما مطلبان رئيسان من حكومة (نوري السعيد) وهما: "حمل بريطانية على إعطاء تعهد بضمان حقوق العرب في فلسطين. يضاف إلى ذلك تلهف الضباط... إلى تسليح الجيش العراقي. ولما يئسوا من حمل نوري السعيد على إلزام بريطانية على تحقيق هذين المطلبين (احترام حقوق العرب في فلسطين وتسليح الجيش العراقي) انقطعت علاقاتهم بنوري السعيد وتوجهوا كلية إلى التعاون مع السيد رشید عالي الكيلاني الذي ولي رئاسة الوزراء في (۳۱ آذار 1940م)، بعد استقالة وزارة نوري الخامسة في هذا التأريخ"([28]). 2- المساهمة في إنشاء جيش الإنقاذ الذي شاركت فيه ثلاثة أفواج عراقية من المتطوعين، أشرفت على تجهيزها وتدريبها ودعمها (جمعية إنقاذ فلسطين)([29])، إضافة إلى مشاركة ثلاثة من الضباط الكبار: طه الهاشمي، وإسماعيل صفوت، ونور الدين محمود، في اللجنة العسكرية للجامعة العربية، التي كانت تشرف على مهام جيش الإنقاذ، ففي المرحلة الأولى من الحرب (قبل دخول الجيوش النظامية) شارك قرابة (800) متطوع عراقي في قوات المتطوعين العرب، في حين بلغ عدد جنود الجيش العراقي عشرة آلاف جندي. وعلى الرغم من كل الظروف التي رافقت الجيش العراقي؛ إلا أنه كان فاعلًا وساهم في حماية مناطق عربية واسعة وحال دون تهجير أهلها. في المرحلة الأولى شارك المتطوعون العراقيون بقيادة المقدم علي غالب عزيز في معركة رأس العين الأولى (الثامن من آذار 1948) حيث منعوا تسليم منطقة العيون ومنشآت المياه فيها من الشرطة البريطانية لقوات (الهاجاناه)، كما هو شأنهم غالبًا في تسليم منشآت حيوية لليهود. وقد سقط في هذه المعركة شهيد واحد من الجيش العراقي وأصيب جندي آخر([30]). وأخذت القضية الفلسطينية دورًا خطيرًا وتفاقم أمرها بعد إعلان الصهاينة ما يسمى بـ (دولة إسرائيل) على أرض فلسطين في (١٤ أيار ١٩٤٨م)، فضلًا عن اندلاع الحرب العربية – الصهيونية في (١١ حزيران ١٩٤٨م). وأصدر مجلس الأمن قرارًا ألزم بموجبه الدول العربية بقبول الهدنة وإيقاف القتال في فلسطين، وعندما استؤنف القتال في (حزيران ١٩٤٨م)، شعرت الحكومات العربية أن هناك ضغوطًا دولية لعقد هدنة دائمة بين العرب والصهاينة، وفي ضوء ذلك قررت حكومة مزاحم الباججي دعوة اللجنة السياسية التابعة لجامعة الدول العربية إلى الاجتماع في بيروت في منتصف تموز (١٩٤٨م)، لبحث موضوع الهدنة([31]). كما شارك بعض المتطوعين العراقيين في هذه المرحلة في معركة كفر قرع، حيث نظّم أربعة ضباط منهم وضابطان سوريان آخران المعركة التي خاضها أبناء تلك القرية يوم الثامن من أيار وصدوا فيها هجومًا مركزًا لقوات الهاجاناه أرادت من خلاله الاستيلاء على كفر قرع وممر وادي عارة الإستراتيجي المهم. كما وتكبدت قوات المتطوعين العراقيين خسائر كبيرة في الأرواح (17) شهيدًا، في هجوم جيش الإنقاذ الفاشل على مستوطنة مشمار هعيمق وأعمال قتالية أخرى في هذا القطاع. 3- مشاركة الجيش العراقي في معارك سنتي (1947-1948م)، واستبساله في الدفاع عن المدن والبلدات والقرى الفلسطينية التي كان يقاتل فيها؛ فقد دخلت وحدات من الجيش العراقي النظامي فلسطين في الخامس عشر من أيار (1948م) عن طريق جسر المجامع واشتباكها مباشرة مع القوات اليهودية في كوكب الهوا وجيشر، حيث استشهد في هاتين المعركتين (40) جنديًا عراقيًا، ومن ثم تقدم باتجاه (مرج ابن عامر) وقضاءي جنين وطولكرم، ومن ثم لواء (اللد) الذي يضم قضاءي يافا والرملة. وفي أثناء انتشاره في هذه الجبهة التي زاد طولها عن (110) كم، خاض معركة الطيرة – رامات هكوفيش- في الرابع والعشرين من أيار (1948م) والتي سقط فيها (12) شهيدًا عراقيًا ثم معركة (رأس العين) الثانية في (30/ 5/ 1948م)، والتي فقد فيها شهيدان ومعركة جنين والمزار في الفترة الواقعة بين (2-4 حزيران) والتي فقد فيها العراقيون (65) شهيدًا وفي معركة قاقون (قضاء طولكرم) التي وقعت في الخامس من حزيران، وفقد فيها الجيش العراقي (45) شهيدًا. فضلًا عن اشتباكات متفرقة شارك فيها الجيش في مناطق: مجدل يابا (4) شهداء، وقلقيلية (4) شهداء، وطولكرم (8) شهداء، وكفر قاسم (9) شهداء، وباقة الغربية (شهيد واحد) وعارة (شهيد واحد). وفقدت القوة الجوية العراقية خمسة طيارين تم إسقاط طائراتهم ومنهم قائد سرب برتبة عقيد. وبذلك يكون مجموع ما فقدته القوات العراقية وقوات المتطوعين العراقيين في فلسطين (131) شهيدًا، هذا عوضًا، فضلًا عن مئات الجرحى. يقول اللواء الركن محمود شيت خطاب -رحمه الله- عن مشاركة الجيش العراق وقتها، وقد كان من الضباط المساهمين فيها، ولا سيما معارك جنين: "في حرب فلسطين عام (1948م)... لقّن الجيش العراقي اليهود دروسًا قاسية في معارك (جنين) وسواها. ولو كان أمر الجيش العراقي بيده، لقدّم لفلسطين أضعاف ما قدّم"!