مقدمة: مرت العلاقات الجزائرية الإيرانية بفترات صعود وهبوط وصلت إلى حد القطيعة التامة في مرحلة التسعينات من القرن الماضي . وقد مرت علاقة البلدين بمراحل وصعود وتوترات كبيرة وصلت إلى حد القطيعة الديبلوماسية في تسعينيات القرن الماضي عندما اختارت إيران خيار التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر بحجة دعم التيار الإسلامي الجزائري ممثلًا في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" عقب فوزها في الانتخابات التشريعية الملغاة في 26 ديسمبر 1991م؛ حيث أعتبرت إيران نفسها نموذجًا إسلاميًا مثاليًا للحكم عقب انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م، واعتمادها سياسة تصدير الثورة، والسماح لنفسها بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول الإسلامية تحت غطاء مناصرة الحركات الإسلامية . أولًا: العلاقات الجزائرية الايرانية من المتانة إلى القطيعة 1- تميزت العلاقات الجزائرية الإيرانية بالمتانة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي والرئيس هواري بومدين مما أهّل الجزائر للقيام بدور الوسيط في النزاع الحدودي بين إيران والعراق؛ حيث أشرف الرئيس الجزائري شخصيًا على توقيع اتفاق الجزائر سنة 1975م، والذي وضع حدًا مؤقتا للنزاع الإيراني العراقي. 2- شهدت إيران سنة 1979م ثورة شعبية كبيرة أسقطت النظام الشاهنشاهي، فرحبت الجزائر بهذه الصورة باعتبارها ثورة شعبية تحررية؛ إنطلاقًا من الموروث الثوري للجزائر والتي كانت تناضل ضمن تحالف دولي لمقاومة الهيمنة الإمبريالية الغربية وأدواتها المحلية في المنطقة الآفرواسيوية. وهذا الترحيب الرسمي والشعبي الجزائري تجسد بإيفاد وفد يضم رموزًا إسلامية كبيرة في النظام الجزائري حيث ضم الوزير "مولود قاسم نايت بلقاسم" وزير الشؤون الدينية والتعليم الأصلي والمشرف على ملتقيات الفكر الإسلامي السنوية التي كانت تنظمها الجزائر وتستقبل فيها العلماء والمفكرين المسلمين من السنة والشيعة ومن مختلف الدول الإسلامية، كما ضم الوفد الشيخ "أحمد حماني" رئيس المجلس الإسلامي الأعلى والمجاهد في الثورة التحريرية؛ حيث التقى الوفد بالخميني مرشد الثورة وقتهاـ 3- حافظت العلاقات الجزائرية الايرانية على مستواها السابق، ولم تساند الجزائر العراق في الحرب العراقية الإيرانية بين سنتي 1980 و 1988م. وسعت للوساطة لإيقاف الحرب بين البلدين لتدفع الثمن باهظًا باستشهاد وزير خارجيتها "محمد الصديق بن يحي" في شهر ماي 1982م وهو في طريقه إلى طهران حين استهدفت طائرته بصاروخ. وقد أكد هذا الاستهداف أن قوىً إقليمية ودولية كانت لا تريد للحرب أن تضع أوزارها ولا تريد للوساطة الديبلوماسية الجزائرية النجاح. 4- الرئيس الجزائري "الشاذلي بن جديد" يزور إيران عام 1982م؛ لتعزيز العلاقات بين البلدين خاصة وأن الجزائر كانت هي راعية المصالح الإيرانية في واشنطن بعد قطع العلاقات الديبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران، وهي الأزمة الدولية التي كان للديبلوماسبة الجزائرية دور أساسي في حلها سلميًا وإطلاق الرهائن المحتجزين. 5- بعد انتفاضة 5 أكتوبر 1988م الشعبية، ودخول الجزائر مرحلة التعددية السياسية بعد قرابة ثلاثة عقود من نظام الحزب الواحد، تشكلت عدة أحزاب سياسية ذات توجهات إسلامية وكان أبرزها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"؛ حيث واكبت سفارة إيران في الجزائر العاصمة هذا التحول الديمقراطي، وكانت تشارك في الأنشطة الحزبية والفعاليات السياسية، بل وتحول مقر السفارة إلى مكان لقاء ومزار للكثير من القيادات السياسية الجزائرية، وكان هذا السلوك يحمل بذور الخصومة المستقبلية بين البلدين والتي انتهت بالقطيعة؛ حيث اعتبرت الجزائر هذه التصرفات تدخلًا إيرانيًا في الشأن الداخلي ودعمًا لبعض الأحزاب. لقد اساءت إيران التقدير للوضع السياسي في الجزائر في بداية التحول الديمقراطي واستسهلت رد فعل النظام الجزائري؛ فبعد انتهاء مرحلة حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائزة بالانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر 1991م والتي ألغيت نتائجها واستقال الرئيس الشاذلي بن جديد، ومجئ رئاسة جماعية بقيادة محمد بوضياف أحد رموز الثورة التحريرية الجزائرية. وبعد انتهاء الستة الأشهر الأولى باغتيال محمد بوضياف، صرح أحمد جنتي وهو من آيات الله الكبار في إيران وكان حينها رئيس مجلس صيانة الدستور وخطيب جمعة طهران؛ عن سروره البالغ باغتيال الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف؛ حيث وصفت الجزائر هذا التصرف بالدناءة وعدم التحضر والتصريح الفج واللامسؤول والذي يتعارض مع القيم الإسلامية والإنسانية. 