([32]). وفي هذا الصدد يقول الباحث الفلسطيني الدكتور (مصطفى كبها) بعد إيراده أعداد الشهداء العراقيين في فلسطين: "إن هذه الأرقام تثبت بما لا يقبل مجال للشك بطلان مقولة (ماكو أوامر) في كل ما يتعلق بالمشاركة العراقية في الحرب وتأثيرهم المباشر على سيرها في مناطق التماس التي تواجدوا فيها. ولا تقتصر منجزاتهم على هذا العدد من الشهداء فحسب بل يمكن الادعاء أن تواجدهم في الوقت المناسب منع تهجير عشرات القرى في مناطق: وادي عارة، وشمالي قضاء جنين، بل ومدن: جنين وقلقيلية وطولكرم؛ إذ يفيد شهود عيان جمعنا شهاداتهم في مقيبلة وعارة وصندلة وباقة الغربية والطيرة وأم الفحم؛ بأنه لولا تدخل الجيش العراقي وصده للهجمات الصهيونية لما كان باستطاعة سكان هذه القرى الصمود في أراضيهم". ويزيد قائلًا: "بل إن هذه الشهادات تؤكد أيضًا حسن معاملة الضباط والجنود العراقيين للسكان لدرجة أنه في بعض المناطق التي كانت تعاني الشح الشديد بالأغذية، كان الجنود العراقيون يتقاسمون مع السكان الأغذية والمؤن التي كانت تصلهم من العراق وشرقي الأردن. ولعل الاحتفال الوداعي المهيب الذي نظمه سكان باقة الغربية لوداع الضباط والجنود العراقيين الذين رابطوا هناك حتى اتفاقيات الهدنة وتسليم المثلث لإسرائيل لهو الإثبات الدامغ على ما ربط الفلسطينيين وجنود الجيش العراقي الذين دافعوا عنهم من وشائج المودة والمحبة والتقدير"([33]). وقد بقي الدعم الرسمي للجيش العراقي وهو في خطوط المواجهة مستمرًا، ومن شواهد ذلك ما ذكره العميد (صبحي ناظم توفيق) ناقلًا عن المقدم الركن (عمر علي بيرقدار) القائد العراقي لمعركة جنين -رحمه الله-: إنه "لم يكن على دراية بمدى اهتمام قادة العراق السياسيين بما حصل في جنين، حتى حلّ ظهر يوم الرابع من حزيران/ يونيو (1948م) حين فاجَأَنا اللواء عبد الوهاب عبد اللطيف بوجوده وسط القلعة، مبعوثًا شخصيًا من الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله بن علي، للاطمئنان على ما حصل، وإبلاغنا تهنئة سموّه على هذا النصر الناجز". ويزيد قائلًا: "بُعَيدَ عودته زارنا العقيد الركن غازي محمد فاضل الداغستاني (ضابط الركن الأقدم للقيادة العراقية) يصاحبه العقيد الركن صالح زكي توفيق (آمر جحفل اللواء الجبلي/4)، وتقرر: تسليم مسؤولية قلعة جنين لإحدى سرايا الفوج/2 اللواء الجبلي/4 بقيادة الرئيس أول (الرائد) حسيب علي توفيق، وإعادة المقدم الركن نوح الجَلَبي لفوجه الآلي مساءً إلى منطقة آمنة للإسراع في إعادة تنظيمه، وتجميع فوجي خارج القلعة وجعله احتياطًا بمثابة قوة ضاربة لأي طارئ. ثم أعقب ذلك زيارة الأمير عبد الإله لقاطعنا في جنين"([34]). 4- تشكيل الجمعيات واللجان العراقية الداعمة للقضية الفلسطينية على المستويين الإعلامي التعبوي، والمادي، ومن أبرزها (جمعية إنقاذ فلسطين) التي أسسها الشيخ العلامة (أمجد الزهاوي) وعدد من العلماء والضباط والمثقفين عام (1947م)، وقامت بإرسال فوجين وسرية مغاوير من المتطوعين إلى فلسطين مع كامل تجهيزاتهما العسكرية، وكانت لها جهود كبيرة بالتعريف بالقضية الفلسطينية وبيان حقيقة ما جرى في معارك الدفاع عنها([35]). ومن الجمعيات واللجان الأخرى المشكلة لهذا الغرض في هذه المرحلة: لجنة الأحزاب العراقية للدفاع عن فلسطين عام (1946م)، وجمعية الدفاع عن فلسطين عام (1946م)، وغيرها. 5- استضافة عدد من الشخصيات الفلسطينية المهمة بعد حصول النكبة، وتوفير المأوى لها وفسح المجال لها للعمل في العراق، ومن أبرزهم: الشيخ محمد نمر الخطيب مفتي (حيفا) الذي استقر في العراق في أوئل الخمسينيات([36]). 6- توفير الظروف المعيشية المناسبة للفلسطينيين اللاجئين في العراق بقدر الاستطاعة، على الرغم من المؤاخذات التي اكتنفت ذلك من حيث مستوى الخدمات المقدمة لهم في مرحلة اللجوء الأولى في عام (1948م)، والسعي لتغييرها في مرحلة لاحقة([37]). 7- العناية بالجانب التعليمي ورعاية الطلبة اللاجئين ومنحهم حق التعليم كما العراقيين. يقول الباحث الفلسطيني (عز الدين محمد): "منذ عام (1948م) كان اهتمام الدولة العراقية بتعليم الفلسطينيين واضحًا أسوة بالأخوة العراقيين، ولم يميز النظام العراقي بين الدارسين الفلسطينيين والعراقيين، وكانت المساعي دومًا نحو مساعدة الطلبة الفلسطينيين. وقد شملتهم كل القوانين التي تقدم للعراقي مجانية التعليم في المرحلة الابتدائية والثانوية وحتى الجامعية"([38]). وهكذا استمرت الجهود العراقية الداعمة للقضية الفلسطينية في العهد الملكي حتى منتصف تموز (1958م)، وبداية العهد الجمهوري الأول. القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري الأول (1958-1963م) مدخل في العام (1958م)، كانت مرحلة نهاية العهد الملكي وبداية الحكم الجمهوري في العراق من خلال ما عرف بــ (ثورة14 تموز)، التي قادها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، ودخل العراق بواسطتها في مرحلة أول حكم جمهوري، وتم تعيين الزعيم (العميد الركن) عبد الكريم قاسم قائدًا عامًا للقوات المسلحة، وتعيين (العقيد الركن) عبد السلام عارف، نائبًا للقائد العام، وبعدها أعلن عن مجلس للسيادة برئاسة الرئيس الفريق محمد نجيب([39]). وقد أدت مجموعة عوامل إلى قيام هذه الثورة، هي: 1. قيام رئيس الوزراء نوري السعيد والوصي على العرش الأمير عبد الإله بإعدام قادة حركة نيسان-مايس (1941م)، بالرغم من أنهم حافظوا على النظام الملكي واحترموه بتعيين الشريف شرف وصيًا على العرش، ولم يمسوا العائلة المالكة بسوء بل نقلوها إلى الشمال حفاظًا على حياة الملك الطفل فيصل الثاني خلال الحرب العراقية-البريطانية عندما بدأ الغزو البريطاني في شهر مايس والذي أطاح بالحركة وأعاد نوري السعيد والأمير عبد الاله إلى السلطة. وبدلًا من كسب القوى الشعبية، فقد ألقي بالسجون جميع من كان على علاقة بالتحركات المناهضة للبريطانيين المتعاونين مع الحركة الصهيونية في التهيئة لإعلان كيان لهم في فلسطين، متهمين إياهم بالنازية والفاشية. وكان لإصرار حكومة نوري السعيد والأمير عبد الاله وبدعم بريطاني على استقدام قادة الحركة من الدول التي التجأوا إليها ومحاكمتهم وإعدامهم، وتعليق جثة قائد الحركة صلاح الدين الصباغ على بوابة وزارة الدفاع؛ بعد سنوات كان لذلك أثره الكبير في إثارة المشاعر ضد نظام الحكم لدرجة تعليق جثة الأمير عبد الاله بالمكان نفسه بعد (13) عامًا. 2. نشأة تنظيم الضباط الأحرار وتوسعه بعد الحرب العربية الصهيونية عام (1948م)؛ نتيجة اتهام الحكومة بعدم إصدار الأوامر للجيش العراقي لقتال الصهاينة في فلسطين، وقبولها بالهدنة رغم تحقيقه الانتصار في جنين الذي فتح الطريق إلى تل أبيب حسب تقدير الضباط العراقيين. 3. انتشار المد القومي بعد نجاح ثورة الضباط الأحرار في مصر، في (23/7/1952م)، وتأميم قناة السويس وفشل العدوان الثلاثي على مصر عام (1956م). 4. شهد العراق بعد الحرب العالمية الثانية انفتاحًا على الأحزاب الوطنية وأجيزت صحافتها، لكن حدود الحرية والديمقراطية التي منحت كانت نسبية، لأن الحرس القديم وفي مقدمتهم نوري السعيد لم يتحملوا سلوك الجيل الجديد من السياسيين الشباب في مجابهتهم والتصدي لسياساتهم، فواجهوا وثبة الشعب وقواه الوطنية في كانون الثاني (1948م) ضد معاهدة (بورتسموث)، وانتفاضة عام (1952م)، وانتفاضة (1956)، بالقمع، فسقط الشهداء والجرحى وامتلأت السجون بالمعتقلات من قادة الأحزاب والسياسيين، مما كان له أثره في رفع شعار إسقاط النظام الملكي الذي لم يُنادى به من قبل([40]). القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري الأول أكدت الثورة في بداية عهدها على بضعة أمور، في المجالين العربي والدولي، من بينها الإعلان عن مساندة قضايا النضال العربي، ومن بينها القضية الفلسطينية([41])؛ ولكن كانت بداية هذا الدعم غير مدروسة ومرتجلة، فقد دعا عبد الكريم قاسم في شهر (كانون الأول/ ديسمبر 1959م) ، إلى إنشاء (جمهورية فلسطين العربية)، في المنطقة الأردنية من فلسطين والضفة، وأعلن في (آذار/ مارس 1960م)، عن إنشاء اتحاد وطني فلسطيني، باسم (الاتحاد القومي الفلسطيني)([42])؛ ساعيًا إلى إنشاء تنظيم فلسطيني عسكري، يضم الفلسطينيين المقيمين بالعراق وقطاع غزة ولبنان ودول الخليج، بقيادة عراقية، لتنظيم عملية التطوع، وإلحاق الضباط بالمعاهد العسكرية العراقية. ولم تزد مهمات الفوج المشكل لهذا الغرض عن التدريب في معسكر الرشيد في بغداد، والمشاركة في الاستعراضات أثناء زيارات الوفود العربية إلى العراق([43])، وأمكن الاستفادة لاحقًا من خبرات ضباط الفوج بعد إعلان مؤتمر القمة العربية الأول في القاهرة عام (1964م) عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني، وشارك بعض ضباط الفوج في معارك خان يونس بقطاع غزة عام (1967م)([44]). أما ما بذل من جهود جادة وحقيقية في هذا العهد؛ لنصرة القضية الفلسطينية في مختلف جوانبها؛ فيمكن إبرازها فيما يأتي: 1- تقديم الحكومة مساعدات مخصصات مالية للاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في العراق، فضلًا عن الدراسة في المدارس والجامعات ودور المعلمين والمدارس المهنية، والمشاركة في البعثات على نفقة وزارة المعارف. 2- سعي الحكومة لتوفير السكن اللائق للاجئين الفلسطينيين في العراق، وتصحيح الأوضاع غير المناسبة التي كانت موجودة في العهد الملكي؛ حيث قامت وزارة الشؤون الاجتماعية -مثلًا- بتشييد مائة وأربعين دارًا للاجئين الفلسطينيين في العراق في مدينة السلام، ووزعتها عليهم، وعمدت إلى تأجير دور عصرية للباقين منهم، وتولت دفع مخصصات شهرية لهم([45]). 3- تبرع الشعب العراقي بمساعدات مالية مختلفة لجيش التحرير الفلسطيني، والقضية الفلسطينية عامة([46]). 4- عقد المؤتمرات واللقاءات لمساندة القضية الفلسطينية، والتعريف بها، والدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، ومن أبرزها المؤتمر الإسلامي العام المنعقد في بغداد في المدة (29/ أيار-4/ حزيران 1962م)، وترأسه المفتي محمد أمين الحسيني، وحضره عدد كبير من العلماء من العراق وخارجه([47]). 