6- وفي نفس الفترة التي أعقبت إلغاء المسار الانتخابي واستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في جانفي 1992 ومجئ الرئاسة الجماعية ممثلة في المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف، قامت عناصر إيرانية بمحاصرة مقر السفارة الجزائرية في طهران ومقر إقامة السفير الجزائري عبد القادر حجار. 7- كما قامت إيران في نفس الفترة بفتح قنصلية في مدينة وجدة المغربية القريبة من الحدود الجزائرية المغربية في خطوة استفزازية اعتبرت تهديدا للأمن الوطني الجزائري. 8- وتسارعت الأحداث من طرد ديبلوماسيين إيرانيين إلى إعلان الجزائر رسميًا سنة 1993م قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران. 9- تراجعت الجزائر عن رعاية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية. 10- اتهام الجزائر لإيران بدعم الجماعات الإرهابية. 11- لم تستطع الديبلوماسية الجزائرية إقناع القيادة الإيرانية بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر عبر وساطات سورية وليبية والتي كان مآلها جميعًا الفشل. 12- رفضت الجزائر استقبال مبعوث إيراني باعتبار إيران رئيسة لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي بوصفه مبعوث خاص لوضع تصور لحل الأزمة الداخلية الجزائرية. ومع إصرار إيران على سياسة التدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية بل وتبني مواقف عدائية للجزائر في الهيئات الدولية متعدد الأطراف بقيت العلاقات الجزائرية الإيرانية في قطيعة معظم سنوات تسعينات القرن الماضي؛ حيث عبّـر وزير الخارجية الجزائري في هذه الفترة الأخضر الإبراهيمي عن وضع العلاقات الثنائية بين البلدين " ....إنه كان لإيران حسابات خاصة حيث كانت تتوقع أن تكون لها قاعدة في الجزائر لأغراض لم تتحقق لها، وهو الأمر الذي أدى إلى إثارة غضبها". ثانيًا: إعادة تأسيس العلاقات الجزائرية الايرانية ومحاولات التدخل الناعمة بمجئ وزير الخارجية الأسبق عبد العزيز بوتفليقة إلى رئاسة الجزائر بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الجزائرية الإيرانية، على هامش المؤتمرات الدولية لتستانف نهائيًا على مستوى تبادل البعثات الديبلوماسية وتعيين السفراء وإعادة تأسيس هذه العلاقات من جديد وفتح العديد من مجالات التعاون حيث وصفها البعض بأن العلاقات وصلت إلى مرحلة النضج واستمرت هذه العلاقات في التوسع طيلة العشريتين الأخيرتين. لكنها اتصفت بمحاولات ناعمة لإيران للتدخل في الشؤون الداخلية عبر بوابة العمل الثقافي عبر ملحقها الثقافي في السفارة الإيرانية (أمير موسوي)؛ من خلال تنقلاته الكثيرة عبر المحافظات الجزائرية، ونشاطه المكثف والمريب عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ حيث تولى هذه المرة الإعلام والمجتمع المدني الجزائري كشف مختلف محاولات التدخل لينتهي المطاف بمغادرته الجزائر سنة 2018م. كما تم تسجيل محاولات عبر مراكز الدراسات الإيرانية وغيرها للتأثير على المجتمع الجزائري؛ إلّا أنّ الظروف التي تعيشها المنطقة العربية وماحدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج ساهم بشكل كبير في تنامي درجة اليقظة، وتنامي الحساسية تجاه إيران. خاتمة وصلت العلاقات الجزائرية الإيرانية إلى حالة من الإستقرار إلّا أنّ هذه العلاقات وإن كانت قد وصلت إلى مرحلة توقف إيران على سلوكها بالتدخل في الشؤون الداخلية إلّا أنّ الجزائر رغم حرصها على المحافظة على هاته العلاقة؛ إلّا أنها حريصة كذلك على أن تقوم إيران بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية المجاورة، وحرص الجزائر على الأمن القومي العربي. وهذا ماعبرت عنه أثناء اعتداءات حلفاء إيران العرب ضد السعودية والإمارات، كما أن الجزائر حريصة على لم الشمل العربي وتنشيط العمل العربي المشترك وتقوية مناعته ضد التدخلات الإيرانية خاصة وأنها خبرت هذه التدخلات وهي الدولة البعيدة عنها جغرافيًا فما بالك بجوارها المباشر في العراق والشام والجزيرة العربية واليمن .