5- واصلت القوى السياسية والمجتمعية وفي مقدمتها العلماء جهودها لدعم القضية الفلسطينية، على الرغم من الظروف الصعبة التي ألمت بالعمل السياسي عامة والإسلامي منه خاصة وقتها، واضطر بعض مساندي قضية فلسطين الكبار في العراق كالشيخ أمجد الزهاوي إلى مغادرة العراق، ولكنه استمر في جهوده بالتعريف بالقضية الفلسطينية والمشاركة في المؤتمرات والملتقيات التي تعقد من أجلها([48]). المطلب الخامس القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري الثاني (1963–1968م) مدخل في يوم (8 شباط 1963م)، قامت ثورة جديدة على إثر حالة الفوضى في الحكم التي تسببت بها سيطرة التوجهات الشيوعية على الشارع العراقي، وقيامها بتصفية خصومها وارتكابها مجازر عدة بحق المواطنين. وقد أكد البيان الأول للثورة أنها قامت من أجل مواصلة مسيرة (ثورة 14 تموز) وبخاصة في إنجاز هدفين رئيسيين، هما: تحقيق وحدة الشعب الوطنية، وتحقيق المشاركة الجماهيرية في توجيه الحكم وإدارته. وقد صدر بيان بحل مجلس السيادة، وتأليف المجلس الوطني لقيادة الثورة، من اثني عشر عضوًا، ثم أصبحوا عشرين بعد ذلك، وتخويله ممارسة السلطة العليا للجمهورية، وقد تقرر انتخاب (عبد السلام عارف) رئيسًا للجمهورية، وتشكيل وزارة جديدة برئاسة اللواء أحمد حسن البكر([49]). ثم عرفت حكومة الانقلاب صراعًا بين جناحين داخلها من حزب البعث: معتدل، ومتشدد؛ فقام عبد السلام عارف وهو قومي التوجه، بإبعاد البعثيين المتشددين، وعين في (18/11/1963م)، أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين المعتدلين نائبًا لرئيس الجمهورية؛ ولكن لم يخف التوتر بينهما. وتوفي عبد السلام عارف في حادث طائرة (هليكوبتر) في البصرة سنة (1966م)، وتولى بعده أخوه عبد الرحمن عارف الحكم في العراق([50]). القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري الثاني في أعقاب ثورة عام (1963م) بقي الدعم العراقي للقضية الفلسطينية، مستمرًا؛ بل شهد استقرارًا وتطورًا بعد الأحداث العاصفة في العهد الماضي، ومن معالم الدعم البارزة في هذا العهد: 1- فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في بغداد بعد تأسيسها عام (1964م)، وكان أول مدير له هو السيد (داود عودة)، وتشكيل كتيبة عسكرية من الفلسطينيين المقيمين في العراق والشتات، وهي الكتيبة (421) التي سميت قوات القادسية([51]). 2- دعم مراكز التعبئة والتجنيد، التي فتحت في: قطاع غزة والعراق وسورية، واستقبلت المتطوعين من أبناء الشعب الفلسطيني؛ للتدريب على حمل السلاح، والانضمام إلى صفوف جيش التحرير. وبدأ اللواء وجيه المدني (قائد جيش التحرير الفلسطيني) في (15/9/1964م)، جولة في الدول العربية؛ لتفقد مراكز التدريب ووصل إلى بغداد على رأس وفد عسكري([52]). 3- تدريب ضباط وأفراد جيش التحرير الفلسطيني، فقد أعلن قائد الجيش العراقي، الفريق الركن عبد الرحمن عارف، في (12/2/1965م)، عن قبول (60) ضابطًا فلسطينيًا في دورة تدريب خاصة، تستمر لمدة ستة أشهر([53]). 4- المشاركة في حرب حزيران عام (1967م)، التي بادر العراق للمشاركة فيها؛ ولكنها كانت خاطفة وسريعة، بحيث استطاع الكيان الصهيوني أن يثبت أركان دولته في المنطقة بعد هذه الحرب؛ بسبب الضعف العربي والاستهانة بالقدرات العسكرية الصهيونية([54]). وقد وضعت هزيمة حزيران الدول العربية أمام تحد كبير وشكلت منعطفًا خطيرًا في القضية الفلسطينية؛ بسبب الخلافات السياسية التي تلتها واستنزفت القدرات والجهود العسكرية لمواجهة العدو، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني([55]). وقد قررت القيادة العراقية سحب القوات البرية والجوية العراقية التي تقاتل في الجبهتين الشمالية والغربية فور إعلان الحكومة المصرية موافقتها على وقف إطلاق النار وقبولها قرار مجلس الأمن المرقم (338) المستند على القرار (242) لسنة (1967م)؛ وذلك لأنها أرسلت الجيش ليشارك في المعركة في الجبهتين الشمالية والغربية، فضلًا عن رفضها لقرار وقف إطلاق النار وقراري مجلس الأمن السابقين، وبما يضع هذه القوات في موقف دقيق ومحفوف بالمخاطر([56]). 5- السماح بفتح مكاتب للفصائل الفلسطينية في بغداد، وهي: حركة فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير العربية، والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية -القيادة العامة- وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس)، وغيرها([57]). 6- منح اللاجئون الفلسطينيون حقوق العمل نفسها التي تمنح للعراقيين، من حيث استلام الراتب والعلاوات السنوية ومخصصات غلاء المعيشة والإجازات والراتب التقاعدي، بحسب قرار صدر سنة (1964م) عن وزارة المالية([58]). 7- استقبال موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين بعد هزيمة (1967م)، واحتلال منطقتي: قطاع غزة والضفة الغربيّة، وتقديم الدعم والرعاية لهم ومعاملتهم معاملة خاصة، وتوفير فرص العمل لهم، ولا سيما أن العراق كان يعاملهم في موضوع الوظائف معاملة الأجنبي؛ فكانوا يأخذون ضعف راتب المواطن العراقي، وهو أمر شجع كثيرًا من اللاجئين الفلسطينيين على الانتقال إلى العراق وقتها([59]). 8- العناية الخاصة بشريحة الطلبة الفلسطينيين بعد عام (1967م)، وتوفير السبل المناسبة لهم للدراسة في العراق. يقول أحد الباحثين الفلسطينين في هذا الشأن: " كان يعامل الطلبة الفلسطينيون عند دخول الجامعات معاملة خاصة بعد عدوان (1967م)؛ حيث كان يتاح لهم دخول الكليات والجامعات والمعاهد العراقية وبمعدل مئات الطلبة سنويًا. وصدرت تعليمات بمساواة الدخول للجامعات ارتباطًا بالمعدل بالنسبة للفلسطينيين المقيمين والدارسين في الثانويات العراقية، الذين كانوا يعاملون معاملة طلبة العراق"([60]). المطلب السادس القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري الثالث (1968-2003م) مدخل قام حزب البعث بالتحالف مع ضباط غير بعثيين بانقلاب أسقط بواسطته نظام الرئيس عبد الرحمن عارف في (17/7/1968م)، وفي يوم الثلاثين من الشهر نفسه طرد حزب البعث من تعاونوا معه في الانقلاب، وعين أحمد حسن البكر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا للجمهورية وقائدًا عامًا للجيش، وأصبح صدام حسين نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولًا عن الأمن الداخلي. وفي حزيران (1979م) أصبح صدام حسين رئيسًا للجمهورية بعد إعفاء البكر من جميع مناصبه([61]). القضية الفلسطينية في العهد الجمهوري الثالث بقيت القضية الفلسطينية محط اهتمام وعناية النظام السياسي في هذا العهد، الذي امتد زمنيًا أكثر من العهود السابقة؛ حيث استمر قرابة (35) عامًا، فضلًا عن الدعم والتعاطف الشعبي، ومن شواهد دعم القضية الفلسطينية في هذا العهد: 1- تدريب المقاتلين الفلسطينيين في بغداد؛ فقد تخرجت من العراق ثلاث دورات عسكرية، في السنتين (1968-1969م) ضمت نحو (300) متخرجًا، انضموا جميعهم إلى (جبهة التحرير العربية) المدعومة من العراق، وتوجهوا إلى قواعدها في الأردن عام (1969م). وقد اتخذت جبهة التحرير في بغداد مقرًا رئيسيًا لها، واستخدمت معسكرات الجيش العراقي لتدريب مقاتليها، فضلًا عن معسكراتها الخاصة في الأردن وقتها([62]). 2- المشاركة في حرب (تشرين/ أكتوبر 1973م)، التي لم يكن العراق على دراية بتوقيت نشوبها؛ لأن الحكومتين السورية والمصرية لم تبلغاه بذلك، ومع ذلك ففور إعلان الحرب قرر العراق المشاركة فيها، وقام بعدة خطوات مهمة في هذا السبيل، وهي: وقد كانت مشاركة الجيش العراقي في الحرب مهمة وأدى مهام قتالية كبيرة ولا سيما على الجبهة السورية، واستطاع وقف زحف القوات الصهيونية تجاه دمشق، فيما أبلى الطيارون العراقيون بلاء حسنًا في معارك الجبهة المصرية بشهادة الكثيرين([64]). 3- مواصلة تقديم الدعم السياسي للثورة الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة، ومن ذلك مساعدة المؤسسات الفلسطينية في التحرك دوليًا ولا سيما منظمة التحرير الفلسطينية، ومساندة جهودها عربيًا ودوليًا، والوقوف مع القضية الفلسطينية في الصعوبات التي مرت بها، ومنها على سبيل المثال: الأحداث الخطيرة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات، ومن ثم تبنى عقد قمة بغداد للدول العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد، ودعم المقاومة الفلسطينية أثناء اجتياح لبنان من قبل الكيان الصهيوني عام (1982م)، وتعزيز جهود إعادة تشكيل المؤسسات الفلسطينية بعد الخروج من لبنان والاستقرار في تونس. 4- استضافة اللقاءات والفعاليات الفلسطينية في العراق، ودعم نشاطاتها خارجه، ومن ذلك استضافة أعمال اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ببغداد في نهاية نيسان (1986م) برئاسة الشيخ عبد الحميد السائح (رئيس المجلس الوطني الفلسطيني) وحضور الرئيس ياسر عرفات (رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية). وقد أشاد المجلس بالدعم الكبير الذي يقدمه العراق لمنظمة التحرير([65]). 5- السماح بتأسيس الأندية والمؤسسات والاتحادات الفلسطينية الطلابية والثقافية والاجتماعية والرياضية؛ لتكون سوحًا للعمل الشعبي الفلسطيني، ومنها: اتحاد طلبة فلسطين، واتحاد العمال الفلسطينيين، والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وغيرها، فضلًا عن نادي حيفا الرياضي، ومستوصف الهلال الأحمر الفلسطيني، ومعسكرات الكشافة والأشبال والمرشدات، وغيرها([66]). 6- استقبال وجبة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين في العراق بعد الاجتياح الصهيوني للبنان سنة (1982م) وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. 7- دعم عائلات شهداء الانتفاضة الفلسطينية؛ حيث كان العراق يقدم هدية مادية وكفالة لعائلات شهداء الانتفاضة في الثمانينيات قدرها (25) ألف دولار لكل عائلة شهيد، زيدت فيما بعد إلى (50) ألف دولار([67]). 8- تأسيس المراكز والمؤسسات الداعمة لقضية فلسطين، ومن أبرزها: مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد، ومجلته العلمية، فضلًا عن الاهتمام الكبير بالدراسات والمؤلفات المعنية بتفاصيل القضية، والتي كانت سياقًا مهمًا ومعتنيًا به كثيرًا في مختلف الجامعات العراقية، ومراكز البحوث والدراسات. 9- منح اللاجئين الفلسطينيين حق التعليم بكل تفصيلاته أسوة بالعراقيين، واستضافة الكثير من الطلبة الفلسطينيين للدراسة في الجامعات العراقية مجانًا، وتوفر سبل الدعم المناسبة لهم؛ إذ تخرجت أعداد كبيرة منهم في مختلف الجامعات والتخصصات، وسمح لهم بفتح فروع لاتحاد طلبة فلسطين في عدد من المحافظات العراقية([68]). 10- منح المرأة الفلسطينية إجازة حق الأمومة أسوة بالمرأة العراقية، فضلًا عن حق التوظيف والتقاعد، وفقًا لقرار صدر سنة (1969م)، وتطوير قرارات حق العمل للفلسطينين نحو مساواة تامة بالموظفين العراقيين: تعيينًا وترقية وتقاعدًا([69]). 11- معاملة الفلسطيني المقيم في العراق معاملة العراقي في جميع الحقوق والواجبات عدا الحصول على الجنسية، وفقًا لقرار صدر سنة (2001م) ([70]). وقد استمر الدعم العراقي للقضية الفلسطينية على الرغم من الحصار الدولي الذي فرض على العراق بعد غزو الكويت سنة (1990م)([71])، وحتى مرحلة العام (2003م)، التي شهدت الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، وبداية مرحلة مأساوية في البلاد ما زالت مستمرة. ولم يقتصر هذا الدعم على منظمة التحرير الفلسطينية أو التنظيمات الفلسطينية القريبة من العراق فقط؛ وإنما شمل أيضًا جهات ومؤسسات أخرى، منها: حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد انطلاقها وتبنيها الخيار المسلح ضد العدو الصهيوني. الخاتمة وأهم النتائج - كان من أهم نتائج ثورة العشرين في العراق عام (1920م) اضطرار الاحتلال البريطاني إلى إنهاء الحكم العسكري المباشر في العراق في تشرين الأول (1920م)، والإعلان عن تأسيس حكم وطني، واختيار الأمير (فيصل بن الحسين) ملكًا على العراق، وتوج يوم (23/8/1921م). - انتهى الحكم العثماني لفلسطين مع الحرب العالمية الأولى التي أدت إلى تمزيق أوصال الإمبراطورية العثمانية، تمزيقًا أقرته معاهدة سيفر عام (1920م)، ومعاهدة لوزان عام (1923م)، وكانت سياسة حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين متأثرة منذ البداية بالوعد الذي قطعته بريطانيا على نفسها لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين. - قدمت بريطانيا للعرب تأكيدات عديدة بأن حكمًا ذاتيًا سوف يقام في فلسطين؛ ولكن العرب الذين خابت آمالهم، وانزعجوا للهجرات اليهودية الحاشدة التي وصلت في عام (1939م) إلى أربعمائة ألف شخص، وخاضوا نضالًا طويلًا ضد سياسات الانتداب والاستيطان الصهيوني، وقاموا بثورات عدة في السنوات: (1928، 1929، 1933، 1936، 1939م). - واصل الصهاينة جهودهم بنجاح، فدعموا موقفهم الدولي بإنشاء الوكالة اليهودية عام (1929م). - بحثت لجنة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرير لجنتها الخاصة التي شكلتها في عام (1947م)، والتي خرجت بخطة للتقسيم أقرتها الجمعية في التاسع والعشرين من نوفمبر (1947م)، ونصت على وجود دولتين مستقلتين إحداهما لليهود والأخرى للعرب، ومنطقة دولية تشمل نطاق القدس تحت إشراف الأمم المتحدة. وبعد أن أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب يوم (15/5/1948م)، وسحبت قواتها من فلسطين؛ بعد أن أعلن دافيد بن جوريون في اليوم السابق مولد دولة إسرائيل. - شهدت مرحلة الثلاثينات الميلادية من القرن الماضي وخلال العهد الملكي في العراق تواصل: الجهد السياسي الحكومي للعمل من أجل منع صدور أي قرار يسعى إلى تقسيم فلسطين أو النيل من حقوقها، فضلًا عن احتضان قيادات العمل الوطني المقاوم في فلسطين في العراق، ومشاركة الجيش العراقي في معارك سنتي (1947-1948م)، واستبساله في الدفاع عن المدن والقرى الفلسطينية، وتشكيل لجان عراقية داعمة للقضية الفلسطينية على المستوين الإعلامي التعبوي، والمادي. - وبعد ثورة (1958م)، ودخول العراق في مرحلة أول حكم جمهوري؛ تواصل دعم القضية الفلسطينية، وتقديم مساعدات مادية كبيرة ومخصصات مالية للاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في العراق، وتوفير فرص الدراسة لهم في المدارس والجامعات ودور المعلمين والمدارس المهنية والبعثات على حساب وزارة المعارف، وتقديم المساعدات المالية لجيش التحرير الفلسطيني. - في (8/2/1963م)؛ قامت ثورة جديدة في العراق، وبقي الدعم العراقي للقضية الفلسطينية متواصلًا خلال عهدها، عبر: دعم مراكز التعبئة والتجنيد في قطاع غزة والعراق، واستقبال المتطوعين من أبناء الشعب الفلسطيني، وتدريب ضباط وأفراد جيش التحرير الفلسطيني، والمشاركة في حرب حزيران عام (1967م)، وأمور أخرى عديدة متعلقة بتوفير ظروف الحياة المناسبة للاجئين الفلسطينيين في العراق. - في أثناء العهد الجمهوري الأخير (1968-2003م)؛ بقيت حالة الدعم العراقي للقضية الفلسطينية مستمرة، وجرى فيها: تدريب المقاتلين الفلسطينيين في بغداد؛ وتخرجت في العراق عدة دورات عسكرية، وشارك الجيش العراقي في حرب (تشرين/ أكتوبر 1973م)، وتواصل تقديم الدعم السياسي والمادي للثورة الفلسطينية، واستضافة اللقاءات والفعاليات الفلسطينية في العراق، ودعم عائلات شهداء الانتفاضة الفلسطينية ماديًا وكفالة عائلاتهم، وتأسيس المراكز والمؤسسات البحثية الداعمة لقضية فلسطين، ومساواة اللاجئين الفلسطينيين بالمواطنين العراقيين في حق العمل وحق التعليم، وغيرها من الحقوق، واستضافة الكثير من الطلبة الفلسطينيين للدراسة في الجامعات العراقية مجانًا. - استمرار الدعم العراقي للقضية الفلسطينية على الرغم من الحصار الدولي الذي فرض على العراق بعد غزو الكويت، وامتداده حتى العام (2003م)، الذي شهد الغزو الأمريكي واحتلال العراق. المصادر والمراجع والحلقة الثانية، 9/7/2021م: https://rasammerkezi.com/featured/8740/ ([1]) عضو مجلس الشورى في هيئة علماء المسلمين في العراق. ([2]) مع استثناءات قليلة في العهد الملكي. ([3]) العراق الحديث، تحليل لأحوال العراق ومشاكله السياسية والاقتصادية وغيرها، متي عقراوي: 1/45. ([4]) ينظر: الثورة العراقية الكبرى، عبد الرزاق الحسني: 279، والعراق؛ تأسيس النظام الملكي وتجربته البرلمانية تحت الانتداب البريطاني 1920– 1932، د. محمد مظفر الأدهمي: 39-92. ([5]) الثورة العراقية الكبرى: 294. ([6]) ينظر: العلاقات العراقية-البريطانية بعد عام 2003، ستار جبار الجابري، مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية، العدد 10، 2015م: 116. ([7]) دخل القائد البريطاني (الجنرال اللنبي) القدس محتلًا في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر عام 1917م. ([8]) ينظر نص المعاهدة في: https://wwi.lib.byu.edu/index.php/Treaty_of_Lausanne ([9]) موجز دائرة المعارف الإسلامية، هوتسما ورفاقه: 25/7902-7905. ([10]) ينظر في هذا الموضوع: 15 أيار كارثة فلسطين، محمود فهمي درويش: بأكمله، ونكبة فلسطين والفردوس المفقود، عارف العارف: بأكمله. ([11]) الدعم العراقي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية ١٩٥٠-١٩٤٧؛ منظمة الأمم المتحدة أنموذجًا، بشار فتحي جاسم العكيدي، مجلة مداد الأدب، جامعة الموصل، قسم الدراسات الاستراتيجية: 952. ([12]) ينظر: المصدر نفسه: 940. ([13]) ينظر: الدعم العراقي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية ١٩٤٧-١٩٥٠؛ منظمة الأمم المتحدة أنموذجًا: 965-966. ([14]) تراتيل على شاطئ البحر قصة العراق، سعد عبد القادر ماهر: 1/54. ([15]) سيرة حياة الملك فيصل الثاني 1935 – 1958، آخر ملوك العراق، طارق إبراهيم شريف: 21. ([16]) ينظر: مجلس الأعيان العراقي (١٩٢٥-١٩٥٨م) وموقفه من القضية الفلسطينية، عدنان القطان، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية، الحلقة الأولى: https://rasammerkezi.com/estimate-position/8589/ ([18]) ينظر: مجلس الأعيان العراقي (١٩٢٥-١٩٥٨م) وموقفه من القضية الفلسطينية، الحلقة الأولى، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية، https://rasammerkezi.com/estimate-position/8589/ ([20]) مجلس الأعيان العراقي (١٩٢٥-١٩٥٨م) وموقفه من القضية الفلسطينية، الحلقة الأولى، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية، https://rasammerkezi.com/estimate-position/8589/. ([21]) ينظر: مجلس النواب العراقي خلال العهد الملكي 1925–1958؛ تجربة نواب الموصل، عدنان سامي الزَرَري: 2/396-397. ([22]) الاجتماع الاعتيادي لسنة 1957 الجلسة (11) في 23/12/1958، نقله عدنان الزرَري، في كتابه مجلس النواب العراقي: 2/398. ([23]) الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) في الوثائق العراقية، د. عباس عطية جبار، مجلة المؤرخ العربي، بغداد، العدد 34، 1987م: 53. ([25]) ينظر: فلسطين والحاج أمين الحسيني، زهير مارديني: 125. ([26]) الجيش العراقي ومساهمته في حرب 1948 بين الحقيقة التاريخية والرواية الشعبية المشوهة، د. مصطفى كبها، موقع عرب 48، تاريخ النشر: 10/05/2008: https://cutt.us/UP04A ([27]) ينظر في هذا الموضوع: الأسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية، عبد الرزاق الحسني: 31-32، 38-41. ([29]) ينظر: 15 أيار 1948 كارثة فلسطين: 41-44 وما بعدها. ([31]) ينظر: مجلس الأعيان العراقي (١٩٢٥-١٩٥٨م) وموقفه من القضية الفلسطينية، الحلقة الثانية: ([32]) اللواء الركن محمود شيت خطاب، المجاهد الذي يحمل سيفه في كتبه، عبد الله بن محمود الطنطاوي: 119. ([33]) الجيش العراقي ومساهمته في حرب 1948 بين الحقيقة التاريخية والرواية الشعبية المشوهة، موقع عرب 48: ([34]) في الذكرى الثالثة والسبعين لحرب فلسطين 1948، معركة جنين على لسان قائدها (عمر علي بيرقدار)، صبحي ناظم توفيق: ([35]) ينظر: 15 أيار 1948 كارثة فلسطين: المقدمة، وتاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري، يونس الشيخ إبراهيم السامرائي: 104. ([36]) ينظر: تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 620-621. ([37]) اللاجئون الفلسطينيون في العراق، عز الدين محمد: 63. ([38]) ينظر: المصدر نفسه: 28-30. ([39]) ينظر: العراق في عهد قاسم، أوريل دان: 52، 57، 60، وعبـد السـلام عـارف ودوره السياسـي والعسـكري حتـى عـام ١٩٦٦، علـي ناصر الـوائلي، رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة، الجامعـة المستنصرية، المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية، ٢٠٠٥م: 88-91. ([40]) ينظر: لماذا سقط النظام الملكي في العراق، محمد مظفر الأدهمي، صحيفة الزمان، 13/7/2021م: ([41]) تاريخ العراق المعاصر، جامعة الموصل، كلية التربية، جعفر عباس حميدي، وإبراهيم خليل أحمد: 201. ([42]) ينظر: منظمة التحرير الفلسطينية: الأحزاب والفصائل الفلسطينية، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، إيهاب فروانة: ([43]) ينظر: منظمة التحرير الفلسطينية: الأحزاب والفصائل الفلسطينية: https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4321، واللاجئون الفلسطينيون في العراق: 51-53. ([44]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 53. ([45]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 28-30. ([46]) موقف ثورة 14 تموز من حركات التحرر العربية، نصير محمود الجبوري، ملحق جريدة المدى العراقية،2013/07/14 م: ([47]) ينظر: الحاج محمد أمين الحسيني؛ دراسة في نشاطاته الإسلامية (1921-1937م)، د. تيسير جبارة: 188. ([48]) ينظر: تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري: 620-621. ([49]) ينظر: تاريخ العراق المعاصر، جعفر عباس حميدي وإبراهيم خليل أحمد: 222. ([50]) ينظر: عبـد السـلام عـارف ودوره السياسـي والعسـكري حتـى عـام ١٩٦٦: 106-107، 130. ([51]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق، عز الدين محمد: 60. ([52]) ينظر: الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، وجيه المدني (1921-1999): http://passia.org/personalities/7 ([53]) ينظر: منظمة التحرير الفلسطينية: الأحزاب والفصائل الفلسطينية: https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4321 ([54]) ينظر: الجيش العراقي ودوره في حرب حزيران/يونيو 1967م، حاتم الفلاحي، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية: ([56]) ينظر: جيش المهمات الصعبة دور الجيش العراقي في حرب 1973م، وزارة الدفاع في الجمهورية العراقية: 255. ([57]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 60. ([59]) ينظر: الفلسطينيون في العراق، عصام سخنيني، مجلة شؤون فلسطينية العدد 13، أيلول 1972م: 90. ([60]) اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 63. ([61]) أحمــد حسـن البكــر؛ السـيرة السياســية ودوره فـي تــاريخ العـراق السياســي الحــديث ١٩١٤-١٩٨٣، شــامل عبـد القــادر: 427. وينظر كذلك: الموسوعة السياسية العراقية، حســن لطيــف الزبيــدي: 51-52. ([62]) ينظر: منظمة التحرير الفلسطينية؛ الأحزاب والفصائل الفلسطينية: https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4321 ([63]) ينظر: جيش المهمات الصعبة دور الجيش العراقي في حرب 1973: 9-10، ودور الجيش العراقي في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، حاتم الفلاحي، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية، الحلقة الأولى، 11/6/2021م: ([64]) ينظر: جيش المهمات الصعبة دور الجيش العراقي في حرب 1973: 9-10، ودور الجيش العراقي في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، حاتم الفلاحي، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية، الحلقة الثانية، 9/7/2021م: ([65]) ينظر: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية: (قرارات المجلس المركزي الفلسطيني)، الدورة الثانية: ([66]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 55-58. ([67]) ينظر: الغزو الأمريكي للعراق حقائق وأرقام، سؤدد فؤاد الآلوسي: 26-27. ([68]) ينظر: اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 57، 65. ([70]) ينظر: قرار مجلس قيادة الثورة المرقم (202) لسنة 2001م. ([71]) ينظر في أوضاع الفلسطينيين في العراق أثناء مرحلة الحصار: اللاجئون الفلسطينيون في العراق؛ معطيات أساسية، نبيل محمود السهلي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 49، شتاء 2002م: 12-13.
ولما حل (ترومان) محل (روزفلت) في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وجه رسالة مستعجلة إلى (أتلر) رئيس الوزراء البريطاني في (٢١ أيلول ١٩٤٥م)، طالبًا منه أن يسمح لمائة ألف يهودي بالدخول إلى فلسطين فورًا. وإثر هذا قدم عدد من الأعيان احتجاجًا شديد اللهجة ردًا على تصريحات الرئيس الأمريكي (ترومان) بخصوص فتح باب الهجرة في فلسطين لليهود. وتساءل العين (محسن أبو طبيخ): "هل كانت فلسطين قارة مجهولة، وقد اكتشفت فأراد ترومان توزيعها أيجهل الرئيس الأمريكي أن فلسطين قطر عربي؟"([18]).